عقدت الجمعية المغربية للصناعة الدوائية، أول أمس الثلاثاء، اجتماعا خصص لتدارس تداعيات مرسوم أصدره رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، يمنح عدة امتيازات مالية للشركات الأجنبية التي تصدر الأدوية إلى المغرب، وذلك على حساب مصالح الاقتصاد الوطني الذي يتكبد خسائر ضريبية بالعملة الصعبة، كما أنه يضرب مبدأ المنافسة ويستهدف بالخصوص الشركات الوطنية، وقررت الجمعية اللجوء إلى مجلس المنافسة لطلب رأيه بخصوص هذا المرسوم.
ويتعلق الأمر بمرسوم أصدره بنكيران يوم 18 دجنبر 2018، يتعلق بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة للعموم. وحسب المادة الرابعة من المرسوم، فإنه بالنسبة للأدوية المصنعة محليا، تحدد هوامش ربح المؤسسة الصيدلية الموزعة بالجملة والصيدلي المطبقة على سعر المصنع دون احتساب الرسوم، وبالنسبة للأدوية المستوردة، تضاف إلى سعر المصنع دون احتساب الرسوم نسبة 10 في المائة تشمل هامش ربح المستورد ومصاريف النقل والرسوم الجمركية، وهذه النسبة الإضافية يعتبرها صناع الأدوية المحليون إجحافا في حقهم وفي حق المستهلك، وكذلك تضر بالاقتصاد الوطني، لأن كل الأرباح تذهب إلى الخارج بالعملة الصعبة، ولا تستفيد خزينة الدولة من مداخيل ضريبية مهمة.
وأوضح علي السدراتي، رئيس الجمعية المغربية للصناعة الدوائية، أن المرسوم السابق كان ينص على تخفيض بنسبة 20 في المائة على الأقل يقتطع من ثمن البيع الذي تحدده الشركات الأجنبية، وذلك لتحديد أسعار الأدوية المستوردة من الخارج التي تباع بالمغرب، ويعني ذلك ترك هامش للربح تحصل عليه الشركات من المغرب، وبالتالي تؤدي عنه الضرائب لفائدة خزينة الدولة، كما أن المستهلك يستفيد كذلك من تخفيض في أسعار الأدوية المستوردة، لكن رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، أصدر سنة 2013 مرسوما جديدا، تم بموجبه حذف هذا التخفيض، ومنح «هدية» للشركات الأجنبية، بإضافة نسبة 10 في المائة على الثمن الأصلي للمنتوج الدوائي، ويعني ذلك، حسب السدراتي، أن الأرباح كلها تبقى بالخارج، وخزينة الدولة لا تستفيد من الضرائب، بالإضافة إلى زيادة نسبة 10 في المائة يؤديها المستهلك المغربي تذهب كلها إلى الخارج، وأكد السدراتي أن هذا الإجراء يلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الوطني وبتنافسية الشركات المحلية، ويضرب القدرة الشرائية للمغاربة.
وقررت الجمعية اللجوء إلى مجلس المنافسة لطلب إبداء رأيه بخصوص هذا المرسوم، قبل إجراء المشاورات مع الجهات الحكومية المختصة لتعديله، وخاصة المادة الرابعة منه، وأكدت مصادر من الجمعية، أن هذا المرسوم يشكل تهديدا حقيقيا للصناعة الدوائية المحلية ويشجع على استيراد الأدوية من الخارج، خاصة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وهي في حاجة ماسة لاحتياطي العملة الصعبة، وتحصين الأمن الدوائي لتغطية حاجيات المواطنين من الأدوية.
وأفادت المصادر بأن مرسوم بنكيران يمنح امتيازات للشركات الأجنبية على حساب الشركات المحلية، ويلحق أضرارا بالمداخيل الضريبية لخزينة الدولة، ويضرب القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة، لأن هذا الإجراء يفضل الأدوية المستوردة على الأدوية المصنعة محليًا. وكشفت المصادر أن من النتائج الكارثية لهذا المرسوم تراجع الاستثمارات المحلية في المنشآت الصناعية الدوائية، وانخفاض القيمة المضافة المحلية للقطاع بنسبة 50 في المائة تقريبًا، كما لوحظ تأثير ذلك على تفاقم العجز التجاري واستنزاف احتياطي العملة الصعبة بسبب تزايد حجم الواردات من الأدوية من حيث الأسعار والكميات المستوردة. وبحسب أرقام مكتب الصرف، فقد بلغ العجز في الميزان التجاري بالنسبة للصناعة الدوائية حوالي 4.7 مليارات درهم، خلال سنة 2017، بزيادة سنوية تقارب 10 في المائة، وهو العجز الذي سيتجاوز سقف 6 ملايير درهم مع نهاية العام الجاري.
ومن تداعيات هذا المرسوم، ضرب القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة، لأنهم يجدون أنفسهم أمام زيادات مستمرة في أسعار الأدوية المستوردة، خاصة وأن جزءًا كبيرًا من هذه الأدوية يتعلق بأمراض خطيرة مثل السرطان أو التهاب الكبد أو السكري وغيرها، ما يشكل عائقا أمام المرضى للحصول على هذه الأدوية ويعرض صحتهم وحياتهم للخطر، وهناك مؤشر آخر مقلق، تطرقت إليه جمعية الصناعة الدوائية، يتعلق بتراجع معدل تغطية الاحتياجات الدوائية من قبل الصناعة المحلية، حيث انخفض من حوالي 80 في المائة في سنة 2010 إلى أقل من 60 في المائة خلال السنة الحالية، مع العلم أن نصف الأدوية المستوردة إلى المغرب يمكن تصنيعها محليا، مما يشكل تهديدا للسيادة الوطنية في مجال الصناعة الدوائية، لأنه نظرا لارتفاع هامش الربح في الأدوية المستوردة، تم تشجيع الفاعلين في القطاع على اللجوء إلى الاستيراد عوض التصنيع المحلي، وتحولت شركات صناعية إلى شركات للاستيراد، وبذلك ارتفعت واردات الأدوية من 4.8 مليارات درهم في سنة 2014، وهي السنة التي دخل فيه المرسوم الجديد حيز التنفيذ، إلى 5.7 مليارات في سنة 2017، بمتوسط نمو 7 في المائة سنويًا، ومن المنتظر أن ترتفع إلى 7 ملاير درهم في نهاية السنة الحالية، أي بزيادة 46 في المائة خلال مدة ست سنوات من تطبيق المرسوم.