تلوح بوادر أزمة جديدة داخل بيت حكومة سعد الدين العثماني، على خلفية القرارات الأخيرة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، التي يوجد على رأسها الوزير سعيد أمزازي، من حزب الحركة الشعبية، بخصوص الدخول المدرسي المقبل، حيث هاجم فريق حزب العدالة والتنمية الذي يقود الأغلبية الحكومية بمجلس النواب، قرارات الوزارة الوصية، خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بحضور وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي.
وانتقد أعضاء فريق "البيجيدي" قرارات الوزارة بمنح الاختيار لآباء وأولياء التلاميذ لتحديد نمط تعليم أبنائهم بين "الحضوري" و"عن بعد"، وقال نواب "البيجيدي" "إن المطلوب هو خيار واحد لكل المغاربة يأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات على أرض الواقع ويستلهم التجارب المقارنة ويزاوج بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد".
واتهم نواب "البيجيدي" وزارة التربية الوطنية بالتهرب من المسؤولية وإلقائها على أولياء أمور التلاميذ، واعتبروا أنه "اختيار المضطر والخائف والمُكرَه، يطرح أكثر من علامة استفهام"، مؤكدين أن "إلقاء المسؤولية على أولياء التلاميذ في الاختيار ما بين التعليم الحضوري وعن بعد، يضرب مبدأ تكافؤ الفرص ويحمل الآباء والأمهات مسؤولية تعرض أبنائهم للإصابة بفيروس "كورونا"، كما أن قرار اختيار التعليم الحضوري أو عن بعد، يعني وضع السلامة الصحية للتلاميذ بيد آباء لا يملكون الأهلية للقيام بذلك، بالنظر لعدم امتلاك المعطيات والمؤشرات المتعلقة بالوضعية الوبائية، إلى جانب عاطفة الأبوة التي تحول دون الاختيار الحر".
وبدوره، هاجم الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، وزارة التربية الوطنية، ونشر قياديون في النقابة الموالية للبيجيدي تدوينات بموقع التواصل الاجتماعي تحمل الوزارة الوصية مسؤولية السلامة الصحية للتلاميذ والأسرة التعليمية، خلال الموسم الدراسي القادم، كما انتقد نقابيو الحزب الحاكم قرار تأجيل الامتحان الجهوي لمستوى الأولى باكالوريا إلى موعد لاحق، في هجوم لمكونات "البيجيدي" على أمزازي الذي كان قد رفض مقترحا لنواب الحزب الحاكم بتأجيل الدخول المدرسي القادم وإلغاء الامتحان الجهوي واعتبر أن "هذا الأمر مستحيل وسيشكل ضربا في مصداقية شهادة البكالوريا المغربية".
وفي سياق متصل، قدمت جمعيات طبية مختصة في صحة الأطفال، البدنية والنفسية، عددا من المقترحات بهدف الحفاظ على صحة وسلامة الأطفال والأسر وهيئة التدريس والأطر التربوية، وضمان تحصيل دراسي بعيدا عن أي انقطاع، وتفادي انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19".
وأوضحت كل من الجمعية المغربية للعلوم الطبية والجمعية المغربية لطب الأطفال والجمعية المغربية للطب النفسي عند الأطفال، حسب بلاغ مشترك، أنها وجهت رسالة إلى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، لتقديم جملة من المقترحات، "بهدف إثراء النقاش الجماعي الذي يروم الحفاظ على صحة وسلامة الأطفال والأسر وهيئة التدريس والأطر التربوية، وضمان تحصيل دراسي بعيدا عن أي انقطاع، لكونه من الضروريات الأساسية والحاجيات المهمة للتلاميذ".
وذكرت الجمعيات أنها قررت، انطلاقا من موقعها العلمي والصحي، وباعتبارها من مكونات اللجنة الوطنية لليقظة من أجل صحة الطفل النفسية والعقلية والبدنية، المشكلة من طرف وزارة الصحة للمساهمة في تتبع آثار الجائحة الوبائية على الأطفال والوقاية من تبعاتها والتأطير الصحي، المساهمة في النقاش المرتبط بالموسم الدراسي المقبل. وشددت الجمعيات، في هذا السياق، على ضرورة الحرص، بالنسبة للأطفال الذين اختار لهم الآباء والأمهات التعليم الحضوري، على اتباع جملة من التدابير الضرورية، من قبيل احترام جدول التلقيحات الخاصة بهم وضمنها التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية، وقياس درجات حرارتهم من طرف الآباء قبل التوجه للمؤسسات التعليمية، والتأكد من عدم تجاوزها 38 درجة بعيدا عن أي علاج طبي، مؤكدة على وجوب خضوع الطفل، في حال ظهور أي عارض صحي سريري، لفحص طبي واستئناف الدراسة لاحقا بترخيص من الطبيب المعالج.
وإلى جانب التدابير السابقة، يضيف المصدر، دعت الجمعيات إلى برمجة مواعد مختلفة لولوج المؤسسة التعليمية بناء على المستويات الدراسية لتقليص معدلات التقارب بين الآباء والأمهات، باحترام مسافة الأمان والتباعد الجسدي ووضع الكمامات، وإلى برمجة حصص دراسية مستمرة لتفادي التنقلات المتكررة، مؤكدة على عدم تجاوز نصف حمولة حافلات النقل المدرسي وتعقيمها باستمرار، وإيلاء مهمة سياقتها لنفس الشخص.
ودعت التنظيمات الصحية المدنية، أيضا إلى ضرورة الحرص على تهوية الحجرات الدراسية وفرض التباعد بين الطاولات بمعدل متر واحد بين كل طاولة ومترين بالنسبة لطاولات الصف الأمامي بعيدا عن الأساتذة والمعلمين، وترك القاعات مفتوحة في فترات الاستراحة وخلال وجبات الأكل والعمل على تعقيمها يوميا، وأن تشمل العملية الأرضيات والطاولات والمواد المستعملة في العملية التربوية، والأمر نفسه بالنسبة للمرافق الصحية.
ونبهت الجمعيات الثلاث، في بلاغها، إلى ضرورة وضع الكمامات، دون استثناء، من طرف أطر المؤسسات التعليمية والعاملين بها والتلاميذ انطلاقا من المستوى الإعدادي، وتوفير المعقمات الكحولية رهن إشارة الجميع، وتقديم شروحات كافية تحسيسية وتوعوية عن الفيروس وسبل الوقاية والممارسات التي يجب تفاديها للحيلولة دون تسجيل إصابات وانتشار العدوى.
وفي معرض التأكيد على أن منح الوزارة قرار اختيار شكل التدريس للآباء والأمهات يعتبر مبادرة جيدة، شددت الجمعيات، في الوقت نفسه، على أن التدريس عن بعد لا يمكن أن يلغي التعليم الحضوري، بالنظر إلى حاجة الطفل لنسج الروابط الاجتماعية التي يقوم بتطويرها إلى جانب زملائه في المؤسسة التعليمية والتي تعتبر ضرورية لصقل شخصيته ومهاراته الذاتية.
وأبرزت الجمعيات العاملة والمختصة في صحة الأطفال، البدنية والنفسية، من جانب آخر، أن قرار اختيار شكل التدريس لا يجب أن يكون بالمقابل على حساب الأطفال الذين يمكن تصنيفهم ضمن الفئات الهشة على المستوى الصحي، الذين يعانون من أمراض كالسكري والربو ونقص المناعة، موضحة في هذا الصدد أن خيار التدريس الحضوري لا يشكل خطرا كبيرا على صحتهم إذا ما توفرت الشروط الوقائية وتم احترام التدابير الحاجزية، ومسجلة أن الدراسات تشير إلى أن الأطفال أقل من 14 سنة ليسوا بناقلين بدرجة كبيرة لعدوى الإصابة بفيروس "كوفيد 19".