حرب اقتسام المقاعد تندلع بين الأحزاب استعدادا لانتخابات 2021 - تيلي ماروك

اقتسام المقاعد - الأحزاب - انتخابات 2021 حرب اقتسام المقاعد تندلع بين الأحزاب استعدادا لانتخابات 2021

حرب اقتسام المقاعد تندلع بين الأحزاب استعدادا لانتخابات 2021
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 22/09/2020

بدأت الأحزاب السياسية تدق طبول معركة الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها خلال السنة المقبلة، وذلك بعدما حسم وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، الجدل بخصوص إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. وانطلقت التسخينات الأولية لهذه المعركة، التي ستكون حاسمة في المسار الإصلاحي الذي اختاره المغرب بعد دستور 2011، وبدأت تتشكل اصطفافات بين المكونات السياسية قبل حلول موعد الانتخابات، ويظهر ذلك من خلال التعديلات المقترحة على القوانين الانتخابية، والتي يعتبرها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة لولايتين، بمثابة استهداف له لتقزيم حجمه الانتخابي، بينما تعتبرها باقي الأحزاب إصلاحا للمنظومة الانتخابية من أجل حماية التعددية السياسية.

حسمت وزارة الداخلية الجدل بخصوص تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في وقتها، خلال السنة المقبلة، حيث يواصل وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، الجولة الأخيرة من المشاورات مع زعماء الأحزاب السياسية، قبل إدخال تعديلات على القوانين الانتخابية، حيث من المنتظر أن تحيل الوزارة مختلف مشاريع القوانين المتعلقة بالمنظومة الانتخابية، على المجلس الحكومي ومجلسي البرلمان في غضون الدورة التشريعية المقبلة، لكن برزت على السطح خلافات حول العديد من المقترحات، بين حزب العدالة والتنمية من جهة، وباقي الأحزاب السياسية من جهة ثانية، حيث يعتبر الحزب الحاكم أن بعض التعديلات تستهدف تقليص حجمه الانتخابي.

تنسيق بين أحزاب المعارضة

خلافا لأحزاب التحالف الحكومي التي وضعت مقترحاتها بخصوص الانتخابات، بشكل منفرد، وضعت أحزاب المعارضة المشكلة من أحزاب الاستقلال، والأصالة والمعاصرة، والتقدم والاشتراكية، مذكرة مشتركة لدى وزارة الداخلية، تتضمن مقترحاتها بخصوص القوانين الانتخابية ونمط الاقتراع، في إطار الاستعداد لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية. وأوضحت مذكرة الأحزاب الثلاثة أن الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، بل هي آلية ووسيلة لإفراز مؤسسات منتخبة تعكس إرادة الناخبين واختياراتهم، باعتبارها أداة للتعبير السياسي الحر ومدخلا رئيسيا للممارسة الديمقراطية، واعتبرت الاشتغال على ورش نزاهة الانتخابات وشفافيتها، هو أحد الأوراش الرئيسية التي ينبغي الانكباب عليها، من أجل تعزيز وحماية العملية الانتخابية وإحاطتها بكافة الضمانات القانونية، والإدارية، والقضائية، والسياسية، والعمل على توفير كل الشروط والآليات لتجرى العملية الانتخابية في أجواء يسودها التنافس السياسي الحر بين الأحزاب، وتفعيل مبدأ تقديم الحساب وعدم التهرب من المسؤوليات، والقطيعة مع بعض الممارسات المسيئة المتمثلة في استعمال المال من طرف بعض المرشحين، وتقديم الإغراءات العينية، واستعمال الوسائل العامة في الحملات الانتخابية، والحياد السلبي للإدارة، إلى غير ذلك من الممارسات التي تفرغ العملية الانتخابية من مدلولها الديمقراطي، وتؤثر بشكل كبير على أداء ومردودية المؤسسات المنتخبة، وتسمح بصعود نخب ضعيفة الكفاءة والقدرات، مما يعكس صورة سلبية عن الفاعل السياسي، ويضعف ثقة المواطنين في الأحزاب وفي المجالس والمؤسسات المنتخبة.

وتطالب أحزاب المعارضة بإحداث اللجنة الوطنية للانتخابات بقانون كهيئة مكلفة بالتنسيق والتتبع ومواكبة الانتخابات، تكون ذات طابع مختلط، تتكون، بالإضافة إلى ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الممثلة في البرلمان، من ممثلي الحكومة والسلطة القضائية، وتكون بمثابة آلية للتشاور والإعداد والتتبع ويعهد برئاستها لممثل السلطة القضائية، على أن تتكلف الحكومة بالتدبير الإداري للانتخابات. وبخصوص التقطيع الانتخابي، طالبت الأحزاب الثلاثة باعتماد المنهجية التشاركية بخصوص مشاريع التقطيع الانتخابي، وعرضها وجوبا على اللجنة الوطنية للانتخابات واللجان الإقليمية، مع ضرورة مراعاة خصوصية بعض الأقطاب الحضرية الجديدة في التقسيم الترابي والتقطيع الانتخابي، وضم بعض الجماعات الترابية المتقاربة والمتجانسة. أما في ما يتعلق بنمط الاقتراع، طالبت بالحفاظ على نظام الاقتراع المزدوج: أحادي / لائحي، في الانتخابات الجماعية، من خلال اعتماد الانتخابات باللائحة في الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50.000 نسمة، وكذا في الجماعات التي تقل ساكنتها عن هذا العدد شرط وجود مقر العمالة فوق ترابها، واعتماد الاقتراع الأحادي الاسمي في باقي الدوائر الانتخابية، وتقوية مشاركة النساء والشباب باعتماد لوائح جهوية للنساء، والشباب ذكورا وإناثا، بدل اللائحة الوطنية، مع رفع عدد المقاعد التي كانت مخصصة للائحة الوطنية، في أفق تحقيق المناصفة بالنسبة للنساء، ومراعاة تمثيلية الأطر والكفاءات، وكذا الجالية المغربية بالخارج، كما طالبت باعتماد لائحة نسائية في الجماعات ذات الترشح الفردي، والتنصيص القانوني على تمثيلية النساء في مجالس العمالات والأقاليم والغرف المهنية، والعمل على ضمان الآليات الكفيلة بضمان تمثيلية المرأة في الانتخابات الجماعية بنسبة الثلث على الأقل، وتقوية تمثيلية الشباب في الانتخابات الجماعية بمختلف الآليات كاعتماد لائحة للشباب مثلا.

وطالبت المعارضة بإدخال تعديلات على القوانين المنظمة للحملة الانتخابية، من خلال عدم اعتبار وجود الرموز الوطنية والنشيد الوطني وكذا اللونين الأحمر والأخضر في المنشورات والمطبوعات الدعائية أو استعمالها في مهرجانات الحملات الانتخابية من موجبات الطعن، وتقليص مدة الحملة الانتخابية إلى عشرة أيام (بدل 14 يوما)، كما طالبت بتنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية مرة واحدة وفي نفس التاريخ، للرفع من نسبة المشاركة، كما تطالب بتوحید العتبة الانتخابیة والمالیة في 3 في المائة، وھو ما یعني أن اللوائح الانتخابیة التي تشارك في توزیع الأصوات في جمیع الانتخابات الجماعیة والجھویة والتشریعیة وانتخابات مجالس العمالات والأقالیم والغرف المھنیة ھي اللوائح التي تحصل على الأقل على نسبة 3 في المائة من الأصوات بصرف النظر عن حجم وطبیعة الدائرة الانتخابیة المعنیة، ويقترح حزب الأصالة والمعاصرة حذف العتبة الانتخابية.

حرب اقتسام المقاعد

من أبرز الخلافات التي أحدثت انقساما داخل أحزاب الأغلبية، كيفية احتساب القاسم الانتخابي، الذي بموجبه يتم توزيع المقاعد البرلمانية على اللوائح المتنافسة في الانتخابات، حيث تقترح أحزاب المعارضة وكذلك أحزاب من الأغلبية تغيير طريقة تحديد القاسم الانتخابي، باحتساب عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، أو باحتساب جميع الأصوات المعبر عنها في يوم الاقتراع، فيما يعارض حزب العدالة والتنمية هذا المقترح، ويطالب بالإبقاء على الطريقة المعمول بها حاليا، أي تحديد القاسم الانتخابي باحتساب عدد الأصوات الصحيحة فقط، لأن تحديد القاسم باحتساب عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية أو باحتساب عدد الأصوات المعبر عنها سيؤدي إلى الزيادة في عدد الأصوات المحددة للقاسم الانتخابي، ما سيقلص حظوظ اللوائح في الحصول على مقعدين أو ثلاثة مقاعد، ما يعتبره حزب العدالة والتنمية استهدافا مباشرا له، لكون العديد من لوائح الحزب فازت في الانتخابات الأخيرة بمقعدين في الدوائر الانتخابية، لأن القاسم الانتخابي كان صغيرا.

وطالبت أحزاب المعارضة المكونة من أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، في المذكرة المشتركة التي تقدمت بها، باحتساب القاسم الانتخابي على أساس اعتماد الأوراق المعبر عنها، يعني الأوراق الصحيحة، والملغاة، والأوراق البيضاء، والأوراق المتنازع فيها. وبدوره اقترح حزب الحركة الشعبية، في مذكرته المرفوعة إلى وزارة الداخلية، احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، ويهدف هذا المقترح إلى التشجيع على التسجيل في اللوائح الانتخابية.

وعبر حزب العدالة والتنمية عن رفضه لهذه المقترحات، وأوضح نائب الأمين العام للحزب، سليمان العمراني، أن وفد الحزب عبر لوزير الداخلية في المشاورات مع أحزاب الأغلبية بكل وضوح أنه يرفض اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوتين، وتابع العمراني أن حزب العدالة والتنمية دعا خلال هذا اللقاء إلى البقاء في النظام الحالي الذي يقوم على احتساب هذا القاسم على أساس عدد الأصوات الصحيحة، لأنه «أقرب إلى الوفاء للمنطق الديموقراطي، وهو المعتمد في عموم التجارب الديموقراطية في العالم»، وأما احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، فأكد العمراني «أنه باطل ولا يمكن قبوله نهائيا، وهذا ما قلناه بقوة وبوضوح وبصراحة في الاجتماع المذكور، حيث قلنا إن هذا الاختيار يعني هو الاقتراع الفردي المقنع، بل هو أسوأ منه».

«البيجيدي» يشكك في الداخلية

شكك حزب العدالة والتنمية في إشراف وزارة الداخلية على تنظيم الانتخابات، وطالب، من خلال مذكرته حول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بإبعاد هذه الوزارة عن تدبير العملية الانتخابية، مقابل تعزيز دور القضاء في الرقابة الفعالة والصارمة على كافة مراحلها، وهو مطلب قديم سبق أن تقدم به الحزب، خلال الولاية الحكومية السابقة، قبل أن يتراجع عنه. وأكد الحزب، في مذكرته المرفوعة إلى وزارة الداخلية، على الإشراف السياسي للحكومة على تدبير الانتخابات، وعلى تعزيز دور القضاء في الرقابة الفعالة والصارمة والنزيهة على كافة مراحلها، مع اعتماد إطار قانوني ينظم الإشراف التنظيمي على المستويين الوطني والمحلي. وأكد حزب العدالة والتنمية أنه يعبر عن رأيه في الإعداد للانتخابات المقبلة، ليس بمنطق حزبي ضيق، ولكن من منطلق مبدئي في الدفاع عن الديمقراطية وشفافية ونزاهة الانتخابات، والحرص من خلال ذلك على تحقيق الإرادة الشعبية والوفاء لنضاله المستمر من أجل ذلك.

وسبق للحزب أن تقدم بمقترح قانون، خلال الولاية الحكومية السابقة، يطالب من خلاله بإبعاد وزارة الداخلية عن تدبير ملف الانتخابات وإسناد الإشراف عليها إلى القضاء، واعتبر، في مذكرة وجهها سابقا بشأن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية والقانون المحدد لشروط وكيفيات الملاحظة المستقلة، استمرار وزارة الداخلية في تدبير الملف الانتخابي لا ينسجم مع التوجه الجديد الدستوري العام القاضي بإقرار فصل حقيقي للسلطات، لكن الحزب تراجع عن هذا المطلب، وصوت ضد مقترح إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، تقدم به حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.

ودعت المذكرة إلى مواصلة وتعزيز نهج التشاور الموسع مع الفاعلين السياسيين المشاركين في التنافس الانتخابي حول عملية تدبير الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مطالبا بالإعداد الجيد والتدبير الزمني الناجع لمختلف المحطات الانتخابية المقبلة سواء منها المهنية أو الجماعية أو التشريعية. وبخصوص البرمجة الزمنية لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، اقترح حزب العدالة والتنمية إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية والمهنية من جهة والانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب من جهة أخرى في فترتين زمنيتين منفصلتين، لإحاطة النوعين من الاستحقاقات بضمانات وشروط النجاح، فيما تطالب أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، في مذكرتها المشتركة، بتنظيم جميع الاستحقاقات في يوم واحد.

وخلافا لمطلب باقي الأحزاب بتوسيع نمط الاقتراع الفردي ليشمل الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة عوض 30 ألف نسمة، اقترح حزب العدالة والتنمية، في مذكرته حول الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، توسيع نمط الاقتراع باللائحة وفق أكبر بقية، مع تعميم نظام الاقتراع باللائحة على الجماعات التي يتجاوز عدد سكانها 20000 نسمة، وأوضح الحزب، في مذكرته، أن من شأن تعميم نمط الاقتراع باللائحة أن يسهم في تعزيز دور ومكانة الأحزاب السياسية، ودعم التنافس بين البرامج والهيئات السياسية، بدل التنافس بين الأشخاص، وأكد، في مذكرته، أن تجربة الانتخابات التشريعية والجماعية منذ 2002، أكدت أن ساكنة الوسط القروي قد استأنست بهذا النظام، بل إن حجم المشاركة في القرى هو أعلى منه في المدن.

وفي الوقت الذي تطالب باقي الأحزاب بتخفيض نسبة العتبة إلى 3 %، ويطالب حزب الأصالة والمعاصرة بحذف العتبة نهائيا، اقترح حزب العدالة والتنمية اعتماد عتبة 6 في المائة في الدوائر المحلية التشريعية، والانتخابات الجهوية والجماعية، والاحتفاظ بعتبة 3 في المائة بالنسبة لدائرة اللائحة الوطنية، وذلك من أجل تعزيز ترشيد وعقلنة الخريطة السياسية، ودعا الحزب إلى مراجعة جذرية للوائح الانتخابية الحالية المتعلقة بالانتخابات العامة، وإذا لزم الأمر القيام بمراجعة استثنائية للوائح الانتخابية العامة، استصحابا للعملية المماثلة المنجزة سنة 2016 وعملا على تطويرها، وشدد على ضرورة التقيد العملي بتفعيل بعض مقتضيات القانون رقم 57.11، من مثل المادة 21 منه التي تنص على شكليات وإجراءات إيداع طلبات القيد في اللوائح الانتخابية من فاتح أبريل إلى غاية 31 دجنبر من كل سنة، فضلا عن تيسير سبل التسجيل الإلكتروني، وكذا القيام بحملات رسمية بمختلف الوسائل من أجل دعوة المواطنين للتسجيل في اللوائح الانتخابية.

وفي رده على مطلب إلغاء اللائحة الوطنية لما تكرسه من «ريع» انتخابي وبرلماني، أعلن الحزب تشبثه باللائحة الوطنية بصيغتها الحالية، مع تحفيز ترشيح الشباب والنساء في اللوائح المحلية من مدخل الدعم المالي وولوج الإعلام العمومي، وبشأن تمثيلية مغاربة العالم بمجلس النواب، دعت المذكرة ذاتها، إلى تمكين مغاربة العالم من التصويت انطلاقا من بلدان الإقامة، مقترحا، في السياق ذاته، اعتماد لائحة وطنية لمغاربة العالم لتعزيز تمثيليتهم بمجلس النواب.

عودة الجدل حول لوائح "الريع" البرلماني

تزامنا مع مطالب إلغاء اللائحة الوطنية للنساء والشباب، اقترحت بعض الأحزاب السياسية إحداث لائحة ثالثة تسمى "لائحة الأُطر والكفاءات" مع تخصيص "كوطا" تضمن ولوج "شيوخ" الأحزاب إلى قبة البرلمان، بعد فشلهم في الحصول على مقاعد برلمانية بالدوائر المحلية التي تعرف منافسة قوية.

واعتبر المجلس الدستوري في قرار سابق، أن اللائحة الوطنية للشباب والنساء هي مجرد تدبير مؤقت لتشجيع فئات معينة على ولوج العمل السياسي والبرلماني، كما أثارت اللائحة الوطنية لشباب جدلا دستوريا وقانونيا، بين من اعتبرها ريع سياسي، وبين من اعتبرها ضرورة فتح المجال أمام الشباب للعمل السياسي، فيما يرى آخرون أن اللائحة الوطنية تعد خارج الثوابت الديمقراطية، لأنها لا تعكس الاختيارات الحقيقة للناخبين عبر صناديق الاقتراع باعتبارها التعبير الأسمى عن إرادتهم، وحملت لائحة الشباب الكثير من الانتقادات، خلافا للائحة النساء التي اعتبرها المتتبعون مقبولة من الناحية السياسية والاجتماعية، لأنها تقوم على التمييز الإيجابي، لتمكين النساء من ولوج المؤسسة التشريعية، وتسهيل ولوجهن للعمل السياسي، لكن مع إقرار اللائحة الوطنية طرحت انتقادات لكونها تقوم على التمييز الفئوي، وستفتح المجال أمام تشجيع الريع السياسي، وهو ما تجسد فعلا في الانتخابات التشريعية السابقة، حيث غابت المعايير السياسية في اختيار المرشحين، وتم مقابل ذلك تغليب منطق العلاقات العائلية والولاء الحزبي في اختيار النساء والشباب المرشحين.

وتم اعتماد نظام اللائحة الوطنية للنساء، لأول مرة في تاريخ المغرب، سنة 2002، بموجب المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 31.97 المتعلق بمجلس النواب الذي حدد تأليف مجلس النواب من 325 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة، منهم 295 عضوا ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحدثة، و30 عضوا ينتخبون على الصعيد الوطني، وقبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2002، حدث توافق بين مختلف الفرقاء والفاعلين الحزبيين، على تخصيص اللائحة الوطنية لفائدة النساء، وظل العمل بنظام اللائحة الوطنية للنساء إلى حدود الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011، حيث وتزامنا مع موجة ما يسمى "الربيع العربي" التي قادها الشباب، انطلق النقاش داخل الأحزاب السياسية حول تعميم "ريع" اللائحة الوطنية على الشباب، عن طريق اعتماد لائحة وطنية أخرى لتمثيل الشباب داخل البرلمان، وبرز خلاف بين المكونات الحزبية حول طبيعة هذه اللائحة، بين طرح يدافع عن لائحة وطنية مشتركة بين النساء والشباب، وبين طرح يدافع عن تخصيص لائحة مستقلة للشباب، ليحسم الأمر ضمن القانون التنظيمي لمجلس النواب، والذي تم بموجبه رفع عدد أعضاء المجلس من 325 إلى 395 عضوا، مع تخصيص لائحة وطنية للنساء تضم 60 مقعدا، ولائحة وطنية للشباب تضم 30 مقعدا.

وأكد قرار المجلس الدستوري رقم 2011/817 بخصوص القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، بإشارته إلى أن مقتضيات المادة 23 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، جاءت لإعمال أهداف مقررة في الدستور، فإنه يتعين في ذلك أيضا استحضار المبادئ الأساسية الثابتة التي يرتكز عليها الدستور في مجال ممارسة الحقوق السياسية، والمتمثلة بالخصوص في المواطنة وحرية الانتخاب والترشيح من خلال اقتراع عام قائم على أساس نفس القواعد والشروط، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، وهي مبادئ لا تسمح بإضفاء صبغة الديمومة على تدابير قانونية استثنائية تمليها دواع مرحلية ومؤقتة ترمي بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية فئات معينة، وتمكينها من التمرس بالحياة البرلمانية قصد إنماء قدراتها على الانخراط بنجاح في النظام الانتخابي العام.

وتأسيسا على ما سبق، اعتبر المجلس الدستوري، أن تدابير التشجيع والتحفيز، لا سيما تلك المتعلقة بفئة عمرية معينة، بما تنطوي عليه من معاملة خاصة، ينبغي، في مجال ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، أن تكون تدابير استثنائية محدودة في الزمن يتوقف العمل بها بمجرد تحقق الأهداف التي بررت اللجوء إليها، وهو أمر يعود تقديره للمشرع الذي يسوغ له أيضا اعتماد تدابير قانونية أخرى، غير أسلوب الدائرة الانتخابية الوطنية، لمواصلة السعي إلى بلوغ تلك الأهداف، وخلافا لذلك، اعتبر المجلس الدستوري، سن مقتضيات قانونية ترمي إلى تمتيع المترشحات الإناث بأحكام خاصة من شأنها تحقيق غاية دستورية تتمثل في إتاحة فرص حقيقية للنساء لتَولي الوظائف الانتخابية، تطبيقا لأحكام الفصل 19 من الدستور الذي ينص على "تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء"، والفصل 30 الذي يقر بصراحة أنه "ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية"، وأشار إلى أن عدم إخضاع المترشحات الإناث لقيد السن، خلافا للمترشحين الذكور، يرمي إلى إفساح أوسع مجال ممكن للمترشحات للولوج إلى الوظائف الانتخابية رعيا لوضعهن الراهن في المجتمع المغربي.

نقاط جوهرية تشعل الخلاف بين الأحزاب قبيل الانتخابات التشريعية

انطلق السباق بين الأحزاب السياسية المغربية على بعد أقل من عام عن الانتخابات التشريعية والبرلمانية التي ينتظر أن تجرى صيف العام القادم، ففي عز أزمة كورونا والتي دفعت إلى بروز عدة أصوات تطالب بتأجيل الاستحقاقات الانتخابية، انطلقت المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية لتدخل مرحلة الحسم في البنية السياسية والانتخابية والقانونية التي ستجري وفقها الانتخابات المحلية والتشريعية في 2021، حيث بدأت تظهر إلى السطح العديد من نقط  الخلاف في ما يتعلق بتنظيم هذه الانتخابات ونمط الاقتراع ولوائح الشباب والنساء وأسلوب التصويت، بالإضافة إلى هيئة الإشراف.

وكانت العتبة الانتخابية ولا تزال أولى نقاط الخلاف بين الأحزاب السياسية خلال فترات الانتخابات التشريعية، فقد عادت المواقف السياسية المتضاربة للأحزاب الممثلة في البرلمان، حول نقطة العتبة الانتخابية لتطفو إلى السطح من جديد، مبرزة تعارضا واضحا في المواقف بين غالبية الأحزاب وحزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في هذه النقطة بالتحديد، ففي الوقت الذي طالبت فيه أحزاب بإلغاء العتبة الانتخابية، مثل التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وباقي الأحزاب غير الممثلة بمجلس النواب وأخرى بتقليصها أو الإبقاء عليها في نسبة 3 في المائة كما هو الشأن بالنسبة لحزبي التقدم والاشتراكية والاستقلال، أبدى حزبا العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي تمسكهما برفع سقف العتبة إلى 6 في المائة.

وفي انتظار أن تحسم الجولات القادمة من المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية والأحزاب، نسبة العتبة الانتخابية، سيكون احتساب «القاسم الانتخابي» العنوان الأبرز، على الأقل، لمعركة بين العدالة والتنمية وباقي الأحزاب، بعد أن طرح العديد منها مقترحاً بإحداث تغيير على مستوى احتساب ذلك القاسم، وذلك باعتماد قاعدة المسجلين، أو قاعدة الأصوات المعبر عنها، كأساس للاحتساب،  فيما سيبقى الخلاف بارزا بين البيجيدي وباقي الأحزاب السياسية، بعد أن أعلن رفضه احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين،  داعيا على لسان نائب أمينه العام سليمان العمراني، للإبقاء على النظام الحالي، الذي يقوم على احتساب القاسم على أساس عدد الأصوات الصحيحة.

وإلى جانب الخلاف المحتدم بين الأحزاب السياسية حول نقطتي العتبة الانتخابية والقاسم الانتخابي، تبقى لوائح «الكوطا» من بين النقاط الخلافية المطروحة بشكل قوي على طاولة النقاش داخل اجتماعات الداخلية مع الأحزاب السياسية، بين من دعا لمراجعة اللوائح بتغيير تركيبتها وبين من طالب بإلغاء هذه اللوائح، فيما يسود خلاف كبير بين الأحزاب حول اللوائح الوطنية للشباب والنساء، وكذا الدعم العمومي المخصص للأحزاب وهو ما تحاول وزارة الداخلية تقريب وجهات النظر فيه. وطالبت الأحزاب بالاستجابة للمطلب الذي عبرت عنه بعض قياداتها في إحداث لوائح جهوية للشباب والنساء، بدل اللائحة الوطنية المعمول بها حالياً، فيما يبدو أن الخلاف قائماً بين الأحزاب السياسية، في ظل تشبث بعض أحزاب المعارضة (الاستقلال والتقدم والاشتراكية والأصالة والمعاصرة) بهذا المطلب بناء على تقييمها لفعالية اللائحة الوطنية الخاصة بالشباب والنساء، التي لم تفض، إلى إضافة نوعية في النقاش العمومي في البرلمان المغربي.

في المقابل، أثار مطلب إلغاء لائحة الشباب الوطنية وتعويضها بلائحة الكفاءات الحزبية غضب التنظيمات الشبابية، في الوقت الذي تعتبر بعض الأصوات والتنظيمات السياسية أن «لائحة الشباب» هي بمثابة ريع سياسي وجب القطع معه، فيما مزال نمط الاقتراع يشكل نقطة الخلاف الكبرى بين المكونات الحزبية، فقد اقترحت بعض الأحزاب اعتماد نمط الاقتراع اللائحي في المناطق التي يفوق عدد سكانها 50 ألف نسمة، بدل 30 ألف نسمة، في الوقت الذي اقترح فيه حزب العدالة والتنمية اعتماد نمط الاقتراع باللائحة في المناطق التي يفوق عدد سكانها 20 ألف نسمة، فيما تطالب أحزاب أخرى غير ممثلة في البرلمان باعتماد الاقتراع الأحادي الإسمي، وهو النمط الذي ترى فيه أنه أقرب لترجمة خيارات الناخبين المغاربة ومن شأنه الحد من تلاعبات أعيان الانتخابات أو ما يوصفون بـ «الحيتان الكبيرة».

وتبقى العديد من النقاط التقنية محط التباحث بين وزارة الداخلية، المسؤولة عن تدبير ملف الانتخابات، والأحزاب السياسية، خلال لقاءات التشاور التي ينتظر أن تتواصل إلى حين عرض الحكومة للصيغة النهائية لمشروع قانون تنظيم الانتخابات على غرفتي البرلمان، حيث تشكل مواضيع مرتبطة بإلزامية  التصويت وطريقته بين الاعتماد على التسجيل في اللوائح الانتخابية أو الاكتفاء بالتصويت بالبطاقة الوطنية، بالإضافة إلى التاريخ المحدد للانتخابات وإمكانية تنظيمها مجتمعة بين الانتخابات التشريعية والمحلية، من بين النقاط التي تنتظر الحسم في القادم من الأيام.

تيار بنكيران يخطط لاستعادة مواقعه بـ«البيجيدي» قبل الانتخابات

على بعد سنة من موعد إجراء الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة، يعيش حزب العدالة والتنمية مخاضا داخليا، حيث بدأ تيار بنكيران يتحرك لاستعادة مواقعه داخل الحزب، وذلك من خلال الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب قبل الانتخابات.

بدأ مطلب عقد المؤتمر في الملتقى الوطني الأخير لشبيبة الحزب، عندما حث عبد العالي حامي الدين شبيبة الحزب على الانقلاب على سعد الدين العثماني، الأمين العام ورئيس الحكومة، داعيا إلى عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة، قبل حلول موعد الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها خلال السنة المقبلة. وتبرأ حامي الدين الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني للحزب، في كلمة ألقاها خلال الملتقى الوطني السادس عشر لشبيبة العدالة والتنمية، من حصيلة الولاية الحكومية الحالية، التي يقودها العثماني، مقابل إشادته بحصيلة الولاية السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق، عندما قال: «هناك من يحمل الحزب مسؤولية 10 سنوات من التدبير»، ملمحا إلى أن الحزب مسؤول عن التدبير خلال الولاية السابقة لمدة خمس سنوات فقط، مشيرا إلى أن الولاية الحكومية الثانية التي يقودها الحزب انطلقت في ملابسات مختلفة نجحت في ملفات وأخفقت في أخرى، وعرفت فيها البلاد مجموعة من الإشكاليات والتجاوزات والانتهاكات.

وأكد حامي الدين أن حصيلة الحكومة الحالية هي محصلة اختيارات وتقديرات تتحمل فيها الهيئات التقريرية للحزب المسؤولية بشكل جماعي، داعيا إلى عقد مؤتمر وطني استثنائي لتصحيح المسار، بقوله: «إذا تطلب الأمر تصحيح ما يلزم ولو بعقد مؤتمر وطني استثنائي، فيجب أن نكون جاهزين لذلك»، وأضاف: «يجب إعطاء دفعة قوية لمسار الحزب خلال المرحلة القادمة»، معتبرا أنه لا يمكن أن يكون لحزب العدالة والتنمية دور مؤثر في الحياة السياسية المغربية، إلا إذا كان حزبا قويا موحدا بقيادة قوية وبمستوى عال من الوضوح السياسي والالتزام الوطني.

وتوصلت إدارة الحزب بوثيقة تحمل توقيعات أعضاء بالشبيبة تدعو بشكل رسمي إلى عقد مؤتمر استثنائي، ويرى أصحاب الوثيقة أنه انطلاقا من متابعتهم الدقيقة لأداء الحزب وتغييرات المشهد السياسي، اتضح لهم بشكل جلي أن الحزب يعيش مرحلة حساسة وحاسمة من تاريخه، وتضيف الوثيقة أنه «وبعد طول تردد وانتظار، وتدارس ونقاش، وقلق نتج عنه أرق، ارتأينا (نحن أعضاء الحزب والشبيبة) أن الوقت قد حان لنسهم ولنتفاعل بشكل إيجابي مع ما يمر به حزبنا ووطننا من لحظات عصيبة، ونتقدم بهذه المبادرة التي اختارنا لها اسم «مبادرة النقد والتقييم»».

وأوضح أصحاب الوثيقة أن هذه المبادرة تعد صفحة من الصفحات المشرفة للحزب، المبرزة لنفس حرية التعبير وروح المبادرة، والمنعدمة في غيره من الأحزاب، وتضيف الوثيقة: «فلا مكان في حزبنا لثقافة الشيخ والمريد، ولا ثقافة القادة والأتباع، بل الكل يحمل هم واقع الحزب ورهاناته، كما يحمل هم الوطن ومستقبله، قواعد كانوا أو قيادات»، وأبرزت الوثيقة أنه عكس ما قد يعتبره البعض تسرعا، أو تجاوزا لمنطق المؤسسات، فإن المبادرة، باعتبارها الوسيلة الأنجع لإيصال صوت فئة مهمة من قواعد وقيادات حزب وشبيبة العدالة والتنمية، إلى مؤسسة المجلس الوطني (برلمان الحزب). وأضافت الوثيقة: «فمنذ وقت ليس بالقليل، لاحظنا ازدياد الهوة بين القواعد والقيادات، وأن العديد من الأصوات الرافضة والمنتقدة للوضع الحالي لا يصل صداها لقيادة الحزب، وتظل محصورة في أحاديث المقاهي واللقاءات الأخوية، والنقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي، هذا بعد أن ملت هذه الأصوات من اعتماد الآليات التنظيمية واللقاءات الداخلية، التي لم تلق للأسف التفاعل الايجابي المرجو».

وأكدت الوثيقة أنه في العديد من المحطات التي عاش فيها الحزب هزات عنيفة وارتباكا واضحا واختلافا في الرؤى ووجهات النظر، كان منتظرا من المجلس الوطني أن يعقد دورات استثنائية يحسم فيها الخلاف، ويحتوي فيها الوضع، «لكن للأسف أحسسنا بركود هذه المؤسسة وعدم تحملها للمسؤولية في اللحظات العصيبة التي عاشها الحزب والوطن»، حسب ما أوردته الوثيقة، وأضافت: «بعد المجلس الوطني للحزب، كان يعول كذلك على الشبيبة لتوفير هذا الفضاء للنقاش الحر والمسؤول والاستماع إلى جميع الأصوات ووجهات النظر المختلفة، إلا أن هذا الأمر لم يكن للأسف الشديد، حيث لم تعد الشبيبة تتمتع بالاستقلالية اللازمة للقيام بمثل هذه المبادرات، فالتعبير عن مواقفها أصبح مقيدا باختيارات قيادتها الحالية، بعيدا عن النفس العام الذي يسود قواعد الشبيبة.

وأمام انسداد الفضاءات التنظيمية الخاصة لاحتواء نقاش هادئ وصريح في شتى القضايا المفصلية، خلص أصحاب المبادرة، إلى أن قيادتي الحزب والشبيبة تراهنان أكثر على تناسي هذه اللحظات، وإطفاء نار الغضب في صفوف المناضلين، استنادا إلى مقولة «كم حاجة قضيناها بتركها»، والتذرع بقاعدة «الرأي حر والقرار ملزم»، في حين أن الرأي الحر لا يناقش، والقرارات الملزمة لا تزيد الوضع إلا تأزما، ومراكمة الخلافات وتجميد المؤسسات لن يكون وقعه على الحزب ومناضليه إلا سيئا».

لهذا تأتي المبادرة، حسب الوثيقة، كمحاولة لاستعادة هوية الحزب الوطنية والنضالية، وذلك بعد أن استنزفت جميع المحاولات والفرص المتاحة، حيث كان ضروريا الدفع بهذه المبادرة في هذه المرحلة التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الحزب. وحذر أصحاب المبادرة من إدراجه في نادي الأحزاب الإدارية، في حالة استمرار استنزاف ما تبقى من رصيده الوطني والنضالي، كما وقع لبقية الأحزاب الوطنية التي تم ابتلاعها من طرف إدارة الدولة، مما أدى إلى فقدانها لاستقلاليتها ووطنيتها، ولذلك طالبوا بتفعيل المادة 24 من النظام الأساسي للحزب، والتي تخول للمجلس الوطني صلاحية الدعوة لمؤتمر استثنائي بعد موافقة ثلثي أعضائه، باعتبار المؤتمر الاستثنائي المحطة التنظيمية الكفيلة بإخراج الحزب من حالة التخبط التي يعرفها في هذه المرحلة الحرجة.

ثلاثة أسئلة لعتيق السعيد*

*باحث أكاديمي بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء ومحلل سياسي

1- ما هي رهانات المرحلة السياسية المقبلة؟

أكيد أن المرحلة الراهنة تتسم بالكثير من المتغيرات على عدة أنماط، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، ذلك جراء ما يعرفه المغرب على غرار باقي دول العالم من تفشي فيروس كورونا، وبالتالي تدفع أزمة «كوفيد- 19» القوى السياسية إلى ضرورة الانكباب الجاد والمسؤول على أنجع الطرق التدبيرية في أوقات الأزمات، بغية الحد من تداعياتها وآثارها على النسيج المجتمعي وعلى مختلف القطاعات الأساسية. وبالتالي الدخول السياسي المقبل سيكون مرتبطا بسياق ظروف استثنائية فرضتها تداعيات الجائحة في مختلف المجالات الحيوية، وكذلك في فترة عصيبة تمر منها البلاد متأثرة بالآثار الاقتصادية لفيروس كورونا، وعليه فإن الحكومة مطالبة بنهج تدابير وإجراءات جريئة تقطع مع كل ممارسات ما قبل الجائحة، تمس في جوهرها تدبير العمل السياسي الذي يستلزم قدرا عاليا من الواقعية، التي تعكس نبض المجتمع والإنصات إليه من أجل تلبية احتياجاته.

أيضا الفعالية في الأداء التي تساهم في تيسير تفعيل الأوراش والتدابير المرحلية من أجل تحقيق أعلى درجات التنمية المجالية، ولن يستقيم هذا التوجه دون اعتماد تدبير ميزانياتي مرتكز على أساس النتائج، كونه يسمح بالانتقال التدريجي من المقاربة القطاعية- العمودية المحدودة والضيقة، إلى مقاربة أفقية تكون أكثر شمولية واندماجا، أساسها تبني مبدأ التشارك بين الدولة ومختلف الفاعلين، بما يتيح تنزيل وأجرأة البرامج والمشاريع ذات القرب لاحتياجات المواطنين، وذلك بهدف تحقيق مبادئ الحكامة الجيدة في عملية تنفيذ الاستثمارات، وكذا العقلانية في صرف الموارد المالية، ضمانا لترميم تصدعات الأزمة الوبائية من جهة، ومن جهة ثانية السعي إلى إنعاش المجال الاقتصادي وتحصين المجال الاجتماعي الذي أنهكته الجائحة.

وبالتالي يمكن القول إن الدخول السياسي المقبل لن يكون عاديا، وبالتالي لا يجب أن يكون روتينيا أو مرحلة عبور بين مرحلتين؛ سياسية/ انتخابية وأخرى، نحن نتحدث عن فترة محاطة بأزمة وتداعياتها المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، وأيضا بحكم حجم تفاقم الانتظارات المجتمعية والتحديات الاقتصادية التي فرضتها الجائحة، سيما في ترابطها بالمجال الاجتماعي الذي حظي باهتمام وعناية جلالة الملك في مختلف الخطابات السامية على مدار السنة، فالأزمة الوبائية طرحت إشكالات جديدة مرتبطة بهذا المجال، حيث إن مجرياتها أكدت بشكل واقعي أن الحكومة مطالبة اليوم قبل أي وقت مضى بنهج تدبير أكثر فعالية قوامه خطة سوسيو- اقتصادية يقوم عمادها على الإطار التضامني، يكون بمثابة صمام الأمان الرادع من المتغيرات المتلاحقة للأزمة، التي كان وما زال لها تأثير على نمط وحركية النسيج المجتمعي.

2- ما هي التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟

رهانات كثيرة مطروحة أمام القوى السياسية في المرحلة المقبلة، لكن يمكن القول إن من بين أهم ما يجب التركيز عليه في الفترة المقبلة لدى مختلف القوى السياسية، هو نجاعة وفعالية التدبير العمومي عبر الحرص على التأقلم بسرعة مع سياق الجائحة، وأن يكون مرآة عاكسة وتفاعلية مع احتياجات المواطن في هذه الأزمة، وأن لا يشهد الدخول السياسي حالة من الارتباك المفضي إلى تناقضات في التدبير السياسي، مرده التحضير والاهتمام بالاستحقاقات الانتخابية، حيث يجب أن لا تتأثر المشاريع التنموية بسبب التركيز على المرحلة السياسية المقبلة، ولعل إصدار وتجويد مقترحات ومشاريع القوانين، والإنصات إلى انشغالات المواطنين في هذه الفترة الفاصلة بين مرحلتين انتخابيتين، يستلزم التعجيل في المساهمة؛ بفعالية في الإنتاج التشريعي، وقدرته على ملاءمته للمتغيرات المجتمعية في ظل تحولات الوضع الوطني، وهو ما يتطلب التفاعل السريع مع المبادرات التشريعية، وتجاوب الحكومة المستمر مع المقترحات.

المرحلة المقبلة تستلزم الفعالية والنجاعة في التدبير السياسي دعما وتقويما للقطاعات المتضررة من الجائحة، لأنها ستكون مصحوبة بالعديد من المتغيرات، ومرد ذلك أنها مرتبطة بأزمة وبائية عالمية كان لها الأثر على مجموعة من القطاعات الرئيسية بالدولة، وأيضا تزامنها مع مرحلة انتخابية مقبلة، ومنه يمكن القول إن بلادنا تعيش مرحلة دقيقة وتحديات مختلفة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، تستدعي تضافر جهود القوى السياسية من أجل تجويد الأداء السياسي وجعله يرقى لما تشهده المرحلة من متغيرات بنيوية متلاحقة، ومن أبرزها تعزيز الأمن الصحي، والتفعيل السليم للإدارة الإلكترونية كونها الأكثر قربا وطلبا لاحتياجات المواطن، وأيضا حماية البيئة ومكوناتها والعمل على نشر الوعي بأهمية التوازن البيئي في ظل الجائحة، بالإضافة إلى تثمين آليات التعليم الفعالة، كلها أولويات للمرحلة المقبلة لما لها من أدوار مستدامة تتيح إعادة بناء المجتمع وتمثل ملاذا للخروج من الأزمات، أملا في مستقبل قار وأكثر قوة من ذي قبل.

3- ما هي تطلعات وآفاق الاستحقاقات المقبلة؟

جلالة الملك يعطي اهتماما كبيرا للعنصر البشري، بل أكثر من ذلك جعله أولوية كبرى في دينامية الإصلاحات بشكل عام، وفي تدبير فترة الجائحة بشكل خاص، من منطلق حماية صحة المواطن وجعله قادرا على الخروج من هذه الفترة العصيبة، حيث تتعدد الأوراش التي قام بهندستها جلالته برؤية متبصرة للمرحلة تنتظر من الحكومة تفعيلها على أرض الواقع، وبالتالي يتعين عليها أن تضع خارطة طريق دقيقة واضحة، سواء متوسطة أو بعيدة المدى في ما يخص الاهتمام بهاته الأوراش، وعلى رأسها الطبقة الوسطى التي هي مصدر الاستقرار والازدهار الاقتصادي، وبالتالي إن تعزيز آليات الحماية الاجتماعية من خلال تعميم التغطية الاجتماعية التي تطرق إليها جلالته في خطاب العرش المجيد، سيتيح هذا الورش تغطية اجتماعية شاملة تتمثل في تعميم التأمين الإجباري على الأمراض والتعويضات العائلية لفائدة جميع الأسر، ابتداء من يناير 2021.

 وبذلك يكون هذا المشروع غير مسبوق، ويعد من الإصلاحات الاجتماعية الكبرى التي تستلزم من الحكومة اعتماد تغييرات جذرية في تدبير نظام الحماية الاجتماعية ببلادنا، خصوصا أن تنزيل هذا الإصلاح محدد بشكل تدريجي خلال خمس سنوات 2021- 2025، وبالتالي يتعين اتخاذ عدد من التدابير القبلية والمواكبة المتمثلة في إصلاح الإطار القانوني والتنظيمي، وإعادة تأهيل الوحدات الصحية لضمان التفعيل السليم والمستدام.

إن ورش إحداث السجل الاجتماعي الموحد يشكل مشروعا اجتماعيا واستراتيجيا بأبعاد متعددة. هذا الورش الاجتماعي، يجسد الإرادة في الانتقال من التدبير الإداري النمطي أو الكلاسيكي إلى الاستثمار التكنولوجي الذي يساعد على تحديد آليات/ التقنية الكفيلة بتنظيم وضبط عملية الاستهداف لبرامج الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى توحيد وتجميع منابع برامج الحماية الاجتماعية في إطار واحد دقيق وشامل، كما يمكن أن يعتبر مؤشرا واقعيا ودقيقا لقياس دينامية التحولات الاجتماعية والاقتصادية بمختلف مناطق المملكة، بما سيخدم أيضا مشروع النموذج التنموي الجديد، بل أكثر من ذلك يمكن أن يشكل القاعدة الأساس التي يبنى عليها التطور المستدام للنموذج التنموي، بشكل يضمن تحقيق الواقعية في التقييم والرصد على نطاق واسع، وعليه يجب الانكباب على تفعيله لما له من أهداف اجتماعية متعددة.

المرحلة الانتخابية المقبلة تستلزم برمجة آنية لمخطط دعم القطاعات المتضررة، من أجل جعل كل الظروف متهيئة لجميع الفرضيات، لأن الأصل في عودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران هو تحفيز الطلب المحلي بقوة على الإنتاج الوطني، والديمومة على استئناف العمل تدريجيا بمختلف الوحدات الصناعية الكبرى، المتوسطة والصغيرة.


إقرأ أيضا