على بعد أيام، يحتفل المغاربة، كما باقي المسلمين عبر العالم، بعيد الأضحى ككل عام. وتشكل هذه المناسبة الدينية لهذا العام استثناء عن مثيلاتها في الأعوام السابقة، حيث يأتي عيد الأضحى لهذه السنة في ظرفية خاصة مرتبطة بالآثار السلبية لانتشار وباء كورونا، وهي الآثار التي امتدت إلى عدة جوانب، منها الصحي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الديني. وانطلقت دعوات من أجل تأجيل الاحتفال بعيد الأضحى وما يستلزمه من تكاليف مالية تثقل كاهل الأسر المغربية.
وعلى اعتبار ندرة أرقام المعاملات المتعلقة بـ«الرواج» الذي يخلقه عيدالأضحى، وهي الأرقام المرتبطة بعدة جوانب، تبرز الأهمية الاقتصادية لمناسبة عيد الأضحى في إعادة جانب من التوازن المختل بين الحواضر والبوادي، وتوزيع الثروة في هذا الوقت الحساس، حيث لا تبقى مناسبة عيد الأضحى منحسرة في أداء شعيرة دينية بل تتخطاها لتصل إلى كونها «فرصة للإنقاذ الاقتصادي» لفئات عريضة من المجتمع المغربي.
أسواق العيد..اقتصاد بالملايير
تشكل الأسواق الخاصة بالمواشي أو ما يعرف بـ«رحبة البهائم»، قطب الرحى في العلاقة بين مربي الأغنام والمستهلك المغربي خلال فترة عيد الأضحى، إذ تعتمد أغلب الأسر المغربية على اقتناء الأضاحي من أسواق المواشي. وأعلنت الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، (كومادير)، أنها دشنت أسواقا جديدة ونموذجية للمواشي، بشراكة مع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزارة الداخلية، وذلك تماشيا مع أهداف استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030.
وفي الفترة الحالية التي تتسم بأزمة انتشار وباء كورونا، سرعت وزارة الفلاحة من مجهوداتها في تنظيم أسواق المواشي، لاحترام جميع المعايير الصحية الموضوعة من طرف السلطات المختصة، وتوفير جميع المرافق التي تمكن الكسابة من تسويق ماشيتهم في أحسن الظروف مع تفادي الوسطاء، ما يضفي الشفافية المرجوة على الأثمان ويوفر هامش ربح معقول لمربي الماشية، مشيرة إلى أن هذا السوق النموذجي يمثل بذلك قطيعة مع الأسواق القديمة التي تتسم بالعشوائية وانعدام التجهيزات الأساسية والظروف الصحية. ومن شأن أسواق الماشية الحديثة التي سيتم تخصيصها خلال فترة العيد من أجل توفير فضاء مميز لتسويق الماشية، أن ترفع من رقم المعاملات خلال عيد الأضحى ليتجاوز 20 مليار سنتيم.
ومن بين مميزات هذه الأسواق كونها مسيجة ومزودة بالكهرباء والماء الصالح للشرب، ومتوفرة على ممرات محددة ومرئية، ما يتيح الحركة في اتجاه واحد مع ضمان التباعد الاجتماعي، ومجهزة بمربعات فردية ذات حواجز لـ(الأبقار والخرفان والماعز)، وبمراحيض ونقط ماء عند مدخل ومخرج السوق، فضلا عن أنه لا يسمح بولوج السوق إلا للمواشي المحددة والحاملة للترقيم، تتوفر الأسواق الجديدة على سجل لتقييد عمليات دخول وخروج وبيع وشراء المواشي، ما يضمن آلية للتتبع، وهي مجهزة بميزان عند مدخل السوق لتمكين الكسابة من بيع ماشيتهم بالكيلوغرام عوض الرأس، وتتوفر أيضا على دليل للإجراءات الواجب اتباعها، يمكن الجهة الموكول إليها إدارة السوق من احترام جميع الإجراءات الصحية والتنظيمية.
بورصة الأغنام.. قانون العرض والطلب
بلغ المخزون المتوفر من القطيع لعيد الأضحى لهذه السنة،حسب أرقام وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية،حوالي 20.47 مليون رأس، ضمنها 15.87 مليون رأس من الأغنام و5.6 ملايين من الماعز، في حين ينتظر أن يبلغ قطيع الأضاحي الموجهة للذبح لعيد الأضحى حوالي 9 ملايين رأس، منها 5.14 ملايين رأس من الأغنام الذكور و1.75 مليون نعجة و2.11 مليون من الماعز.
واعتبرت الوزارة أن هذا العرض سيغطي بشكل مريح الطلب المقدر بـ 5.43 ملايين رأس، ضمنه 4.9 ملايين رأس من الأغنام و530 ألف رأس من الماعز .وقالت الوزارة إنها ستراقب عن كثب عملية تزويد مختلف الأسواق لمراقبة أسعار الحيوانات التي يتم تسويقها، وخاصة في المتاجر الكبرى وفي الأسواق القروية الكبرى ونقاط البيع على مستوى المدن، ومراقبة الحالة الصحية للقطيع من قبل مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
عيد الأضحى.. إعادة توزيع الثروة
يعتبر عيد الأضحى فرصة لتحسين دخل الفلاحين ومربي الأغنام والماعز على الخصوص، لاسيما في مناطق انتشار الأغنام والدوائر الرعوية. ومن المرتقب أن يبلغ رقم المعاملات 11 مليار درهم، حسب آخر إحصائيات وزارة الفلاحة والصيد البحري، حيث سيتم تحويل معظمها إلى العالم القروي ما سيمكن الفلاحين من مواجهة مصاريف الأنشطة الفلاحية الأخرى، خاصة مع بداية الموسم الفلاحي2019 و2020 وكذا تنشيط الحركة الاقتصادية بالعالم القروي، في ظل أزمة الجفاف التي تعانيها تلك المناطق.
ويشكل عيد الأضحى الفرصة السنوية لمهنييقطاع تربية الأغنام والفلاحين بالمناطق القروية من أجل تغطية المصاريف السنوية المرتبطة، وفي تقدير أستاذ للاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي،فإن «عيد الأضحى يبقى من المناسبات الدينية والاجتماعية والاقتصادية ذات الأهمية الكبيرة»، معتبرا أن «عيد الأضحى مناسبة اقتصادية مهمة، خصوصا بالنسبةللعالم القروي ومهنيي قطاع تربية الماشية»، مضيفا أنه إذا ما كانت مؤشرات الطلب على الأضاحي تصل إلى أزيد من5,2 ملايين رأس من الأغنام (باعتبار أن هناك قرابة 9 ملايين أسرة)،فإن مناسبة العيد تساهم في ضخ أزيد من 8 ملايير درهم للعالم القروي»، مبرزا أن «موسم عيد الأضحى هو بمثابة موسم الحصاد بالنسبة للفلاحين»، غير أن هذه المناسبة تأثرت،لامحالة،بالجائحة المرتبطة بوباء كورونا.
وفي الوقت الذي ينصب اهتمام خبراء الاقتصاد والجهات الرسمية على جوانبه المختلفة، وخاصة انعكاساته الإيجابية على الاقتصاد الوطني، ويجمع محللون على أن عيد الأضحى يشكل محطة "مهمة" في السنة لتنشيط حركية الاقتصاد الوطني من خلال الرواج الذي يخلقه في قطاعات متعددة، وعلى رأسها قطاع بيع الماشية، فضلا عن تجارة التجهيزات المنزلية، تعتبر عملية بيع رؤوس الأغنام الرواج الاقتصادي رقم واحد خلال مناسبة عيد الأضحى، ويشكل عيد الأضحى فرصة لتحسين دخل الفلاحين الذين تشكل تربية القطيع مورد دخلهم الأساسي، خاصة في المناطق الرعوية الشاسعة التي تغطي حوالي 70 في المائة من مساحة البلاد.
العمل الموسمي.. رواج ما بعد العيد
تمثل جلود الأضاحي تجارة واسعة في أيام عيد الأضحى لكثرة ذبح المواشي وكثرة جلود الأضاحي من خراف ومواش. ويتراوح سعر جلد الخروف والماعز ما بين 15 و20 درهما، وجلد البقر يتراوح سعره ما بين 50 و80 درهما، وجلد العجل يتراوح سعره ما بين 100 و120 درهما. وتكون جلود الأضاحي الذكور أغلى من الإناث، نظراً لمتانتها، وكونها أكثر سماكةً، ويقوم تجار الجلود ببيعها إلى المدابغ لإعادة تدويرها وإدخالها في صناعة الجلود أو السجاد والمشايات، في إطار سلسلة من الرواج التجاري الذي يرتبط بشكل أوثق بقطاع الصناعة التقليدية، الذي نال بدوره جانبا مهما من الضرر خلال الأزمة الحالية.
وفي خطوة تنتشلهم من حالة البطالة وتوفر لهم مورد رزق ولو بشكل مؤقت، تشكل مناسبة عيد الأضحى، كذلك،في المدن الكبرى، فرصة لمزاولة نشاط تجاري موسمي، حيث يعمل عدد مهم من شباب تلك المدن في الترويج لكل السلع المرتبطة بالعيد ابتداء من مستلزمات ذبح الأضحية وسلخها وانتهاء بالسلع المستوردة التي يستقدمها المهاجرون، لاسيما أواني شي اللحوم، وصولا إلى تجارة الفحم وعلف البهائم، في تجارة متسارعة وسط الباعة الشباب الذين يعرضون بضائعهم ويقدمون مختلف الخدمات المرتبطة بعيد الأضحى، من قبيل شحذ السكاكين ونقل الأضاحي، بل وحتى إيوائها في ما بات يعرف بـ «فنادق الخروف ».
قروض العيد..رواج مع تأجيل الدفع
على بعد أيام قليلة من عيد الأضحى، تتنامى عروض قرض اقتناء الخروف، تتراوح ما بين 5000 درهم، بـ500 درهم كأقساط شهرية لمدة عشر أشهر، و10 آلاف درهم، لمدة سنتين مقابل القيمة ذاتها من الأقساط. وتستغل المؤسسات البنكية مناسبة عيد الأضحى وما تفرضه من تكاليف إضافية على الأسر المغربية، من أجل الرفع من عدد زبائنها الراغبين بالاقتراض، حيث تحدد تلك المؤسسات المالية مبالغ منخفضة في إطار ما يعرف بـ«قروض العيد» التي ليست بالقروض الاستهلاكية ولا بقروض السكن، والتي تخضع لمعايير محددة.
وتقترح بعض مؤسسات السلف عروضا لقروض منخفضة التكلفة، تتراوح ما بين 2500 و5000 درهم، حتى يسهل على الزبائن إرجاع القرض في مدة قصيرة، كما تخصص المؤسسات المالية، حسب إحصائيات بنك المغارب، ما يقارب 10 ملايين درهم من أجل تمويل سوق القروض المالية المرتبطة بعيد الأضحى، ومن المنتظر أن يرتفع هذا الرقم إذا ما قررت البنوك التشاركية الانخراط في هذا السوق، الذي يشهد ارتفاعا ملحوظا قدر سنويا بـ2.5في المائة.