قدم وزير العدل، محمد بن عبد القادر، بعد زوال أمس الأربعاء، أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، مشروع القانون رقم 12.18 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، والذي يأتي في سياق تحديث وتطوير المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد وحماية النظام الاقتصادي والمالي بالمملكة .
مواكبة المتغيرات
أوضح الوزير محمد بن عبد القادر، في كلمته أمام لجنة العدل والتشريع، أن المنظومة القانونية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتجدد بين الفينة والأخرى، نظرا لطبيعة الجريمتين وخصوصية مرتكبيها وتعدد المتدخلين فيها، سيما أمام تطور وسائل ارتكابها، وهو ما يفرض على التشريعات الوطنية مسايرة هذه المتغيرات والتطورات، وذلك من خلال تحيين ترسانتها القانونية وفق المعايير الدولية المعتمدة، خصوصا أمام إكراهات المراقبة الدولية وتداعياتها على أصعدة مختلفة، بما فيها النظام المالي والاقتصادي الوطني.
وقال الوزيرإن المنظومـة الوطنيـة لمكافحـة غسـل الأمـوال وتمويـل الإرهـاب خضعـت سـنة 2007 لعمليـة أولى للتقييم المتبـادل من طرف مجموعـة العمـل المالي لمنطقـة الشرق الأوسـط وشمال إفريقيـا، وقد أُجـري هـذا التقييـم في إطـار الجولـة الأولى لتقييـم منظومـات الـدول أعضـاء المجموعـة على أسـاس منهجيـة مجموعـة العمـل المالي لسـنة 2004، واقتصر على الالتزام الفني (أي مدى امتثال النصوص القانونية والتنظيمية للتوصيات 49 لمجموعة العمل المالي، ولم يمتد إلى تقييم الفعالية. وخلال سنة 2017، يضيف الوزير، انطلقت عملية التقييم المتبـادل الثاني للمنظومـة الوطنية لمكافحة غسـل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في سـياق الجولـة الثانيـة التـي باشرتهـا مجموعـة العمـل على أسـاس معايير المجموعـة التي تمت مراجعتها سـنة 2012، وكذا منهجيـة المجموعة ذات الصلة، والتي أضافت عددا من النتائج المباشرة من أجل تقييم جانب الفعالية الذي أصبح يكتسي أهمية بالغة، على اعتبار أن تركيز العديد من الدول انصب على التعديلات التشريعية دون الاهتمام بتحقيق الفعالية المطلوبة، وقد تخللت هذه المرحلة زيارة ميدانية لفريق الخبراء خلال الفترة الممتدة من 5 إلى 20 مارس 2018، تم على إثرها إعداد أول مسودة لتقرير التقييم المتبادل خاص بالمملكة المغربية،والذي عرف مجموعة من التعديلات.
وأشار بن عبد القادر إلى الاجتماع العام الثامن والعشرين الذي انعقد خلال الفترة الممتدة من 23 إلى 29 نونبر 2018، حيث تمت مناقشة هذا التقرير، واتُّخِذَ القرار بإدخال مجموعة من التعديلات عليه، وحذف التناقضات التي تم الوقوف عليها، وتأجيل اعتماده إلى الاجتماع العام الموالي الذي انعقد ببيروت خلال شهر أبريل من سنة 2019، حيث انتهى الأمر إلى دخول المملكة المغربية مرحلة المتابعة المعززة.
وأوضح المسؤول الحكومي أنه، وبالنظر إلى الانعكاسات السلبية التي قد تترتب عن التصنيف السلبي للمغرب ضمن لوائح مجموعة العمل المالي، خاصة منها تلك المتعلقة بجلب الاستثمار الأجنبي، وصعوبة الحصول على تمويل من الخارج بشروط مناسبة... فقد تم اقتراح خطة عمل من طرف الحكومة للخروج من المتابعة المعززة، تشمل الجانب التشريعي والتنظيمي وكذلك الجانب الوقائي.
وأضاف وزير العدل أن القانون الجديد يأتي تنفيذا للقرارات التي اتُّخِذَتْ خلال الاجتماع المنعقد يوم فاتح فبراير 2019 برئاسة الحكومة، وبحضور السلطات الحكومية ومسؤولي المؤسسات والهيئات المعنية، وعلى رأسها وحدة معالجة المعلومات المالية، والذي خُصِّصَ لتدارس نتائج التقييم الوطني لمنظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لتطوير فعاليتها طبقا للمعايير الدولية المعتمدة من طرف مجموعة العمل المالي، حيث اتُّخِذَتْ مجموعة من القرارات، كان من أهمها التسريع بإخراج التعديلات المزمع إدخالها على المنظومة القانونية الوطنية بما فيها القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال. وبالنظر إلى الطابع الاستعجالي للموضوع، فقد بادرت وزارة العدل إلى عقد سلسلة من الاجتماعات بتنسيق مع الأمانة العامة للحكومة بحضور وحدة معالجة المعلومات المالية والقطاعات الحكومية المعنية والهيئات المالية والأمنية والقضائية المختصة، قصد الإسراع بإخراج مشروع القانون. وخلال هذه الاجتماعات تم التوافق على مجموعة مهمة من التعديلات، تمت إحالتها على كافة القطاعات قصد إبداء ملاحظاتها، وتم التوافق عليها بما يضمن ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المعايير الدولية ذات الصلة .
تعديلات وإجراءات جديدة
من بين مستجدات القانون، التأكيد مرة أخرى على اختيار نظام اللائحة (أي الجرائم المحددة) بدل المنهج الحدي في اعتماد الجرائم الأصل لجريمة غسل الأموال، وذلك بتتميم لائحة الجرائم الواردة في الفصل2/574 من مجموعة القانون الجنائي، بإضافة جرائم الأسواق المالية وجريمة البيع أو تقديم خدمات بشكل هرمي، بدلا من اعتماد كافة الجنايات والجنح كجرائم أصل لجريمة غسل الأموال، وذلك في إطار التدرج وضمان الفعالية على أرض الواقع أثناء تطبيق مقتضيات المنظومة القانونية الوطنية ذات الصلة بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو التوجه الذي اعتمده المغرب خلال التعديلات التشريعية السابقة. ومن بين التعديلات، كذلك، رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3/574 من مجموعة القانون الجنائي، وذلك تماشيا مع المعايير الدولية التي تفرض أن تكون العقوبة المحكوم بها في هذا النوع من الجرائم رادعة.
وينص القانون على تعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية، وإرساء قواعد الاعتماد على أطراف ثالثة من أجل تنفيذ المقتضيات المتعلقة بتحديد هوية الزبون والمستفيد الفعلي، وبفهم طبيعة علاقة الأعمال بغاية تفعيل دور الأشخاص الخاضعين في منظومة التصدي لجريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما تم ربط سلطات الإشراف أو المراقبة بالأشخاص الخاضعين مع مزيد من التدقيق، وذلك بإضافة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية بالنسبة للكازينوهات ومؤسسات ألعاب الحظ، والسلطة الحكومية المكلفة بالسكنى بالنسبة للوكلاء العقاريين، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالنسبة لتجار المعادن النفيسة أو العادية أو الأعمال الفنية، مع مراعاة الاختصاصات الموكولة لكل جهة، على أن تحتفظ الوحدة بدورها كجهة إشرافية ورقابية بالنسبة للأشخاص الخاضعين الذين لا يتوفرون على جهة إشرافية ورقابية محددة بموجب قانون.