بعدما فجرت جريدة «الأخبار» فضيحة «صفقة» التكوين المستمر بالمدرسة الوطنية العليا للكهرباء والميكانيك التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وذلك في عهد وزير التعليم العالي السابق، لحسن الداودي، فتحت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقا في هذه الصفقة المثيرة للجدل، وأحالت الملف على النيابة العامة.
وحسب الوثائق التي حصلت عليها «تيلي ماروك» فإن العقد الذي يربط المدرسة بالشركة الفرنسية التي تشرف على التكوين المستمر، وقع عليه الرئيس السابق للجامعة والمدير السابق للمدرسة، وشخص فرنسي الجنسية، وقع مرتين، الأولى بصفته مديرا عاما لشركة فرنسية متخصصة في التكوين، يوجد مقرها بالعاصمة الفرنسية باريس، والثانية بوصفه مديرا عاما لشركة تكوين بالدار البيضاء. وحددت أهداف العقد في توفير تكوينات جامعية وتكوينات مستمرة لمستخدمي الشركات، ومن جهتها تعهدت الجامعة بوضع مقر المدرسة رهن إشارة الشركة الفرنسية، بما يتضمنه من تجهيزات ومعدات وبنيات تحتية تقنية، وحددت أسعار التكوين في مبالغ بنحو 3 ملايين سنتيم في السنة للحصول على الإجازة المهنية، وأكثر من 4 ملايين سنتيم للحصول على شهادة تسمى بالماستير (mastère) وليس الماستر (master) الذي تمنحه المؤسسات الجامعية العمومية، ويتم اقتسام الأرباح، بحصول الجامعة على 10 في المائة، والمدرسة على نفس النسبة، في حين ستحصل الشركة الفرنسية الأم على 20 في المائة، والخطير في الأمر أن هذه الشركة وسعت أنشطتها بمؤسسات جامعية بالعديد من المدن، ومن بين التلاعبات المتضمنة في الوثائق، تبين من خلال البحث في السجلات التجارية لهذه الشركة بالمغرب، أنها تحمل 15 رقم سجل تجاري مختلف، تتأسس باسم ثم تعلن توقیف نشاطها لتظهر من جديد بسجل تجاري آخر تستأنف به نشاطها، ما أثار تساؤلات حول علاقة ذلك بالتهرب الضريبي.
وسبق للطلبة المهندسين، الذين يتابعون دراستهم بالمدرسة أن انتفضوا ضد الشركة الفرنسية، وطالبوا بفتح تحقيق في التحويلات المالية التي تقوم بها إدارة المدرسة إلى حساب الشركة الفرنسية، وحذر الطلبة المهندسون من استفحال آفة التكوين المستمر الخصوصي الذي أخذ أبعادا خطيرة تستدعي تدخل كافة المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي، وأكدوا في بيان لهم أن «التكوين المستمر في مدرستنا يعتبر مصدر ربح وتربح على حساب سمعة المدرسة وبريقها وعلى حساب مهندسي الدولة»، وأعاب المحتجون على وزير التعليم العالي السابق، عدم التدخل لفتح تحقيق في هذا الأمر، خصوصا بعد المراسلات التي وجهها مكتب الطلبة للوزارة في مرات عديدة لإثارة خطورة الوضع. وأوضح الطلبة أنه «كل من هب ودب وفكر ثم قدر، يقوم بفتح أسلاك إجازة في تكوين ما، وما زاد الطين بلة هو وجود أسلاك لا علاقة لها بالتكوينات الأساسية للمؤسسة مثل الهندسة المدنية وتسيير الموارد البشرية، مما يدل على النهج الربحي والطمع والجشع الذي أصبح يسكن المدرسة، التي تحولت إلى بقرة حلوب». وتطرق البيان إلى حالات كثيرة من الطلبة تم التغرير بهم والنصب عليهم بعد اكتشاف الاختلاف الكبير بين الإشهارات والواقع، مبرزا أن المداخيل المادية لهذه التكوينات تستفيد منها جهات داخل المدرسة وفي رئاسة الجامعة على حساب سمعة المدرسة.
ومن جهته، دق الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، ناقوس الخطر بخصوص الأجواء المتوترة والمشحونة داخل المدرسة، من خلال احتكار واستغلال عائدات و «ريع» التكوينات المؤدى عنها بكل تلاوينها، والتي تطورت في المدرسة دون حسيب ولا رقيب، بحيث تم اللجوء إلى خدمات شركة فرنسية خاصة تقوم بتحصيل عائدات جل هذه التكوينات وصرفها خارج مراقبة المصالح المالية للجامعة، وذلك لكي تتمكن الإدارة من التصرف في مداخيل هذه التكوينات خارج أدنى مراقبة أو محاسبة، ولقد فاقت هذه التكوينات المؤدى عنها بشكل كثير الطاقة الاستيعابية للمدرسة رغم النداءات السابقة والمتكررة الهادفة إلى طلب تقنينها داخل الجموعات العامة للأساتذة الباحثين، الذين طالبوا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وإجراء افتحاص من طرف المجلس الأعلى للحسابات.