تعيش التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية على إيقاع فوضى عارمة على مستوى التدبير والتسيير، خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، بسبب تعليق انتخاب الأجهزة المسيرة، الذي كان مقررا يوم 25 مارس الماضي، إلى أجل غير مسمى، وانفراد المتصرفين المؤقتين المكلفين بالتسيير باتخاذ قرارات انفرادية، بعضها لا يدخل في مجال اختصاصاتهم.
قرارات خارج القانون
حسب معطيات موثوقة حصلت عليها «تيلي ماروك»، فإنه يتم تسجيل اختلالات خطيرة داخل التعاضدية، خلال المرحلة التي تم فيها تسليم عهدة التسيير المؤقت لمتصرفين مؤقتين عبر قرار مشترك للوزيرين الوصيين على القطاع بناء على الفصل 26 من الظهير المنظم للتعاضد، كان آخرها استصدار قرارات ترقية استثنائية يوم 14 أبريل الجاري، خارج كل الضوابط القانونية المعمول بها. بالموازاة مع ذلك، تم طرد المسؤول عن قسم الموارد البشرية بشكل لا يحترم القانون ولا الظرفية التي تمر منها البلاد جراء الجائحة العالمية، بل يتم استغلال هذا الظرف القاهر من أجل تصفية حسابات وخدمة أجندات معينة، لما لهذه المرحلة من خصوصية كان لها تأثير حتى على الآلية القضائية بالبلاد.
وكشفت المصادر عن وجود مسلسل مدروس وممنهج مرتبط بتصفية حسابات سياسية وتنفيذ أجندات حزبية ضيقة، يهدف إلى الإجهاز على كل مكتسبات القطاع، ويسئ إلى سمعته، سبقها اتخاذ عدة إجراءات، منها التوقيع على انتقالات بالجملة لفائدة بعض الموظفين تجاوز عددها 100 قرار، ثم تعيينات في مناصب المسؤولية خارج المساطر المعمول بها، والتمييز في إعطاء المنح السنوية واستغلالها في تصفية حسابات ضيقة.
وأفادت المصادر بأن كل ذلك يتم خارج الاختصاصات المخولة قانونا للمتصرف المؤقت رئيس المجلس الإداري، الذي ليست له الصلاحية أو الصفة من أجل تغيير الوضعيات القانونية داخل المؤسسة ورهن مستقبلها بالتزامات لها انعكاسات مالية إدارية وقانونية بالغة، بحكم تكليفه بالسهر على السير العادي من جهة، وأن كل المتصرفين المؤقتين هم من يشكلون المجلس الإداري المؤقت، السلطة التقريرية الفعلية داخل المؤسسة بمقتضى القرار المشترك الصادر عن سلطات الوصاية من جهة أخرى، إذ إن أي قرار إداري يجب أولا أن يدخل في إطار السير العادي المتعلق بتصريف الأعمال اليومية والعادية، ويجب أن يتم إمضاؤه من طرف كل أعضاء المجلس الإداري المؤقت.
عدم احترام المساطر
يروج داخل المؤسسة أن المتصرف المؤقت، مصطفى عسو، اتخذ قرارات ذات طابع إداري دون احترام المساطر المعمول بها، وذلك بسبب تلاعب مسؤول إداري رفيع داخل التعاضدية يعتبر تلميذ الرئيس السابق المعزول، عبد المولى عبد المومني، مستغلا عدم توفره على معلومات كافية تخوله القيام ببعض المهام داخل المؤسسة، مما سهل على المسؤول الإداري، التلاعب به بشكل واضح، رغم أنه بدوره لا يتوفر على تكوين قانوني أو تجربة إدارية كافية من أجل التسيير، وذلك بهدف تصفية حسابات شخصية، وخدمة أجندات معينة لتحقيق بعض المكتسبات.
وتوصلت «الأخبار» بالعديد من الوثائق والقرارات المتخذة أخيرا، وأكدت مصادر من داخل التعاضدية أنها لا تستند على أساس قانوني، وستكون لها انعكاسات خطيرة على الأشخاص المعنيين وعلى المؤسسة، كقرارات الطرد التعسفي التي حطمت أرقاما قياسية خلال مدة زمنية لم تتعد ستة أشهر من السير العادي، وقرارات ترقية بعض المستخدمين وإلغاء ترقيات أخرى، بالإضافة إلى انتقالات تجاوزت المائة قد تؤثر على أداء المؤسسة مستقبلا، إلا أن أخطر ما قد يكون سجل خلال هذه المرحلة، تضيف المصادر ذاتها، هواستغلال الجائحة العالمية كوفيد-19 والظروف المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، من أجل تصفية حسابات ضيقة، عكس ما تقتضيه القيم الأخلاقية والإنسانية التي أبانت عنها كل مكونات المجتمع من قيم التضامن والتسامح خلال هذه المرحلة الصعبة، ليبقى السؤال مطروحا عن مآل التعاضدية ومستخدميها في ظل هذه الممارسات التي تعرفها المؤسسة.
تعيينات وترقيات
من بين الاختلالات المسجلة خلال حالة الطوارئ الصحية، إلغاء بعض قرارات الترقية، من قبيل ترقية الموظفة فاطمة الزهراء البلغيثي، يوم 30 مارس الماضي، وفي يوم 14 أبريل الجاري، اتخذت قرارات ترقية استثنائية، بالإضافة إلى تعيينات في مناصب المسؤولية، ستكون لها كلفة مالية، وذلك بعد صدور منشور رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الموجه للوزراء والوزراء المنتدبين، يطالبهم من خلاله بتأجيل ترقيات الموظفين وإلغاء مباريات التوظيف للمناصب المالية المخصصة لهم في إطار قانون المالية للسنة الحالية، وذلك لتوفير كل الموارد المالية لمواجهة الانعكاسات السلبية لانتشار جائحة فيروس كورونا، وسعيا إلى تخفيف العبء عن ميزانية الدولة وتمكينها من توجيه الموارد المالية المتاحة نحو مواجهة التحديات المطروحة. ومن بين هذه التدابير، حسب المنشور، تأجيل تسوية جميع الترقيات المبرمجة في ميزانية السنة الجارية، غير المنجزة إلى حدود يوم صدور المنشور بتاريخ 25 مارس الماضي.
وقرر المتصرف المؤقت المكلف بإجراء انتخابات مندوبي منخرطي التعاضدية العامة، تأجيل عملية التصويت في انتخابات مندوبي منخرطي التعاضدية، التي كان من المقرر تنظيمها خلال الفترة الممتدة من 23 إلى 27 مارس على مستوى التراب الوطني إلى أجل لاحق سيتم الإعلان عنه فيما بعد، مع الاحتفاظ بجميع العمليات المنجزة لحدود الساعة، وذلك في سياق التدابير الحكومية المتخذة من أجل التصدي لتفشي فيروس كورونا المستجد، وتفاعلا مع التوجيهات والإرشادات التي تصدرها السلطات المختصة، من أجل الوقاية من هذا الفيروس، والحد من فرص انتشاره. وستسفر انتخابات مندوبي منخرطي التعاضدية عن تشكيل هياكل جديدة لهذه المؤسسة التي تضم حوالي 350 ألف منخرط من موظفي القطاع العام، وذلك بعد صدور قرار مشترك عن وزارتي الشغل والمالية يقضي بحل أجهزة التعاضدية، وعزل رئيسها السابق، عبد المولى عبد المومني، الذي صدر في حقه إلى جانب أعضاء المجلس الإداري السابق، قرار بالمنع من الترشح لانتخابات أجهزة وهياكل التعاضدية، وهو القرار الذي أيده القضاء، بعد لجوء بعض الأعضاء إلى الطعن فيه أمام المحكمة الابتدائية والمحكمة الإدارية.