في الوقت الذي تنشغل فيه جل مكونات الدولة بتتبع جائحة كورونا وتوجه كل اهتمامها وطاقتها لتدبير التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الأزمة، تسابق بعض القطاعات الحكومية الزمن لتمرير عدد من النصوص القانونية، خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، ليس لأنها تكتسي طابعا استعجاليا، ولها ارتباط بتدبير المرحلة الاستثنائية التي تعيشها، ولكن لأنها تخدم أجندات خاصة ومعينة.
فبعد الضجة التي أحدثها مشروع القانون 20-22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي والهزات الارتدادية التي تلته، يسير قطاع البيئة التابع لوزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة في نفس المنحى لتمرير مشاريع مخططات سيكون لها وقع خطير على المجال البيئي وعلى الثروات البحرية.
مخطط للساحل
أفادت مصادر من الوزارة، بأن مسؤولا كبيرا في القطاع، عمد في ظروف الحجر الصحي إلى الدعوة لعقد اجتماعات متتالية فاق عددها الخمسة خلال هذه الفترة الوجيزة لتمرير مشاريع المخطط الوطني والمخطط الجهوي للساحل بسرعة قياسية، وذلك في خرق سافر لمقتضيات المرسوم 2-15-769 الذي ينظم اختصاصات اللجنة الوطنية وكذا اللجن الجهوية المكلفة بالتدبير المندمج للساحل ويحدد مسطرة إعداد المخطط الوطني والمخططات الجهوية للساحل.
وأوضحت المصادر، أنه في الوقت الذي تحدد فيه المادة 2 من المرسوم الأجل القانوني لاستدعاء أعضاء اللجن في 30 يوما على أقل تقدير فإن هذا المسؤول غالبا ما يوجه الدعوة لهؤلاء الأعضاء قبل 48 ساعة عن موعد الاجتماع، كما أن المادتين 6 و 8 من نفس المرسوم تلزمان كتابة اللجن التي كلف بها قطاع البيئة بتحرير محاضر لكل الاجتماعات وتوجيهها إلى أعضاء اللجنة، لكن جل الاجتماعات التي دعا إليها هذا المسؤول لا تتوفر على محاضر، ما يطرح أكثر من علامة استفهام، ومن جهة أخرى، تضيف المصادر، رغم أن المرسوم ينص في مادتيه 1 و 7 على ضرورة أن تضم هذه اللجن 5 جمعيات تنشط في إطار حماية الساحل على اعتبار أنها ممثلة للمجتمع المدني، فإن المسؤولين على قطاع البيئة قد عمدوا إلى إبعاد جمعيات وازنة كجمعية متواجدة بمدينة وجدة يترأسها أستاذ جامعي باحث ناشط في مجال المقالع والبيئة.
وبالإضافة إلى خرق مقتضيات المرسوم سالف الذكر، فقد عمد مسؤولو قطاع البيئة إلى تغيير مضمون عدد من الاقتراحات التي جاءت بها اللجن خلال اجتماعات سابقة بل قاموا بحذف العديد من هذه الاقتراحات خدمة لأجندة معينة، والخطير في الأمر أن كل الاقتراحات التي تم حذفها كانت تصب في حماية الساحل من نشاط خطير هو نشاط جرف رمال الساحل، وذلك بعد زيارة مجاملة قام بها ممثلو لوبي ينشط في نهب رمال البحر إلى مكاتب مسؤول كبير بقطاع البيئة قبل فترة الحجر الصحي، حيث عمد هذا الأخير إلى تغيير كل ما تم الاتفاق عليه وقام بإقحام نشاط جرف رمال البحر ضمن الأنشطة المسموح بها في الساحل، وبذلك سيفتح الباب أمام هذا اللوبي لاستئناف نشاطه الخطير ضدا على الموقف الرافض لهذا النشاط الذي عبر عنه في عدة مناسبات كل من وزير التجهيز والنقل ووزير الفلاحة والصيد البحري.
جرف رمال البحر دون تحفظ
كان من المفروض على قطاع البيئة التابع للوزير عزيز الرباح، أن يكون أكثر تحفظا في ما يتعلق بنشاط جرف رمال البحر نظرا لتأثيره الخطير على التوازنات البيئية البحرية وعلى الثروة السمكية وكذا على قطاع الصيد البحري، خاصة أن رباح يترأس مجلس مدينة القنيطرة ويعرف جيدا الجرائم البيئية المرتكبة بشاطئ مهدية بضواحي المدينة، لكن حماة البيئة فوجؤوا بأن هذا القطاع يدافع بشراسة على هذا النشاط ويحاول إقحامه عنوة في المخطط الوطني والمخططات الجهوية لحماية الساحل، ويروج في كواليس الوزارة أن الزيارة التي قام بها لوبي نهب رمال البحر لمكتب المسؤول قد أتت أكلها نظرا لوسائل إقناع جد خاصة التي استعملها هذا اللوبي والتي غيرت من موقف قطاع البيئة 180 درجة، والمثير للاستغراب كذلك في هذا الملف، حسب ذات المصادر، هو صمت ممثلي قطاع الصيد البحري على هذه التجاوزات رغم أنهم يشكلون أغلبية أعضاء هذه اللجن ورغم الموقف الواضح للوزير عزيز أخنوش، الذي يعارض أي نشاط لجرف رمال البحر.
وحصلت "تيلي ماروك" على مراسلة من وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، موجهة إلى وزير التجهيز والنقل، تشير إلى أن مؤسسات علمية وطنية ودولية تجمع على أن الأنظمة البيئية البحرية المتواجدة بين صفر و12 ميلا بحريا تعد من بين المناطق الأكثر توالدا وتنوعا للموارد البحرية، كما أن استراتيجية الإدارة المكلفة بالصيد البحري في ميدان استدامة الموارد البحرية تقوم على حماية هذه المناطق من خلال العديد من الإجراءات منها مخططات تهيئة المصايد وحماية مناطق التفريخ ومنع الصيد بها خلال فترة الراحة البيولوجية، وأكدت الرسالة أن عملية جرف أو استخراج للرمال البحرية يشكل تهديدا مباشرا للنظام البيئي البحري.
وكان قطاع الصيد البحري يعارض بشدة نشاط جرف الرمال، وسبق للوزير أخنوش أن عبر على هذا الموقف المعارض في عدة مناسبات وعبر مجموعة من المراسلات، حيث يعتبر أن كل عملية جرف أو استخراج للرمال البحرية تمثل تهديدا مباشرا للنظام البيئي البحري وأن استغلال رمال البحر يجب أن يخضع لترخيص من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالصيد البحري لاسيما في المناطق البحرية التي تشكل موطنا للأصناف البحرية ومكانا لتوالدها وتجدد مخزونها، وذلك أخذا بعين الاعتبار المقاربة الوقائية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار.