لازالت الأبحاث المنجزة حول واقعة إطلاق النار من طرف دورية للدرك على مواطن ومقتله التي شهدتها منطقة الدروة بإقليم برشيد تفرز الكثير من التطورات، حيث أمرت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، زوال الجمعة الماضي، إحالة الدركي الذي أطلق النار على الجاني المفترض وزميله الذي كان يرافقه في نفس الدورية، على قاضي التحقيق من أجل تعميق الأبحاث معهما حول التهم المنسوبة إليهما، قبل أن يقرر قاضي التحقيق بنفس المحكمة إيداعهما سجن سيدي مومن بسطات في انتظار الشروع في استنطاقهما خلال الأيام القادمة.
وخلفت هذه الواقعة نقاشا كبيرا على غير العادة، بالنظر لتداعياتها والتأويلات المتعددة التي رافقت أطوارها، في غياب توضيح رسمي من الجهات الأمنية المختصة، قبل أن تحيل مخرجات التحقيق على قاضي التحقيق الذي بات يمنع بقوة القانون الخوض مجددا في هذه التأويلات احتراما لمسطرة التحقيق وسرية الأبحاث.
والملاحظ حسب مصادر «تيلي ماروك» أن الإفرازات المتتالية لهذه الواقعة، جعلتها قضية رأي عام تتسم بالكثير من الغموض في تفاصيلها، حيث انطلق سيناريو الأحداث على الأقل ظاهريا وفق تسريباته المتداولة من توسل سيدة لرجال الدرك في حدود الساعة الخامسة صباحا لإنقاذ رضيعها من عملية اختطاف تعرض لها من طرف شخص حددت هويته ومكان تواجده حيث سرق السيارة التي كان يتواجد بها الطفل، وبعد أن رافقت دورية الدرك المشتكية إلى عين المكان وقامت بتمشيط المنطقة عثرت عليه، لتنطلق مواجهة شرسة بين رجال الدرك والمتهم استعمل فيها هذا الأخير سلاحا أبيض هدد به الدورية الأمنية مما اضطر أحد أفرادها وهو دركي شاب ينحدر من مدينة الدار البيضاء متزوج وله طفل حديث الولادة إلى إطلاق النار على الهالك المتهم باختطاف رضيع، متسببا في مصرعه على الفور.
وبالتزامن مع هذا السيناريو الذي يبدو عاديا من حيث وقائعه ومخلفاته، يختزل مسار تدخل أمني قانوني في مواجهة جانح شكل خطر على سلامة المواطنين والقوات العمومية، تعالت أصوات بمنطقة الدروة وإقليم برشيد عموما بين مناصرين لهذا التدخل ورافضين له، بحكم أن الرواية المتداولة مغالطة تماما للحقيقة، وسط مطالب بفتح تحقيق دقيق حول ملابسات التدخل الأمني وعلاقة السيدة المشتكية بالهالك والبحث في دواعي إطلاق النار من طرف الدركي، قبل أن تدخل الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية التابعة للقيادة العليا للدرك الملكي على الخط من أجل تجلية الكثير من الغموض الذي رافق هذه الواقعة وتحديد المسؤوليات بكل دقة وإنصاف.
مصادر «تيلي ماروك» أكدت أنه مع انطلاق الأبحاث تبين أن السيدة المشتكية كانت لها علاقة غير شرعية مع المتهم الذي لقي حتفه، وهي متزوجة من رجل يشتغل بالأقاليم الجنوبية، حيث نجحت هي وعشيقها في إخفاء هذه العلاقة المشبوهة طيلة فترة زواجهما، وقد جرى اعتقالها بعد اكتشاف هذه الحقيقة، حيث أمر الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بسطات بإيداعها السجن بتهمة الخيانة الزوجية والفساد والإدلاء بمعطيات مغلوطة للضابطة القضائية بعد أن أكدت أنها تعرضت لسرقة رضيعها وسيارتها من طرف مجهول، وقد تم استدعاء زوجها على عجل، حيث تم إخباره باعترافات زوجته، قبل أن يمكنها من تنازل بعدم متابعته لها، كما أنه نقل أبناءه الثلاثة معه إلى حيث يشتغل بمن فيهم الرضيع الذي أكد أنه ابنه.
هذا المنعطف الخطير الذي كشف أن منطلق الرواية كان كاذبا ولا يتعلق بعملية اختطاف، فتح شهية المحققين لسبر أغوار هذه النازلة وفتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات التي توزعت بين مناصرين للهالك ومطالبين بمعاقبة الدركيين، وبين مؤيدين للتدخل الأمني ضد الهالك، وهذا السجال رافقته وقفات احتجاجية ولغط كبير وسط متتبعي الشأن الأمني بتراب الإقليم، خاصة أن فضيحة أخرى تفجرت بالتزامن مع هذا المخاض وتحتاج إلى تأكيد رسمي، بعد أن كشفت التحريات أن الهالك كان موضوع مذكرة بحث من طرف مصالح الشرطة على خلفية اغتصابه لأستاذة حامل بعد اختطافها واحتجازها، كما أن المصالح المركزية للقيادة العليا للدرك الملكي وفي إطار الصلاحيات المخولة لها، وضعت الدركيين رهن «الحبس الإداري» حيث خضعا لتحقيقات داخلية دقيقة، انتهت بهما بين قاضي التحقيق صباح الجمعة الماضي، الذي قرر إيداعهما السجن ومتابعتهما في حالة اعتقال، دون الكشف عن التهمة الموجهة إليهما تحديدا، مما انعرج بالقضية للمرة الثالثة نحو مسار آخر يرافقه الكثير من الكتمان والسرية، في انتظار الكشف عن كل الحقائق والارتباطات الخاصة بهذه الواقعة.