البعض يعتبرون سفرهم بعيدا عن منازلهم هروبا من الجائحة، والبعض الآخر يعتبرونه حماية من الفيروس، لكن في الحالتين معا يبقى الهروب أو اللجوء إلى نقاط بعيدة عن بؤر الوباء محاطا بالسرية، خاصة حين يتعلق الأمر بالمشاهير والأثرياء الذين يغلقون أبواب «فيلاتهم» ويعلنون اللجوء الصحي إلى ضيعاتهم البعيدة في جو البادية الذي لا تتربص به الفيروسات. في خيار اللجوء هذا نتوقف عند درجات ومراتب، البعض يفضل الابتعاد مكرها عن معترك عمليات الفيروس وبؤره، والبعض يعلن نفسه في إجازة مقننة بضوابط الحجر الصحي في منتجعات سياحية فاخرة، محاطا بكل لوازم الوقاية من أقنعة واقية فاخرة، ومحلول معطر، والبعض يختار منتجعات لا تتردد عليها الأمراض إلا بإذن ربك. رغم أن الفيروسات لا تميز بين الغني والفقير في الإصابة، إلا أن الاثنين لا يحميان نفسيهما بالطريقة ذاتها من العدوى.
وأجمعت تقارير صحفية على ازدهار اللجوء الصحي في زمن الحجر، ويبدأ بالسفر إلى ضيعات أو رياضات أو منتجعات، ويصل عند علية القوم إلى كراء جزر. صحيح أن هذا النوع الأخير من الخدمات لم ينتعش في المغرب، بسبب إغلاق الحدود وصعوبة البحث عن منفذ للانفلات نحو الخارج، إلا أن هذه الوضعية أكسبت وكالات أسفار عالمية مالا وفيرا، خاصة حين يقدم الأثرياء على استئجار منتجعات في جزر لم يزرها الفيروس.
في المغرب يميل الكثيرون إلى الابتعاد عن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ويجدون في مواردهم الوفيرة العلاجات الفعالة لوضع أقصى مسافة بينهم وبين فيروس كورونا، ناهيك عن طرق العزل الصحي، بل منهم من وضع تحت تصرف الأسرة ممرضة في حالة تأهب قصوى لكل طارئ.
في الملف الأسبوعي سنحاول تعقب نماذج شخصيات عمومية من مختلف المجالات اختارت اللجوء الصحي بعيدا عن منازلها، واضعة مسافة كبيرة بينها وبين بؤر الوباء.
إدريس الراضي يقضي الحجر في هرهورة
فضل إدريس الراضي، أمين مجلس المستشارين، قضاء فترة الحجر الصحي في فيلته بمنتجع هرهورة، وهو يطل كل صباح على زرقة المحيط، إدريس الذي يصفه البعض بالشبح والبعض الآخر بعاري البطن، على خلفية مشهد الكشف عن بطنه في جلسة عمومية، قال لمقربيه إن وجوده في هرهورة يجعله يخوض غمار السياسة وهو في العزل الصحي. حيث يظهر بين الفينة والأخرى في منصة مجلس المستشارين لقراءة مراسلات وردت على المجلس.
يصر ادريس على الجمع بين السياسة والعزل، ويعمل على ملء الكرسي الشاغر الذي خلفه غياب رئيسة الفريق عائشة أيت باعلا، التي اختفت عن الأنظار، فيما تقول بعض الروايات إنها كانت في رحلة خاصة إلى شرق أوربا قبل أن يداهمها قرار إغلاق المجال الجوي.
رغم وجوده في هرهورة، إلا أن الراضي لا يتوقف عن ربط الاتصال بضيعاته الموجودة في الغرب، ويتابع أدق التفاصيل الخاصة بمشاريعه الفلاحية بالرغم من الجائحة، علما أنه استفاد بريع الأراضي المسترجعة فأصبح بقدرة قادر وجها سياسيا يملك سلطة القرار في مصير شعب انتخبه.
بين إدريس الراضي وقريبه عبد الواحد الراضي منافسة سياسية، مع اختلاف طبعا في الأوزان، وفي صبيب الفكر ورصيد السياسة، حيث عمل إدريس على الزج بابنه في غمار الانتخابات، تيمنا بكثير من القيادات السياسية التي عمدت إلى خيار التوريث.
اختار الدستوري إدريس الراضي هرهورة رغم أنه يملك أكثر من منزل فخم، لكن وجوده في الحجر لم يمنع بعض المحتاجين من التجمهر أمام فيلته الموجودة ببئر الرامي بالقنيطرة.
هشام المهاجري برلماني شيشاوة يفضل الحجر في القنيطرة
رغم أن هشام المهاجري، رئيس لجنة الداخلية بمجلس النواب، وهو برلماني عن إقليم شيشاوة، إلا أنه يفضل قضاء فترة الحجر الصحي في القنيطرة بعيدا عن دائرته الانتخابية. ولأن الرجل يتواصل باستمرار عبر منصات التواصل الاجتماعي، فإنه لا يتردد في الكشف عن انشغالاته داخل حجره الصحي، حيث يتابع من بيته أشغال اللجان الفرعية بمجلس النواب.
خلال إقامته في القنيطرة ظلت تدوينات النائب البرلماني هشام المهاجري في صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تعري حقيقة الوزير عزيز رباح، وتخصص حيزا لأصحاب الريع الذين يحتكرون مساحات مهمة من الأراضي رغبة منهم في استغلالها منجميا. فترة الحجر كانت فرصة لاستعادة سجال الجلسات الدستورية، وحروبه مع كثير من الخصوم السياسيين.
بين الرباط والقنيطرة وشيشاوة يمارس هشام السياسة، ويحاول قدر الإمكان التخفيف من الأعراض الجانبية لإقامته بعيدا عن الأصوات التي حملته إلى الوجاهة السياسية، مشيرا إلى أن وجوده بالقرب من العاصمة الرباط يخدم مصالح شيشاوة.
وحتى لا يتهم بالجمود السياسي تحت طائلة الحجر الصحي، فقد دأب هشام على نشر تحركاته عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة وأنه يشغل مهمة رئيس لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، لذا ظل يطالب بتعميم تجربة الكشف المبكر، في المهن التجارية الشديدة الارتباط بالعيش اليومي للمواطنين في هذا الشهر الكريم.
العربي المحرشي يغلق فيلته ويركب «الجرار» صوب وزان
لا يملك القيادي البامي العربي المحرشي سكنا وحيدا بمواصفات العزل الصحي المريح، فكل ضيعاته وفيلاته تتوفر على هذه الشروط، بدءا بالفيلا الأشبه بقصر في حي السويسي، أحد أرقى أحياء العاصمة والمملكة.
لكن هذا البامي اختار الهروب بعيدا إلى الجبل، وقرر قضاء فترة الحجر الصحي في ضيعته بضواحي وزان، على اعتبار أن الجائحة ستعيده إلى أصوله وتمنحه فرصة الرجوع إلى حيث المنطلق. العربي المحرشي يقرر بسبب الجائحة العودة إلى جذوره في دوار مزاورو، قيادة سيدي بوصبار جماعة سيدي أحمد الشريف إقليم وزان، في هذا الدوار بدأ حياته وسط أسرة بسيطة ومتعددة الأفراد، ما أعفاه من العبور من مقاعد مدرسة بعيدة.
يقول أتباعه إن سيرة العربي تصلح نموذجا في اختزال المسافات نحو الوجاهة، فقد اختار الهجرة الداخلية حين فضل أقرانه الهجرة نحو الضفة الأخرى، اشتغل خياطا تقليديا قبل أن يمتلك مهارة خياطة مستقبله، ما أسقطه في المحظور دون أن يتوقف ويغير الوجهة، لأن الرجل كان يؤمن بأن الاعتقال الذي لا ينهي حياتك يقويك.
كان عبوره خلف القضبان فرصة لفهم دروس نظرية في تسلق السلالم بأقل جهد، هناك في السجن التقى مع الأباطرة الكبار ومن هناك تغير كل شيء في حياته، خرج من السجن غنيا، سيارة، بيت وأموال، وواصل مغامراته إلى أن أصبح في ظرف ثلاث سنوات من الأغنياء، بحيث أضحى يرفل في المنازل، والسيارات والممتلكات.
ولأنه دخل الانتخابات عبر القفز بالزانة، فقد استثمر أموالا طائلة أوصلته إلى مجلس المستشارين، ولكي يضمن بقاءه هناك غير عدة مرات الانتماء الحزبي، بحيث تنقل بخفة من التقدم والاشتراكية إلى الاستقلال لكي يحط أخيرا فوق «الجرار».
سيطرة العربي المحرشي على إقليم وزان وقدرته على فرض وصايته على الجماعات الترابية، التي تسير تحت أوامره وكلها تابعة لحزب «الجرار»، جعلتا مقامه في وزان أهون عليه من القرب من العاصمة الرباط.
أسماء الخمليشي تحتمي في حجر صحي بجزر الكاريبي
تعيش الممثلة أسماء الخمليشي فترة الحجر الصحي التي تشهدها مجموعة من البلدان بسبب فيروس كورونا، في منزلها بجزر الكاريبي. اختارت أسماء المكوث في بيتها خارج أرض الوطن، خاصة وأنها ليست مرتبطة بأي عمل فني بالمغرب خلال الفترة الحالية، إذ اعتبرت في تدويناتها على «إنستغرام» أن الحجر الصحي ليس إجباريا، لأنها اعتادت أن تكون في أغلب الأوقات بمفردها.
وهي في حجرها «الهاي كلاس»، لا تتردد الخمليشي في توجيه النصائح إلى المغاربة في حجرهم المنزلي، حيث تدعوهم إلى الالتزام بالأكل الصحي طيلة فترة الحجر، مؤكدة أن «التغذية السليمة مفيدة جدا للجسم خلال الفترة الراهنة». وأوضحت الممثلة المغربية أنها تعتزم العودة إلى أرض الوطن، نهاية شهر ماي الجاري، في حال عودة الأوضاع إلى طبيعتها، وذلك من أجل قضاء فترة الصيف بالمغرب.
وأكدت الممثلة المغربية أسماء الخمليشي أنها تقضي فترة الحجر الصحي الإجباري التي فرضها فيروس كورونا الجديد بمنزلها بجزر الكاريبي، حيث تسكن هناك أغلب شهور السنة، موضحة أنها غير مرتبطة بأعمال فنية بالمغرب في الوقت الحالي. وقالت في تصريح صحفي لأحد المواقع: «الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا بالنسبة إلي عادي، دائما أكون وحدي في منزلي، وأغلب الوقت أقضيه في القراءة، كما أطهو أكلات لذيذة وصحية، فالأكل الصحي مهم جدا، خاصة في الوقت الحالي لكي يزيد من المناعة. هنا أتناول وجبتي الإفطار والعشاء، وفي المساء يكون وقت القراءة، كما أمارس رياضة اليوغا، وفي العادة أنام مبكرا، لأني أستيقظ مبكرا».
تقضي أسماء أكثر من نصف شهور السنة في الكاريبي وسط الطبيعة، وعينها على مستجدات انتشار الوباء، وعودة حركة الطيران إلى طبيعتها ستجعلها تشرع في مناقشة مشروعي فيلمين جديدين. مضيفة أن «أهم درس تعلمته من أزمة فيروس كورونا، هو ضرورة أن يحترم الإنسان الأرض، ويقدرها ولا يخربها».
يذكر أن الفنانة المغربية أسماء الخمليشي قد قدمت خلال مشوارها السينمائي العديد من الأفلام الناجحة، من أبرزها «فيها الملح والسكر ومبغاتش تموت» و«منى صابر» و«المنسيون» و«محاكمة امرأة»، كما شاركت في العديد من الأعمال التلفزيونية.
لمياغري حارس المنتخب السابق في ضيعة بسيدي العايدي
من حسن حظ الحارس الدولي السابق نادر لمياغري، أن عودته إلى المغرب تمت قبل إغلاق الحدود الجوية، فقد أنهى فترة إشرافه على تدريب حراس مرمى المنتخب الأولمبي الإماراتي، وقرر العودة إلى المغرب بعد طول غياب.
كان سكورزا، المدرب الأول للمنتخب الإماراتي لكرة القدم، معجبا بنادر، وكان يحاول ضمه إلى طاقمه في القادم من التعاقدات، قبل أن تقول الجائحة كلمتها وتعلق المنافسات الكروية في الخليج العربي وفي العالم أجمع، حينها تبين أن نادر «مرضي الوالدين»، لأنه طار إلى المغرب قبل إغلاق الحدود.
ظلت شهادة محمد حسن الشامسي، حارس منتخب الإمارات، حاضرة في ذهن مدرب حراس يحزم حقائبه عائدا إلى المغرب، أكد الحارس جاهزيته لمواصلة التألق في ظل التعليمات المستمرة لمدرب الحراس نادر المياغري، وتشجيع اللاعبين له، موضحا أن العمل الجماعي الذي يقدمه المنتخب في كافة الخطوط، هو أحد عوامل النجاح، لم يكن الحارس يعلم أن التصفيات ستتوقف بسبب فيروس، ولم يكن ليصدق أن لمياغري عاد إلى بلاده.
حين دقت ساعة الحقيقة وتقرر العمل بنظام الحجر الصحي، هاجر الحارس السابق للمنتخب المغربي رفقة أفراد أسرته بعيدا عن بؤرة الوباء، وتحصن في ضيعته بمركز سيدي العايدي في منتصف الطريق الثانوية بين برشيد وسطات، هناك اعتاد قضاء أيام العطل والإجازات، حيث تتوفر الضيعة على كل المستلزمات الضرورية والكمالية للحياة. ترك نادر شقته وسط صخب الدار البيضاء، وفضل الحجر «القروي» تحسبا لأي طارئ.
هروب جماعي لرياضيين وفنانين صوب منتجع سياحي
فضل عدد من الفنانين واللاعبين التوجه إلى منتجع أولا بلانكا، حيث لجؤوا إلى شققهم الثانوية هروبا من مدينة مهددة بالوباء، كثير من اللاعبين الدوليين والمدربين والفنانين الذين يملكون مساكن في هذا المنتجع، يمارسون الحجر السياحي في فضاء يخفف من قلق الطوارئ، سيما وأن المكان محروس ولا يتردد عليه إلا ملاكو الشقق والذين غالبا ما كانوا يلجؤون إليها في العطل الصيفية بالخصوص.
يوجد المنتجع في سيدي رحال ضواحي الدار البيضاء، ويضم مطعما يقوم بتوصيل الطلبات ومسبحا في الهواء الطلق وصالات ومحلا للتسوق. ويوفر مكان الإقامة إطلالات على المسبح، ويقع على بعد 39 كيلومترا من الدار البيضاء. إلى هذا الفضاء شد الرحال عدد من اللاعبين الدوليين السابقين، على غرار ياسين الصالحي وبعض الأطر الوطنية، كحسن بنعبيشة وزكرياء عبوب، فضلا عن بعض الفنانين كالمطرب سعيد مسكير.
حسب شهادة بعض القاطنين، فإن هناك شبه إجماع على قدرة الفضاء على توفير حجر صحي بأقل ملل ممكن، فالأبناء يتابعون تعليمهم عن بعد ويتحركون عند الضرورة في فضاء مفتوح، دون أن ننسى دور سلطات المنطقة التي لا تتردد في تعقيم المكان ووضعه تحت المراقبة.
بعض الفنانين اختاروا منتجعات أخرى لها إطلالة بحرية، ومنهم من قرر اللجوء إلى مسكن في ضواحي الدار البيضاء في عمق بادية مديونة، حيث الفضاء أنسب لممارسة حجر بأقل الأضرار، كما هو الحال لدى الفنان طارق برداد، عضو مجموعة «فايف سطار»، الذي يغالب الحجر بمقاطع فيديو يعبر فيها عن آرائه في مستجدات الجائحة.
عندما يتحول شهر العسل إلى علقم
حين انتهى حفل زفاف للطائفة اليهودية في أكادير، اختار العريسان منتجعا لقضاء خلوة صحية بثوب الفرح، لكن عائلة تورجمان التي أصرت على إقامة الحفل بالرغم من التحذيرات، سرعان ما علمت بوفاة ثلاثة يهود مغاربة، من بينهم رجلا أعمال بسبب وباء كورونا.
الخبر الذي نقلته صحيفة «دي تايمز أوف إسرائيل»، أكدت من خلاله أن الأمر يتعلق برجل أعمال يدعى «آري بيرتس» ويبلغ من العمر 58 سنة، ووالدته «سيمون بيرتس» وتبلغ من العمر 75 سنة، ورجل الأعمال «ميشيل تورجمان» ويبلغ من العمر 62 سنة، هؤلاء عادوا من زفاف يهودي في أكادير، قبل أسبوع على تنفيذ قرار الطوارئ.
وبحسب الصحيفة نفسها، فإن الضحايا كانوا يعانون من أمراض مزمنة، مؤكدة أن كلا من «آري بيرتس» و«ميشيل تورجمان»، حضرا حفل زفاف كبير ليصابا هناك بالفيروس، كما شاركا في حفل ديني بالدار البيضاء.
العريسان أصيبا بالهلع، خاصة وأن قرار الحجر الصحي تزامن مع دخولهما شهر العسل الذي أصبح بمذاق العلقم، حيث انسحبت السعادة من تلابيب العروسين، فتحول المنتجع إلى حائط مبكى. وقال العريس: «أخشى أن تكون هناك حالات أخرى، لأن هناك حالات لم تخضع لاختبارات».
و أشارت الصحيفة نفسها إلى أن المغرب فرض حالة الطوارئ الصحية، في محاولة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، مضيفة أنه من بين 2000 شخص من الجالية اليهودية، تم رصد 16 حالة إصابة بالفيروس.
وبادر أعضاء الجالية اليهودية برسالة إلى كل الحضور من أجل تنبيههم إلى ضرورة المكوث في الحجر الصحي، فيما تم نقل معظم من حضروا الحفل إلى مستشفى في حالة خطيرة وعددهم 16 شخصا. وأمر سيرج بيردوغو، رئيس الجالية اليهودية المغربية، بإجراء فحوصات مجانية لجميع أفراد الجالية، وطالبهم بعدم مغادرة منازلهم. وقال بيردوغو: «لقد كان حدثا سعيدا انتهى بمأساة كبيرة، لقد كانوا جزءا من أركان الجالية اليهودية».
معشر بيضاوي يعيش الحجر في ضيعته بابن سليمان
رغم أن شقته الفاخرة توجد في حي بيضاوي لا تتربص به كورونا، إلا أن عمر وادي، أحد كبار المعشرين في الدار البيضاء، اختار قضاء فترة الحجر الصحي في ضيعته بإقليم ابن سليمان، بعيدا عن صخب المدينة، سيما بعد أن تعطلت المبادلات التجارية وأغلقت الحدود في وجه التجارة الخارجية.
مباشرة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ وبدء السلطات الأمنية في تشديد إجراءات حالة الطوارئ الصحية، ومنع التنقل بين المدن لجميع المواطنين، سافر عمر وأفراد أسرته الصغيرة إلى ضيعته الهادئة، وشرع في تطبيق ضوابط الحجر الصحي بعيدا عن بؤرة الوباء الدار البيضاء. هناك يتابع أدق تفاصيل عمله، الذي تأثر بالوضعية الاقتصادية الراهنة وعاش على إيقاع الركود.
لكن عمر أكد أنه لا يعيش الحجر القاسي الذي يمنعه من التحرك خارج الضيعة، بل إنه يقوم بتداريبه بانتظام على الرغم من تزامن الجائحة وشهر رمضان الكريم. كما أنه يتوفر على ترخيص مسلم من السلطات العمومية، يخول له حق التنقل من ابن سليمان إلى مقر عمله في الدار البيضاء أو إلى مدينة أخرى له فيها ارتباط مهني.
ونفى عمر ما تردد حول معيقات التنقل، مؤكدا أن إيقافه من قبل السلطات الأمنية الموجودة بالسدود القضائية، لا يتعدى التأكد من الرخصة الاستثنائية المسلمة إليه من قبل السلطات، معززة بما يثبت التزاماته المهنية في قطاع حيوي.
رحلة منظمة لتجار الدار البيضاء صوب مسقط رؤوسهم
نظم تجار بإحدى قيساريات الدار البيضاء ما يشبه الرحلة الجماعية المنظمة إلى الجنوب، حيث مسقط رؤوسهم بضواحي أولاد تايمة، الرحلة لم تشمل التجار فقط، بل انضم إليهم محام وموثق من المنطقة نفسها.
قرر عدد من أبناء عائلات المنطقة العودة إلى مساكنهم بالمناطق الجبلية، فمنهم من تركها لفترة تزيد عن السنة، ومنهم من زار مسقط الرأس في أعقاب فاجعة فيضان وادي إمليل، وعاد إليها اليوم من أجل الدخول في مرحلة حجر صحي طوعي، هروبا من زحمة المدن واحتمال الاحتكاك بالأشخاص المصابين، خاصة وأن الإقامة بالمناطق الجبلية تتيح هامشا للحركة والتنقل أكثر بين الحقول والغابات، بعيدا عن السدود والحواجز الأمنية.
في حوار صحفي مع موقع سوسي قال عمر إد مشا، وهو تاجر بالجملة في الأجهزة الخاصة بالحلاقة والتجميل بالعاصمة الاقتصادية، إنه بمجرد الإعلان عن تقديم العطلة المدرسية الربيعية وبداية ظهور فيروس كورونا، ترك المنزل بمدينة الدار البيضاء وانتقل رفقة العائلة إلى مسقط رأسه في القرية، من أجل إقامة فترة الحجر الصحي بمسكن خاص بالعائلة الكبيرة. وأكد عمر أن العيش بالقرية آمن وسهل مقارنة بالمدينة، بحيث يتم اقتناء المواد الغذائية الضرورية، ويمكن المحافظة على التدابير والإجراءات الوقائية المتخذة من أجل تفادي انتشار وباء كورونا في القرية بسهولة، حيث لا يحتك بسكان القرية ويكتفي عند الضرورة بإلقاء التحية والحديث معهم من بعيد، بعد أن اختفت المظاهر السابقة التي كان فيها سكان القرى يتجمعون داخل المحلات التجارية، أو أماكن معروفة يقصدها الجميع لتبادل أطراف الحديث.
ونفى تاجر آخر اعتبار العودة إلى البادية هروبا من كورونا، مشيرا إلى أنه متمسك بإجراءات الحجر الصحي من أجل التغلب على الوباء، ودعا إلى التنقل إلى الجبال للذين يملكون فرصة العودة إليها لأنها مفيدة من جميع النواحي، خاصة وأن القرى اليوم أصبحت آمنة، مقارنة مع بؤر الوباء في المدن الكبرى.
لكن بعض العائدين إلى القرى اشتكوا من ضعف صبيب الإنترنت في مجموعة من البيوت، مما يفرض على الأبناء البحث عن دور للأهل والأقارب تتوفر على هذه الخدمة الضرورية، لمتابعة الدراسة عن بعد.
«عند وصولنا إلى القرية وجدنا الحياة عادية جدا، والكل كان منشغلا بالعمل في الحقول أو رعاية الماشية، والحديث عن كورونا بالنسبة إليهم حديث هامشي، رغم أن الحركة قليلة على قلة عدد سكان القرية، حتى كبار السن لا يبالون ولا يخافون من الوباء، ويقاومون جميع الأمراض بالأكل الصحي من زيت الزيتون والعسل، والاعتماد على الأعشاب من أجل التصدي لنزلات البرد وغيرها من الأمراض».