كانت جبهة البوليساريو ومن ورائها ولية أمرها الجزائر، تظنان عند بدء أزمة الكركرات، قبل خمسة أسابيع، أن المغرب سيخضع سريعا لشروطهما بإعادة النظر في قواعد اللعب الدبلوماسي، متوهمتين أن تلك الأعمال الاستفزازية قد تدفع المغرب إلى رد فعل غير محسوب سيقود إلى عزله عن محيطه الإقليمي والدولي، لكن مع مرور الزمن أثبت الموقف المغربي نجاحه وتمدده دبلوماسيا، بل وإسقاط الانفصال في عزلة قاتلة عبر توسيع الاتصالات الدبلوماسية التي قادها الملك محمد السادس، مع الأمين العام للأمم المتحدة وملوك ورؤساء الدول، كان آخرها الاتصال الذي أجراه مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، وهو التحرك الدبلوماسي الذي هز كيان جبهة البوليساريو وخلخل حساباتها، التي كانت تراهن على استغلال برودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ونواكشوط، لاستمرار التوتر بالمنطقة.
في الحقيقة الاتصال الذي جرى بين محمد السادس وولد الغزواني، وما سيترتب عن ذلك من تطورات دبلوماسية في صالح البلدين، سيدق آخر مسمار في نعش الانفصال. فالبوليساريو والجزائر تدركان أن أي تقارب بين المغرب وموريتانيا، سيجعل البوليساريو عارية أمنيا ودبلوماسيا، لأن تعزيز الحضور المغربي في عمقه الاستراتيجي والأمني جنوبا، سيقطع الطريق أمام جبهة الانفصال ويحرمها من طريق بير أم غرين الحيوية شمال موريتانيا، التي ظلت لعقود ممرا حيويا للتحركات المسلحة.
التقارب الدبلوماسي بين المغرب وموريتانيا يعني في جوهره الوظيفي، حماية الأمن القومي للبلدين، وتأمين مصالح نواكشوط والرباط على المستوى الاقتصادي والمبادلات التجارية مع إفريقيا، وبدون شك فإن المصالح الاقتصادية للجارة الجنوبية مع المغرب أكبر بكثير من مصالحها العابرة مع البوليساريو، التي لا تجني منها سوى عدم الاستقرار على مستوى حدودها الشمالية، والحسابات الدبلوماسية القائمة على المصالح تقول إن موريتانيا بلا ريب ستكون الرابح الأكبر أمنيا وماليا من أي تقارب مع الرباط، فمكاسبها مع مرور البضائع والسلع، أفضل بكثير من خسائر مرور عسكر انفصال على أراضيها لتهديد حدود بلد جار.