الشاب المغربي رشدي متاعي، من أبناء مدينة الدار البيضاء. سبق له أن تلقى تكوينا من منظمة الصحة العالمية لكي يكون من جنودها الاحتياطيين في مواجهة الأوبئة. ومع وصول وباء «كورونا» المستجد إلى المغرب وتسجيل أولى الحالات الوافدة، وتطور الأمور إلى فرض الحجر الصحي بالبلاد، أقدم على اجتياز تكوين آخر من المنظمة الدولية، يتعلق هذه المرة بتدبير الجائحة.
تكوين تقني لا يتوفر عليه ممرضو وزارة الصحة بشتى الدول، واستفاد منه شبان حول العالم، بينهم خمسة مغاربة آخرون إلى جانب الشاب رشدي متاعي. هذا التكوين يؤهلهم بشهادة منظمة الصحة العالمية، لكي يكونوا بدورهم في الخطوط الأولى لمواجهة الوباء، وتلقين محيطهم خطوات تقنية ونفسية للتعامل مع المصابين ومحيطهم.
يسعى رشدي متاعي في هذا الحوار، إلى تحفيز الشباب المغربي، كما يقول، على اتخاذ نفس الخطوة، بل يدعو أطر وزارة الصحة لكي يستفيدوا بدورهم من برامج منظمة الصحة العالمية في التكوين عن بُعد.
24 ساعة مكثفة هي مدة التكوين، وهناك برامج تصل مدتها إلى 72 ساعة يمكن تقسيمها ومعايير صارمة لاعتماد الناجحين.
لنبدأ معك من حدث حصولك على شهادة منظمة الصحة العالمية. اشرح لنا أولا ما هي هذه الشهادة؟
عند بداية الوباء، كان لدي تواصل مع منظمة حفظ الصحة وهي تقدم دروسا للتكوين عن بُعد عبر شبكة الأنترنت، وقد انخرطت فيها، واستفدت من مستويات مختلفة من التكوين.
هناك شروط للقَبول أم أنها متاحة للجميع؟
من بين الشروط الإلمام باللغة الإنجليزية، لأنها لغة التكوين. ثم الاهتمام بالمجال. بالنسبة لي، تعودت على ممارسة النشاط الجمعوي والتوعوي في صفوف سكان العمالة التي أنتمي إليها، وهي عمالة الفداء بالدار البيضاء.
ما مجال تخصصك بالضبط؟
عندما أنهيت دراستي الجامعية، فكرت في الاستقلال الذاتي والعمل على تنمية مقاولتي الذاتية. لدي خبرة في العمل الجمعوي، حيث أشتغل على جانب التوعية والتحسيس بما في ذلك أنشطة الحفاظ على البيئة، حيث أشتغل على التخطيط الميداني لهذه الحملات خصوصا في العطل الصيفية، على مستوى الشواطئ والمرافق العمومية.
لدي حاليا مقاولة للصباغة، وأركز فيها على جانب الحفاظ على البيئة والوقاية من الفيروسات، خصوصا أثناء تعاملي مع طلبات المدارس، حيث نقدم أنواعا من الصباغة للوقاية من البكتيريات. يعمل معي تقنيون يجتازون تكوينا عن بُعد للعمل بهذه المواد ولدي قناعة أنها ستكون بوابة للمستقبل.
أما بخصوص التعلم عن بُعد فأنا مدين بهذا الأمر لوالدي الدكتور حسن متاعي. وهو دكتور سبق له إلقاء محاضرات في عدد من دول العالم حيث عمل مع شركات دولية وقدّم دراسات في التطوير المقاولاتي والتعامل مع المقاولات. وقد ألهمني منذ بداية شبابي لكي أحذو حذوه.
أنا من مواليد سنة 1982، ويوم ميلادي يتزامن مع يوم فرض الحجر الصحي في المغرب (ضاحكا)، لهذا أؤمن أنه من واجبي الاشتغال من جهتي على مواجهة هذه الجائحة.
في مجال اشتغالي خلصتُ إلى أننا في المغرب نحتاج إلى التوعية بخصوص الوقاية من الأمراض وأيضا احترام معايير السلامة الصحية. هناك مدارس ومؤسسات اليوم لا تتوفر فيها هذه الشروط نهائيا. هذا دون الحديث عن معايير النظافة والتعقيم.
كيف إذن بدأت هذا التكوين؟ وأين تتجلى أهميته؟
أهمية التكوين تتجلى في أنه يعرفك بالفيروس عن قرب، وتصبح مدركا لمخاطره وكيفية الوقاية منه. هناك أمور تقنية كثيرة تتعلق به، كلها كانت موضوعا للتكوين الذي تلقيته على يد خبراء منظمة الصحة العالمية.
أريد أيضا أن أشير إلى أنني على اتصال مع خبراء منظمة حفظ الصحة قبل الوباء، وسبق لي الاستفادة من عدة مناسبات للتكوين عن بُعد، وعند انتشار وباء فيروس «كورونا» المستجد بهذا الشكل غير المسبوق، ارتأيت أنه من واجبي الاستفادة من التكوين لكي أساعد محيطي وبلدي على اجتيازه والتغلب عليه.
لكي نكون أكثر دقة. هل هذا التكوين يجعلك مؤهلا لمحاربة الوباء؟ المشاركة في التطبيب والعلاج؟
أشكرك على هذا السؤال. أنا لا أقول إنني قادر على شفاء المرضى أو إنني أتوفر على العلاج كما قد يظن البعض. التكوين الذي تلقيته يخول لي، ويجعلني مؤهلا ومسموحا لي من قبل خبراء منظمة الصحة العالمية، لكي أساعد في محيطي على توعية الناس بأنجع طرق التنظيف والتعقيم والوقاية من وباء «كورونا» المستجد. أريد أن أشير أيضا إلى أن أهمية هذا التكوين الذي تلقيته، وتلقاه معي مواطنون مغاربة آخرون أيضا، هوأننا تعلمنا طرق وتقنيات التعقيم والوقاية، وهو ما لم يتلقه الممرضون التابعون لوزارة الصحة.
لماذا؟
في العالم كله لا تتوفر كل الأطر الطبية، خصوصا في مجال التمريض، على خبرة كافية للوقاية من «كورونا». يجب أن نستحضر دائما أننا أمام فيروس غير مسبوق، وبالتالي لا يمكن تأكيد تلقي الأطر الطبية لتكوين خاص بـ»كورونا». الأمر يتعلق بفيروس مستجد.
وفي نفس السياق، أريد أن أؤكد أنني وضعت نفسي رهن إشارة وزارة الصحة لكي أشارك في توعية الأطر الطبية في مجال التمريض، أي الممرضين والممرضات، لنقل التكوين الذي تلقيته إليهم.
وكيف تتصور أن يتم هذا الأمر؟ هل راسلت وزارة الصحة بهذا الخصوص؟
نعم. أعلن أنني لا أسعى وراء أي تعويض مادي، بل أعرض هذا التكوين بدون مقابل على وزارة الصحة من منطلق إنساني يمليه عليّ التكوين الذي تلقيته على يد خبراء منظمة الصحة العالمية. يمكن أن أنقل للممرضين والممرضات في الخطوط الأمامية ما تعلمته بخصوص تعريف الفيروس ومخاطره وكيفية الوقاية منه وكيفية التعامل مع القفازات والكمامات الطبية ومع المرضى وكل ما يتم الاحتكاك به في التعامل اليومي للممرضين. وطبعا، كل هذه المعلومات والتقنيات والإجراءات، وضعها خبراء الصحة العالمية الذين يوجد بينهم متخصصون في الفيروسات والأوبئة وسبق لهم الاشتغال على مخلفات الكوارث.
وكما تابعنا جميعا في الإعلام، خصوصا عند بداية فيروس «كورونا» في بلدنا المغرب. تابعنا كيف أن أطر وزارة الصحة، خصوصا الممرضات والممرضين، صرحوا لوسائل إعلام وانتشرت تصريحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكدوا أنهم لم يتلقوا في تكوينهم الأكاديمي أي شيء عن التعامل مع هذا الوباء. وهذا أمر عادي بطبيعة الحال لأننا أمام وباء غير مسبوق ومستجد.
لكن تلقي أي تكوين يختلف عن تلقينه للآخرين. ما تعليقك على هذه المفارقة؟
في الحقيقة لدي شهادة من جامعة كاليفورنيا، وهي تخول لحاملها تلقين المعلومات للآخرين. ويمكن بواسطتها تلقين مهارات التكوين للعاملين في وزارة الصحة. وهذا التكوين مرتبط أساسا، إذ لا يمكن الاستفادة منه ما لم تتوفق في الأول، وتجتاز بعض الاختبارات المتعلقة بأسئلة «مفخخة» لاختبار القدرات والفهم والقدرة أيضا على تلقينه للآخرين. ويركز بصورة أكبر على التدخل الوقائي. أي تقديم يد العون للآخرين سواء كانوا مصابين أو أصحاء.
راسلت جهات في وزارة الصحة، وفي الحقيقة لم أتوصل بعدُ بأي رد منهم. وراسلت أيضا مصالح عمالة الفداء درب السلطان للقيام بأعمال تطوعية، لتعميم التجربة والقيام بحملات توعية على الميدان. ولا أسعى لأي مقابل مادي أو صفقة مع العمالة. هذه أعمال تطوعية تدخل في صميم العمل التطوعي الذي أشتغل به منذ عشر سنوات تقريبا في المجال الجمعوي التطوعي.
كم عدد فرص التكوين التي أجريتها مع منظمة الصحة العالمية؟
استفدت حتى الآن من تكوينين. الأول استفدنا منه نحن اثنان فقط من المغرب. والتكوين الثاني كنا ستة مغاربة استفدنا منه في نفس الوقت. وهما من منظمة حفظ الصحة ومنظمة الصحة العالمية. وهذان البرنامجان وضعا خصيصا لتكوين الشباب في جميع أنحاء العالم ممن لديهم استعداد للتجند للمساهمة في وقاية بلدانهم من الأمراض والأوبئة. استفدنا على مستوى الإرشادات والتخطيط التشغيلي ومنصة الشركاء لدعم استعداد الدول واستجابتها للتصدي للوباء.
التكوين عن بُعد والنجاح فيه يخول لك الحصول على الشهادة التي تُمنح وفق شروط وضوابط لا يتساهل فيها خبراء الصحة العالميين أبدا. لكن المهارات المُكتسبة من الممارسة في نظري هي الشهادة الحقيقية.
وما هي مدة هذا التكوين؟
يُبرمج على امتداد 24 ساعة يكون لك اختيار توزيع عدد الساعات على الأيام. إذ لا يمكن إجراء التكوين بدون انقطاع، لكن في العموم مدة كل تكوين 24 ساعة فيها شق تكويني وشق اختباري. وكما قلت، فإن خبراء دوليين يتشددون في تفاصيل مضامين التكوين ونقاطه الأساسية.
ولماذا لم تبدأ في حملة توعوية في محيطك كما قلتَ سابقا؟
في الحقيقة لا أريد أن أكسر قواعد الحجر الصحي. يجب أن ترخص لنا السلطات لكي نقوم به وفق توصيات منظمة الصحة العالمية. إذا باشرت العملية بدون تنسيق مع السلطات سوف أكون قد كسرت أولى بنود التكوين. يجب أن يكون الأمر قانونيا بتنسيق مع السلطة ووفق توصيات منظمة الصحة العالمية.
وكما تعلم فليس هناك مجال للخطأ في هذه الأمور. نحن نتحدث هنا عن الأرواح وتتعلق بالصحة العامة.
من بين نقط التكوين أيضا، حتى لا يفوتني ذكرها، ما يتعلق بإعداد الاستراتيجية الدفاعية. وأعتقد أن حملات التوعية تدخل في صميم هذا الأمر. لقد تم تكويني في كيفية إعداد الاستراتيجية الدفاعية ضد وباء «كورونا».
أريد أن أعود معك إلى مسألة التعاون مع أطر وزارة الصحة لمكافحة الوباء. وضح لي هذا الأمر أكثر.
لست أقول إننا نعلم ما لا يعلمه أطر وزارة الصحة. في هذا التكوين تعلمنا أن فيروس «كورونا» المستجد ينتمي إلى الفيروسات التاجية، أي أن غشاءه صعب الاختراق لتدميره. وبالتالي تبقى الوقاية أفضل حل لتجنبه. والتكوين يركز على هذا الأمر. وخطوات الوقاية لا تحتاج أن تكون خريجا لمعهد الصحة أو خبيرا في الطب. وهنا أريد أن أوجه رسالة إلى إخواننا وأخواتنا في وزارة الصحة، لكي يتوجهوا إلى هذه المنصة لتلقي هذا التكوين، خصوصا منهم الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية. يجب أن نؤمن في المغرب بمستقبل التكوين عن بُعد، فهو المستقبل بكل تأكيد.
وهناك مستويات في هذا التكوين. فإلى جانب التكوين في الوقاية وتلقين أطر وزارة الصحة، هناك تكوين آخر لنفس المنظمة، يتعلق بالتخطيط والتدبير للتصدي للجائحة. وهناك مغربيان آخران غيري اجتازاه بنجاح أيضا.