فندت وثائق صادرة عن المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، التابعة للقوات المسلحة الملكية، كل المزاعم الواردة في تقرير منظمة العفو الدولية «أمنستي» المنشور يوم 21 يونيو الماضي، بأن السلطات المغربية استخدمت برمجيات التجسس التي تنتجها الشركة الإسرائيلية««NSO.
واستندت المنظمة، حسب التقرير، على بيانات التحليل التقني المستخرجة من هاتف الصحافي عمر الراضي تشير إلى وقوع هجمات من أجل حقن هاتفه النقال ببرنامج للتجسس، وذلك في 27 يناير، و11 فبراير و13 شتنبر 2019، بالإضافة إلى 27 و29 يناير 2020، عندما كان يتصفح محرك البحث «سفاري» الخاص بنظام«IOS»، وهو نظام خاص بتشغيل هواتف أيفون التي تنتجها شركة «أبل»، لكن الوثائق الصادرة عن المديرية العامة لأمن نظم المعلومات تؤكد عكس ما ورد في التقرير، حيث تقوم برصد كل الثغرات والهجمات الإلكترونية التي تستهدف الأنظمة المعلوماتية، وتصدر بشكل مستمر وثائق وبلاغات تتضمن تحذيرات موجهة لجميع المواطنين المغاربة، من أجل حماية هواتفهم الذكية من القرصنة.
تحذيرات مستمرة من ثغرات تقنية
تسهر المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، التابعة للقوات المسلحة الملكية، بشكل مستمر، على كشف ونشر جميع أنواع الثغرات التي يمكن استغلالها لنشر فيروسات تستهدف الأنظمة المعلوماتية المرتبطة بشبكة الأنترنيت، بما في ذلك تلك الخاصة بنظام تشغيل الهواتف«IOS»، والتي يمكن أن تسمح للمهاجم بالتحكم في الهاتف الذكي عن طريق الوصول إلى البيانات السرية، وتنصح دائما المستعملين بأن يقوموا بتحيين هواتفهم من أجل حمايتها وتجنب هذا النوع من المخاطر. ولهذا فمن غير المنطقي، اتهام السلطات العمومية بزرع برامج التجسس على أجهزة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين، في الوقت الذي لا تتوقف فيه هذه السلطات نفسها، في سياق الثقة الرقمية المبنية بين السلطات والمواطن، عن توعية المواطنين مسبقًا بالتهديدات السيبرانية المختلفة التي يواجهونها، من خلال تزويدهم بالحلول التقنية للحد من أي فرصة لسيطرة أطراف أخرى على البيانات الشخصية المخزنة في هواتفهم الذكية.
وكشفت وثائق صادرة عن المديرية العامة لأمن ونظم المعلومات أن مركز اليقظة والرصد والتصدي للهجمات المعلوماتية التابع للمديرية، أصدر بلاغات تحذيرية من رصد هجمات تستهدف برامج تشغيل الهواتف النقالة، في نفس التواريخ التي ادعت فيها منظمة «أمنستي» حقن برنامج للتجسس بشبكة الاتصالات على هاتف عمر الراضي، وذلك في تواريخ مختلفة في 2019 و2020، ونسبتها منظمة العفو الدولية إلى السلطات المغربية، لكن وثائق المديرية تكشف أن هذه التواريخ تزامنت جميعها مع النشر المسبق لبلاغات تحذيرية من طرف مركز اليقظة والرصد والتصدي للهجمات المعلوماتية التابع للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات، وتتضمن نفس التواريخ التي أوردتها منظمة العفو الدولية.ودعت المديرية من خلال هذه البلاغات التحذيرية إلى تثبيت وتحيين برامج الحماية والأمان على الهواتف، لتجنب اختراقها عن طريق فيروسات وبرامج، بما في ذلك برامج التجسس.
ولم تقدم منظمة العفو الدولية أي دليل تقني لتأكيد الاتهامات الموجهة للسلطات المغربية، بأنها هي من قامت بتثبيت مختلف الآثار الرقمية الخبيثة الموجودة على هاتف عمر الراضي، علما أن تلك البرمجيات الخبيثة ناتجة عن الاستخدام غير المحمي من قبل هذا الأخير، الذي استمر في تصفح المواقع غير الآمنة وغير المشفرة من نوع«http»، حتى من دون أن يحمي البيانات المعلوماتية الخاص به، من خلال تحيين إجراءات الأمان، وهذا النوع من الاختراق كان موضوعًا للعديد من الإشعارات التحذيرية التي نشرتها المديرية العامة لأمن نظم المعلومات.
اتهامات بدون حجج
أكدت الحكومة، يوم الخميس الماضي، إصرار المملكة المغربية على الحصول على جواب رسمي من منظمة العفو الدولية بخصوص تقريرها الصادر بتاريخ 22 يونيو 2020 والذي تضمن اتهامات خطيرة ومغرضة ضد المملكة.
وأوضح وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، سعيد أمزازي، في بلاغ تلاه خلال ندوة صحفية عقب انعقاد مجلس الحكومة برئاسة السيد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، أن «المملكة المغربية، التي تعرضت لحملة تشهير دولية ظالمة، تعلن أنها ما زالت مصرة على الحصول على جواب رسمي من هذه المنظمة التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان؛ جواب يفصل الأدلة المادية التي قد تكون اعتمدتها للإساءة للمغرب».
وأشارأمزازي، خلال هذه الندوة التي شارك فيهاالمصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان وناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إلى أنه في سياق حرص المملكة المغربية على الحصول على جواب رسمي من منظمة العفو الدولية، فقد راسل رئيس الحكومة المنظمة لاستفسارها حول هذه الادعاءات والمغالطات، التي تحاول تلفيقها للمغرب دون أدلة.
وشددت الحكومة على أن المملكة المغربية ستتخذ ما يلزم من تدابير للدفاع عن أمنها القومي، وكذلك من أجل تنوير الرأي العام الوطني والدولي بشأن هذه المغالطات المرفوضة. وأكدت أن المملكة المغربية لتجدد رفضها جملة وتفصيلا لتقارير منظمة العفو الدولية الأخيرة، وذلك لارتباطها بأجندة لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق الإنسان كقيم كونية؛ «ونخص بالذكر تقريريها الصادرين في أكتوبر 2019 ويونيو 2020، والتي تتعمد معاكسة مسار التاريخ وتوجهات المجتمع الدولي، التي ما فتئت تشيد وتقدر جهود ومبادرات المغرب في مختلف المجالات، وخصوصا الحقوقية منها».
كما أن المملكة المغربية، تضيف الحكومة، لا تخفى عليها خلفيات هذا التحامل الممنهج ضدها، وتعرف من يقف دائما وراء هذا التحريض المقصود وهم الذين لا يدخرون أي جهد لمحاولة الإساءة لمكاسب الوطن الحقوقية والتنموية.
وكانت السلطات المغربية قد طلبت من منظمة العفو الدولية تقديم الحجج والأدلة المفترضة، التي اعتمدتها في إصدار تقريرها المتحامل، يوم 22 يونيو 2020، وما تضمنه من اتهامات خطيرة ومغرضة ضد المملكة المغربية، سيما في ما يتعلق بادعائها «أن صحافيا مغربيا كان ضحية عملية تجسس من طرف السلطات المغربية، من خلال تعرض هاتفه لهجمات متعددة باستخدام تقنية متطورة لشركة أجنبية». وتضيف الحكومة أنه، وكما كان منتظرا، وبعد خمسة أيام، لم تقدم منظمة العفو الدولية أي جواب أو دليل يذكر يثبت صحة ادعاءاتها، مؤكدة أنه وأمام هذا التماطل الذي يعكس ارتباك وتورط منظمة العفو الدولية، لا يسع المملكة المغربية إلا أن تضع هذا التقرير في سياقه الحقيقي، والمتعلق بـ:
- من جهة بالتحامل المنهجي والمتواصل منذ سنوات، ضد مصالح المغرب، وتبخيس ما حققه من تقدم ومكاسب مشهود بها عالميا، خاصة في مجال حقوق الإنسان؛ وقد تجاوز هذا التحامل كل الحدود، من خلال سعي هذه المنظمة إلى التحول إلى فاعل سياسي داخل الساحة المغربية، تحركها في ذلك أطراف معروفة وحاقدة على المؤسسات الوطنية المغربية.
- ومن جهة أخرى، بمحاولة استغلال وضعية صحافي مغربي متدرب ادعت أمنستي أنه تعرض لعملية التجسس المذكورة. وهو نفس الصحفي المتدرب موضوع بحث قضائي حول شبهة المس بسلامة الدولة، لارتباطه بضابط اتصال لدولة أجنبية، تتحفظ المملكة المغربية عن الكشف عن هويته الحقيقية، انسجاما مع أعراف وتقاليد المجتمع الدولي. وهو الضابط الذي كان موضوع تسريبات في يوليوز 2013 بهويته الكاملة، بعدما اشتغل تحت غطاء ديبلوماسي منذ 1979 في المناطق الساخنة عبر العالم.
وكان مجلس الحكومة قد تداول في ختام أشغاله، بخصوص تقرير منظمة العفو الدولية الصادر بتاريخ 22 يونيو 2020.
السلطات تنتظر جواب المنظمة
أكدت حسناء الطريبق، مديرة الدراسات القانونية والتعاون الدولي بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، يوم السبت الماضي بالرباط، أن السلطات المغربية «ما زالت تنتظر» جوابا من منظمة العفو الدولية على رسالة رئيس الحكومة.
وقالت الطريبق، في تصريح صحافي، إن «السلطات المغربية ما زالت تنتظر جوابا على رسالة رئيس الحكومة من طرف الجهة المرسلة إليها. كما أن السلطات المغربية ما زالت تنتظر الأدلة العلمية المقنعة التي طالبت بها».
وأوضحت أنه على مستوى الشكل، فإن رسالة المديرة الإقليمية لا تجيب عن مراسلة رئيس الحكومة، مضيفة أن المديرة الإقليمية «ليست الجهة المرسلة إليها، ولا تمثل المستوى الذي توجه إليه رئيس الحكومة».
وذكرت في هذا الصدد أن رئيس الحكومة كان قد وجه مراسلته إلى الأمينة العامة بالنيابة للمنظمة، وليس مديرة المكتب الإقليمي للمنظمة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أن رئيس الحكومة وجه مراسلته إلى مقر المنظمة بلندن وليس إلى المكتب الإقليمي بتونس.
وعلى مستوى الجوهر، تشير الطريبق، إلى أن رسالة المديرة الإقليمية للمنظمة «اكتفت باجترار نفس الادعاءات الواهية والاتهامات المجانية المتضمنة في التقرير، من دون تقديم أدلة علمية أو حجج موضوعية».