شهدت الوضعية الوبائية لفيروس كورونا المستجد في المغرب تطورات عديدة منذ رفع الحجر الصحي الذي دام قرابة الثلاثة أشهر، حيث بدأت أعداد المصابين بمرض «كوفيد 19»، تشهد ارتفاعا متواصلا بعدما كانت تعد بالعشرات، لتصبح بالمئات وتتجاوز عتبة الألف يوميا، فيما واصل عدد الضحايا بدوره الارتفاع خلال الفترة الأخيرة، وباتت أرقام الموتى بسبب «كوفيد 19» لا تنزل عن العشرين بشكل يومي، ومعها الحالات الحرجة التي تزايدت بشكل كبير.
وأمام هذا التطور المتواصل للوضعية الوبائية في المغرب، باتت المستشفيات العمومية تواجه تحديات كبيرة، أولها ما يتعلق بمحدودية الموارد البشرية المتخصصة في أقسام المستعجلات والإنعاش، وعلى طول مسارات العلاج المخصصة لمرضى «كوفيد 19»، والتي تم خلقها في جميع المستشفيات الكبرى بالتحديد، بالإضافة إلى تزايد الحالات الحرجة للمصابين بالأمراض المزمنة، وهو ما بات يهدد بأزمة حادة تلوح في سماء المنظومة الصحية العمومية وتهدد بانهيارها.
في هذا الحوار مع الدكتور جمال الدين الكوهن، رئيس الفيدرالية الوطنية لأطباء الإنعاش والتخدير، نلقي الضوء على واقع المستشفيات العمومية خلال الأزمة الحالية ونلج دهاليز أقسام الإنعاش في تلك المستشفيات لنطالع واقع الحرب اليومية التي تخوضها المنظومة الصحية العمومية في مواجهة هذه الجائحة العالمية، محاولين استشراف الحلول الممكنة لتجنيب المنظومة الصحية العمومية خطر الانهيار.
- ما هي أوضاع أقسام الإنعاش في المستشفيات العمومية خلال الأزمة الحالية؟
تعيش أقسام الإنعاش في المستشفيات العمومية المغربية، حالة تأهب شامل، بسبب الأعداد الكبيرة والمسترسلة للحالات الحرجة لمرضى «كوفيد 19»، علما أن هذه الأقسام مطالبة بالتكفل بالحالات الحرجة لأمراض أخرى، والتي بدورها عرفت نوعا من التزايد خاصة بعد فترة رفع الحجر الصحي، وهو الأمر الذي يشكل زيادة في الضغط الكبير، والإنهاك الجسدي والنفسي للشغيلة الصحية، في هذا القطاع الذي يشتكي أصلا من الخصاص الكبير في الموارد البشرية وفي الإمكانيات.
- كيف تواجهون الارتفاع المتزايد للحالات الحرجة المصابة بكوفيد 19 ؟
إننا نواجه حالة مقلقة وصعبة جدا، وهذا الأمر يتطلب تضافرا للجهود من طرف الشغيلة الصحية، من أطباء وممرضين وأطر في القطاع. وذلك لإنقاذ أكبر عدد من المرضى وتقديم العلاجات للوافدين على المؤسسات الصحية، في هذه الظروف جد الصعبة، كما أسلفت من قبل، كما تستلزم هذه الوضعية المزيد من التضحيات ونكران الذات للتأقلم مع الواقع المعاش.
- في تقديركم، ما هي أسباب ارتفاع الحالات الحرجة لمصابي كوفيد 19 ؟
إن مرد هذا الارتفاع في عدد الحالات الحرجة للمصابين بفيروس كورونا المستجد، بالمقارنة مع حالات الحجر الصحي، يفسره من الجانب الأول، ارتفاع حركية الفيروس بسبب ارتفاع تنقلات وحركية المواطنين والتي اتسمت بالرجوع إلى الحياة العادية، وهذه العودة كانت منتظرة. أما السبب الثاني، فيتمثل بالأساس في تراخي المواطنين في الأخذ بالتدابير الاحترازية، وهو الأمر الذي لاحظناه، في إطار هذه الحركية، حيث بدأت تظهر بؤر صناعية، وكان ذلك بعد رفع الحجر الصحي، فقد عاد الناس إلى نمط الحياة العادية بشكل شبه كامل، وتناسى المواطنون الأخذ بالتدابير الوقائية، وكأن فيروس كورونا المستجد لم يعد له وجود.
- ما تفسيركم لارتفاع عدد وفيات كورونا خلال هذه الفترة؟
إن هذه المرحلة التي شهدت ارتفاعا للإصابات توافق مرحلة ما قبل وما بعد عيد الأضحى، وهي الفترة التي شهدت تنقلات كبيرة للمواطنين، كما شهدت تصرفات لا مسؤولة لم تأخذ بالتدابير الوقائية، وهذا ما أدى إلى ظهور بؤر عائلية متعدد، وإصابات في صفوف المرضى المسنين، داخل الوسط العائلي، أو المرضى المصابين بأمراض مزمنة، كما خلف هذا الأمر توزيعا جديدا لعدد الإصابات حسب المناطق، حيث سجلنا بالنسبة للحالات الحرجة، أنها توزعت على جميع التراب الوطني، من قرى ومدن صغيرة وكذلك المدن الكبيرة.
- هل يواجه قطاع الصحة العمومية خصاصا في أطباء التخدير ؟
نعم هناك خصاص كبير وحاد في أطباء التخدير، وهذا راجع إلى السياسة الصحية المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة، وخاصة في مجال طب الإنعاش والتخدير، بالإضافة إلى النقص الحاد في أطباء المستعجلات، واختصاص الإنعاش الطبي، وهو ما يعقد الحالة ويكرس هذا الخصاص الكبير في الأطر، حيث يجد طبيب الإنعاش والتخدير نفسه مطالبا بمهام أخرى غير اختصاصه الأساسي، هذا دون إغفال النقص الحاد الذي تعانيه المستشفيات العمومية في الأطر شبه الطبية، وكذلك النقص الكبير في الإمكانيات، وكل هذا يؤثر بشكل كبير على نجاعة وقدرة قطاع الصحة العمومية.
- ما تقديركم لهذا الخصاص، وكيف يمكن تجاوزه مرحليا؟
إن عدد الأطباء المختصين في الإنعاش والتخدير لا يتعدى 200 طبيب في مجمل المستشفيات العمومية، وهذا رقم ضعيف جدا، وهو يمثل خمس المعدل الطبيعي الذي يجب توفره في القطاع، إذ إنه من المفروض أن يصل عدد الأطباء الاختصاصيين في الإنعاش والتخدير بالقطاع العام ألفا فما فوق، هذا دون إغفال أن هؤلاء الأطباء على قلتهم، مطالبون بمهام متعددة بالإضافة إلى الإنعاش والتخدير، فهم مطالبون بالمساعدة في أقسام المستعجلات، وعلاج الآلام أحيانا.
- هل استنفدت المستشفيات العمومية طاقتها الاستيعابية في استقبال مرضى كوفيد 19؟
كما هو معلوم، فإن المنظومة الصحية العمومية المغربية تتشكل من قطاع جامعي قوي، بالإضافة إلى المستشفيات الإقليمية والمحلية والمتوسطة والتي تتوفر على أقسام إنعاش بدورها، غير أن ما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الأقسام في المستشفيات الصغيرة تواجه الخصاص الكبير في الأطر والتجهيزات، كما لا تتوفر لديها الإمكانيات البشرية والتجهيزات لمواجهة الارتفاع في الحالات، غير أن هذا الوضع مغاير بالنسبة للمدن الكبرى التي تتوفر فيها المستشفيات الجامعية، ورغم ذلك، يمكن القول تقديرا أن أقسام المستشفيات الجامعية بلغت 80 في المائة من طاقتها الاستيعابية لمرضى «كوفيد19» والحالات الحرجة، وهذا ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر بخصوص وضعية المؤسسات الصحية.
- كيف أثرت أزمة كورونا على أقسام الإنعاش خصوصا في التعاطي مع حالات مرضى مصابين بأمراض أخرى غير كوفيد 19؟
كما أشرت من قبل، فإنه في سياق الأعداد الكبيرة والحالات الحرجة، التي ترد على المستشفيات العمومية لمرضى كوفيد 19، بالإضافة إلى الحالات الحرجة للمرضى الآخرين الذين تزايد عددهم كذلك بشكل كبير بعد رفع الحجر الصحي، ومنهم مرضى ساءت حالتهم الصحية جراء أمراض كانوا يعانونها وبسبب صعوبة الولوج خلال فترة الحجر الصحي للمستشفيات العمومية تفاقمت حالتهم الصحية، وتطلبت بعد رفع الحجر نقلهم للمستعجلات أو أقسام الإنعاش، وهذه الوضعية أدت إلى أن أقسام الإنعاش كانت بعد رفع الحجر الصحي مباشرة، ممتلئة بالحالات الحرجة لمرضى الأمراض المزمنة، وهذا المعطى بالإضافة إلى المعطى الأساسي المرتبط بارتفاع حالات الإصابة بكوفيد 19، والحالات الحرجة في صفوف الإصابات، مقابل الموارد البشرية المحدودة في المستشفيات العمومية، أزمت من الوضعية الصحية، خصوصا مع العلم أنه يجب أن تتوفر في المستشفيات العمومية ممرات خاصة من أجل حماية المرضى والأطر الصحية، ومنع تخالط مرضى «كوفيد 19» بباقي المرضى، وهذا كان من توصيات الفيدرالية، هذا دون إغفال صعوبة أن الأطر الصحية نفسها هي التي تتكلف بالمرضى من الجانبين معا، وهو الأمر الذي يتطلب تضافرا كبيرا للجهود في القطاع. هذا أيضا دون إغفال أن التركيز على مرضى «كوفيد 19» ، من شأنه التأثير على مسارات باقي المرضى علما أن هناك حالات خطيرة خصوصا في الأمراض المزمنة كالسرطان وغيره.
- اقترحتم في الفيدرالية شراكة بين القطاع العام والخاص لمعالجة مشكل الخصاص في أقسام الإنعاش، ما وجه هذه الشراكة ؟
إن الفيدرالية المغربي للإنعاش والتخدير قد أصدرت العديد من التوصيات، من
أهمها إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، على اعتبار أن منظومتنا الصحية، فيها قطاعان، هما القطاع الخاص والقطاع العام، دون إغفال الطب العسكري، الذي يقدم بدوره خدمات مهمة جدا، ومازال في مواجهة هذه الجائحة، وتوصيات الفيدرالية في هذا الجانب هو إشراك القطاع الخاص بكل مكوناته، بغرض جعل هذا الوباء من الأمراض العادية، ويمكن علاجه لدى جميع المتدخلين، وذلك أيضا من خلال استغلال جميع الإمكانيات التي تتوفر لدى هذا القطاع، خصوصا في جانب الإنعاش والتخدير، على اعتبار أن القطاع الخاص يضم ضعف عدد أطباء الإنعاش والتخدير الذين يتوفرون في القطاع العمومي، بالإضافة إلى الإمكانيات التي تتوفر لدى هذه المصحات، والتي يبلغ عددها تقريبا حوالي 311 مصحة، والتي يمكنها أن تساهم في علاج مرضى «كوفيد19» بأن تخصص لعلاج المرضى والحالات الحرجة بشكل كامل، أو أن تخصص أجنحة لهذا النوع من المرضى والحالات الصعبة من الإصابات.
لقد كان من بين التوصيات الأبرز للفيدرالية إشراك القطاع الخاص في مواجهة هذه الجائحة، ولعل كذلك من هذه الصيغ التي يمكن اعتمادها، هو اشتغال أطباء القطاع الخاص على باقي المرضى من أجل تخفيف العبء الذي يواجه المستشفيات العمومية، وتسهيل الولوج للعلاج للمرضى المغاربة، علما أن أكثر من نصف المغاربة يتجهون للعلاج في القطاع الخاص، بالإضافة إلى منح إمكانية بيع الأدوية التي تدخل في البروتوكول العلاجي لمرضى «كوفيد19» في الصيدليات، وعلى رأسها دواء الكرولوكين، حتى يتحول هذا الوباء إلى «مرض عاد»، ويمكن التعايش معه لشهور على الأقل، لذلك نعتبر أنه من الضروري تضافر الجهود والعمل بكل ما توفر من أجل التمكن من مواجهة هذه الجائحة، وإن كان من الطبيعي تسجيل حالات وفيات، لكن من الضروري تقليص أعداد الوفيات بسبب «كوفيد 19» إلى أقل ما يمكن، دون إغفال أن هناك الإماتة المباشرة، على اعتبار أن الانشغال حصرا بمواجهة وباء كورونا وإغفال المرضى الآخرين، سيرفع أيضا من حالات الوفيات في صفوفهم.
وكما ذكرت فإن حالات الوفيات جراء الأمراض المزمنة الأخرى مرتفعة، والانشغال بوباء كورونا، قد يؤدي إلى ارتفاع الإماتة في صفوف المصابين بتلك الأمراض، ويكفي أن نذكر هنا على سبيل المثال، أن عدد وفيات مرضى السرطان سنويا في المغرب يصل لحوالي 20 ألف ضحية، وبالتالي فإنه يجب التفكير بذكاء في إدماج القطاع الخاص في تدبير هذا الأمر إلى جانب القطاع العمومي.
- في حالة استمرار ارتفاع الإصابات بالفيروس، هل سيكون قطاع الصحة العمومية في مواجهة أزمة حادة ؟
بدون شك، فإن استمرار ارتفاع أعداد المصابين بوباء «كوفيد 19» واستمرار الحالات الحرجة التي ترد على أقسام الإنعاش بالمستشفيات العمومية، سيطرح مشكلا كبيرا للمنظومة الصحية العمومية، وإن كانت المستشفيات العمومية تقاوم وببطولية في مواجهة هذا الوباء، فإن استمرار ارتفاع أعداد الإصابات والحالات الحرجة، سيؤدي لا قدر الله إلى انهيار المنظومة الصحية، وهذا ما يعني نزيفا قد يواجهه القطاع، من عدة جوانب، أساسها المرتبط بالأطر الصحية والقطاع، كما أنه يرتبط أيضا بجوانب اجتماعية واقتصادية وغيرها، وهو الأمر الذي يستدعي تضافر جهود جميع المواطنين، وجميع المتدخلين، لتجنب الوصول إلى مرحلة الحجر الثاني الذي قد يؤدي إلى كارثة اجتماعية واقتصادية، لن تستثني أحدا، أو انهيار المنظومة الصحية، وقد أشار جلالة الملك إلى هذا الأمر في خطاب ثورة الملك والشعب، حين بين أن عشر أطر صحية يصابون يوميا بـ «كوفيد 19».
-ما مدى نجاعة الحجر الذاتي المنزلي لمصابي كورونا الذين لا يعانون من أعراض ؟
إن المغرب اليوم، في رحلة وبائية تختلف بشكل كامل عن المرحلة السابقة إبان الحجر الصحي، حيث إن أعداد الحالات النشطة للمصابين بالوباء قد تزايدت بشكل كبير، وهو الأمر الذي استدعى من وزارة الصحة تطبيق الحجر الصحي المنزلي بالنسبة للمرضى الذين ليس لديهم أعراض للإصابة بالمرض، أو الذين لديهم أعراض حميدة ولا يتطلبون التدخل الطبي للعلاج، وهذا الأمر من أجل تخفيف العبء على المستشفيات العمومية، وتسهيل عملية التتبع للمصابين، وتبسيط مساطر العلاج للمصابين، لنتمكن من التغلب على هذا الوباء الذي يبدو أنه سيطول تواجده بيننا لأشهر، ويجب أن يتحول الأمر إلى عاد، ويتحمل المرضى جانب من المسؤولية في تلقي العلاجات والالتزام بالحجر الصحي المنزلي إلى حين إجرائه التحاليل الطبية وتبين خلوه من المرض.
من جهة ثانية، يتم تخصيص المستشفيات العمومية للمرضى بالحالات الحرجة، والمتوسطة، كما أن المستشفيات العمومية مطالبة بتقديم العلاجات لباقي المرضى الآخَرين، وهي المهمة اليومية للمنظومة الصحية العمومية، التي لا يجب إغفالها، خصوصا كما أشرت، أن عدد المرضى والحالات الحرجة للمصابين بباقي الأمراض قد تزايد خلال الفترة الحالية بعيد رفع الحجر الصحي، ويجب مباشرة علاجهم، دون إغفال أن المنظومة الصحية المغربية قد راكمت عددا من الانجازات خصوصا في جانب بعض الأمراض المزمنة، كميدان السرطان، والأمراض التعفنية، وميدان تلقيح الأطفال.
جمال الدين الكوهن في أسطر
دكتور اختصاصي في التخدير والإنعاش
حاصل على ديبلوم علاج الألم وديبلوم متخصص في الإيحاء الطبي
رئيس الفدرالية الوطنية لأطباء الإنعاش والتخدير
رئيس الجمعية المغربية للإنعاش وعلاج الألم والتخدير