نجح «كورونا»، هذا الفيروس الصغير جدا واللامرئي في أن يفعل فعلته بالعالم وبجميع سكانه، واستطاع في مدة وجيزة جدا أن يقفل الحدود بين دول العالم أجمع، ونجح، أيضا، في أن يجعل البشر يمكثون في منازلهم وينقطعوا عن العالم الخارجي، ويكثفوا علاقتهم بوسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة ما يجري في العالم عبر الأخبار الإلكترونية، ومشاهدة التلفزيون.
يعيش العالم اليوم ما لم يعشه أبدا حتى مع انتشار أكثر الأوبئة فتكا بالبشرية، على غرار الطاعون وغيره من الجوائح التي مرت على العالم في القرون الماضية. فبالرغم من أن الأوبئة كانت أكثر فتكا، إلا أنها لم تكن تمنع الناس من الخروج من ديارهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي كما فعل اليوم فيروس كورونا المستجد، ربما بسبب الخوف وبسبب الحرص على النجاة من هذا الوباء، أو بسبب التطور التكنولوجي الذي استطاع أن يوصل للعالم ككل ما يقع في الصين في بداية الوباء.
فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة، كل الأخبار تنتشر بشكل كبير ويمكن لمن يعيش في أقصى الجنوب أن يعرف ما يحدث في أقصى الشمال وهكذا..، لهذا فما يقع اليوم من حجر صحي وحصار بين الدول وبين المدن، هو بمثابة سجن كبير يشعر الإنسان بأنه يعيش فيه.
ما جعل المرض ينتشر بشكل كبير للغاية في جميع بقاع العالم، هو سرعة الانتقال من بلد لآخر وكثرة وسائل التنقل بين البلدان، وعلى رأسها الطائرات. ففي وقت وجيز انتقل الفيروس من القارة الآسيوية، وبالضبط من الصين، ليستقر في القارة العجوز أوروبا، ويصل إلى أمريكا في فترة زمنية قصيرة ويضرب حتى إفريقيا..، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على مدى الانتقال السريع للبشر بين البلدان، وهذا الانتقال هو ما ساهم بشكل كبير في انتشار الوباء حول العالم. اليوم انتقال فيروس كورونا من بلد لآخر مثل انتقاله من هذا الحي للحي الذي خلفه، انتقال الفيروس بين البلدان والقارات ليس بالأمر الصعب بل أسهل ما يمكن أن يحدث، والدليل هو أن أولى الحالات التي ظهرت في المغرب والحالات التي تلتها كلها من أشخاص وافدين من دول أوروبية، لم يكونوا حتى على علم بمصابهم، وأنهم عند حلولهم في بلدهم الأم يحملون معهم فيروسا قادرا على أن يفتك بمن حولهم. وهو ما عجل باتخاذ الحكومة المغربية قرار غلق الحدود للحد من انتشار الوباء.
الفيروس سيف ذو حدين
عندما يصاب الشخص بالفيروس ويعلم أنه مصاب، فهو يدخل في دوامة من الألم والأمل، ألم بسبب ما يعانيه من أعراض الفيروس التي تختلف حدتها من شخص لآخر، وأعراض المرض قد تكون خفيفة إلى صعبة وقاسية، فقد يصاب المريض بالتهاب رئوي حاد، وقد لا تنفك الأعراض أن تكون عبارة عن حمى وقشعريرة وسعال وألم في سائر الجسد. ويمكن أن ينتهي الصراع مع المرض في النهاية إما بالفوز عليه أو الانهزام أمامه، وكل هذا يتوقف على مناعة المريض وسنه ومدى قدرته على التحمل.
لكن الأخطر هو ما يفعله هذا المرض بالحالة النفسية وكيف يؤثر عليها، فالخوف والرعب والهلع الذي خلقه الفيروس في صفوف الشعوب لا يمثله أي خوف، فهو يجمع بين الخوف من المجهول، والخوف من الفيروس، والخوف مما بعد الحجر الصحي، والخوف من اقتراب الفيروس من بيوتهم والخوف على أحبائهم وعائلاتهم، وخصوصا ضعاف المناعة منهم من المرض، وكلما ازدادت حالات المصابين في الدولة التي يعيش فيها الشخص شعر بالخطر يقترب منه، وكلما شاهد فيديوهات عن سيارات إسعاف تنقل المرضى من مناطق معينة زاد خوفه ورعبه أكثر. ولا يمكننا اليوم أن ننكر أن هذا الفيروس خلق ولا زال يخلق حالات من الذعر والرعب في صفوف المواطنين. بل منهم من لا يستطيع حتى النوم لأن الخوف من المستقبل ومما ستأتي به الأيام المقبلة، خصوصا في ظل رؤية أن أكبر دول العالم لم تستطع التغلب على الفيروس وأضحت عاجزة أمام هذا العدو الصغير.
وعلى سبيل المثال إيطاليا، التي لم تعد مستشفياتها، اليوم، قادرة على حمل كل المرضى، وأجهزة الأوكسجين التي لا تكفي والنقص الحاد في وسائل الإنعاش، بل منهم من يتوفى اليوم وهو لا زال ينتظر دوره في أخذ العلاج. والأخطر من هذا هو الموت في زمن كورونا بحيث لا صلاة جنازة تقام ولا معزين ولا من يدفن الميت، فالموت في زمن كورونا يشبه الموت في زمن لا بشر فيه.
التأثير النفسي على البشر
إن التأثير النفسي لجائحة كورونا على البشر لا تتلخص فقط في الخوف من المرض أو الخوف من الموت أو الخوف على الأقارب، فما فعلته كورونا اليوم بالاقتصاد العالمي لم يحدث لأي سبب من الأسباب في القديم، فاليوم كل المحلات مغلقة وكل المطارات مقفلة، المدن الاقتصادية الكبرى في العالم تحولت إلى مدن أشباح، والدول التي كانت تعرف بالسياحة وتستقبل الملايين، الآن لا تزورها سوى الطيور.
الشركات الكبرى توقفت عن العمل والجرائد توقفت عن النشر واكتفت بنشر نسخها إلكترونيا، المعامل الصغرى توقفت والتجار الصغار توقفوا، وسائل النقل من سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة أيضا توقفت، وكل هذا يحيلنا على النظر إلى كيف أثر هذا الفيروس على اقتصاد دول بأكملها، ناهيك عن حالة التجار الصغار والمياومين ومن يشتغلون مهنا حرة، هم اليوم قابعون في منازلهم لا شغل لديهم ولا معيل.
بعض الدول فكرت في إعالة مواطنيها بصيغ كثيرة ودول أخرى لا زالت تفكر في طرق تساعد من خلالها مواطنيها، والتأثيرات النفسية لقلة المادة والمدخول تنعكس بشكل سلبي كبير جدا على هؤلاء التجار. ربما بالنسبة للموظفين، المشكل لم يطرح بعد لأن رواتبهم لازالت ستصرف في الوقت المحدد لها، لكن ماذا عن المهن الحرة التي تعتمد في مداخيلها على العمل اليومي؟
الإشاعات في زمن «كورونا»
منذ أن ظهر فيروس كورونا وانطلق من الصين، رافقت ظهوره العديد من الإشاعات، أولاها أنه فيروس صنعه علماء، تارة يقال إنهم علماء أمريكيون للقضاء على الصين واقتصادها، ومنها ما يقول إن من خلقه هم الفرنسيون من أجل تصدير دوائهم الذي سيجتاح العالم وكل يدلي بدلوه في حوض الشائعات. الشائعات لحقت، أيضا، طرق التصدي للفيروس والقضاء عليه، وأنه ينتقل من الإنسان للحيوانات الأليفة، وغيرها من الشائعات الكثيرة الأخرى، ومنها ما يتعلق بحرق الدول لجثث مواطنيها..، كل هذه الشائعات كان لها التأثير السيئ على نفسية الشعوب، خصوصا فكرة حرق الجثث بسبب اكتظاظ المقابر. ولعل أخطر إشاعة هي أنه يمكن القضاء على الفيروس من خلال التعرض لأشعة الشمس أو القضاء عليه بوصفات طبيعية، لأن اتباع نصائح خاطئة قد يجعل المرء يغفل النظافة الشخصية بالرغم من أهميتها الكبيرة في القضاء على الفيروس..، ومن هنا نعود لنذكر بأهمية النظافة والتعقيم في منع انتشار الفيروس، فمن المهم جدا التنظيف بالماء والصابون وغسل اليدين جيدا، مع استعمال المعقم الكحولي الذي يساعد على قتل الفيروسات، فضلا عن الابتعاد عن الأشخاص سواء المرضى أو الأصحاء، لأن حاملي الفيروس لا تمكن معرفتهم بسبب طول فترة الحضانة التي تدوم أربعة عشر يوما، فقد يكون الشخص مريضا وحاملا للفيروس لكن الآثار لا تظهر عليه إلا بعد مرور فترة، ومع ذلك فالشخص يكون معديا في هذه الفترة.
وأخيرا، من المهم على الأشخاص أن يحاولوا قدر الإمكان أن لا يقعوا فريسة للخوف والهلع من هذا المرض، فبالإمكان أن يتم التصدي له والتغلب عليه باتباع التعاليم المقدمة من الحكومة، والتي تدعو للجلوس في المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة، واحترام مسافة الأمان والحرص على التنظيف المستمر لمنع انتشار العدوى.