عمق موح الرجدالي، رئيس جماعة تمارة، والأغلبية المسيرة، أزمة الجماعة التي تشكل نواة عمالة الصخيرات- تمارة الناشئة. فبين ترؤس الرجدالي للجماعة لأول مرة سنة 2003، وعودته لتسيير شؤونها سنة 2015، تقف الجماعة على حافة الإفلاس، بعد تراكم الاختلالات التدبيرية التي خرجت عن السيطرة، وبات معها الإفلاس مسألة وقت ليس إلا.
العجز المالي الذي ضرب مالية جماعة تمارة أحد العناوين الكبيرة للاختلالات التي تراكمت بسبب الاختيارات غير الصائبة للرئيس، وأغلبيته المرتبكة، سيما بعد عجز الرجدالي عن ضخ مساهمة الجماعة في اتفاقية تأهيل تمارة والبالغة قيمتها 22 مليار سنتيم، وأكثر من ذلك استغل الرجدالي 7 ملايير حولتها وزارة السكنى لإطلاق حملة انتخابية سابق لأوانها، في ظل صمت سلطة الوصاية.
اختلالات مشروع «الهضبة الخضراء»
كان الرئيس الحالي لجماعة تمارة، عن حزب العدالة والتنمية، قد بدأ مساره سنة 2003، بإنجاز ورش الفضاء الأخضر باعتمادات مالية ضخمة، قبل أن تقرر السلطات هدم المشروع بسبب الاختلالات التي شابت إنجازه، وعدم احترام القانون ومتطلبات التهيئة، وغياب التنسيق والالتقائية مع باقي المتدخلين.
وكشفت المصادر أن هدم مشروع منتزه «الهضبة الخضراء»، الذي أقيم على مساحة 8 هكتارات ونصف، كبد الجماعة الحضرية للمدينة خسارة مالية بحوالي مليار و300 مليون سنتيم، وتمت إقامة هذا المشروع فوق أرض توجد في مكان استراتيجي بالقرب من الطريق السيار.
وتواصل سوء تدبير شؤون المجلس الجماعي، خلال الولاية السابقة للرئيس الحالي، بفرض عدد من الاختيارات الفاشلة، خاصة في ملف ترحيل ساكنة دور الصفيح، واختيار المشاريع، واستنزاف مالية الجماعة، إضافة إلى تكلفة نزع الملكية لبعض العقارات، وكذا خسارة الجماعة لعدد من المنازعات والقضايا لفائدة الغير، مع ما ترتب عن ذلك من تعويضات أرهقت ميزانية الجماعة، والتي من المرتقب أن تصل إلى 48 مليار سنتيم في قضايا معروضة على القضاء، إضافة إلى 14 مليار سنتيم وجب على المجلس دفعها بعد أن أصبحت حائزة على قوة الشيء المقضي به.
وأكدت المصادر أن سبب العجز المالي الذي تعرفه البلدية يرجع إلى الأزمة الخانقة التي تسبب فيها المجلس البلدي السابق، بحيث ارتفعت الديون إلى حدود سنة 2009 إلى 49 مليار سنتيم، بعد عدم التزام المجلس السابق بأداء تعويضات نزع الملكية من أجل إعادة إسكان قاطني دور الصفيح، وتعويضات شق الطرق، وهو ما دفع بمجموعة من المواطنين الذين انتزعت منهم أراضيهم بدون مراعاة الإمكانيات المالية المتوفرة لدى البلدية، إلى رفع دعاوى قضائية من أجل استرجاع حقوقهم، حيث توصل المجلس البلدي لمدينة تمارة، بعشرات الإنذارات لتنفيذ أحكام قضائية ضد البلدية، أغلبها تتعلق بنزع ملكية قطع أرضية دون تعويض أصحابها، ولجأ بعض أصحاب هذه الدعاوى القضائية إلى مسطرة التنفيذ والحجز على بعض الممتلكات المسجلة في اسم البلدية.
تخبط وارتجالية
حسب مستشارين من أغلبية المجلس الأسبق خلال الولاية الأولى بين 2003 و2009، فإن الرجدالي لم يكن يتوفر على أي تصور، بدليل أنه ظل يتخبط حتى نهاية الولاية، دون أن يترك بصمة واحدة تؤرخ لمجلس سير جماعة تمارة بأغلبية مريحة، وفي ظل اختصاصات واسعة، مع استحضار ارتفاع ميزانية الجماعة التي لم تنعكس على ساكنة العمالة الناشئة، حيث تفاقمت العشوائية بتراب الجماعة، وتحولت الجماعة إلى غول إسمنتي يفتقر للمرافق الحيوية والمناطق الخضراء، والبنية التحتية الطرقية، إلا ما سجل من إنجازات بفضل تدخل ممثلي وزارة الداخلية بالمدينة.
وبسبب حصيلة تلك الولاية فقد الرجدالي وحزبه ثقة الناخبين، فوجد نفسه خارج التسيير، إلا أن الإرث الثقيل الذي تركه من الاختلالات ألقى بظلاله على ولاية خلفه الذي وجد نفسه مضطرا لمواجهة المحاكم بسبب القضايا الكثيرة المرفوعة ضد الجماعة بسبب سوء تسيير سلفه الرجدالي عوض مواجهته لمشاكل تمارة البنيوية، وتعاظمت أزمة التسيير التي استغلها حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية التي أعادت الرجدالي لرئاسة الجماعة سنة 2015، فكان أول قرار اتخذه هو بناء مقر فخم للجماعة بقيمة عشرة ملايير سنتيم، ويبدو أن ضخامة الغلاف المالي دفعت سلطات الوصاية لرفض المشروع، خاصة وأن قيمة الإنجاز تشكل أكثر من نصف ميزانية الجماعة، وبالتالي فإن جدوى الإنفاق تبدو غير متوازنة.
وظل الرجدالي مصرا على هذا المشروع، حيث قام بتحويل مقر الجماعة من شارع الحسن الثاني إلى شارع محمد الخامس حيث توجد عمارتان في ملك الجماعة بنيتا في وقت سابق على أرض في ملك الجيش الملكي، وتعهد ببناء مقر الجماعة في ظرف سنتين بقيمة 10 مليارات سنتيم تم رفضه من طرف الجهات المانحة، وبعد انقضاء المدة، وعوض أن يبحث عن حل للوفاء بالتزاماته مع مالك العمارتين، قام بتفويت المقر القديم للخزينة العامة لاستغلاله كمقر رسمي لها بتمارة، وبعد حملة المجتمع المدني عليه بسبب هذا القرار، شرعن زلته الخطيرة بإدراج نقطة تفويت المقر للخزينة ضمن دورة رسمية من أجل التصويت عليه مستغلا أغلبيته الساحقة في المجلس.
وسيتواصل مسلسل سوء التدبير بالمجلس الجماعي لتمارة، بعدم وفاء المجلس بالتزاماته في اتفاقية لتأهيل الجماعة المبرمة منذ سنوات مع وزارة السكنى وسياسة المدينة، حيث تبلغ قيمة الاتفاقية حوالي 22 مليار سنتيم، حولت منها الوزارة قرابة 7 مليارات استغلها موح الرجدالي، رئيس جماعة تمارة، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، في إطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها، بعد أن أقبر موضوع الاتفاقية، وبعد عجز جماعته عن تحويل حصتها في الاتفاقية، وسط تساؤلات عن دور سلطة الوصاية في تتبع صرف اعتمادات مخصصة لتنفيذ بنودها.
ووفق مصادر من مجلس جماعة تمارة، فإن موح الرجدالي حول ما تبقى من مساهمة وزارة المالية التي خصصت لتأهيل مدينة تمارة على عهد الوزير السابق نبيل بنعبد الله، في إطار تبادل المنافع بين حزبي الأغلبية الحكومية، إلى شركة تمارة للتنمية-temaradeveloppement، والتي برمجت لتنفيذ أوراش للترصيف وتبليط الأزقة والشوارع بخلفية انتخابية، لإرضاء أتباع حزب العدالة والتنمية بتمارة، خاصة بمعاقل مستشاري الجماعة، ونواب الرجدالي، بدليل أن تركيز هذه الأشغال تم بالأحياء التي يقطنها نواب الرئيس، وسط غضب عارم لمستشاري المعارضة وبعض أعضاء الأغلبية من حزبه الذين قلبوا الطاولة عليه بعد رفضهم لسلوكات وقرارات الرئيس الانفرادية والإقصائية التي تدبر بمنطق «الكَانة» حسب تعبير زميل سابق له.
خرجات نائب الرئيس
تصاعدت الأصوات المنتقدة للتدبير الارتجالي لشؤون المجلس، والذي امتد ليصل إلى النائب الأول للرئيس، الذي رصد العديد من الاختلالات التي تطرق إليها في خرجات مصورة، مازالت إلى الآن تنتظر رد الرئيس مادام أنها صادرة عن أحد أعضاء المكتب المسير، والذي يتحدث عن احتكار القرار، وعدم إشراك نواب الرجدالي، وعدم القدرة على الحسم في عدة قضايا، وعدم الاكتراث للتسيب الإداري، ومظاهر الهشاشة والفقر والبداوة والاختلالات المجالية والانتشار المهول لدور الصفيح الذي يجعل تمارة تحتل المرتبة الثانية وطنيا في انتشار «البراريك»الصفيحية، وتعول ساكنة تمارة على مجهودات السلطات، حيث يجري التخطيط لبرنامج تأهيل شامل ومندمج بالمدينة ترعاه وزارة الداخلية من أجل تغيير معالم المدينة، وقد رصدت له مبالغ مالية بالملايير، وتم الاتفاق على الخطوط العريضة للبرنامج من أجل تنزيله، قبل تأجيل خطواته الأولى بسبب أزمة كورونا، وتتمثل في الدراسات وانطلاق الأشغال الكبرى المهيكلة، علما أن الرئيسالرجدالي تعود على تدخل السلطات ورجال الداخلية بالإقليم خلال الولايتين اللتين ترأس فيهما المجلس من أجل إنقاذ المدينة، حيث أنقذ محمد امهيدية، الوالي الحالي لجهة الشمال الذي كان يشغل عاملا على الإقليم خلال ولاية الرجدالي الأولى، الإقليم من السكتة القلبية التي كانت تهدده، بعد أن غير وجه تمارة عمرانيا وأشرف على توفير بنيات خدماتية وتحتية مهمة، واليوم يسارع العامل يوسف ادريس، الذي كان مكلفا بالمشاريع التنموية الكبرى بالدارالبيضاء قبل أن يحظى بتعيين ملكي على رأس عمالة تمارة، من أجل تعبئة موارد مالية تقدر بالملايير، بتنسيق مع مصالح وزارة الداخلية ومؤسسات شريكة، من أجل أجرأة مخطط استراتيجي كبير تعول عليه ساكنة تمارة لتعويض شبح الإفلاس الذي يهدد المجلس.