عن «أفريك ماغازين»
بقلم: فوزية معروف
هو باحث ومفكر لامع في الشأن الإسلامي، شغوف بالأدب، نشر مؤخرا رواية بعنوان «هكذا كانت تتكلم أمي». الرواية تتحدث عن الواقع بكل حرية.
يعتبر رشيد بن الزين كاتبا قريبا من الناس. هذا الأسمر الطويل المولع بالتاريخ حاضر على جميع الجبهات. ولد سنة 1971 بمدينة القنيطرة، وقسم حياته بين أوروبا ووطنه. درس هذا الباحث والمفكر في الشأن الإسلامي في معهد الدراسات السياسية في إيكس أون بروفانس،وكان باحثا في مرصد الأديان بفرنسا. كما يعتبر أحد أبرزالشخصيات للإسلام الليبرالي الفرنكفوني. يقدم هذا الرجل إنتاجات تثير الدهشة بقدر روعتها. نشر في سنة 2013، «تفسير القرآن للشباب»،ثم في سنة 2017، اشترك مع دلفين هورفيلور في تأليف «1001 طريقة لكي تكون يهوديا أو مسلما»، وعرض أيضا مسرحيات، من بينها «رسالة إلى نور» مستوحاة من روايته الصادرة سنة 2016، «نور، لماذا لم أر أي شيء قادم؟»، والتي سبر فيها أغوار ظاهرة الكاميكازي (الانتحاريين))، ليختم بـ«القضية الإسلامية» سنة 2018.
تماما مثل البطل الراوي في روايته «هكذا كانت تتكلم أمي»(دار نشر«لو سوي»)، فهو مدرس في جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا.وترفع هذه الرواية المؤثرة القبعة لأم شجاعة، تاريخها حافل بالمعاناة، وتكشف عن الوريد الطبيعي للكاتب.
أفريكماغازين: هل يمكن اعتبار هذه الروايةالمؤثرة التي تحكي قصة ابن يعتني بوالدته المسنة والمريضة ليل نهار، إلهاما من سيرة ذاتية؟
+ رشيد بن الزين: يمكن اعتبار ذلك في سياق المشاعر التي نشعر بها أما متقدم الوالدين في السن والخوف من رحيلهم، بكونها أمرا مشتركا بيننا. من خلال هذه القصة، أردت أن أثير مسألة علاقتنا بكبار السن، وفقا لكيفية ترويضنا لهذا الخوف أم لا. لكن الشخصيات التي قدمتها خيالية: قصتهم، مشوارهما هي إلا وسائل لسرد ما نرغب في إيصاله. وتتجسد قوة الخيال في هذه النقطة: إذ يستدعي التخيل من أجل خلق قصة، وفي نفس الآن، مواردنا الأكثر حميمية، لكي نوصل إلى القراء المشاعر التي نتشارك فيها.
كيف تناولت الفقرات التي تصف بحياء التنظيف الشخصي الذي يلتزم البطل في روايتك بالقيام به على الرغم من إحراجه؟
+ لقد أردت أن أكتب هذا المشهد من أجل تسليط الضوء على أمرين محظورين. الطابو الأول ما يجعلنا نرى أمنا كأم لا غير، ويمنعنا من رؤيتها كامرأة، وجسد ورغبة. عندما يتطوع البطل في روايتي، في غياب الممرضة، لأن ينظف جسد والدته، بما في ذلك معظم مناطقها الحميمية، فإنه يتعدى هذا الطابو بدافع الحب، بدافع إحساس شديد بالواجب تجاه هذه الأخيرة. وذكرت أيضا في فقرة أخرى استحالة تخيل الراوي أن والدته قد تشعر بمتعة جسدية. والطابو الثاني يتمثل في وهن والدينا: طوال حياتنا، نرى فيهم محصنا لنا، ومنارات ترشدنا، وملاذات آمنة مصونة، ثم تأتي لحظة وعمر ينهارون فيه،يصبحون ضعفاء، وكذلك نحن! نصير أطفالا ضائعين في الوقت الذي تتطلب منا الحياة أن نصبح حصنا ومنارة وملاذا لآبائنا. هذا التبادل في الأدوار جميل وصعب في نفس الآن، تماما مثل هذا المشهد حيث يواجه الابن والأم هذين المحظورين. يجب على كل منهما أن يتغلب على تحفظه: تشعر الأم بالتوترمن فكرة أن ابنها سينظف جسدها بالكامل، لتتأقلم في النهاية مع الوضع، وبطريقة ما«تشفى»، بهذا الفعل الجميل المفعم بالحب. إن الحياء قيمة جوهرية في معظم المجتمعات، لاسيما في العالم الثقافي الإسلامي. كشف عورات الآباء أمام أطفالهم أمر لا يمكن تصوره. بالتالي، أن يجد الابن نفسه في موقف يحتم عليه تنظيف جسد والدته هو ضرب من الكوارث العقلية بالنسبة لكليهما. ولكنه أيضا نوع من الانعكاس الناجم عن منطق الحياة، هكذا يجب استيعابه: في الماضي، غسلت الأم طفلها، واليوم، الطفل يقوم مقام والد الأم،التي أصبحت عاجزة. الحب قادر على تجاوز كل شيء!
لماذا وضعت سياق أحداث «هكذا كانت تتكلم أمي» في بلجيكا وليس في فرنسا؟
+ ربما حتى لا يسألني الناس إذا كانت سيرة ذاتية [يبتسم]. لقد جعلني تأليف كتابي السابق أمضي الكثير من الوقت في بلجيكا، أحب هذا البلد كثيرا، وأردت أن تدور أحداث هذه القصة هناك. إن الأمر يشبه إلى حد ما الأب في «نور، لماذا لم أر أي شيء قادم؟» الذي حددت مكانه في بلد عربي، دون تعيين البلد. ليس في فرنسا أو في المغرب. ربما، لا شعوريا، أحتاج إلى خلق مسافة بيني وبين الشخصيات التي أجعلها أحيانا تقول ما أشعر به.
يؤكد الراوي:«لقد ولدت الثقافة المدرسية الناشئة بداخلي ازدراء لا شعوريا ولكنه حقيقي تجاهالطبقية. الذي ما زاليدنس أعماقيإلى اليوم،وحتما يشعرنيبالخزي.»هل هذا شعورك أيضا؟
+ يمكن القول إنه، في كثير من الأحيان، عندما نأتي من بيئة اجتماعية متدنية المستوى ونبتعد عنها بفضل الدراسات ودورة الحياة، فإنه من المحتمل أن نختبر مشاعر صعبة وأحيانا متناقضة. يمكن أن نشعر بالخجل من أصولنا، ونشعر بعدم الارتياح من رؤية والدينا لا يتقنون الفرنسية أمام مدرسينا. ويشرح الراوي أنه إلى جانب إخوانه، قام بتلقين والدته جملا معينة لكي تقولها للطبيب أو في اجتماعات المدرسة. ويحكي أيضا عن شعوره، عندما ذهبت أمهلكي تستقبل طردا في مكتب البريد، وكيف شعرت بالمهانة أمام الموظف الذي طلب منها ملء استمارة، ولم يدرك أن المرأة الفقيرة والأمية عاجزة عن ذلك. ثم رآها تعود أدراجها والدموع تملأ مقلتيها خاوية الوفاض. إنه جرح غائر. وفي الوقت نفسه، نشعر بالذنب لأننا تركنا أصولنا للعيش فجأة في بلد آخر، سواء لأسباب فكرية أو اجتماعية أو ثقافية. إنه لعار مزدوج، ذلك الذي يشعر به أولئك الذين نسميهم «المنشقين عن الطبقة»: عار الأصل الذي يختبرونه أحيانا، بل كراهية الذات، وذنب الشعور بهذا العار.
يستغرق ترويض هذا الشعور وقتا،حتى نشغل بسلام المكانة التي اكتسبناها بفضل الدراسات، وقبول عدم الانتماء بالكامل و«تماما»إلى نفس العالم الذي ينتمي إليه أجدادنا. إنه أشبه بحداد تتعلم كيفية القيام به.
أمام والدته الأمية، القادمة من البادية في المغرب، يحرك هذا الابن الشغوف بالدراسة حتمية اجتماعية قوية. هل يمكن اعتبار أن هذه الرواية هي أيضا صراع طبقي؟
+ أفضل أن أقول إنها رواية مصالحة. يرتبط الصراع الطبقي بالوسم، بالأدوار والوظائف التي نتولاها في الحياة. وبالفعل، عندما نرى أنفسنا من منظور هذا الرداء «الاجتماعي»، فإننا نشعر بالمسافة: هذا ما قلته من قبل أثناء الحديث عن فكرة الانشقاق الطبقي. وهنا أتحدث عن ابن وأمه، ورجل يعتني بمن أنجبته، وامرأة تتوقف حياتها على وجود ابنها. مهما كان المسار الذي سلكه هذا الأستاذ الجامعي، فهو في النهاية طفل يسهر على رعاية أمه. ثم، هناك في الرواية طقوس يومية تختم هذه المصالحة: إنها اللحظة التي يقرأ فيها مقاطع من «الجلد المسحور»للمؤلف«أو نوريه دي بالزاك»، وهي لحظة تطالب بها الأم كل يوم، على الرغم من «إلمامها بأدق تفاصيل الرواية». بالنسبة لي، إنها هدية تعطيها لابنها، طريقة لكي تلحق به إلى المكان الذي وصل إليه، في عالم الأدب. في بعض الأحيان، عندما نبتعد عن عالم أحبائنا، نعاني لأننا نشعر بأنه لم يعد بإمكانهم استيعاب أو مواكبة ما أصبحنا عليه. من خلال هذه الطقوس، تخفف الأم من هذه المعاناة عن طريق اللحاق بركب ابنها. يجمع بين هذين الكائنين الحب البنوي الذي لا يقهر، ومن خلال هذه المصالحة بين عوالمهم بواسطة كتاب.
لقد كتبت العديد من المقالات منذ أكثر من عشرين عاما. لماذا حدث الانتقال إلى الخيال في وقت متأخر جدا؟
+ لا أعرف ما إذا كان الوقت قد تأخر، لكن أعتقد أن ذلك حدث في أعقاب مسار كان يجب أن يأخذ وقته. في روايتي الأخيرة، «نور، لماذا لم أر أي شيء قادم؟»، والذي شكل موضوع العديد من العروض المسرحية في فرنسا وبلجيكا والمغرب وتونس والولايات المتحدة وحتى إيطاليا،لقد تمكنت من قياس القوة الضاربة للخيال. لقد خول لي هذا العمل المبني على تبادل بالرسائل بين فتاة قررت للانضمام إلى داعش ووالدها، أستاذ الفلسفة، تقديم حوار حول موضوع أصبح صعبا ومؤلما للغاية كي نأخذ الوقت ونوليه اهتماما حقيقيا. إن التحليلات السياسية والاجتماعية ضرورية، ولكن في مرحلة ما، بدا لي أنها لم تقدم لنا الفرصة للقاء والتحدث مع بعضنا البعض، كل واحد يصر على مواقفه في مناخ يزداد حدة واختلافا. يغرس هذا المؤلف الحب البنوي، هذا الرابط الذي لم ينقطع قط بين كائنين رغم تعارض أفكارهما بشكل جذري. خلال العروض والاجتماعات، تمكنا من التأثير في الناس، وجعلهم يفهمون تعقيد الأشياء، والسماح لهم بفهم ما يدور في ذهن «العدو»، والذي لا يمكننا اختزالهفي بربري أو مجنون. عندما أدركت ما يمكن أن يصنع الخيال، أردت الاستمرار في استكشاف هذا النوع في الموضوعات القريبة من قلبي. خطاب الحواس لبلوغ الإدراك.
لقد ولدت في القنيطرة ووصلت إلى التراب الفرنسي في سن السابعة. في سنة 1996، كنت بطلملاكمة في فرنسا. كيف انتقلت من الحلبة إلى العلوم السياسية والتفسير القرآني؟
+ لم أنتقل من واحدة إلى أخرى، لقد اختبرت كل شيء في نفس الوقت. جاء الكيك بوكسينغ في وقت متأخر جدا من حياتي، ولم أكن مهتما بهذا النوع من الرياضة. لقد بدأت التدريس منذ أن كان عمري 22 سنة. لقد درست الاقتصاد أولا، ثم درست العلوم السياسية ثم التاريخ. لا أعتقد أنه يمكن اختزال الناس في تسمية واحدة، وقدرة واحدة. لقد كنت محظوظا لأنني تمكنت من استكشاف كل ما لدي من شغف منذ سن المراهقة: الكتب وتاريخ الأديان، الانخراط في الجمعيات-بدأته في سن صغيرة في تراب-، والرياضة. يجب أن نصغي إلى بعضنا البعض، ونختبر شغفنا الذي يوجهنا، متى استطعنا وطالما استطعنا.
عندما كنت طفلا، هل لعبت كرة القدم مع جمال دبوز أو عمر سي أو نيكولا أنيلكا [الذين عاشوا أيضا في تراب، ملاحظة المحرر]؟
+ نعم، لقد لعبنا معا. في «دريم تيم تراب»، ننتمي إلى نفس الجيل. كان عمر مدافعا، وجمال لاعب جناح أيمن، ونيكولا مهاجما. ثم اتبع كل واحد منا مشواره المهني. ما زلت على تواصل مع جمال وعمر.
ما الروابط التي تربطك بالمغرب؟
+ لقد ولدت في القنيطرة. لقد كان والدي مدرسا، وفي وقت مبكر جدا أحببت المدرسة والتعلم. بالإضافة إلى التعليم المدرسي، ذهبت إلى الكتاب في المغرب، ثم عندما وصلت إلى فرنسا، تعلمت الفرنسية إلى جانب الأطفال السينغاليين والجزائريين والتونسيين. بما أنني كنت متميزا، فقد تخطيت فصلا دراسيا في نهاية السنة الدراسية الأولى. لكن بلدي الأصلي، المغرب، مرتبط بطفولتي، بهذه الرحلة العظيمة التي كنا نقوم بها كعائلة، كل صيف في الثمانينيات، في سيارة بيجو504. بمجرد الوصول إلى المغرب، كنت أحب مقابلة أصدقائي، والذهاب إلى سينما «الأطلس» في القنيطرة، والتي كانت تباع تذاكرها بدرهمين، وشاهدت جميع أفلام الكاراتي آنذاك! لقد عشنا سنوات صعبة في فرنسا، لكن العودة إلى المغرب جسدت ما كان يسميه سبينوزا، «فرحة قبول حزن النهاية».
اليوم، ماذا تتذكر من والدتك؟
+ على الرغم من معاناتها، ونظرة الآخر الخالية من الشفقة أو الاستياء، إلا أنها لم تجعل من آلامها هوية. كانت تملك القدرة على التغلب على المواقف التي لا تحسد عليها. لم يكن المنفى سهلا بالنسبة للجيل الأول من المهاجرين، الذين عاشوا منفى مزدوجا: منفى الأرض ومنفى اللغة. تدور هذه الرواية حول قصة حب، وامتنان الابن وتقدير والدته. هذه طريقي لكي أعبر لها عن شكري. أنا أحب الأدب، والشكل الروائي يجسد جماليةالحس من خلال التأثير في العاطفة: نحن في قلب الإنسانية.
أنت من ضمن الذين أطلق عليهم مفكرو الإسلام الجدد. أنت مفكر وباحث في الشأن الإسلامي وباحث مشارك في «فون بول ريكور» الذي يدرس أحد مفكري التأويل. هل يمكنك فهم ما هو جذاب في القراءات الأكثر أصولية للنصوص المقدسة؟
+ قبل كتابة «نور، لماذا لم أر أي شيء قادم؟»، قابلت الكثير من الشباب في السجن الذين عادوا من سوريا والعراق. على عكس الاعتقاد السائد، لا ينحدرون جميعا من مستوى اجتماعي متدن، وليسوا جميعا شبابا عاطلين عن العمل: من بينهم أشخاص ذوو تعليم عال. لذلك يملكون، مثل نور، فتاة شابة ذكية تدرس الفلسفة، خطابا متراصا وحججا دامغة. في الواقع، هم أولا وقبل كل شيء في حالة عدم ثقة وانتقاد جذري لـ«الحداثة الغربية» ووعودها بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة، إلخ.. يستحضرون الغزو الأمريكي في العراق والوضع في فلسطين لإظهار تناقضات وأكاذيب الغرب. إن الراديكاليين السياسيين من يجدون في التطرف الديني لباسا لانتقادهم وثورتهم. لأنه فعلا موجود: حقيقة أن نكون حذرين في العالم الإسلامي من الدعوة إلى قراءة نقدية للنصوص الدينية، وحقيقة وجود مجموعة كبيرة من «العلماء» الآن الذين ينشرون بشكل كبير بفضل التقنيات الجديدة، أكثر القراءات أصولية، وحقيقة الترويج للمذهب الوهابي على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وكل ذلك يفتح المجال أمام القراءات الأصولية لكي تنتشر. إن اقتران الثورة السياسية مع انتقاد الحداثة والراديكالية الدينية هو ما ينتج ظواهر الجهاد. غالبا في لقاءاتي حول «نور، لماذا لم أر أي شيء قادم؟» مع الطلاب الشباب، يشعرون بالانزعاج لأنهم يجدون من الشرعي القيام بثورة سياسية ضد أفعال «الغرب»، ويتفقون مع حجج نور. يجب أن ينصب كل انتباهنا في الاستماع لهذا الانتقاد، بدلا من التظاهر بأنه غير موجود، ولكن دون الغرق في التطرف الديني الذي يجني ثماره من هذا الانتقاد.
وفي هذا النطاق، يكون العمل على قراءة النصوص المقدسة، وسياقها، أمرا ضروريا.
أنت تدافع عن مكانة التاريخ في هذه النصوص ودور النقد من أجل تجنب عقبة قراءة عفا عليها الزمن..
+ تاريخيا، لم تكن معاداة السامية قضية دينية. إنها ظاهرة «عنصرية»، للتمييز والكره لجماعة - اليهود –واعتبر أنها لا تنتمي إلى الإنسانية المشتركة ويمكن بالتالي تحقيرها، وكرهها، واضطهادها، وإبادتها. إن لكرههم واضطهادهم تاريخا طويلا، جذوره متأصلة في العصور القديمة، بين الآشوريين والرومان القدماء. إن معاداة اليهود للكنائس، وإلقاء اللوم عليها وتحميلها المسؤولية الجماعية في صلب المسيح، خلقت مناخا مواتيا لاضطهادهم الجماعي في القرنين التاسع عشر والعشرين. تم التعبير عن ذلك، في البداية، من خلال العديد من المذابح (خاصة في روسيا)، حتى المحرقة، التي نظمها وشنها أشخاص لم يصفوا أنفسهم كمسيحيين،ولكن تم تعميد معظمهم كبروتستانت أو ككاثوليك. ولكن مع بداية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع تطور العلم والمطالبة بتصنيف جميع الأنواع الحية، ظهر مفهوم معاداة السامية. القرآن ليس أكثر معاداة للسامية من إنجيل القديس يوحنا، والذي منأجل تسمية قادة أعداء عيسى من اليهود، وظفتعبير«اليهود»، وهذا ما عزز استخدامه في السياسات النازية المعادية للسامية.
في القرآن، نتحدث عن «بني إسرائيل»، وفي «العهدالقديم»«اليهود»، أي القبائل اليهودية في المدينة المنورة؛ ولكن أيضا «أهل الكتاب»، المقربين من المسلمين الجدد. في بعض الأحيان، تتم الإشادة ببعض صفاتهم، وفي بعض الأحيان يلعنون لأنهم لم يخلصوا للاتفاقية التي أراد النبي محمد إبرامها معهم. في وقتالنزول القرآني الأول، كان اليهود المعروفون في شبه الجزيرة العربية إما عبارة عن قبائل يهودية معربة أو قبائل عربية مُهَودة. وبالتالي، كان ينظر لهمعلى أنهم من«دين آخر»مثل القبائل غير العربية التي تفتقر إلى الإخلاص للتحالفات المتعاقد عليها أو المرجوة. وعند قراءة اللعنات المنزلة في حقهم، يجب ربطها بالقبائل اليهودية في المدينة التي دخلت في صراع مع محمد، وألا يتم إسقاطها على جميع اليهود في جميع أنحاء العالم وفي جميع العصور! وفي غياب التاريخ، نروي القصص وينتهي الأمر باختلاق القصص. وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين اليهود والمسلمين كانت أقل عنفا من العلاقات بين اليهود والمسيحيين، والتي تأرجحت بين الاحترام والازدراء والعنف وفقا للأماكن والعصور. في وقت النازية، رفض غالبية المسلمين في المغرب الكبير وأوروبا الغربية سياسة التدمير المنهجي لليهود، ونتذكر أن السلطان محمد الخامس من المغرب قام بحماية رعاياه. اليوم، يميل الكثير من الناس في العالم الإسلامي، بسبب معاناة الشعب الفلسطيني، إلى لعن جميع اليهود، وخلط شعب بأكمله (ودين) بالسياسات، التي يتم تحليلها كأشكال من التعبير عن القوة السياسية والعسكرية لخدمة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية. يجب أن نتوخى الحذر من الميالين إلى خلق ثقافة كراهية عامة ضد اليهود، لأنها لا تنتج أبدا إلا المزيد من الكراهية. في فرنسا، يمثل اليهود والمسلمون مجتمعين كبيرين (600000 يهودي، وحوالي 6 ملايين مسلم)، وكلاهما من الأقليات التي تخضع للرفض وخطاب الكراهية. يود الكثيرون أن يقسموها ويسخروها لخدمة أغراض سياسية، سواء كانت تيارات كراهية الأجانب أو حركات الهوية. بالتالي يجب أن تكون مصلحة هذين المجتمعين في التوحد. عندما يتعلق الأمر بمهاجمة «الأجانب» في فرنسا، فإن الأمر يخص اليهود والمسلمين على حد سواء. وعندما تهاجم واحدة من الأقليات، فإن الأمر لا يستغرق وقتا طويلا حتى تهاجم الأخرى بدورها.
تقع مسألة الحريات في صميم أعمالك. لقد نشرت في 27 من دجنبر الماضي تغريدة كتبت فيها: «إن احتجاز عمر راضي [صحفي احتجز بسبب تغريدة انتقد فيها حكم القاضي في حق أعضاء من الحراك، المحرر] يستوقفنا ويذكرنا بأنه ليس هناك نموذج للتنمية يمكن الدفاع عنه أو مستدام دون ضمان حرية التعبير والمعلومات. تنطوي التنمية على نقد ومناقشة الأفكار، وإلا فإنها ليست بتنمية»..
+ لكي يتحقق الانسجام، يجب أن يكون المجتمع قادرا على الإصغاء وبالتالي إدارة خلافاته. إننا نمضي قدما في بناء مجتمع ديمقراطي، منذ الوهلة التي تتعلم فيها كيفية التعامل مع الاعتراض. ولا يمكن ادعاء الانخراط في العملية الديمقراطية في حين أن المشعل في يد الاستبداد. تكمن قوة الغرب في حرية التفكير. إن الانتقاد صحي. وأهم من ذلك، وجود مرافق للقوى المضادة، حتى لايكون المواطنون رهائن التعسف. بالإضافة إلى ذلك، لا وجود لديمقراطية في غياب ضمان حرية التعبير.
كيف تهرب؟ ماذا تفعل لكي تنفصل عن العالم تماما؟
+ أقرأ المقالات، أشاهد الأفلام، أذهب إلى المسرح، أحب اكتشاف نصوص جديدة ومسرحيات جديدة. جميع أشكال الإبداع تبهرني.
تنتقل بين فرنسا والمغرب وبلجيكا. إذا كان بوسعك الاختيار أن تعيش حيث تريد، أية دولة سوف تختار؟
+ إيطاليا. لتاريخها، وهندستها المعمارية، وشعر كريستينا كامبو، وأدبها، وفكر أنطونيو غرامشي، وسينما باسوليني، وفيسكونتي. أنا أحب جهتها المتوسطية، أشعر بالراحة هناك. أود على وجه الخصوص أن أعيش في فلورنسا، في اتصال وثيق بفنها وثقافتها الغنية الأبدية.