يواصل محمد بنشعبون استراتيجيته الهادئة في إصلاح منظومة المؤسسات والمقاولات العمومية التي تتصرف في 10 آلاف مليار سنتيم سنويا. المعطيات المسربة من مطبخ مديرية المنشآت العامة، بوزارة الاقتصاد والمالية، لا تبشر بالخير، فجيوب المقاومة ومركب المصالح كشروا عن أنيابهم للحفاظ على مصالحهم الشخصية بدل العمل على تحقيق مصالح الوطن الذي يواجه وابلا من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية.
ندرك أن طبيعة الإصلاح، خصوصا في المجالات التي يغلب عليها الطابع المالي، تكون صعبة للغاية وهي غالبا مما لا تتقبله بسهولة اللوبيات المستفيدة من الوضع القائم، بل وتعمل على مقاومته بكل الأشكال، لكن ليس إلى درجة أن تتحول المؤسسات العمومية إلى غابة خطيرة يستحيل المرور منها دون مواجهة وحوش شرسة مستعدة للقيام بأي شيء من أجل الحفاظ على الوضع القائم فالإصلاح مهما كان سلسا ليس في مصلحتها. ومن حسن حظ بنشعبون أنه يتحرك في صحراء ملغومة بكاسحة ملكية أهداها له خطاب العرش توفر له الكثير من الحصانة وتحميه من الألغام المصطنعة، لكن المهمة مع ذلك ليست باليسيرة.
ولنكن صرحاء، لم تعد تخمة المؤسسات والمقاولات العمومية التي تجاوزت 400 مؤسسة مفيدة للنظام المالي والاقتصادي، بل على العكس تماما تحولت إلى عبء ثقيل فوق سفينة الوطن التي تعبر بحرا متقلبا من الأمواج. صحيح أن تلك المؤسسات ما زالت تجذب الكفاءات، والمتميزين من خريجي المعاهد العليا حيث توجد فرص وتحفيزات مجزية أكثر، لكن ذلك لم يكن له أي أثر على أداء وحكامة المئات من المؤسسات والمقاولات العمومية التي أصبحت تعتمد في استمرارها على الأداء الجيد لخمس أو ست مؤسسات تحقق قيمة مضافة للاقتصاد المغربي لكنها لم تعد قادرة على جر عربة مهترئة من المؤسسات.
إن تجارب الدول التي نجحت في تحقيق نمو اقتصادي خلال فترات قصيرة نسبيا، قد أخضعت مؤسسات القطاع العام سواء كانت ذات بعد مالي أو اجتماعي إلى عمليات جراحية قاسية وجريئة، ووضعت شروطا صارمة لتقييم الأداء. واليوم نحن في مفترق الطرق فإما إصلاح جاد كما جاء في الخطاب الملكي الأخير أو التفاف على الإصلاح بإلغاء مؤسسة أو شركة عمومية هنا أو تجميع مؤسستين هناك دون النبش في قضايا الحكامة، فهذا لا يعني سوى لعبة الرسم في الماء أو النفخ على الحبل.