يرى الفيلسوف والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي يعد من آباء الألسنية الحديثة، أن الولايات المتحدة تتجه نحو الكارثة، نتيجة افتقادها لاستراتيجية اتحادية في مواجهة وباء كورونا وعدم وجود ضمان صحي للجميع فيها، فضلا عن عدم إقرارها بخطورة التغير المناخي. في هذا الحوار الخاص يكشف المفكر اليساري المؤثر البالغ من العمر 91 عاما، الذي يلتزم الحجر في منزله بمدينة توكسون الأمريكية، منذ شهرين مع زوجته البرازيلية وكلبهما وببغائهما، عن تصوره للأزمة الصحية العالمية، ومواقفه تجاه العديد من السياسات الأمريكية، بشأن التدابير المتخذة في مواجهة الكارثة والمشاكل المرتبطة بها في مختلف الجوانب.
كيف تحلل ما يجري في الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضررا من فيروس كورونا المستجد؟
لا توجد إدارة متماسكة. يقود البيت الأبيض شخص معتل اجتماعيا مصاب بجنون العظمة، لا يكترث إلا لسلطته والاستحقاقات الانتخابية. عليه بالتأكيد أن يحافظ على دعم قاعدته، التي تضم الثروات الكبرى وأبرز أرباب العمل.
أي مشهد سياسي سيخرج برأيك من الأزمة في الولايات المتحدة والعالم؟ هل سنتجه نحو عالم أكثر ديمقراطية، أو على العكس نحو تعزيز القومية والتطرف؟
منذ وصوله إلى السلطة، فكك ترامب آلية الوقاية من الأوبئة كاملة، فاقتطع من تمويل مراكز الوقاية من الأوبئة، وألغى برامج التعاون مع العلماء الصينيين الهادفة إلى تحديد الفيروسات المحتملة. الولايات المتحدة كانت غير مهيأة بشكل خاص. المجتمع (الأمريكي) مجتمع مخصخص، غني جدا، لديه ميزات كبرى (...) لكن تهمين عليه المصالح الخاصة. لا يوجد نظام صحي للجميع، وهو أمر شديد الأهمية اليوم. هذا ما يمكن وصفه بالنظام النيوليبرالي بامتياز.
أوربا أسوأ من نواح عديدة، في ظل برامج التقشف هذه تزيد من مستوى الخطر، والهجمات ضد الديموقراطية، ونقل القرارات إلى بروكسيل وبيروقراطية الترويكا غير المنتخبة (المفوضية الأوربية، البنك المركزي الأوربي، صندوق النقد الدولي). لكنها تملك على الأقل بقايا هيكل اجتماعي- ديمقراطي يؤمن قدرا من الدعم، وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة. ورغم خطورة هذا الوباء، إلا أنه ليس الخطر الأكبر. سنخرج من الوباء، مقابل ثمن عال جدا، لكننا لن نتعافى أبدا من ذوبان الغطاء الجليدي في القطبين، وارتفاع منسوب البحار، والآثار الأخرى السلبية للتغير المناخي. ماذا نفعل حيال ذلك؟ كل بلد يقوم بأمر ما، لكن ليس بما يكفي. الولايات المتحدة من جهتها تقوم بالكثير، لكنها تتوجه مسرعة نحو الهاوية، عبر إلغاء البرامج والتشريعات التي من شأنها التخفيف من وطأة الكارثة. هذا هو الوضع الحالي، لكن يمكن لذلك أن يتغير. لا تزال هناك قوى عالمية تواصل الكفاح. السؤال هو معرفة كيف ستخرج هذه القوى (من الأزمة) في المستقبل؟ وهذا ما سيحدد مصير العالم.
تستخدم العديد من الدول التكنولوجيا لمراقبة السكان من أجل مكافحة الفيروس، هل دخلنا حقبة جديدة من الرقابة الرقمية؟
تطور بعض المجتمعات تقنيات تتيح لأرباب العمل رؤية ما الذي يقوم به موظفوهم خلف شاشات حواسيبهم، والتحقق مما يكتبونه عبر لوحة مفاتيحهم، معرفة ما إذا ابتعدت عن شاشتك، واعتبار ذلك بمثابة فترة استراحة. «إنترنت الأشياء» بات رائجا. كل أغراض المنزل باتت إلكترونية. الأمر عملي (...) لكن المعلومات تذهب إلى «غوغل» و«فيسبوك» والحكومة. هذا يعطي إمكانية هائلة للمراقبة والرصد، وهو ما نعيشه الآن، ليس أمرا سنصل إليه في المستقبل. «إنترنت الأشياء» وضع المواطنين تحت مراقبة ورصد دائمين، وإذا تركنا هذه الشركات التكنولوجية العملاقة تسيطر على حياتنا، هذا ما سيحصل. وسيكون الأمر مشابها لما هو قائم في الصين، حيث توجد أنظمة ترصد اجتماعية، وتقنية التعرف على الوجه في كل مكان. كل ما تقومون به مراقب. إذا عبرتم في المكان الخطأ، يمكن أن تخسروا أرصدتكم. الأمر ليس حتميا، كما أن التغير المناخي ليس حتميا. بإمكاننا أن ندع ذلك يحدث، كما بإمكاننا وضع حد له.
في سطور
أفرام نعوم تُشُومِسْكِي
(ولد في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا) هو أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناقد وناشط سياسي. وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي عمل فيها لأكثر من 50 عام. إضافة إلى عمله في مجال اللسانيات فقد كتب تشومسكي عن الحروب والسياسة ووسائل الإعلام وهو مؤلف لأكثر من 100 كتاب. وفقاً لقائمة الإحالات في الفن والعلوم الإنسانية عام 1992 فإنه قد تم الاستشهاد بتشومسكي كمرجع أكثر من أي عالم حي خلال الفترة من 1980 حتى 1992، كما صُنف بالمرتبة الثامنة لأكثر المراجع التي يتم الاستشهاد بها على الإطلاق في قائمة تضم الإنجيل وكارل ماركس وغيرهم.. وقد وُصف تشومسكي بالشخصية الثقافية البارزة، حيث صُوت له كـ"أبرز مثقفي العالم" في استطلاع للرأي عام 2005.
ويوصف تشومسكي أيضاً بأنه "أب علم اللسانيات الحديث" كما يُعد شخصية رئيسية في الفلسفة التحليلية. أثر عمله على مجالات عديدة كعلوم الحاسب والرياضيات وعلم النفس. كما يعود إليه تأسيس نظرية النحو التوليدي، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللسانيات النظرية في القرن العشرين. ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف بـ"تراتب تشومسكي" ونظرية النحو الكلي...
عن وكالة «فرانس برس»