في ظل الجهود المكثفة لأجل الحصول على اللقاح الفعال لمواجهة فيروس كورونا، صرحت شركة موديرنا الأمريكية لصناعة الأدوية أنها في المراحل الأخيرة من الوصول إلى لقاح صالح للإنتاج والتوزيع. فيما صرحت روسيا أنها تسعى لإنتاج 30 مليون جرعة لقاح مضاد للفيروس المستجد، وأنه قد يكون أول لقاح يحصل على موافقة دولية.
أعلنت شركة موديرنا الأمريكية لصناعة الأدوية أن التجارب السريرية للقاحها لوباء كوفيد-19 ستدخل المرحلة النهائية في 27 يوليوز الحالي، سعيا لمعرفة فعالية هذا اللقاح في حماية الناس من الإصابة.
اللقاح الأمريكي في المراحل الأخيرة
موديرنا، التي تستفيد من مساعدات بقيمة 483 مليون دولار من الحكومة الأمريكية هي أول شركة أدوية عالمية تبلغ هذه المرحلة ونشرت نتائجها الأولية الواعدة في مجلة «نيو إينغلاد جورنال أوف ميديسين».
وأوضحت الشركة أنها تعتزم إجراء التجارب السريرية في هذه المرحلة الثالثة والنهائية على 30 ألف متطوّع في الولايات المتحدة، سيتلقّى نصفهم جرعات تبلغ الواحدة منها مائة ميكروغرام من اللقاح، فيما سيتلقّى النصف الآخر دواءً وهمياً. وسيتابع هؤلاء الباحثون الأشخاص على مدى سنتين لمعرفة ما إذا كان اللّقاح آمناً وفعّالاً في منع الإصابة بفيروس «سارس-كوف-2» المسبب لكوفيد-19. كذلك فإنّه في حالة الأشخاص الذين يمكنهم الإصابة بالمرض رغم تلقيهم للّقاح، فإنّ الدراسة ترمي لمعرفة ما إذا كان اللّقاح قادراً على طمس أعراض المرض عن هؤلاء المصابين. وحتّى إن ظهرت أعراض على أشخاص تم تلقيحهم، فإنّ هذا اللقاح يمكن أن يعتبر نجاحاً إذا ما منع ظهور إصابات خطيرة بكوفيد-19.
مناعة «أقوى من الطبيعية»
نجح اللقاح المحتمل للتحصن ضد مرض «كوفيد 19»، والذي تنتجه شركة «موديرنا» الأمريكية، في تحقيق استجابة مناعية «قوية» من طرف جميع المرضى الذين تناولوه خلال المرحلة المبكرة من التجارب البشرية، حيث إن البيانات الجديدة التي أعلنتها الشركة تعطي أملًا بالحصول على لقاح فعال ضد الفيروس، وتم نشرها أولًا في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية بعد مراجعتها من قبل الأٌقران.
وأنتج جميع المرضى الخمسة والأربعين المشاركين في التجارب، أجسامًا مضادة محايدة، يعتقد العلماء أنها مهمة لكسب الحماية ضد الفيروس. وقالت الشركة إنه بعد عمليتي تطعيم، أثار اللقاح استجابة مناعية «قوية» لدى جميع المشاركين في جميع المجموعات الخاضعة للاختبار. وأضافت أن مستويات الأجسام المضادة في المجموعات التي تناولت جرعة مرتفعة من اللقاح، كانت أعلى بأربعة أضعاف من الأجسام التي شكلها المتعافون من «كوفيد 19» بشكل طبيعي.
إنتاج اللقاح في الصيف
ذكر مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن حكومة الولايات المتحدة والشركات العاملة في مجال الأدوية تخطط لبدء إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا المستجد في غضون الصيف الجاري.
وقال المسؤول، الذي تحدث في مؤتمر عبر الهاتف نظمته وزارة الصحة والخدمات المدنية الأمريكية، عن متى بالضبط سيبدأ إنتاج المكونات للقاح، «على الأرجح بعد أربعة إلى ستة أسابيع، لكننا سنعمل على صناعتها بشكل نشط حتى نهاية هذا الصيف». وأوضح المسؤول أن الولايات المتحدة بدأت التحضير لعملية إنتاج عناصر اللقاح، على الرغم من أن السلطات ليست على يقين حتى الآن ما هو المصل الذي يجب اختياره من قائمة اللقاحات المرشحة. وأشار المتحدث إلى أن الجهات المعنية بدأت بشراء المعدات وتأمين مواقع الإنتاج وفي بعض الأحيان اقتناء الموارد الخامة للقاح. وذكر أن السلطات الأمريكية اختارت حتى الآن أربعة لقاحات مرشحة تعتبر الأكثر ترجيحا لاستخدامها، لكنه لفت إلى أن هذه القائمة يمكن توسيعها.
وأكدت الإدارة الأمريكية، في وقت سابق، أنها تستهدف توزيع نحو 300 مليون جرعة من اللقاح الناجع ضد فيروس كورونا المستجد حتى أوائل عام 2021 المقبل، مشيرة إلى أنها توسع القدرات الإنتاجية لضمان إرسال المصل إلى الأسواق فور إعداده.
تكنولوجيا جديدة
تركز تكنولوجيا شركة موديرنا، القائمة على جهاز الحمض النووي الريبي، على إعطاء الجسم المعلومات الجينية لإطلاق وقاية استباقية من فيروس كورونا المستجدّ.
وميزة هذه التكنولوجيا هي أنها لا تحتاج لتصنيع بروتينات فيروسية في المختبر، ولم تحصل أي لقاحات قائمة على هذه التكنولوجيا على موافقة من هيئة تنظيمية.
وجاءت بحوث سابقة اعتمدت هذه التكنولوجيا بنتائج عكسية، إذ جعلت المتلقين أكثر، وليس أقل، عرضة للإصابة بالعدوى، وفق ما صرح به أستاذ العلوم الطبية الحيوية في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد لوكالة فرانس برس.
وقال: «أحد الأمور التي نريد بالتأكيد التنبه لها هي معرفة ما إن كان هناك تأثير طويل الأمد يمكّن الاستجابة المناعية... من تطوير مناعة تضرّ بالحماية».
يذكر أن من بين 19 لقاحا تجريبيا لمرض كوفيد-19 في التجارب البشرية على الصعيد العالمي، لم يدخل سوى لقاحين فحسب تجارب المرحلة الثالثة النهائية، أحدهما من شركة سينوفارم الصينية والآخر من إنتاج شركة أسترازينيكا وجامعة أكسفورد. ومن المرجح جدا أن تلتحق شركة سينوفاك بيوتك الصينية بهذه الشركات في وقت لاحق هذا الشهر. فيما يحذر علماء من أن دفعة اللقاحات الأولى قد لا تكون آمنة وذات فاعلية لمقاومة فيروس أصاب إلى غاية اللحظة أكثر من 13 مليون شخص في العالم.
تفاؤل ترامب
أكد دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وجود أخبار عظيمة عن تطوير لقاح خاص للقضاء على فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19». حيث نشر الرئيس الأمريكي، يوم الأربعاء 15 من الشهر الجاري، تغريدة مقتضبة عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي قال فيها: «أخبار عظيمة بخصوص اللقاحات».
وتأتي تغريدة ترامب تزامنًا مع إعلان فريق الباحثين في شركة «موديرنا» والذي يجري دراسة على لقاح ضد فيروس كورونا «كوفيد-19»، أن المصل آمن، كما أكدوا أنه حفز استجابات مناعية في الجسم لدى المتطوعين في المرحلة الأولى من التجارب السريرية.
دلائل مقلقة
إلى ذلك، قال علماء إن الدلائل التي ظهرت وتشير إلى أن الاستجابة المناعية في جسم الإنسان ضد مرض كوفيد19 قد تكون قصيرة الأجل، تزيد الأمر صعوبة على مطوري اللقاحات في التوصل لجرعات وقائية تكون قادرة بشكل كامل على حماية الناس في موجات التفشي في المستقبل.
وخلصت دراسات أولية أجريت في الصين وألمانيا وبريطانيا ومناطق أخرى، إلى أن المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد يطورون أجساماً وقائية مضادة للفيروس كجزء من النظام الدفاعي لجهاز المناعة في الجسم، لكن يبدو أن تلك الأجسام لا تظل فعالة سوى لبضعة أشهر فقط.
وقال دانييل ألتمان، أستاذ علم المناعة من جامعة «إمبريال كوليدج لندن»: «إن معظم الناس يطورون الأجسام المضادة، إلا أن تأثيرها في الغالب يخبو سريعاً مما يشير إلى أنه قد لا تكون هناك مناعة تذكر».
ويقول الخبراء إن ذلك يثير مشكلات كبرى أمام مطوري اللقاحات المحتملة لعلاج كوفيد-19، وأمام سلطات الصحة العامة كذلك ممن يسعون لنشر تلك اللقاحات لحماية رعاياهم من موجات تفشي الوباء في المستقبل.
وقال ستيفن جريفين، أستاذ الطب المساعد في جامعة ليدز: «لا يعني ذلك أن الاعتماد الزائد على لقاح (لكبح جماح الوباء) هو أمر غير حكيم»، وتابع أنه، ولكي تكون اللقاحات فعالة في الحقيقة، فإن هناك خيارين «إما الحاجة لتطوير حماية أكثر قوة وأطول أمداً... أو أن يجري الحصول على اللقاح بانتظام».
وتسعى أكثر من 100 شركة وفريق بحثي حول العالم لتطوير لقاحات لمواجهة مرض كوفيد-19، ومن بينها 17 لقاحا على الأقل تجري تجربتها حالياً على البشر لاختبار فعاليتها.
اللقاح الروسي جاهز
قال مسؤول روسي بارز إن موسكو تسعى لإنتاج 30 مليون جرعة لقاح مضاد للفيروس المسبب لمرض «كوفيد 19» خلال العام الجاري، مشيرا إلى أنه قد يكون أول لقاح يحصل على «موافقة دولية». وأوضح رئيس صندوق الاستثمار الروسي المباشر، كيريل دميترييف، أن هناك «شعورا عاما» بأن روسيا تحتاج إلى تطعيم ما بين 40 و50 مليون شخص. وأعرب المسؤول عن اعتقاد بأن بلاده ستكون في وضع جيد في حال إنتاج 30 مليون جرعة محلية هذا العام، متوقعا أن تنتهي عملية التطعيم العام المقبل.
وبحسب هذا المسؤول، فقد انتهت روسيا من المرحلة الثانية من التجارب السريرية من لقاحها المرتقب، ومن المقرر أن تبدأ المرحلة الثالثة في غشت المقبل. وقال إن هناك آمالا كبيرة معلقة على اللقاح الواعد، مؤكدا أنه سيثبت نجاحه ضد «كوفيد 19».
فيما رد كيريل دميترييف بأن الهدف من اتهام موسكو بمحاولة سرقة معلومات تتعلق بتطوير لقاح لفيروس كورونا، هو «تشويه» للقاح الروسي. وأضاف دميترييف في حديث إذاعي: «أعتقد أن هذه القصة برمتها هي محاولة لتشويه سمعة اللقاح الروسي من قبل بعض الأشخاص الذين يخشون النجاح، لأنه من المحتمل أن يكون أول لقاح يطرح في السوق والأكثر فعالية».
وزعمت وكالة الأمن الإلكتروني البريطانية، الخميس 16 يوليوز الجاري، بأن مجموعة من القراصنة الإلكترونيين، الذين يعملون لحساب أجهزة الاستخبارات الروسية، حاولوا بشكل «شبه مؤكد» سرقة معلومات تتعلق بتطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد.
في المقابل، نفى الكرملين، في اليوم نفسه، صحة هذه الاتهامات واتهامات أخرى بتدخل روسيا في انتخابات 2019 ببريطانيا.