أقدم عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك، على تعيين مدير ديوانه السابق، الذي تربطه به علاقة مصاهرة، رئيسا لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للأشغال العمومية التابعة للوزارة، وأول قرار اتخذه صهر الوزير هو طرد الموظفين البسطاء من الجمعية، وحرمانهم من بعض الخدمات البسيطة التي كانوا يستفيدون منها في عهد الوزراء السابقين.
مخطط للسيطرة
حسب وثائق تتوفر عليها «تيلي ماروك»، فقد عين اعمارة صهره عبد العالي كور، رئيسا للمؤسسة الاجتماعية في بداية شهر يناير الماضي، بعدما استقدمه سابقا من إحدى المصالح التابعة للفلاحة والمياه والغابات، لشغل منصب مدير ديوانه، وذلك في إطار مخطط بدأ في عهد الوزير السابق، عزيز رباح، للسيطرة على هذه المؤسسة. وأفادت مصادر من الوزارة، بأن مؤسسة الأعمال الاجتماعية التي تتلقى مساعدة مالية سنوية من ميزانية الدولة قدرها 18 مليون درهم، أصبحت خاضعة لسيطرة أعضاء ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، بعدما تحكم الوزير السابق، عزيز رباح، والوزير الحالي، عبد القادر اعمارة، في تعيين رئيسها وأعضاء المكتب الوطني، وذلك بعد إعفاء الرئيس السابق، إثر الاختلالات الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات.
وكشفت الوثائق أن أول قرار اتخذه الرئيس صهر الوزير، هو إقصاء الأعوان والموظفين البسطاء من خدمات الجمعية، حيث وجه رسالة إلى المديرين المركزيين والجهويين والإقليميين للتجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، يخبرهم من خلالها بإلغاء المستخدمين العاملين في إطار الشساعة الاستثنائية من مؤسسة الأعمال الاجتماعية، بدعوى أنهم لا يستوفون الشروط القانونية، ونظرًا لارتباط هذه الفئة من العاملين مع شركات التأمين بعقود تأمين التآزر في إطار الخدمات التي كانت تسديها لهم جمعية الأعمال الاجتماعية للأشغال العمومية سابقا، حيث قررت المؤسسة فسخ هذه العقود ابتداء من فاتح يوليوز المقبل. وأكدت مصادر نقابية من الوزارة، أن رئيس المؤسسة حرم هذه الفئة من العاملين من خدمات بسيطة كانوا يستفيدون منها، من قبيل منحة الدخول المدرسي وقفة رمضان، في حين تغدق المؤسسة على كبار الموظفين بامتيازات خيالية، من قبيل الشقق الفاخرة وقروض بالملايين.
وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن فضح الاختلالات الخطيرة التي تعرفها هذه المؤسسة، مسجلا استفادة الجمعية من عدة أملاك عقارية مصدرها الملك الخاص للدولة، ما مكنها من إنجاز مشاريع سكنية، وتم اقتناء هذه الأملاك العقارية بأثمنة مناسبة جدا لتحقيق هدف تسهيل تمليك السكن لفائدة الأعضاء، لكن، مع مرور الوقت، يضيف تقرير المجلس،«أصبحت المؤسسة مستثمرا عقاريا ينجز مشاريع سكنية في جميع الأقاليم وبجميع المستويات وخاصة لفائدة كبار المسؤولين». وكشف التقرير تمليك ثلاث شقق بالمشروع السكني «رياض 9» بالرباط للرئيس السابق واثنين من أقاربه، وأشار التقرير إلى أنه «خلال العشر سنوات الأخيرة تم توجيه مشاريع السكن المنجزة من طرف المؤسسة إلى نوع السكن الممتاز وبلغ هذا النوع من السكن 15 مشروعا أفضت إلى بناء 828 قطعة سكنية استفاد منها الميسورون فقط».
نقابيون يكشفون المستور
أفادت مصادر نقابية بأن موظفي الوزارة اكتشفوا تفويت شقق فاخرة توجد بأحياء راقية بالرباط إلى مسؤولين كبار داخل الوزارة، بينهم أُطر يعملون بمؤسسة الأعمال الاجتماعية للأشغال العمومية، وذلك في خرق سافر لمقتضيات المادة الأولى من ميثاق السكن الذي يضع نظريا جميع المنخرطين على قدم المساواة من حيث الاستفادة. وأفادت المصادر ذاتها بأن من بين المستفيدين كذلك مستشارة سابقة في ديوان الوزير عزيز رباح، عندما كان وزيرا للتجهيز والنقل. وأوضح مسؤول نقابي أن مستشارة الوزير غير تابعة للقطاع، لكنها استفادت من شقة فاخرة في حي الرياض، في حين تم إقصاء منخرطين منذ 30 سنة ويؤدون واجبات الانخراط بشكل منتظم.
وحسب تقرير أنجزته نقابة الاتحاد المغربي للشغل، فإن الجمعية تحولت إلى مؤسسة نخبوية تقدم خدماتها لكبار الموظفين والمديرين،وأعلن مكتب نقابة موظفي وموظفات وزارة التجهيز والنقل عن استنكاره للطريقة التي تصر بها المؤسسة على مواصلة التنكر لحقوق المنخرطين، مشيرا إلى المجزرة الاجتماعية التي اقترفتها المؤسسة حينما عمدت بطريقة سرية إلى تفويت جل الشقق خلال الفترة ما قبل 2016 إلى مسؤولين داخل الوزارة بعضهم لا يتوفرون على الشروط القانونية للاستفادة، والتستر على لائحة المستفيدين من ستة (06) شقق شاغرة بمشروع الرياض 9 بالرباط.
وأكدت النقابة أن هذا المشروع النخبوي يتنافى ومفهوم التضامن ويكرس فكرة الاستبعاد الاجتماعي، ويهدد بالتالي بتقويض وحدة المؤسسة لأنه لا يعترف بالحقوق الأساسية للمنخرط البسيط، بل يعمل على نشر التفرقة وعدم المساواة والانتقائية التي تنتج بالضرورة أحياء سكنية مغلقة لا يقدر على الاستقرار فيها إلا قلة من المحظوظين. وأضاف التقرير «إنها الأعمال الاجتماعية بنكهة الاستبعاد الاجتماعي الطبقي الذي يقنن انفصال الناجحين اقتصاديا وإداريا في تنافٍ تام مع مفهوم وحدة المصير». وأوضح التقرير أن الشروط التعجيزية المفروضة على المنخرطين، تؤكد أن أغلبيتهم مستبعدون من هذا النوع من المشاريع بصفة مستمرة لا عرضية، ما يفضي إلى تجمعات سكنية تكرس العزلة الاجتماعية الطوعية بالنسبة للكبار، والقهرية بالنسبة للفئات الأخرى الواقعة تحت رحمتهم.