عندما يضطر وزير الداخلية إلى إصدار دورية موجهة للولاة والعمال وتخاطب رؤساء الجهات وعمداء المدن بضرورة «تزيار السمطة» وتجنب مصاريف البذخ والابتعاد قدر الإمكان عن المشاريع المتنازع حولها، والحرص الشديد على تأمين مستحقات الموظفين والأعوان باعتبارها أولويات السنة المقبلة، فإن الوضع ليس على ما يرام، فليس من عادة وزارة الداخلية نهج هذا الأسلوب من التوجيه بلغة لا تحتمل أي تأويل.
وبغض النظر عن خلفيات الدورية وأسباب نزولها التي تقف بدون شك وراءها تداعيات كوفيد - 19، فإن مراسلة وزير الداخلية وضعت أصبعها على أموال وصفقات ومشاريع الجماعات الترابية التي تشكل أحد الجروح الغائرة التي تستنزف المال العام دون أن يرى المواطن أي تحسن في مجاله الترابي، فلا أحياؤنا مثل الأحياء، ولا مقابرنا مثل المقابر، ولا أسواقنا مثل الأسواق، ولا مدننا تشبه المدن المحترمة باستثناء تلك التي تدخلت فيها الإرادة الملكية وفرضت على المنتخبين والولاة على السواء السرعة الفائقة والفعالية المطلوبة لإنجاز مشاريع محددة وتمويلات واضحة، غير ذلك فمعظم مجالنا الترابي يستحي المواطن أن يتحدث عنه.
وما يبعث حقيقة على الغضب والتذمر الذي يشعر به المواطن بمجرد خروجه من بيته، أن أكثر من 1500 جماعة بـ31 ألف مستشار ورئيس يبتلعون سنويا 4000 مليار سنتيم دون أن يرى أثر تلك النعمة على نظافة شوارعه وكرامة وسائل نقله وبهجة منتزهاته، بينما يرى الخيرات واضحة على أحوال مستشاريه ومنتخبيه الذين، بدل إصلاح أحوال المواطن، أصلحوا أحوالهم في انتظار سوق انتخابي آخر.