مغاربة رفضوا إغراء فرنسا واستطاعوا تحقيق الحلم الأمريكي - تيلي ماروك

مغاربة - إغراء فرنسا - الحلم الأمريكي مغاربة رفضوا إغراء فرنسا واستطاعوا تحقيق الحلم الأمريكي

مغاربة رفضوا إغراء فرنسا واستطاعوا تحقيق الحلم الأمريكي
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 02/11/2020

«قدر هؤلاء أنهم تركوا بصمة لن تمحى في مجال اختصاصهم. والمشترك الأكبر بينهم أنهم لم يذهبوا إلى فرنسا، ولم يتأثروا بموجة الدراسة أو التكوين في باريس أو ليل، على شاكلة أغلب الأطر المغربية. حتى الذين اتجهوا إلى مجال الاستثمار هنا، الفرق بينهم بين البقية أنهم لم يدرسوا الأعمال والتجارة في فرنسا، وإنما تعلموا بين شوارع كبريات المدن الأمريكية وبورصاتها، وصنعوا أنفسهم من الصفر، ووصلوا إلى العالمية دون أن ينسوا حربهم الخفية ضد كل ما هو فرنسي. لقد كانوا دائما يرفضون الجري مع القطيع ورفضوا أيضا النظرة الأولية التي كان يروج لها فرنسيون، خصوصا مع استقلال المغرب، عن المغاربة..».

محمد الحمري.. فنان وصل فنه إلى العالم من أمريكا

محمد الحمري نجح فعلا على الطريقة الأمريكية. لا تزال لوحاته المعروضة اليوم بمقر متحف المفوضية الأمريكية في المدينة القديمة بطنجة، شاهدا على المجد الفني الذي بناه الحمري لنفسه بين الولايات المتحدة والمغرب.

وربما لو اتجه الحمري صوب المدرسة الفرنسية، ما كان ليصبح لديه جمهور من الذين التفتوا إلى فنه في الولايات المتحدة، خصوصا وأنه سوق للثقافة المغربية لدى الأمريكيين.

الحمري له الفضل في إيصال ثقافة بعض قبائل الريف المغربي إلى العالمية، خصوصا قرية «جاجوكة»، التي كان سكانها يعزفون على آلات موسيقية بدائية، وينتجون لحنا محليا اشتهر الآن عالميا باسم هذه القبيلة، وكان الحمري من أوائل الذين روجوا للقرية وثقافتها، رسم لوحات تجسد حياتهم اليومية، بالإضافة إلى صناعة دمى على شاكلة السكان المحليين سنة 1973، حيث قام بجولة في أمريكا عرض فيها تلك المجسمات، وكانت «جاجوكا» في تلك الفترة قد بدأت تُعرف في أوساط الأمريكيين، عندما نقلت فرق موسيقية عالمية عزف الناي في القرية في بعض أغانيها، خصوصا الـ«الرولينغ ستون» وبعض مخرجي السينما الذين وظفوها في أفلامهم.

أرملة محمد الحمري التي تعيش اليوم بمدينة طنجة في المدينة القديمة، بقيت وفية لذكرى زوجها ورفضت عروض وإغراءات العودة إلى الولايات المتحدة، وفضلت الإقامة الدائمة في المغرب بين لوحات زوجها الراحل والذكريات التي جمعتهما معا، وبين الفينة والأخرى تتردد بعض الأخبار الفنية في الصحافة الأمريكية، والتي تتناول أعمال محمد الحمري بالنقد والتحليل، وكثيرا ما وُصف بالمغربي الذي لفت انتباه الأمريكيين إلى أن سكان شمال إفريقيا يستطيعون حشد الناس حول لوحاتهم، أفضل من بعض التشكيليين الأمريكيين المعروفين حول العالم.

التويجر.. طبيب غزا غرف العمليات قادما من البيضاء

كريم التويجر، قصة نجاح حقيقية انطلقت من الدار البيضاء سنة 1993، عندما تخرج من كلية الحسن الثاني للطب والصيدلة.

اختار كريم التويجر أن يتجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية التي فتحت له أبوابها، باعتباره واحدا من الأدمغة الذين آمنت السفارة الأمريكية في الرباط بملفاتهم، ومنحتهم «التأشيرة السحرية» لكي يلتحقوا بـ«العم سام». التحق فورا بجامعة كنساس التي تخرج منها «فطاحلة» الطب في الولايات المتحدة، حيث تعتبر الدراسة الجامعية إنجازا في حد ذاته.

على مدى 26 سنة، توج كريم التويجر بعدد من الجوائز الفخرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما احتل لنفسه صفحات محترمة في أرقى المجلات العلمية للطب في الولايات المتحدة، والتي يثق بها الأمريكيون اليوم أكثر من وصفات الدواء، نظرا لمهنيتها وحيادها في تناول ملفات الطب وتحديات الأمراض المستعصية، وأبرزها السرطان. إذ صنفت هذه المجلات العلمية المتخصصة طبيبنا المغربي كأبرز الأطباء في أمريكا، وأكثرهم تجاوبا مع المرضى بسرطان الكلى والمثانة والبروستات، وهي الأنواع الأكثر شيوعا في صفوف الرجال بأمريكا.

أما المسار الأكاديمي، فقد أصبح أكثر غنى عندما حفر كريم اسمه فوق أصلب لوحات الرخام الشرفية، التي تعلق في قمة شعار مراكز البحث الجامعية. حيث أصبح طبيبا مقيما في الجامعة التي فتحت له أبوابها لأول مرة، ثم انتقل إلى الجامعة الأشهر «هارفرد» التي يعتبر دخولها لوحده إنجازا كبيرا، بالإضافة إلى جامعات أخرى، هذا دون إغفال مئات المقالات العلمية التي ساهمت كلها في تكريمه بأكبر مدينة في العالم، والتي يحج إليها كل باحث عن إثبات نفسه ويصعب فعلا حجز تذكرة التفوق بها، ولهذا استحق فعلا كريم التويجر أن يكون على رأس قائمة الكفاءات المغربية التي وصلت إلى العالمية.

لم يكن اسم التويجر معروفا في المغرب قبل جائحة كورونا، حيث خصصت منابر إعلامية وطنية أياما سلطت فيها الضوء على الكفاءات المغربية في مجال الطب، وبرز وقتها التويجر واحدا من أبرز الذين خسرتهم الدار البيضاء، وربحهم البحث العلمي عبر العالم.

الكولونيل عاشق «الهوكي» الذي أدخل الأمريكيين لقصر الحسن الثاني

ومن غير الكولونيل المذبوح، صديق الملك الحسن الثاني ورجل ثقته في المجال الأمني خلال ستينيات القرن الماضي. هذا الأخير الذي عمل في الجيش الفرنسي، كان يحاول دائما الابتعاد عن الفرنسيين ويعتبر أن فرنسا نموذج سيئ الاتباع، لا سيما وأنه كان ينحدر من منطقة الريف، حيث كان السكان المحليون هناك متأثرين بالثقافتين الإسبانية والألمانية.

المذبوح سبق له معرفة الثقافة الفرنسية في «كوليج أزرو»، الذي تخرج منه جل أبناء منطقة الريف والنواحي، لكنه اعتبر أن المستقبل كله يكمن وراء البحر، وفضل التعرف على الأمريكيين عندما أصبح الرجل الثاني في مملكة الحسن الثاني منذ سنة 1963. إذ كان الكولونيل المذبوح يرافق الملك بشكل دائم، ويمثله في بعض الزيارات غير الرسمية إلى الخارج، كما كان مسؤولا عن كل الملفات الأمنية الحساسة في المغرب.

كان الكولونيل المذبوح يحلم بإنشاء منتخب مغربي في رياضة الهوكي، التي لم يكن الفرنسيون يعرفون عنها أي شيء. وفي الوقت الذي كان المتأثرون بالثقافة الفرنسية يجرون الحبل في اتجاه اتباع فرنسا في رياضاتها الوطنية، كان المذبوح يرى أن السبيل الوحيد لضمان إشعاع المغرب دوليا، هو ممارسة رياضة واسعة الانتشار في أمريكا، أقوى دولة في العالم، وهكذا اتجه نحو تحقيق حلمه الأمريكي، واستطاع فعلا النجاح مؤقتا على الطريقة الأمريكية، حيث حاز ثقة مسؤولين أمريكيين كبارا كانوا يريدون التأثير في المشهد العام بالمغرب.

وخلال تفجر فضيحة الارتشاء التي قادها وزراء مغاربة في حكومة 1970، كان الكولونيل المذبوح هو همزة الوصل بين الملك الراحل والمسؤولين الأمريكيين لحل المشكل، الذي أثر سلبا على مستقبل الاستثمار الأمريكي في المغرب لسنوات.

تبخر حلم الكولونيل المذبوح في رؤية منتخب مغربي قوي في رياضة الهوكي، عندما ركز على حلم آخر يتمثل في الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني، لتكون حياته هي تكلفة فاتورة أحلامه اللامتناهية. ولو أنه ربما ركز على الحلم الأمريكي وحده، لربما أصبح واحدا من المغاربة الأوائل الذين أسسوا لتجارب مغربية على الطريقة الأمريكية.

الصفريوي.. قصة مغربي هاجر إلى أمريكا سنة 1948 ورفض مشاريع فرنسية

يروي حفيد محمد الصفريوي، الذي يحمل نفس اسم جده، والمنحدر من عائلة ثرية هي نتيجة زيجة بين أسرتين فاسية ورباطية، في بداية عشرينيات القرن الماضي، أن جده جاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته العليا، بعد أن درس سنة واحدة في فرنسا، وهو ما أشعل خلافا كبيرا بينه وبين والده، الذي كان يملك سلسلة من المتاجر في مدينتي فاس والرباط.

هذا الشاب الذي أصبح رجل أعمال معروفا في منطقة الميسيسيبي بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال ستينيات القرن الماضي، أسس حياة جديدة في أمريكا، وقد استقبله الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1962 عندما زار الولايات المتحدة في الزيارة الشهيرة، التي التقى خلالها بالرئيس الأمريكي جون كينيدي.

وحسب حفيد محمد الصفريوي، فإن والده بعد أن التقى الملك الراحل الحسن الثاني في تلك الزيارة، استطاع الحصول على توصية خاصة من الملك لكي يوافق مستثمرون أمريكيون على الاشتغال معه في مشاريع عقارية ضخمة، حولته إلى واحد من أثرى المهندسين في الولايات المتحدة، خلال تلك الفترة.

حكى محمد الصفريوي الجد لحفيده عن استقبال الملك الراحل الحسن الثاني له، أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة. ويروي على لسان جده: «استقبلني جلالة الملك الحسن الثاني في الفندق، بعد أن اتصل بي الجنرال مولاي حفيظ العلوي، وقال لي إن جلالته يود لقائي لتكريمي رفقة بعض أفراد الجالية المغربية في واشنطن. وفعلا ركبت الطائرة بحكم أن المسافة كانت شاسعة، ووصلت في الصباح الباكر واتجهت صوب الفندق، لأجد الوفد على وشك الدخول لتحية الملك الحسن الثاني. استقبلنا رحمه الله لأزيد من ساعة ونصف الساعة، ودعانا إلى مفاتحته في أي موضوع نريد، وأكد أنه يريد سماع مطالبنا، وقال لنا: «أنتم سفرائي هنا وأريد أن تبقى سمعة بلدكم المغرب طيبة بين الأمريكيين، وبابي مفتوح لكم في كل وقت تحتاجون فيه سند بلادكم». وفي نهاية اللقاء اعتذر منا جلالته لضيق الوقت، وخرج للقاء غذاء مع الرئيس الأمريكي».

لكن محمد الصفريوي لم يعد إلى زيارة المغرب إلا في سبعينيات القرن الماضي، وبالضبط سنة 1975، عشر سنوات قبل ميلاد حفيده في الولايات المتحدة، والذي لم يسبق له نهائيا زيارة المغرب. رغم أن الملك الحسن الثاني أثناء زيارته إلى أمريكا في سنة 1963، كان قد أعلن أمام المغاربة الذين استقبلهم أن المغرب مفتوح أمامهم للاستثمار، وإنشاء المشاريع ونقل تجاربهم إلى المغرب.

سبب الزيارة كان دعوة من طرف بعض معارفه لإقامة مشروع عقاري في مدينة الرباط، لكن محمد الصفريوي لم يتحمس للمشروع، ويؤكد محمد الصفريوي الحفيد أن جده رفض الانخراط في المشروع، لوجود مُلاك فرنسيين كانوا يمتلكون وعاء عقاريا ضخما به محلات تجارية وفندق يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، وكان الصفريوي يردد لأصدقائه أنه نذر نفسه ألا يشتغل مع الفرنسيين نهائيا، لأن إحدى الكليات في فرنسا رفضت طلب تسجيله بها، وفضل وهو في قمة يأسه الاتجاه صوب الولايات المتحدة الأمريكية، التي حقق فيها نجاحا كبيرا قبل وفاته سنة 1994، تاركا خلفه شركة عقارية مهمة، بيعت أخيرا إلى مستثمرين أمريكيين حولوها إلى شركة متعددة الجنسيات.

علي بركاش.. صحافي أخذته أمريكا وضايقت مقالاته الفرنسيين

ينتمي علي بركاش إلى جيل المناضلين المغاربة الأوائل، الذين وظفوا أقلامهم للمطالبة باستقلال المغرب، خلال أربعينيات القرن الماضي. إذ إنه كان من أشهر الأقلام الاستقلالية الشابة، التي دافعت عن وثيقة المطالبة بالاستقلال، في 11 يناير 1944.

سبق لعلي بركاش أن ألف كتابا عن تجربته الأمريكية، عنوانه «أمريكا الشاهد والتاريخ».

أول زيارة لعلي بركاش إلى أمريكا كانت سنة 1957، وسرعان ما عاد إليها مرات أخرى.

أما قصة علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية فقد رواها في كتابه: «دعاني مستشار في السفارة الأمريكية، وطلب مني أن أساعده في ما اعتبره لغزا استعصى عليه حله، ويتعلق الأمر ببعض السائقين المغاربة الذين يعملون في القاعدة الأمريكية بالنواصر، فقال لي المستشار حائرا ومستفسرا: إن بعض أولئك السائقين يغتنمون فرصة خروجهم بالشاحنات العسكرية الأمريكية إلى خارج القاعدة، ويتوجهون بها نحو الجنوب، وتسليم ما تحمله من شحنات إلى جيش التحرير المغربي هناك!.

عبرت للسيد المستشار عن عدم علمي واستغرابي، ووعدته بطرح الأمر على الإخوة في جيش التحرير، وموافاته بما يذهب عنه الاستغراب».

ربما لم يكن علي بركاش وقتها يتوقع أن فصلا مهما جدا من حياته سوف يبدأ، فهذا اللقاء مع المستشار كان هو البداية لعلاقته الدبلوماسية بالأمريكيين، فقد تلقى بعد ذلك، بالضبط سنة 1957، دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة ونشأت بينه وبين المستشار علاقة صداقة قوية، خصوصا وأن تلك الفترة إلى حدود 1959 كان موضوع جلاء القوات الأمريكية من المغرب بعد الاستقلال يشغل بال الجناح الاستقلالي، ويرسل بشأنه مراسلات رسمية.

يضيف بركاش: «ومرة أخرى وجدت نفسي في دائرة اهتمام الأمريكيين بالثورة الجزائرية، بعد اهتمامهم بالثورة المغربية، ففي إحدى الحفلات الدبلوماسية التي كنت أحضرها باسم جريدة «العلم»، طلب مني المستشار بالسفارة الأمريكية وكنت على صلة معرفة به أن أربط له الصلة إذا كان ممكنا بالشيخ محمد خير الدين رحمه الله، وكان ممثل جبهة التحرير الجزائرية بالمغرب، ويكاد أن يكون مقره ومكتبه في مركز حزب الاستقلال بباب الأحد. أو مكاتب جريدة «العلم» التي كانت حقا جريدة الثورة الجزائرية، أخبارا وتعليقا ومتابعة».

بعد هذه العلاقة مع المستشار في السفارة، فتحت أبواب الولايات المتحدة في وجه علي بركاش، الذي كان من الشبان المغاربة المعادين لفرنسا. واشتهر اسمه لدى الأمريكيين في أول زيارة لنائب الرئيس الأمريكي إلى الملك الراحل محمد الخامس في مارس 1957، حيث إن الزيارة تزامنت مع رحلة ملكية إلى غانا، وطلب الأمريكيون أن يقابلوا وزير الخارجية المغربي أحمد بلافريج، ليأمره الملك الراحل محمد الخامس بالبقاء في المغرب وعدم الذهاب إلى غانا، حتى يتسنى للأمريكيين مقابلته. والحقيقة أن الأمريكيين كانوا يريدون لقاء نخبة من المسؤولين المغاربة الجدد، ممن كان هناك احتمال في ابتعادهم عن النموذج الفرنسي في السياسة واستقطابهم، لكي ينفتحوا على التجربة الأمريكية بصورة أكبر.

يصف بركاش اكتشافه لأمريكا سنة 1957 كالآتي: «كان إحساسي أنني سأكتشف بلدا كنا نمر على اسمه وموقعه من الكرة الأرضية مرور الكرام، في درس الجغرافيا بالمدرسة. (..) كان إحساسي أيضا أنني سأكون غريبا عن مجتمع لا أعرف عنه شيئا، وهو لا شك مختلف عن بلدان أوربا التي عرفنا عنها الكثير ماضيا وحاضرا.

وكانت البداية عند أول خطوة على أرض تلك البلاد في مطار نيويورك. بداية صادمة، ليس لأنها غير متوقعة فحسب، بل لأنها تتعارض على طول الخط مع الطبيعة والمعتقد والقيم لإنسان قادم من أعماق حضارة أخرى. وحين وصلت إلى نيويورك، وجدت موظفا من مؤسسة خاصة جاء لاستقبالي. وليس موظفا تابعا لدائرة حكومية». يروي علي بركاش أن الموظف منحه شيكا لتغطية مصاريف تنقلاته في الولايات المتحدة، وأمره بصرفه في المطار وعلى الفور. واستغرب بركاش كيف أن النموذج الأمريكي كان مختلفا، بل مناقضا تماما للعادات والثقافة الفرنسية التي تعرف عليها الشباب في مثل سن بركاش وقتها.

تعددت المهام الدبلوماسية التي قام بها بركاش في الولايات المتحدة لصالح المغرب، وأيضا داخل المغرب، أثناء استقبال السفراء والمكلفين بالمهام، حيث رافقهم في عدد من الجولات، وظل اسمه لسنوات أيقونة للنموذج الذي بحث عنه الأمريكيون، ممن انفتحوا على الغرب وتأثروا بالتجربة الأمريكية، في بلد أغلب شبابه المتعلم هاجروا إلى فرنسا للدراسة، وأصبحوا لاحقا فرنسيين أكثر من الفرنسيين أنفسهم.

قصة إمبراطورية «المالح» المالية بنيويورك خلال الثلاثينيات

لا يتعلق الأمر هنا بأسرة المالح، الكوميدي الشهير في فرنسا، والذي هاجر أخيرا إلى الولايات المتحدة، لكي يستحوذ على اهتمام الأمريكيين في عالم الـ«وان مان شو» والعروض الساخرة.

نحن هنا أمام قصة أسرة من مدينة الصويرة، الابن فيكتور المالح، الذي سوف يصبح من أشهر رجال الأعمال في تاريخ أمريكا وأحد عمالقة نيويورك، زار أمريكا بالصدفة فقط خلال عشرينيات القرن الماضي، بالضبط سنة 1925، واختار أن يبقى مع جدته المغربية، لتعود والدته إلى الصويرة وتتركه يتأثر بالحياة في نيويورك ويصبح بعد مغادرته عالم الهندسة المعمارية، أحد أهم رجال الأعمال الشباب في أمريكا خلال الستينيات.

بنى فيكتور المالح مجده على كره الماركات الفرنسية في عالم السيارات، وفضل التعامل مع الماركة الألمانية واستيرادها إلى أمريكا، وعندما ازدهرت تجارته فكر في الاستثمار في المغرب، لكنه سرعان ما تخلى عن المشروع، بعد رحيل إخوته ووالده وكل أفراد العائلة إلى أمريكا، التي توفي بها سنة 2014.

جاء في تصريحات صحافية سابقة له بهذا الخصوص:

«يقول فيكتور المالح إن أحد أصهاره الذي شاركه في تجارته الأولى بغطاء مكتب والده رافاييل في نيويورك، عرفه على ثري أوربي قصد استيراد السيارات. يقول: «من بين المشاريع التي بدأناها في المغرب، مشروع يتعلق بتجارة السيارات، وحصلنا على بعض الامتيازات. سيارات صنعت من طرف «كريسلر»، ولاحقا تعاملنا مع «جيب» و«فولسفاغن». كنا خامس موزع أجنبي لشركة «فولسفاغن» في العالم كله.

كانت سيارة صغيرة وبشعة. لم يكن بيعها سهلا، لكنها كانت مناسبة جدا للمغرب. لم يشهد المشروع نجاحا كبيرا، لأنه كان من الصعب بيع سيارة ألمانية في بلد تابع لفرنسا. بطريقة أو بأخرى أصبحنا أصدقاء للدكتور «هانز نوردهوف» الذي كان على رأس المصنع».

يقول فيكتور المالح إن الامتياز الذي حصل عليه، جاء بفضل الصداقة التي جمعت بين صهره «لاري» ومدير المصنع الذي غادر المنصب، بعد مدة تمكن خلالها فيكتور وشركاؤه من الفوز ببعض الامتيازات عن الموزعين الآخرين، بفضل تلك الصداقة طبعا.

لكن أكبر امتياز حصل عليه فيكتور المالح من المدير العام لشركة سيارات «فولسفاغن»، كان هو إدخال هذه السيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع بداية الخمسينيات. إذ إن المبيعات كانت في ارتفاع كبير، ولاحظ السيد «هانز» أن رقم معاملات بيع السيارة يتجه نحو الارتفاع، وأراد استغلال صداقته مع فيكتور المالح وصهره، ليعرض عليهما أن يتوليا إدخال السيارة الألمانية إلى أمريكا، وبالتالي احتكار توزيعها في كل ربوع البلاد.

هذا الامتياز، الذي قال فيكتور المالح إنه جاء عن طريق الصدفة من خلال العلاقة الإنسانية مع مدير المصنع في أوربا، جعل المالح في الحقيقة يدخل التاريخ في أمريكا. حتى أنه عند وفاته سنة 2014، تحدثت الصحف عن أحد إنجازاته، وهو إدخال السيارة الألمانية إلى الولايات المتحدة، رغم أن عمليات أخرى كثيرة كانت وراء إنشاء ثروته الضخمة التي أثارت الإعجاب حوله لسنوات طويلة.

يقول متحدثا عن العرض الذي كان وراء إدخال «فولسفاغن» إلى أمريكا: «طبعا قبلنا العرض لكي نصبح موزعين للسيارة في أمريكا. بدأنا بخمس ولايات، وأصبحنا الموزعين الأوائل، قبل إنشاء «فولسفاغن أمريكا». كنت أبيع السيارات في شيكاغو، بوسطن، واشنطن ونيويورك».

ورغم أنه تحدث بلهجة ساخرة عن طراز السيارات الذي باعه، في بداية مساره نحو الثراء، إلا أنه في الحقيقة كان يقدر الألمان كثيرا، وفي المقابل رفض المالح دائما التعامل مع الشركات الفرنسية، وقال في حوار صحافي سابق مع «النيويوركر» سنة 1985: «فرنسا تصلح للسياحة فقط. زرت باريس في فترة شهر العسل عندما تزوجت، ولم أفكر نهائيا في الاستثمار هناك. عقليتي تختلف جذريا عن منطق السوق الفرنسية».

مصطفى الكحل.. صديق الملك الذي أعجب بأمريكا وسخر منه أصدقاؤه

اسمه مصطفى الكحل، وكان من رجال الأعمال القلائل الذين لم يستفيدوا من الصفقات العمومية التي كان يفوتها اكديرة لأصدقائه عندما كان وزيرا للداخلية سنة 1962، وأيضا عندما كان مديرا لديوان الملك الحسن الثاني ومستشاره في ما بعد.

توفي مصطفى الكحل سنة 2001، بعد صراع مع مرض السرطان بكندا، وحسب مصادر مقربة من العائلة، فإن رغبة زوجته كانت أن يُدفن في أرض أجداده نواحي منطقة سوس بالجنوب، التي رحل منها إلى مدينة سلا مع إخوته سنة 1954.

حسب بعض التفاصيل المرتبطة بالموضوع، فإن مصطفى الكحل كان رجل أعمال ناجح خلال نهاية الستينيات بعد أن قام باستثمارات في العقار، لكنه تعرض لعملية نصب كبيرة كان وراءها وزير في حكومة سنة 1970، ولولا تدخل الملك الحسن الثاني الذي أودع بعض وزراء الحكومة السجن بتهمة الفساد وتبديد المال العام، لربما فقد مصطفى الكحل مشاريعه العقارية إلى الأبد.

كان الكحل من أصدقاء الملك الراحل الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد في نهاية الخمسينيات، لكنه لم يباشر أي وظيفة في ديوان ولي العهد رغم أن جل أصدقائه مثل عبد الفتاح فرج ورضا اكديرة، حصلوا على مواقع في محيط ولي العهد، وهو ما جعله يتفرغ تماما للتجارة. وعندما تم توريطه في مشروع خاسر سنة 1970، وانفجرت فضيحة ارتشاء وزراء مغاربة من مستثمرين أمريكيين رفعوا شكوى إلى الكولونيل المذبوح، وعده الملك الراحل شخصيا بتعويضه عن تلك الخسارة، لكن تعقيدات الوساطة لمستشارين بينه وبين الملك الحسن الثاني، حالت دون تعويضه. وقرر مغادرة المغرب.

فكر الكحل وقتها في الهجرة إلى فرنسا بشكل نهائي، لكن بعض أصدقائه نصحوه بالتريث، بسبب صعوبات نقل أمواله إلى الخارج. ما وقع أن صديق الملك تعرض لابتزاز من طرف مسؤولين فرنسيين، مقابل تسهيلات لمباشرة أعمال استثمارية في فرنسا، في مجال الخدمات.

العراقيل التي وضعت أمامه جعلته يلغي تماما فكرة الاستقرار بفرنسا، وتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي قضى بها سنوات، بعد أن تمكن من افتتاح سلسلة مطاعم شهيرة، توجد اليوم جل فروعها بكندا، قبل أن يقرر أخيرا الاستقرار في الحدود الكندية الأمريكية إلى أن توفي بها سنة 2001.


إقرأ أيضا