تواجه المغرب، على غرار كل دول العالم، تحديات اقتصادية ومالية خطيرة ما بعد انتهاء أزمة كورونا، في ظل التوقعات الأولية الصادرة عن مؤسسات وطنية ودولية، أكدت تسجيل تراجع كبير في معدل النمو، بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية على الاقتصاد الوطني، بسبب انكماش الاقتصاد العالمي، وخاصة البلدان التي تربطها بالمغرب علاقات اقتصادية وتجارية، كل ذلك ينضاف إلى التداعيات الاجتماعية للأزمة، التي فرضت على الدولة نهج سياسة التقشف لتقليص الإنفاق العمومي ودعم القدرة الشرائية للمواطنين،، مع اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، للحفاظ على توازنات الميزانية العمومية.
في ظل التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا، وما سيخلفه من آثار سلبية على مداخيل الدولة من الضرائب والرسوم الجمركية، خاصة في ظل توقف عدد كبير من المقاولات وتراجع كمية الواردات من السلع، تتجه الحكومة إلى نهج سياسة جديدة للحفاظ على التوازنات المالية، وذلك بالتقشف في صرف اعتمادات النفقات العمومية، والتوجه نحو المؤسسات المالية الدولية للاقتراض لتوفير احتياطي من العملة الصعبة لتغطية حاجيات الواردات الأساسية.
وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية في المذكرة التقديمية لمشروع مرسوم بقانون يرخص بموجبه لوزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، بتجاوز سقف الاقتراض الخارجي، أن التوقف المؤقت لنشاط مجموعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية كالسياحة والنسيج وصناعة السيارات سيؤدي إلى تراجع موارد الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، في حين سيؤدي تراجع الطلب الخارجي الموجه للمغرب إلى انخفاض في العائدات الجمركية وموارد الضريبة على القيمة المضافة، ومن جهة أخرى، ستؤدي هذه العوامل مجتمعة بالإضافة إلى الانخفاض المتوقع لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى تراجع احتياطي العملة الصعبة، ونظرًا لذلك، ولتمكين البلاد من توفير حاجياتها من العملة الصعبة، وخاصة عبر اللجوء إلى الأسواق الدولية للاقتراض، ومن توجيه المجهود المالي للدولة والمؤسسات العمومية لمواجهة جائحة كورونا عبر توفير الإمكانيات المالية الضرورية لقطاعات الصحة والأمن، والحد من تداعياتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في هذه الظرفية الدقيقة التي تمر بها البلاد.
حتمية اللجوء للاقتراض
تعول الحكومة على الاقتراض الخارجي لتمويل الواردات الأساسية كالطاقة القمح التجهيزات الطبية، وكذلك توفير الاحتياطي من العملة الصعبة في ظل غياب مداخيل الصادرات بعد توقف الطلب الخارجي، وتراجع عائدات قطاع السياحة والمغاربة المقيمين بالخارج، كما تعول الحكومة على الاقتراض لتغطية تراجع موارد الميزانية في ظل انخفاض المداخيل الضريبية سواء المباشرة وغير المباشرة، نظرا لتوقف العجلة الاقتصادية وكذلك النقص الحاد فالاستهلاك المدر للضريبة على القيمة المضافة.
وحسب وثائق قانون المالية للسنة الحالية، تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة، تليها الضرائب غير المباشرة، ثم رسوم التسجيل، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار، ثم الرسوم الجمركية، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة، ثم الهبات، وبخصوص الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة، بلغت حصيلة الضريبة على الدخل ما قدره 46 مليار درهم برسم السنة الماضية، وبلغت حصيلة الضريبة على الشركات ما قدره 53 مليار درهم، أما الضرائب غير المباشرة، فقد بلغت حصيلة الضريبة على القيمة المضافة في الداخل التي تقوم بتحصيلها المديرية العامة للضرائب ما قدره 23 مليار درهم، فيما تبلغ حصيلة الضريبة على القيمة المضافة التي تقوم بتحصيلها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة (في الداخل وفي الاستيراد) ما مجموعه 41 مليار درهم، وتبلغ حصيلة الرسم على المنتجات الطاقية ما قدره 16مليار درهم، وتبلغ حصيلة الضرائب على التبغ 11 مليار درهم، أما الرسوم الجمركية على الاستيراد تبلغ مواردها حوالي 8 مليار درهم.
وصادق البرلمان بغرفتيه على مشروع مرسوم بقانون يرخص بموجبه لوزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، بتجاوز سقف الاقتراض الخارجي، وأكد الوزير أثناء تقديم المرسوم أمام لجنة المالية، أن "ما يقع اليوم في المالية العمومية بسبب تأثيرات فيروس كورونا إذا لم يتم تدبيره بشكل جيد فإنه سيجعل سيادة البلاد في خطر"، وأضاف "ما يهم اليوم هو كم نتوفر من العملة الصعبة لمواجهة الأزمة"، مشيرا إلى أن "ميزان الأداءات يوضح مداخيل البلاد وما يتم صرفه، كما أن مداخيل المغرب من العملة الصعبة تقوم على السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات مغاربة الخارج وصادرات المغرب من الصناعات، وهذه القطاعات كلها متوقفة"، وأبرز بنشعبون أن "العملة الصعبة ستتقلص في المغرب، ولكننا لا يمكن أن نصل إلى الخط الأحمر".
وشدد بنشعبون على ضرورة اللجوء إلى التمويلات الخارجية، ومن خلالها توظيف الخطوط الائتمانية التي تجمع المغرب مع المؤسسات المالية الدولية المانحة للقروض، وقال "المطلوب هو تجاوز السقف الذي تم تحديده في قانون المالية"، معلنا أن "التدابير اللازمة لهذا الأمر تم اتخاذها، لأن المؤسسات المالية تستوعب الاستعجال الذي يوجد فيه العالم"، وأشار الى أن "التنقيط الذي يوجد فيه المغرب يمنحه دينا بفائدة ضعيفة، لأننا الأولى في إفريقيا"، وسيمكن المشروع، حسب الوزير، من تمكين المغرب من توفير حاجياتها من العملة الصعبة، خاصة عبر اللجوء إلى الأسواق الدولية للاقتراض في ظل تأثر مجموعة من القطاعات كقطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة والقطاعات المصدرة، بالإضافة إلى تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج.
التقشف في الإنفاق العمومي
وجه رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، دورية إلى الوزراء والمندوبين السامين والمندوب العام يحثهم فيها على ضرورة نهج سياسة التقشف في صرف الاعتمادات المالية المخصصة لنفقات الدولة والمؤسسات العمومية برسم السنة الحالية، وذلك في إطار الحفاظ على توازن الميزانية بسبب تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، وأوضحت الدورية، أنه في ظل السياق الاقتصادي العالمي والوطني المتأثر بالتداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا، وما تمليه من ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة ومستعجلة للحد من آثار هذه الأزمة على اقتصادنا الوطني، مشيرا إلى أن مجلس الحكومة تدارس في اجتماعه ليوم الاثنين 06 أبريل 2020، الإجراءات الاستعجالية التي ينبغي اتخادها لضمان التدبير الأمثل للالتزامات بالنفقات المستقبلية بالنسبة للدولة والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها، وقد تمخض عن هذا الاجتماع، حسب الدورية، قرار يقضي بضرورة انخراط كافة القطاعات الوزارية، بما في ذلك المؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها، في حصر الالتزامات بالنفقات المستقبلية وتوجيهها نحو الأولويات التي يفرضها تدبير الأزمة المرتبطة بهذه الجائحة على المستوى الصحي والأمني والاجتماعي والاقتصادي تفعيلا للتوجيهات الملكية.
وأكدت الدورية، أنه سيتم تفعيل ذلك من خلال قرار مشترك بين وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة والوزارة المعنية، ويتضمن هذا القرار النفقات ذات الأولوية، على مستوى الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة والمؤسسات العمومية برسم سنة 2020، التي سيُخَوَّل للقطاع الوزاري الالتزام بها خلال هذه الفترة الاستثنائية، ويتعلق الأمر خصوصا بنفقات التسيير أو الاستغلال الضرورية، وخاصة نفقات الموظفين والمستخدمين، والأعوان، والنفقات المتعلقة بمستحقات الماء والكهرباء والاتصالات وواجبات الكراء، ونفقات المقاصة، والنفقات الخاصة بمنح الطلبة، نفقات الاستثمار أو التجهيز المتعلقة أساسا بمشاريع ممولة من طرف الشركاء الماليين الدوليين أو بمشاريع ستُنجزها مقاولات وطنية تستعمل حصريا مواد منتجة في المغرب، وكذلك النفقات المخصصة لتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19″، والنفقات الخاصة بصندوق دعم التماسك الاجتماعي، كما تستثنى كذلك من تطبيق هذه التدابير قطاعات الصحة والقطاعات الأمنية بما فيها وزارة الداخلية والمصالح الأمنية التابعة لها وإدارة الدفاع الوطني.
ومن أجل إعداد القرارات المشتركة السالفة الذكر في أقرب الآجال، دعا رئيس الحكومة كافة الوزراء لإعطاء التعليمات اللازمة للمصالح والمؤسسات العمومية التابعة لهم قصد الإسراع بإعداد لائحة النفقات السالفة الذكر، حيث سيتم بناء على ذلك عقد اجتماعات مع القطاعات الوزارية المعنية على مستوى مديرية الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وذلك وفق الجدول الزمني المرفق بالمذكرة، مؤكدا على أهمية تظافر جميع الجهود من أجل التطبيق الأمثل للإجراءات التي أقرها مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 06 أبريل 2020، من أجل تدبير هذه الأزمة بالنجاعة والفعالية الضرورية والحد من آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، وشدد على ضرورة الوفاء بالالتزامات المالية اتجاه المقاولات وتسريع وتيرة أداء مستحقاتها وخاصة منها المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، وذلك حتى يتسنى لها الوفاء بالتزاماتها المالية والحفاظ على مناصب الشغل وبالتالي التخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة.
وأوضح محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، أمام لجنة المالية بمجلس النواب، أثناء مناقشة مشروع مرسوم بقانون يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، أن وقف عمليات الالتزام بالنفقات كان مبرمج في المرسوم، نافيا تراجع الحكومة عن ذلك، نظرا للحالة الراهنة، وقال " من غير المعقول، أننا سنلتزم بكل النفقات الواردة في قانون المالية وكأن شيئا لم يقع، وليس هناك أي تراجع عن هذا القرار"، وأشار إلى تعديل صيغة تمرير القرار فقط، وتحدث عن نقاش قانوني كان في المجلس الحكومي، بين مقترحين، الأول يخص تقديم قانون مالية تعديلي، والثاني يخص التنصيص على ذلك في مرسوم بقانون، ليستقر الرأي في الأخير على إصدار قرارات مشتركة بين وزارة والمالية والقطاعات الوزارية الأخرى.
واستبعد بنشعبون إمكانية تعديل قانون المالية في الوقت الراهن، لأن هناك ضبابية بخصوص الأزمة الحالية، وقانون المالية يفترض تقديم فرضيات وتوقعات مضبوطة، وقال الوزير إن "نقاشا سياسيا وقانونيا حول إعداد مشروع قانون مالية تعديلي وعرضه على البرلمان، تم التفكير فيه وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وهو ما يتطلب تقديم أرقام وتفاصيل للبرلمان"، وأوضح بنشعبون أن "الأرقام تأتي نتيجة لفرضيات يجب أن تكون معقولة ومتأكدا منها"، معتبرا أن "مسألة الوقت تطرح مشكلا، لأن الأساس هو كم من وقت يمكن أن يستمر المغرب في هذه الوضعية، وكذلك بالنسبة إلى الاقتصادات التي للمغرب ارتباط بها كيف ستكون، وهذا ما يزيد من توقع فرضيات مضبوطة"، مؤكدا أن "هذه الفرضيات لا نتوفر على معطيات حولها، سواء داخليا أو خارجيا"، مشيرا إلى أن "السيناريوهات لم توضح لنا إمكانية تقديم قانون مالية تعديلي في الوقت الراهن، ومن باب المسؤولية لا يمكن أن نقدم قانونا تعديليا، ولكن نحن مطالبون بالإجراءات التي لها علاقة بالمقاولات والمواطنين".
ترشيد نفقات الجهات والجماعات
بعد القرار الذي اتخذته الحكومة بنهج سياسة التقشف في صرف الاعتمادات المالية المخصصة لنفقات الدولة والمؤسسات العمومية برسم السنة الحالية، وذلك في إطار الحفاظ على توازن الميزانية بسبب تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، وجه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، دورية لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، من أجل التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية، وأوضح وزير الداخلية في الدورية، أنه تطبيقا لقانون أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وفي إطار الإجراءات الاستعجالية التي تقوم بها الحكومة للحد من تداعيات جائحة فيروس كورونا وآثارها على اقتصادنا الوطني، وقال وزير الداخلية، إن رؤساء مجالس الجماعات الترابية مدعوون بدورهم الى السهر على ضمان التدبير الامثل لنفقات جماعاتهم الترابية المستقبلية برسم السنة المالية 2020، وأشار الوزير إلى أنه بناء تحسبا للتداعيات السلبية التي يمكن ان تخلفها هذه الجائحة على مداخليها، فانه يتعين التعليق المؤقت لعمليات الالتزام بالنفقات غير الضرورية خلال مدة هذه الازمة الصحية التي يمكن ان يترتب عنها تراجع في مداخيل الضرائب والرسوم، وذلك تماشيا مع ما تمليه ضرورة التدبير الرشيد لميزانيات الجماعات الترابية والحرص على حسن استعمال مواردها المالية خلال هذه المرحلة الدقيقة.
وأكد وزير الداخلية، على أنه من شان هذا الإجراء، أن يمكن رؤساء المجالس الترابية من ضمان تغطية أمثل للنفقات الاجبارية لميزانياتهم والمصاريف الضرورية لتدبيرهم بما في الصوائر المتعلقة بمواجهة الجائحة وآثارها، مبرزا أن هذا تم توضيح في دوريتين سابقتين، وأوضح، أنه يعني بالنفقات الإجبارية والمصاريف الضرورية، عمليات الالتزام المتعلقة بنفقات التسيير والتجهيز، أي نفقات التسيير الضرورية، ولا سيما تلك المتعلقة بالرواتب والتعويضات القارة للموظفين الرسميين ومثلائهم، وأجور الأعوان العرضيين والتعويضات المماثلة، والنفقات المتعلقة بمستحقات الماء والكهرباء والاتصالات، وواجبات الكراء، وأضاف الوزير، أنه يعني ذلك بنفقات التسيير والتجهيز الاستعجالية والضرورية التي يتم تحديدها بتشاور مع ولاة وعمال العمالات وعمالات المقاطعات والأقاليم من طرف الرؤساء، وتضمن بلوائح تعد باشتراك بين الطرفين خصيصا لهذا الغرض، ويتم إرسالها إلى المحاسبين العموميين التابعين الى الخزينة العامة للمملكة.
وأعلن وزير الداخلية، أن مصالح الوزارة، تبقى رهن إشارة مصالح الولايات والعمالات لمصاحبتهم في هذه العملية من اجل اقتراح الحلول المناسبة التي ينبغي اعتمادها بالنسبة لعمليات الالتزام التي تستدعي المشورة، ودعا الآمرين بالصرف الحرص على التقيد التام بما جاء في هذه الدورية من مضامين وتوجيهات، فيما دعاهم إلى العمل على الوفاء بالالتزامات المالية لجماعاتهم الترابية اتجاه المقاولات وتسريع وتيرة أداء مستحقاتها وخاصة منها المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، وذلك حتى يتسنى لها الوفاء بالتزاماتها المالية والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف بذلك من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة، كما دعا الولاة والعمال إلى القيام بنفس العملية بالنسبة لنفقات وكالات تنفيذ المشاريع وشركات التنمية المحلية ووكالات التوزيع الواقعة تحت نفوذهم وذلك بتشاور مع رئيسات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية المعنية أو الهيئات التابعة لها، والعمل على نشر الدورية لدى رؤساء مجالس الجماعات الترابية الواقعة تحت نفوذهم، وتوضيح مضمونها والسهر على التطبيق الدقيق لمقتضياتها.
جائحة كورونا تستنفر الوزارات لحماية الأسواق الوطنية
مع دخول مرحلة الحجر الصحي فترة التمديد لمدة شهر بعدما قرر المجلس الحكومي المصادقة على القرار، تستعد المصالح الاقتصادية لاستنفار رسمي لتزويد الأسواق بما تحتاجه من سلع ومواد أساسية وبأسعار مناسبة للمستهلكين في ظل انتشار فيروس كورونا الذي شلّ الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وعلى بعد أيام قليلة من شهر رمضان، وبين مخزون استراتيجي يكفي لأشهر، ورقابة على الأسعار، ومواجهة صارمة لظاهرة الاحتكار، بجانب دعم مالي لقطاع واسع من العمال والموظفين والشركات، وتأجيل لأداء أقساط القروض، تسارع القطاعات الاقتصادية والإنتاجية لتغطية حاجيات الأسواق المغربية خلال فترة الجائحة.
وزارة الفلاحة.. التموين كاف
أكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن السوق الوطني سيزود بالتموين الكافي من المنتجات الفلاحية والغذائية، وأن الأثمنة ستظل مستقرة خلال شهر رمضان. وذكرت الوزارة، في بلاغ صدر عقب اجتماع عزيز أخنوش بتقنية الفيديو عن بعد برئيس جامعة الغرف الفلاحية، ورؤساء الغرف الجهوية ورئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (كومادير)، لتباحث الوضع الراهن للقطاع، أن مهنيي القطاع يظلون معبئين لضمان العرض العادي والمنتظم للسوق خلال شهر رمضان، والذي عادة ما يكون مصحوبا بزيادة في الطلب على العديد من المنتجات الفلاحية والغذائية.
وفي ما يتعلق بالخضر، سجلت الوزارة أن تزويد السوق يستمر بشكل جيد من خلال المحاصيل المبكرة، موضحة أنه، اعتبارا لحسن سير برنامج توزيع زراعة الخضروات، فإن الإنتاج من المحاصيل الشتوية يغطي احتياجات الاستهلاك خلال شهري أبريل وماي، وهي الفترة التي تتزامن مع شهر رمضان. وأكدت الوزارة، في هذا الصدد، أن برنامج توزيع الزراعات الربيعية مستمر بوتيرة جيدة وبنسبة إنجاز بلغت إلى حدود اليوم 77 في المائة.
وأضافت الوزارة أنه، باستثناء البرتقال، الذي لا تزال أسعاره مرتفعة نسبيا مقارنة مع السنة الماضية، والتي ترجع بالأساس لانخفاض إنتاج الحوامض، تبقى الفواكه الأخرى كالتفاح والموز متوفرة بمستوى جد مقبول ومستويات أسعار مستقرة، مشيرة إلى أن العرض المتنوع من الفواكه سيتوسع خلال هذه الفترة والأشهر المقبلة مع بدء إنتاج الفواكه الحمراء والبطيخ الأحمر والبطيخ والخوخ والبرقوق والمشمش. وبخصوص القطاني الغذائية، سجلت الوزارة أن تزويد السوق الوطني يتم بشكل رئيسي بالمخزونات، التي تغطي بشكل كبير احتياجات شهر رمضان، موضحة أن القطاني الأكثر استهلاكا خلال هذا الشهر، كالعدس والحمص، تحافظ على استقرارها وبمستويات معقولة.
وفي ما يتعلق بالسكر، أبرز البلاغ أن هذا المنتوج يحافظ على وضع مريح في المخزون، كما يسجل بداية جيدة لموسم السكر 2020، مضيفا أن المخزونات المتوفرة تغطي 3,5 أشهر من الاستهلاك، دون احتساب الإنتاج الجاري لموسم السكر الحالي لسنة 2020. أما الزيوت الغذائية فتبين الحصيلة المتوقعة للنشاط الصناعي، وفقا للوزارة، مستوى عاديا من العرض في السوق الوطنية من زيوت المائدة النباتية للأشهر الثلاثة المقبلة، بما في ذلك شهر رمضان. وخلص البلاغ إلى أن المراقبة الدقيقة للأسعار التي يتم إنجازها حاليا تبين أن الأسعار لا تزال مضبوطة في مستوياتها المعتادة، أي ما بين 20 و40 درهما/كلغ بالنسبة للأصناف ذات الجودة المتوسطة والأكثر استهلاكا.
وزارة الاقتصاد.. استمرار الإنتاج
من جانبه، اعتبر محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، في الحوار، أن المغرب كباقي الدول لم يكن بمنأى عن التداعيات السلبية التي تسبب فيها فيروس جائحة كوفيد-19، حيث تضررت العديد من القطاعات الحيوية نتيجة قرار إغلاق الحدود وفرض حالة الطوارئ الصحية، ومنها قطاعات السياحة والأنشطة المرتبطة، والتصدير، وقطاع النقل الجوي، والنسيج وصناعة السيارات، كما أدت الأزمة إلى اضطرابات على مستوى قنوات الإنتاج وسلاسل التوريد، بالإضافة إلى تأثر تدفقات العملة الصعبة.
وأضاف الوزير أن محاولات تقدير آثار الأزمة الصحية في الوقت الحالي لن تصيب أبدا كبد الحقيقة لعدم وجود جدول زمني محدد للسيطرة على المرض، وبالتالي فلا يمكن قياس أبعاد التأثير الحقيقي للأزمة على هذه القطاعات حتى يتم احتواء انتشار المرض، مشيرا إلى أن المغرب سارع بالمقابل لاتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تهدف لمساعدة مختلف القطاعات على مقاومة هذا السياق الصعب وتمكينها من العودة إلى الإنتاج بمجرد انتهاء الأزمة.
وأوضح الوزير أن أساسات الاقتصاد الوطني تبقى مرنة بشكل كاف لامتصاص الصدمات الناتجة عن هذه الأزمة خلال المدى القريب، مشيرا، في هذا السياق، إلى أن المغرب يتوفر على احتياطات مريحة من العملة الصعبة تغطي أكثر من 5 أشهر ونصف من الواردات والسلع والخدمات، بالإضافة إلى أن المغرب يحظى بدعم الجهات المانحة ويتوفر على إمكانية اللجوء إلى السوق المالي الدولي أو التسهيلات التي يوفرها صندوق النقد الدولي عبر خط الوقاية والسيولة، مؤكدا أن العديد من فروع النشاط الاقتصادي تواصل الإنتاج رغم الصعوبات وتمكنت من التعامل بمرونة مع الأزمة كالصناعات الاستخراجية والغذائية والكيميائية وقطاعات الاتصالات والخدمات المالية، حيث تمثل هذه القطاعات نسبة 41 بالمائة من الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي، وإذا أضفنا إليها الإدارة العمومية سيصبح الرقم 53 بالمائة من الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي الذي لن يتأثر كثيرا بإجراءات حالة الطوارئ الصحية.
الداخلية.. مراقبة الأسواق ضد الاحتكار والغلاء
بدورها، وجهت وزارة الداخلية تعليمات صارمة للولاة والعمال في أقاليم وجهات المملكة تطالب بمتابعة حثيثة للسوق المغربي، لضمان تموين مستمر ومواجهة المضاربة التي يمكن أن يعرفها بسبب فيروس كورونا المستجد، حيث إن وزارة الداخلية تتوصل يوميا بمذكرات إخبارية من الولاة والعمال حول الحالة العامة للوضع الاجتماعي في الجهات والأقاليم، كما أن مطالب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت للمسؤولين تنص على تقديم تقارير يومية تهم جل الأنشطة المتعلقة بالمواطنين.
وتتضمن التقارير التي توضع على طاولة وزارة الداخلية، كلا من تموين السوق بالمواد الغذائية وحالة الأسعار والنقل ونقل البضائع، مشددة على أن التعليمات الشفوية التي وجهت تطالب بتشديد المراقبة ورفض الاحتكار والمضاربة، كما أن تعامل الداخلية مع فيروس كورونا المستجد يأتي في سياق التعامل مع حالات الطوارئ التي تواجه المغرب، حيث إن التعليمات التي توجه عادة للعمال والولاة تكون في مثل هذه الحالات شفوية، وهو ما يضع رجال ونساء الإدارة الترابية في حالة تأهب لمواجهة مثل هذه الظروف.
توقعات البنك الدولي ومندوبية التخطيط لتداعيات «كورونا» على اقتصاد المغرب
خفضت المندوبية السامية للتخطيط توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد الوطني، مشيرة إلى أنه ينتظر أن يبلغ في الفصل الأول من السنة الحالية 1,1 في المائة، فيما سيحقق نموا سالبا بنحو 1,8- في المائة في الفصل الثاني من السنة ذاتها، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي كشفت عنها في مذكرة بهذا الخصوص، مشيرة إلى أن التوقعات، قبل جائحة فيروس كورونا المستجد، حددت نسب نمو متوقع تُقدر على التوالي بـ1,9+ في المائة و2,1+ في المائة، مبرزة أن الاقتصاد الوطني مقبل خلال شهر أبريل 2020، على ضياع ما يقرب 3,8 نقاط من نسبة نمو الناتج الداخلي خلال الفصل الثاني من 2020؛ وهو ما يعادل 10,918 مليارات درهم، مقابل 4,1 مليارات درهم خلال الفصل الأول.
توقعات مندوبية التخطيط
ربطت المندوبية السامية للتخطيط توقعاتها هذه بظرفية الحجر الصحي، التي تتسم بتزايد الشكوك حول مدة الأزمة الصحية وآثارها على النشاط الاقتصادي، وكذلك حدة تأثير مختلف التدابير والبرامج المتخذة لدعم الاقتصاد الوطني، وشددت المندوبية السامية للتخطيط على أن الأزمة الناتجة عن فيروس كورونا المستجد سينتج عنها انخفاض في الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب بحوالي 3,5 في المائة، خلال الفصل الأول من 2020، عوض 1,3+ في المائة المتوقعة في غياب تأثيرات الأزمة الصحية، كما سيتأثر الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب بتراجع التجارة العالمية وتباطؤ النشاط الاقتصادي على مستوى الشركاء التجاريين. وستعرف الصادرات الوطنية انخفاضا يقدر بـ22,8 في المائة، عوض ارتفاعها بـ1,1 في المائة كما كان متوقعا في السابق، حيث سيتأثر قطاع السيارات بتوقف أنشطة شركتي «رونو» و«بوجو».
وحسب المندوبية السامية للتخطيط، ستعرف صادرات الملابس والنسيج، والتي تساهم بـ11 في المائة من مجموع الصادرات الوطنية، تراجعا بسبب انخفاض الطلب الخارجي الموجه نحوها وخاصة من أوروبا، حيث ستنخفض صادرات النسيج بـ4,3 في المائة خلال الفصل الأول من 2020، كما أشارت المندوبية إلى تراجع صادرات الفوسفاط الخام ومشتقاته، بما يقارب 17 في المائة من مجموع الصادرات، بسبب انخفاض الطلب الخارجي على الحامض الفوسفوري والفوسفاط الخام وتقلص أسعارهما في الأسواق العالمية، فيما بعض القطاعات كالفلاحة والصيد البحري ستستفيد من تحسن الطلب الموجه نحوها، سيما الخضر والفواكه والحوامض، عقب تقلص الإنتاج في بعض الدول الأوربية كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، بسبب نقص اليد العاملة الموسمية في الضيعات الفلاحية. كما أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، سيساهم في تراجع أسعار الغازوال والفيول، والتي تشكل ما يقرب من 50 في المائة من الطاقة المستوردة، وستعرف واردات المواد الغذائية ارتفاعا ملموسا بسبب زيادة مشتريات الحبوب والأعلاف.
توقعات البنك الدولي
توقع البنك الدولي، في تقرير إقليمي جديد، تراجع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا) خلال سنة 2020، في سياق يتسم بتفشي وباء كورونا، واعتبرت المؤسسة المالية الدولية، في تقريرها الذي حمل عنوان «كيف يمكن للشفافية أن تساعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، أن الشفافية بشأن القضايا الاقتصادية الحرجة، مثل الدين العام والتشغيل، هي الحل الأمثل لدفع النمو وتعزيز الثقة في الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالنسبة إلى المغرب، جاء في تقرير البنك، أن التأثيرات العالمية لجائحة كورونا أدت إلى تفاقم التأثيرات المحلية والجفاف، ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يعاني الاقتصاد المغربي من الكساد هذا العام، وهو الأول منذ أكثر من عقدين، وسيتدهور العجز المزدوج، مما يزيد بشكل كبير من الاحتياجات التمويلية، وقد ازداد الطلب على التمويل الخارجي، الأمر الذي يؤكد ضرورة تعزيز الاحتياطيات الأجنبية. وأكد التقرير أن الدين الخارجي والدين على الحكومة المركزية، سيرتفعان، لكنهما سيظلان مستدامين، وأشار إلى أن التوقعات لا تزال معرضة لمخاطر الهبوط الكبيرة، بما في ذلك بسبب احتمال امتداد فترة الجائحة وحدتها.
واعتبر التقرير أن الشفافية بشأن القضايا الاقتصادية الحرجة – مثل الدين العام والعمالة – هي الحل الأمثل لدفع النمو وتعزيز الثقة في الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقا لآخر تقرير اقتصادي إقليمي للبنك الدولي، وتأتي الحاجة إلى المزيد من الشفافية في الوقت الذي تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صدمة مزدوجة غير مسبوقة، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وانهيار أسعار النفط. وقد أدت هاتان الصدمتان إلى زيادة تراجع النمو الاقتصادي البطيء بالفعل في المنطقة، ويعود ذلك جزئيا إلى نقص الشفافية في البيانات.
ويوضح التقرير الجديد أن التقديرات الخاصة بكلفة الأزمة الحالية غير مستقرة، لأنه يتعذر التنبؤ بكيفية رد فعل الاقتصاد العالمي والسياسات الوطنية والمجتمعات في ظل تفشي الجائحة. وبالتالي، يمكن أن تختلف تقديرات التكلفة في غضون أيام، وكمثال على ذلك، يوضح التقرير كيف أدى انتشار فيروس كورونا المستجد، إلى جانب انهيار أسعار النفط، إلى حدوث تغييرات في توقعات القطاع الخاص والبنك الدولي بشأن النمو عام 2020. وحتى الأول من أبريل الجاري، كانت التغييرات في التوقعات تشير إلى أن التكلفة بالنسبة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصل إلى حوالي 3.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة عام 2019 (حوالي 116 مليار دولار)، مقابل 2.1 في المائة حتى يوم 19 مارس الماضي.
ويتوقع خبراء الاقتصاد في البنك الدولي انخفاض إنتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2020، وهذا يتناقض بشكل حاد مع التوقعات في أكتوبر 2019، عندما كان من المتوقع أن تنمو الاقتصادات الإقليمية بنسبة 2.6 في المائة هذا العام. وأبرز التقرير أن توقعات النمو لا تغير صورة صراع المنطقة مع التحديات الثلاثة المتمثلة في النمو الضعيف على المدى الطويل للناتج المحلي الإجمالي للفرد، وهشاشة الاقتصاد الكلي، وضعف ناتج سوق العمل. وساهم الافتقار إلى البيانات والشفافية في المنطقة في هذه النتائج طويلة المدى.
ووفقا للتقرير الجديد، يؤثر فيروس كورونا على بلدان المنطقة عبر أربع قنوات، هي كالتالي: تدهور الصحة العامة، تراجع الطلب العالمي على السلع والخدمات التي تنتجها المنطقة، انخفاض العرض والطلب المحليين، والأهم من ذلك انخفاض أسعار النفط. ويضر انهيار أسعار النفط بمصدري النفط مباشرة، وبمستوردي النفط بشكل غير مباشر، وذلك من خلال انخفاض التحويلات الإقليمية، وحجم الاستثمار، وتدفقات رأس المال. ويوصي التقرير بأن تستجيب بلدان المنطقة لسياسات تتجه في خطوتين متوازيتين: التصدي لحالة الطوارئ الصحية وما يرتبط بها من انكماش اقتصادي؛ والبدء في سن إصلاحات ذات أثر تحولي ومحايدة إلى حد كبير بشأن الموازنة، مثل شفافية الديون وإعادة هيكلة المؤسسات المملوكة للدولة.
ثلاث أسئلة لإدريس الفينة أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي «المغرب اتخذ إجراءات وقرارات من شأنها التخفيف من التبعات الاقتصادية للجائحة»
1- ما تقيمكم للقرارات الاقتصادية التي اتخذها المغرب في مواجهة التبعات السلبية لجائحة كورونا؟
إن عددا من القرارات التي اتخذتها الدولة المغربية، هي قرارات مماثلة في أغلبها للقرارات التي اتخذتها عدد من الدول في إطار مواجهة انتشار جائحة كورونا، والتي من أهم أهدافها حماية النسيج الاقتصادي والاجتماعي وكذلك الأجراء والحفاظ على الحد الأدنى من حقوقهم، وهناك العديد من القطاعات الاجتماعية و الاقتصادية التي أصبحت في حاجة ضرورة لتدخل الدولة من أجل تخفيف الأضرار، ومن هنا تأتي هذه القرارات التي من شأنها الحفاظ على تماسك النسيج الاقتصادي، حتى لا نكون بعد انتهاء الفاجعة في مواجهة مقاولات تعاني الانهيار أو تشرع في تسريح مستخدميها، وبطبيعة الحال فالقرارت التي اتخذتها الدولة تتوزع بين القرارات الموجهة للفئات الاجتماعية المختلفة، مثل الأجراء الذين لا يتوفرون على مدخول قار، أو الأجراء في القطاع الخاص المسجلين في الضمان الاجتماعي، وكذلك المواطنين والعائلات المسجلين في نظام «راميد»، وبالإضافة إلى هذه القرارات هناك قرارات تهم المقاولات والمؤسسات التي توقفت أنشطتها أو تضررت بسبب الأزمة الحالية، والمجمل في هذه القرارات تتوزع كذلك بين ما تتحمل فيه الدولة أعباء مباشرة، وبين ما يتم تغطيته من خلال صندوق مكافحة وباء كورونا، والذي أنشئ لهاذا الغرض، هذا بطبيعة الحال لما اتخذته الأبناك من معايير وتسهيلات من أجل تخفيف العبء المالي على المقاولات والأفراد.
2 – ماذا بخصوص لجوء الحكومة إلى القروض الخارجية؟
إن القرارات الماكرواقتصادية والتي اتخذتها الحكومة تتماشي مع حجم الأضرار الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الوطني بالتحديد، غير أن ما لاحظناه للأسف هو أن بعض القطاعات استغلت الجائحة وقرارات الدعم، من الاستفادة دون موجب حق من التعويضات من خلال التصريح بالأضرار في الوقت الذي لم تعرف تلك القطاعات أضرارا كبيرة بقدر ما صرحت به، وهذا الأمر يتطلب تدخل الحكومة من أجل تحديد هذه القطاعات التي تحايلت من أجل الحصول على دعم لا تستحقه، وبالإضافة إلى هذا الجانب، لا ننسى بآن الحكومة وكقرار ماكرواقتصادي سيكون له قدر كبير من التأثير، حسب الخط الائتماني الذي يمنحه صندوق النقد الدولي، وهو القرار الذي اعتبره شخصيا، قرارا متسرعا وما كان على الحكومة اتخاذه في الظرفية الحالية حيث سيكون له من التبعات الاقتصادية الكثير، في الوقت الذي كان المطلوب من الحكومة، هو حماية المخزون المحلي من العملة الصعبة من خلال تحديد قائمة بالمواد التي لا يمكن استيرادها، والاكتفاء بالإنتاج الوطني.
وبالإضافة إلى هذا الجانب، هناك الجانب المرتبط بضرورة اتخاذ قرارات لوقف عدد من المصاريف غير الضرورية والتي من غير المقبول أن تستمر في هذه الظرفية، وهي المصاريف المرتبطة بالعلاوات في بعض القطاعات والتي تصل في بعض الأحيان حد الأجور الشهرية أو قد تتجاوزها، ويجب إعادة النظر في هذا الأمر بشكل جدي، لكي نقدر على تحمل الأضرار الاقتصادية بشكل متوازن خلال وبعد هذه الأزمة.
3- هل الحكومة مطالبة بتقديم المزيد من الدعم للفئات الهشة؟
بالفعل هناك فئة واسعة من المواطنين متضررة بشكل كبير من الوضعية الحالية، فبالإضافة إلى للأسر التي هي في وضعية هشاشة كبيرة، وهي الأسر التي انقطع سبيل رزقها ولا تتوفر على «راميد»، هناك الأسر التي تتوفر على هذا النظام، بالإضافة للأجراء الذين توقفوا عن تلقي أجورهم بسبب توقف المقاولات التي تشغلهم، ونلاحظ أن لجنة اليقظة الاقتصادية قد اتخذ قرارات لتعويض كل هذه الفئات، والقرارات التي أخذت طريقها في التنزيل وحصل أغلب المنتمين إلى هذه الفئات على الدعم الموجه لهم برسم شهر مارس، إلا أن النقاش حول قيمة هذا الدعم يجرنا إلى تقصي التجارب المماثلة، حيث يكون دعم الدولة موجه لتغطية نفقات المواد الغذائية بالتحديد، خصوصا إذا ربطنا هذا الأمر بعدد من الإجراءات المواكبة، من بينها فسح المجال للأبناك من أجل وقف استخلاص الديون بالنسبة للأفراد والشركات وكذلك وقف أداء فواتير الماء والكهرباء في عدد من المناطق، بالإضافة إلى تخفيف الكثير من المواطنين من أعباء التنقل، وهي كلها مصاريف كانت ستواجه ميزانية الأسر وقد تخففت منها، وبالتالي يبقى الدعم الذي تحصل عليه موجه لتغطية مصاريف التغذية وحسب.