كشفت الحرب التي تخوضها دول العالم ضد وباء كورونا عن الدور الإنساني الكبير الذي يقوم به الأطباء والممرضون الذين يوجدون في الخط الأمامي بساحة المعركة، معرضين أنفسهم لكل المخاطر التي تهدد حياتهم وسلامتهم في سبيل إنقاذ أرواح الآلاف من المصابين بالفيروس، حيث سقط منهم شهداء أثناء أداء واجبهم المهني.
مع الفيروس.. وجها لوجه
بمختلف المستشفيات المغربية المخصصة لاستقبال المصابين بفيروس كورونا، هناك جيش من الأطباء والممرضين مجندين لمواجهة الوباء، يقضون ساعات عمل طويلة ليلا ونهارا في علاج المصابين بالفيروس. وتتكبد الطواقم الطبية والتمريضية بالمستشفيات، خاصة بمصلحة الإنعاش، حيث تكون هذه الطواقم وجها لوجه مع الفيروس، ويكون مصير المصابين معلقا بين الحياة والموت. وتبذل الأُطر الطبية والتمريضية «ملائكة الرحمة»، كل المجهودات لإنقاذ أرواح المصابين بكل نكران للذات.وحسب معطيات حصلت عليها «الأخبار» من بعض المستشفيات، هناك أطباء وممرضون يقضون ساعات طويلة داخل القاعات المخصصة لاستقبال وعلاج المرضى، ومنهم من ابتعد عن أسرته منذ أسابيع، حيث تم تخصيص فنادق وشقق لإقامة الأُطر الطبية والتمريضية بالقرب من المستشفيات.
وتعيش هاته الطواقم، على مدار أيام الأسبوع وساعات اليوم، حالة من التعبئة القصوى لاستقبال حالات الإصابة بفيروس (كوفيد-19)، وتحرص على أدق التفاصيل، لمساعدة المرضى على الشفاء وإخراجهم من حالة الألم والمعاناة، مع جاهزية دائمة للتدخل حسب تطورات الوضعية الصحية للمرضى، لكن شفاء المرضى ينسيهم كل هذه الأيام الشاقة والمضنية، حيث تابع الرأي العام أجواء الاحتفال والسعادة التي عمت المستشفيات أثناء مغادرة الأشخاص المصابين بعد تعافيهم نهائيا من الفيروس.
وتتوافد بشكل يومي عشرات الحالات المحتملة إصابتها بفيروس «كورونا» على مختلف المستشفيات، إذ تمت تهيئة أجنحة مخصصة لاستقبال المصابين المحتملين، حيث يخضعون لكشف سريري ثم تؤخذ العينات وتوجه للمختبرات المختصة.وأشرفت مصالح وزارة الصحة على تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأطر الصحية حول كيفية التعامل مع مرضى الحالات الحرجة، وماهية الفيروس وطرق العدوى، وشروط العزل الصارمة والمتعلقة بارتداء ملابس معينة تحمي من الإصابة بالفيروس نتيجة التعامل المستمر مع المرضى.
وإلى جانب الأطقم الطبية، يبرز دور الأطر التمريضية التي لا يقل دورها شأنا في هذا الميدان، خاصة في مجال التخفيف من ألم ومعاناة المرضى وتوفير سبل الراحة لهم والعناية اللازمة بهم من تغذية وتنظيف.
مرحلة الحسم
دخلت حرب الأطر الصحية ضد فيروس كورونا مرحلة حاسمة بعدما توفي طبيبان مغربيان بعد إصابتهما بفيروس كورونا المستجد «كوفيد 19». وقالت مصادر صحية إن الأمر يتعلق بالدكتورة أصياد مريم طبيبة، تشتغل بمستشفى محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء، والدكتور نور الدين بن يحيى بمدينة مكناس، حسب المصادر، التي أكدت أن الطبيبة الراحلة كانت تعالج من «كوفيد 19»، وتعرضت لانتكاسة صحية تطلبت نقلها إلى مستشفى ابن رشد، حيث تفاقمت حالتها الصحية. ونعت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، الفقيدة، وقالت، في بلاغ لها، إنه «في هذه الظروف الأليمة التي يعيشها بلدنا الحبيب، تنعي النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام إحدى بناتها المناضلات الدكتورة أصياد مريم، الطبيبة المتخصصة بمستشفى محمد الخامس، شهيدة الواجب الوطني، وذلك يوما بعد إصابتها بعدوى مرض كورونا المستجد».وقدمت النقابة تعازيها لأفراد عائلة الطبيبة الراحلة الصغيرة والكبيرة وللجسم الطبي كافة، مشيرة إلى أنه «رغم فداحة الألم والفاجعة نحيي التضحيات الجسام للأطباء الذين لم ولن يتراجعوا عن أداء واجبهم بما يمليه ضميرهم ولن يبرحوا أماكن عملهم».
ومن جانبه، قال المنتظر العلوي، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، إن «الأطر الصحية في واجهة مواجهة هذا الوباء الفتاك، والطبيبان المتوفيان هما شهيدا الواجب اللذان ندعو لهما بالرحمة والمغفرة»، مضيفا، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أن «الأطر الصحية والطبية على الخصوص في واجهة الخطوط الأمامية لمحاربة الداء، والسلطات المختصة مطالبة بتثمين جهودها من أجل توفير المزيد من الحماية لجنود الخفاء وتعزيز أمنهم في محاربة انتشار وباء كورونا»، معتبرا أن «الحوادث الأخيرة لن تثني عزم الأطباء في التجند لمحاربة الفيروس القاتل، ونرجو من المواطنين مواكبة المجهودات المبذولة من خلال الالتزام بالإجراءات التي اتخذها المغرب في هذا السياق».
وحدات الدعم النفسي لمهنيي الصحة
أكدت وزارة الصحة أنها حريصة على توفير جميع المسلتزمات والوسائل الوقائية للأطر الصحية العاملة بمختلف المؤسسات الصحية، كما تتعهد بمضاعفة الجهود لتمكين كل مهنيي الصحة من وسائل الحماية الشخصية للوقاية من الإصابة بالعدوى بصورة منتظمة، وأضافت أنه،«إذ تشاطر وزارة الصحة مشاعر عائلتي الفقيدين هذا المصاب الأليم، فإنها تستحضر بكل فخر ما قدمت وتقدمه كل الأطر الطبية والمهنية الصحية من عمل نبيل في سبيل الإنسانية، وتقدر مجهوداتها في التصدي لهذا الوباء، وتدعو لمزيد من الصبر والتجنيد بكل روح وطنية لمواجهة هذا الفيروس».
وللتخفيف من الإرهاق والضغط النفسي الذي تعاني منه الأُطر الطبية والتمريضية، أحدثت بعض المراكز الاستشفائية وحدات للدعم النفسي موجهة لمهنيي الصحة. وتروم هذه الوحدات مساعدة مهنيي الصحة على تجاوز الضغوط الانفعالية للتوتر والإرهاق بفعل انخراطهم في مهامهم العلاجية. وحسب المركز الاستشفائي الجامعي بفاس، فإن مهنيي الصحة يوجدون على الخط الأول لمواجهة الفيروس ويتعرضون لضغوط نفسية ومهنية قد تسبب نوعا من التوتر، ما دعا المؤسسة إلى اعتماد استراتيجيات وقائية تروم حماية أطر المركز وتفادي الاستنزاف المهني. وصرح رشيد علوان، البروفيسور في الطب النفسي وعضو هذه الهيئة المحدثة، أن الأمر يتعلق بالعمل على استباق ردود الأفعال النفسية، خصوصا في صفوف الأطباء والممرضين الذين يتواجدون في الخط الأول، مضيفا أن وحدة الدعم تروم الوقاية من اضطرابات النوم والقلق والرهاب. وأشار البروفيسور إلى خصوصيات المواكبة النفسية لمهنيي الصحة، والمرتبطة أساسا بتداعيات العزل الصحي التي تلقي بثقلها وكذا انعكاسات مهام التكفل العلاجي بمرضى كورونا ما يفضي إلى إرهاق مهني.
وبحسب المهنيين، فإنه في ظل الأزمة الصحية التي يعرفها المغرب، بسبب تفشي فيروس كورونا، بات من الضروري سد الخصاص في الموارد البشرية الطبية التي تعرفها عدد من المستشفيات لتجاوز هذه المرحلة. وفي هذا السياق، وجهت أربعة تنظيمات صحية نداء إلى رئيس الحكومة ووزيري المالية والصحة، من أجل الإسراع بتوظيف الأطباء والممرضين العاطلين عن العمل، وذلك لسد العجز والخصاص الكبير والمزمن في الموارد البشرية الصحية، على غرار عدد كبير من الدول التي تجتاحها جائحة كورونا.