على بعد أقل من سنة من موعد إجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية المقبلة، يعيش حزب العدالة والتنمية مخاضا داخليا، بعد تزايد حدة الصراعات الداخلية التي أصبحت تهدد بانقسام الحزب في أي لحظة، رغم محاولات إخفاء هذه الصراعات، حيث بدأ تيار بنكيران يتحرك لاستعادة مواقعه داخل الحزب، وذلك من خلال الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي للحزب قبل الانتخابات، فيما اختار برلمانيون ومنتخبون جماعيون مغادرة الحزب والالتحاق بأحزاب سياسية أخرى للترشح باسمها في الانتخابات المقبلة.
طيلة السنوات التي قضاها حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة المنتهية ولايتها، عرف صراعات داخلية طاحنة وهزات تنظيمية قوية، لكن خلال الولاية الحكومية الحالية التي يقودها الأمين العام، سعد الدين العثماني، بعد عزل رئيس الحكومة السابق والأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، ازدادت هذه الصراعات مدة، ووصل الحزب الحاكم إلى مفترق الطرق، ما قد يهدده بالانقسام، في حين تعالت أصوات قياديين محسوبين على تيار بنكيران، تطالب بضرورة عقد مؤتمر استثنائي للحزب قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية التي ستجرى خلال السنة المقبلة.
هزات تنظيمية
منذ مشاركته في الحكومة السابقة، يعيش حزب العدالة والتنمية من حين لآخر على إيقاع هزات تنظيمية قد تنتهي إما بإقالة فردية أو جماعية لبعض أعضائه، أو بحل مكاتب محلية أو إقليمية للحزب كما حصل بالعديد من المدن، مما يطرح أكثر من سؤال حول الديمقراطية الداخلية بهذا الحزب، وطرق وآليات تدبير الاختلاف بين الآراء والمواقف، خاصة مع تغيير موقف الحزب من المعارضة إلى قيادة الحكومة، وما صاحب ذلك من تغيير في بعض المواقف ولهجة الخطاب، لأن هذا الحزب يعتبر من التنظيمات الأكثر تشددا وصرامة من الناحية التنظيمية، خصوصا أنه استمد هذه الأخيرة من تجربة تنظيمين تركا بصمتهما في العمل السياسي سواء في العالم العربي على العموم أو المغرب على الخصوص، وهما تنظيما «الإخوان المسلمين» الذي أسسه الحسن البنا، وتنظيم الشبيبة الإسلامية لمؤسسه الشيخ عبد الكريم مطيع، على اعتبار أن الأول كان بمثابة أرضية تأسيسية لحركات الإسلام السياسي في العالم، والثاني كان بمثابة مدرسة تتلمذ فيها عدد كبير من قادة الحركة الإسلامية بالمغرب، ومن بينهم فئة واسعة من قياديي حزب العدالة والتنمية الحاكم وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران الأمين العام السابق للحزب وسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني للحزب، ومحمد يتيم، عضو الأمانة العامة للحزب ووزير التشغيل السابق.
ويضع حزب العدالة والتنمية قائمة طويلة من الأسباب التي بها «تبطل» العضوية في الحزب، أو تتم بسببها «تصفية» العضو عن طريق إقالته من التنظيم، إذ توكل هذه المهمة إلى جهاز خاص يطلق عليه اسم «هيئة التحكيم الوطنية»، وأجهزة أخرى متفرعة عنها تسمى «هيئات التحكيم الجهوية»، وينظم الحزب انضباط أعضائه بمقتضيات القسم الرابع من نظامه الأساسي، إذ يولي هذا القسم الاختصاص الانضباطي في الحزب إلى كل من المجلس الوطني وهيئة التحكيم الوطنية وهيئات التحكيم الجهوية، في حين ترك المجال مفتوحا لإحداث هيئات تحكيم جهوية وفق ضوابط ينص عليها في النظام الداخلي. وتختص هيئة التحكيم الوطنية في البت ابتدائيا في المخالفات التي يقع فيها أعضاء المجلس الوطني، ونهائيا في طلبات الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة ابتدائيا عن هيئات التحكيم الجهوية، وفي القضايا التي أحالتها عليها الأمانة العامة، في حين أن الهيئات الجهوية تختص بالبت ابتدائيا في جميع المخالفات التي يقع فيها أعضاء الحزب غير أعضاء المجلس الوطني وتلك التي تقع فيها هيئات وأجهزة الحزب على مستوى الجهة.
وتبقى عقوبة «الإقالة» ضمن الإجراءات الانضباطية التي تهم مجموعة من المخالفات التي يقع فيها المنتمون له، في حين يلزمه الحزب قبل المغادرة بـ«تسوية وضعيته المالية تجاه الحزب»، و«إرجاء وثائق وممتلكات الحزب التي في عهدته». أما رئيس المجلس الوطني للحزب إن عارضه المجلس الوطني في مواصلة تحمل مسؤوليته وذلك بالموافقة على ملتمس الإعفاء الذي لا يقبل إلا إذا وقع عليه على الأقل ربع أعضاء المجلس، ولا تصح الموافقة إلا بتصويت أغلبية أعضاء المجلس، في حين يعفى الأمين العام بنفس الطريقة إلا أن الموافقة تكون بتصويت ثلثي الأعضاء المنتمين للمجلس. وفي ما يتعلق بأعضاء الأمانة العامة فيتم إعفاؤهم من مهامهم إما بنفس طريقة إعفاء الأمين العام للحزب، أو إن قدم هذا الأخير ملتمسا للمجلس الوطني لإلغاء عضوية أحد أعضاء الأمانة العامة، ولا يصبح الإعفاء نافذا إلا بموافقة المجلس بأغلبية المصوتين.
ضوابط داخلية
يحدد الحزب الحاكم مجموعة من الأمور التي تعتبر من المحظورات، ولذلك وضع لائحة «سوداء» يمنع على أعضائه القيام بها، ومن بينها ما جاء في الفصل الرابع من النظام الداخلي للحزب، ضمن المادة 71 التي تنص «على أنه من حق العضو داخل الحزب أن يبدي الرأي في القضايا التنظيمية والسياسية والمالية للحزب داخل مؤسساته، بالإضافة إلى المقتضيات المتعلقة بالترشيح والترشح»، لكن الغريب في المادة هو عبارة «داخل مؤسساته»، التي يمكن تفسيرها بأنه يمنع على العضو أن يدلي برأيه حول هذه القضايا خارج هذه المؤسسات، كالتصريح لدى وسائل الإعلام مثلا.
ولذلك، يعتبر النظام الأساسي لحزب المصباح مخالفة كل أمر يتعلق بـ«الشطط في ممارسة الصلاحيات داخل الحزب أو تجاوزها أو خرق قوانين الحزب ومساطره»، و«الإخلال بالمسؤولية الحزبية أو المسؤوليات التي يتولاها الأعضاء بصفتهم الحزبية»، و«الإخلال بسرية مؤسسات الحزب وانتهاك مداولاتها وعدم الانضباط لقراراتها»، كما يدرج أيضا كمخالفات يعاقب عليها «التوقف أو التأخر عن أداء الواجبات المالية للحزب»، «التغيب عن اجتماعات الحزب دون عذر مقبول»، و«الوقوع في ممارسات تمس الآداب العامة أو تخل بالأخلاق الحسنة»، على حد ما جاء في نص النظام الأساسي للحزب. وإلى جانب تنصيصه على الحق في الاستئناف أو الطعن في هذه القرارات الانضباطية، فإن حزب العدالة والتنمية رصد عددا من الإجراءات العقابية لمرتكبي هذه المخالفات تبدأ بالتنبيه والإنذار لتصل إلى الإقالة من الحزب بشكل نهائي، في حين يُمنع المُقال من رئاسة هيئة من أن يتحمل أي مسؤولية في الحزب إلا بعد مرور سنة على الأقل من تاريخ دخول قرار إقالته حيز التنفيذ.
وينظم الحزب انضباط أعضائه بمقتضيات القسم الرابع من نظامه الأساسي، إذ يولي هذا القسم الاختصاص الانضباطي في الحزب إلى كل من المجلس الوطني وهيئة التحكيم الوطنية وهيئات التحكيم الجهوية، في حين ترك المجال مفتوحا لإحداث هيئات تحكيم جهوية وفق ضوابط ينص عليها في النظام الداخلي. وتختص هيئة التحكيم الوطنية بالبت ابتدائيا في المخالفات التي يقع فيها أعضاء المجلس الوطني، ونهائيا في طلبات الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة ابتدائيا عن هيئات التحكيم الجهوية، وفي القضايا التي أحالتها عليها الأمانة العامة، في حين أن الهيئات الجهوية تختص بالبت ابتدائيا في جميع المخالفات التي يقع فيها أعضاء الحزب غير أعضاء المجلس الوطني وتلك التي تقع فيها هيئات وأجهزة الحزب على مستوى الجهة.
مطالب بعقد مؤتمر استثنائي
بدأ مطلب عقد المؤتمر في الملتقى الوطني الأخير لشبيبة الحزب، عندما حرض عبد العالي حامي الدين، شبيبة الحزب على الانقلاب على الأمين العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، داعيا إلى عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة قبل حلول موعد الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها خلال السنة المقبلة. وتبرأ حامي الدين، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني للحزب، في كلمة ألقاها خلال الملتقى الوطني السادس عشر لشبيبة العدالة والتنمية، من حصيلة الولاية الحكومية الحالية التي يقودها العثماني، مقابل إشادته بحصيلة الولاية السابقة برئاسة الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، عندما قال «هناك من يحمل الحزب مسؤولية 10 سنوات من التدبير»، ملمحا إلى أن الحزب مسؤول عن التدبير خلال الولاية السابقة لمدة خمس سنوات فقط، مشيرا إلى أن الولاية الحكومية الثانية التي يقودها الحزب انطلقت في ملابسات مختلفة نجحت في ملفات وأخفقت في أخرى، وعرفت فيها البلاد مجموعة من الإشكاليات والتجاوزات والانتهاكات.
وأكد حامي الدين أن حصيلة الحكومة الحالية هي محصلة اختيارات وتقديرات تتحمل فيها الهيئات التقريرية للحزب المسؤولية بشكل جماعي، داعيا إلى عقد مؤتمر وطني استثنائي لتصحيح المسار، بقوله «إذا تطلب الأمر تصحيح ما يلزم ولو بعقد مؤتمر وطني استثنائي فيجب أن نكون جاهزين لذلك»، وأضاف «يجب إعطاء دفعة قوية لمسار الحزب خلال المرحلة القادمة»، معتبراً أنه لا يمكن أن يكون لحزب العدالة والتنمية دور مؤثر في الحياة السياسية المغربية إلا إذا كان حزباً قوياً موحداً بقيادة قوية وبمستوى عال من الوضوح السياسي والالتزام الوطني.
وتوصلت إدارة الحزب بوثيقة تحمل توقيعات أعضاء بالشبيبة تدعو بشكل رسمي إلى عقد مؤتمر استثنائي، ويرى أصحاب الوثيقة أنه انطلاقا من متابعتهم الدقيقة لأداء الحزب وتغييرات المشهد السياسي، اتضح لهم بشكل جلي أن الحزب يعيش مرحلة حساسة وحاسمة من تاريخه، وتضيف الوثيقة أنه «وبعد طول تردد وانتظار، وتدارس ونقاش، وقلق نتج عنه أرق، ارتأينا (نحن أعضاء الحزب والشبيبة) أن الوقت قد حان لنسهم ولنتفاعل بشكل إيجابي مع ما يمر به حزبنا ووطننا من لحظات عصيبة، ونتقدم بهذه المبادرة التي اخترنا لها اسم «مبادرة النقد والتقييم»».
وأوضح أصحاب الوثيقة أن هذه المبادرة تعد صفحة من الصفحات المشرفة للحزب، المبرزة لنفس حرية التعبير وروح المبادرة، والمنعدمة في غيره من الأحزاب، وتضيف الوثيقة «فلا مكان في حزبنا لثقافة الشيخ والمريد، ولا ثقافة القادة والأتباع، بل الكل يحمل هم واقع الحزب ورهاناته، كما يحمل هم الوطن ومستقبله، قواعد كانوا أو قيادات». وأبرزت الوثيقة أنه عكس ما قد يعتبره البعض تسرعا أو تجاوزا لمنطق المؤسسات، فإن المبادرة، باعتبارها الوسيلة الأنجع لإيصال صوت فئة مهمة من قواعد وقيادات حزب وشبيبة العدالة والتنمية، إلى مؤسسة المجلس الوطني (برلمان الحزب)، وأضافت الوثيقة «فمنذ وقت ليس بالقليل، لاحظنا ازدياد الهوة بين القواعد والقيادات، وأن العديد من الأصوات الرافضة والمنتقدة للوضع الحالي لا يصل صداها لقيادة الحزب، وتظل محصورة في أحاديث المقاهي واللقاءات الأخوية، والنقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي، هذا بعد أن ملت هذه الأصوات من اعتماد الآليات التنظيمية واللقاءات الداخلية التي لم تلق للأسف التفاعل الإيجابي المرجو».
وأكدت الوثيقة أنه في العديد من المحطات التي عاش فيها الحزب هزات عنيفة وارتباكا واضحا واختلافا في الرؤى ووجهات النظر، كان منتظرا من المجلس الوطني أن يعقد دورات استثنائية يحسم فيها الخلاف، ويحتوي فيها الوضع، «لكن للأسف أحسسنا بركود هذه المؤسسة وعدم تحملها للمسؤولية في اللحظات العصيبة التي عاشها الحزب والوطن»، حسب ما أوردته الوثيقة، وأضافت «بعد المجلس الوطني للحزب، كان يعول كذلك على الشبيبة لتوفير هذا الفضاء للنقاش الحر والمسؤول والاستماع لجميع الأصوات ووجهات النظر المختلفة، إلا أن هذا الأمر لم يكن للأسف الشديد، حيث لم تعد الشبيبة تتمتع بالاستقلالية اللازمة للقيام بمثل هذه المبادرات، فالتعبير عن مواقفها أصبح مقيدا باختيارات قيادتها الحالية بعيدا عن النفس العام الذي يسود قواعد الشبيبة.
وأمام انسداد الفضاءات التنظيمية الخاصة لاحتواء نقاش هادئ وصريح في شتى القضايا المفصلية، خلص أصحاب المبادرة إلى أن قيادتي الحزب والشبيبة تراهنان أكثر على تناسي هذه اللحظات، وإطفاء نار الغضب في صفوف المناضلين، استنادا لمقولة «كم حاجة قضيناها بتركها»، والتذرع بقاعدة «الرأي حر والقرار ملزم»، في حين أن الرأي الحر لا يناقش، والقرارات الملزمة لا تزيد الوضع إلا تأزما، ومراكمة الخلافات وتجميد المؤسسات لن يكون وقعه على الحزب ومناضليه إلا سيئا.
لهذا تأتي المبادرة، حسب الوثيقة، كمحاولة لاستعادة هوية الحزب الوطنية والنضالية، وذلك بعد أن استنزفت جميع المحاولات والفرص المتاحة، حيث كان ضروريا الدفع بهذه المبادرة في هذه المرحلة التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الحزب. وحذر أصحاب المبادرة من إدراجه في نادي الأحزاب الإدارية في حالة استمرار استنزاف ما تبقى من رصيده الوطني والنضالي، كما وقع لبقية الأحزاب الوطنية التي تم ابتلاعها من طرف إدارة الدولة مما أدى إلى فقدانها لاستقلاليتها ووطنيتها، ولذلك طالبوا بتفعيل المادة 24 من النظام الأساسي للحزب، والذي يخول للمجلس الوطني صلاحية الدعوة لمؤتمر استثنائي بعد موافقة ثلثي أعضائه، باعتبار المؤتمر الاستثنائي المحطة التنظيمية الكفيلة بإخراج الحزب من حالة التخبط التي يعرفها في هذه المرحلة الحرجة.
مذكرة المؤتمر الاستثنائي.. صراعات بطعم تنظيمي
على بعد أشهر معدودات من الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بدأت تظهر للعلن من جديد صراعات داخلية وسط حزب العدالة والتنمية، يغذيها قرب نهاية الولاية الثانية للحزب على رأس الحكومة، وهي الولاية الحكومية التي وجهت فيها الكثير من الانتقادات لحزب العدالة والتنمية في تدبيره لعدد من الملفات، انتقادات صدرت حتى من داخل الحزب، ووجهت مجموعة أعضاء من حزب وشبيبة «البيجيدي»، أطلقت على نفسها لجنة تنسيق، في شتنبر الماضي، مذكرة إلى المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)، تقول المذكرة إنها تعبر عن صوت فئة مهمة من قواعد وقيادات حزب وشبيبة العدالة والتنمية، وقفوا على هوة باتت موجودة بين القواعد والقيادات الحزبية في العدالة والتنمية، وأنها أصوات تقول إن صداها لا يصل إلى قيادة الحزب وتظل «محصورة في أحاديث المقاهي واللقاءات الأخوية»، ونقاشات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتحدث المذكرة الطويلة عن انسداد في الفضاءات التنظيمية، لذلك يطالبون بتفعيل المادة 24 من النظام الأساسي للحزب، وتعرض المذكرة محطات من مسار الحزب، فتعود إلى مرحلة حكومة ما بعد 2011، لتصفها بأنها مرحلة «حزب ضحى بشعبيته من أجل الوطن»، ويستنتج معدو المذكرة أن الحزب عجز عن الإصلاح، وتعود مذكرة اللجنة، التي وصفت نفسها بالتنسيقية من حزب العدالة والتنمية، إلى لحظة إعفاء بنكيران وتعيين سعد الدين العثماني وحكومته التي وصفتها المذكرة بـ «حكومة ما بعد البلوكاج».
وتتحدث المذكرة عما سمته مآسي يعيشها الحزب وسط حكومة مكونة من ستة أحزاب، وتقول المذكرة بـ «طامة كبرى حدثت بعد الإعلان عن لائحة الوزراء المكونين للحكومة»، بل إن المذكرة تقول في جملة مثيرة للانتباه إن الحكومة «التي تمثل إرادة السلطوية والتحكم ولاتمثل بتاتا إرادة الناخبين، شكلت عنوانا بارزا للانقلاب على نتائج الإنتخابات»، واستمرت المذكرة في الحديث عما سمته بـ «نكسات مرحلة حكومة ما بعد البلوكاج» و»نكسات الحزب التدبيرية والسياسية»، وبناء على ذلك، تدعو لجنة تنسيق حزب وشبيبة العدالة والتنمية، إلى تقييم مسار الحزب بعد عقدين من المشاركة السياسية وعقد من المشاركة في رئاسة الحكومة، كما أنها تدعو إلى تقييم تنزيل الدستور.
والهدف من ذلك، حسب معدي هذه المذكرة، يتمثل في معرفة إلى أين تقود القيادة الحالية حزب العدالة والتنمية، مؤكدين أن اللحظة التاريخية تتطلب انعقاد مؤتمر استثنائي للجلوس مع الذات وتقييم المسار واستعادة الحزب قبل أن يتيه، حسب ما جاء في المذكرة، التي عدت إشارة لعودة تيار بنكيران إلى الواجهة بقوة، قبل شهور على الانتخابات المقبلة، فالعبارات التي حملتها المذكرة مستمدة من «قاموس بنكيران» السياسي، كما أن التقييمات الواردة في المذكرة مرتبطة بمرحلة ما بعد إعفاء بنكيران، بل إن بعض المقاطع تعود إلى مرحلة ما سماه أنصار بنكيران آنذاك بـ «البلوكاج».
وبدت بصمة بنكيران واضحة في المذكرة، التي عابت على المجلس الوطني لـ «البيجيدي»، عدم عقده لدورات استثنائية، في الوقت الذي مر فيه الحزب على حد وصف الداعين لمؤتمر وطني استثنائي من «هزات عنيفة وارتباكا واختلافا في الرؤى ووجهات النظر»، وعادت المذكرة إلى إعفاء عبد الإله بنكيران من قيادة الحكومة في التجربة الثانية لحزب العدالة والتنمية على رأسها، وتعيين سعد الدين العثماني مكانه، ووصفت هذه المرحلة بـ «الهزيمة التي لحقت بالحزب»، كما تساءلت عن «الأسباب وراء إزالة مجموعة من المواد المسجلة للأمين العام السابق عبد الإله بنكيران من موقع الحزب»، كما انتقدت ما تعرضت له البرلمانية أمينة ماء العينين، من طرف قيادات الحزب وأعضائه، بعد تسريب صور باريس.
انطلاق موسم الهجرة من «المصباح» مع اقتراب موعد الانتخابات
على بعد أقل من سنة عن موعد تنظيم الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجهوية والجماعية، بدأ موسم هجرة برلمانيين ومنتخبين جماعيين من حزب العدالة والتنمية نحو أحزاب سياسية أخرى، للبحث عن مواقع انتخابية لهم، فبعد الزلزال الذي ضرب الحزب بمدينة مراكش، بعد إعلان منتخبين على رأسهم البرلماني ونائب عمدة المدينة، يونس بنسليمان، الالتحاق بحزب «الحمامة»، اهتز الحزب الحاكم بمدينة تمارة بهجرة جماعية لمستشارين بالمجلس الجماعي نحو التجمع الوطني للأحرار، وذلك بعد تقديم استقالتهم من مهامهم الحزبية.
وأكدت مصادر مطلعة أن مجموعة من المستشارين الغاضبين على طريقة تدبير المجلس من طرف البرلماني والقيادي، موح الرجدالي، قرروا شد الرحال نحو حزب «الحمامة»، وعلى رأسهم عبد الواحد النقاز، المنسق السابق لفريق مستشاري «البيجيدي» بمجلس المدينة، وعضو المجلس الإقليمي، فيما سارعت البرلمانية السابقة، اعتماد الزاهيدي، إلى تقديم استقالتها بشكل نهائي من الحزب، على إثر القرار الذي توصلت به من الكتابة المحلية للعدالة والتنمية بمدينة تمارة، بتعليق عضويتها داخل هياكل الحزب، بعد التصريحات الإعلامية التي وجهت من خلالها انتقادات لطريقة تدبير الحزب، وصلت إلى حد اتهام قيادته بممارسة الاستبداد.
وغادر البرلماني يونس بنسليمان، نائب عمدة مدينة مراكش، حزب العدالة والتنمية، وأعلن رسميا التحاقه بالتجمع الوطني للأحرار، وظهر أخيرا داخل المقر الجهوي لحزب «الحمامة»، حيث التقى بمحمد القباج، المنسق الجهوي بجهة مراكش آسفي، وحضر الاجتماع إلى جانب بنسليمان كل من عبد الرحمان رابح، كمال بن خالد، سعيد الكورش وعبد الصمد العكاري.
وبمدينة فاس، قرر أعضاء من «البيجيدي» الالتحاق جماعيا بحزب التجمع الوطني للأحرار، واحتضن المقر الجهوي لـ«الحمامة» بفاس اجتماعا ترأسه المنسق الإقليمي للحزب، النائب البرلماني، رشيد الفايق، خصص لاستقبال وافدين جدد على حزب التجمع الوطني للأحرار، ومن مفاجآت الاجتماع حضور أعضاء بارزين من حزب العدالة والتنمية يتقدمهم المستشار الجماعي والقيادي المحلي بالحزب، محمد الجموسي، الذي أعلن استقالته من مجلس مدينة فاس ومن مجلس مقاطعة سايس.
وكشفت المصادر أن الفايق يقود مفاوضات مع مجموعة أخرى من منتخبي «البيجيدي» على مستوى مقاطعات المدينة لترتيب التحاقهم بحزب «الحمامة». وأكد مصدر قيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار، أن هناك عددا كبيرا من منتخبي حزب العدالة والتنمية عبروا عن رغبتهم في الالتحاق بحزب «الحمامة» بالعديد من مناطق المغرب.
الزاهيدي تغادر «البيجيدي» بعدما اتهمته بممارسة الاستبداد
قدمت البرلمانية السابقة، اعتماد الزاهيدي، استقالتها من حزب العدالة والتنمية، وذلك بعدما كشفت في حوارها مع «الأخبار»، حقائق مثيرة عن ما يجري داخل الحزب، حيث اتهمته بممارسة الاستبداد على المغاربة، مؤكدة أن الصراعات الداخلية ستفجره قريبا، وأبرزت أن التنظيم الدعوي، حركة التوحيد الإصلاح، هو الذي يصنع القرار داخل الحزب، متحدثة عن غياب الديمقراطية الداخلية، حيث يتولى التنظيم اختيار الأعضاء التي تتولى قيادة الحزب وبالتالي التحكم في صناعة القرار، وقالت إن المشكل يكمن في عدم الانفتاح على المجتمع، والدليل على ذلك أن القيادات مازالت هي نفسها منذ سنوات، وأن الأعضاء الذين لا يمرون عبر الحركة الدعوية يبقون دائما في نفس المكان التنظيمي، ويتم التعامل معهم بنوع من الحذر.
وتحدثت الزاهيدي، التي قدمت استقالتها من المجلس الوطني للحزب، عن وجود علاقة ملتبسة بين الحزب والحركة، وأضافت بالقول «حان الوقت لفتح نقاش حول تحديد هذه العلاقة المغلفة بشعار الشراكة رغم أن هذه الشراكة غير واضحة، دائما نقول إن الحركة شريك للحزب، لكن ليس هناك ميثاق للشراكة مكتوب، لتحديد أين تبدأ علاقة الحزب مع الحركة وأين تنتهي، وبالتالي ليست هناك حدود لهذه الشراكة، وهو ما يخلق مشكلا داخل الحزب، وخصوصا بالنسبة للأعضاء الذين لا تربطهم أية علاقة تنظيمية بالحركة الدعوية».
وأكدت الزاهيدي، أن الحزب مازال يوظف الخطاب الديني في العمل السياسي رغم وصوله إلى مراكز القرار وتدبير الشأن العام من خلال توليه الحكومة ورئاسة المجالس الجماعية، وأرجعت تشبث الحزب بالخطاب الديني، لاستمرار ارتباطه بالحركة الدعوية، وقالت إن الحزب فشل في التدبير، ويحاول تبرير هذا الفشل بالبحث عن خصوم وشيطنة الآخرين، مشيرة إلى أن حزب العدالة والتنمية تحول إلى ماركة تجارية مستغلا ثقة الشعب، وجعله بعض الأعضاء مجرد علامة تجارية يتم استغلالها للوصول إلى الكراسي، لأنه بالنسبة لهم هذه العلامة التجارية هي التي تمكنهم من الفوز وليس العلاقة الوطيدة مع المواطنين والتفكير في قضاء مصالحهم وحل مشاكلهم.
وقالت البرلمانية السابقة الملقبة بـ «حسناء البيجيدي»، إن الحزب يعرف صراعات داخلية طاحنة حول المصالح والامتيازات، وأن هذه الصراعات ستفجره قريبا، وأردفت قائلة «لا يمكن احتواء الصراعات التي يعرفها الحزب، إلى متى سيبقى التستر على هذه الصراعات، سيأتي يوم ستخرج فيه الصراعات إلى العلن، والآن بدأت تظهر الشرارات، رغم محاولات إخفاء ذلك». وأشارت إلى أن الهدف من الحوار الداخلي هو التغطية على هذه الصراعات، مؤكدة أن الحزب يعيش أزمة حقيقية، وهذه الأزمة ستزداد تفاقما في السنة المقبلة، تزامنا مع الانتخابات.
ومباشرة بعد حوارها مع «الأخبار»، طالبتها الكتابة المحلية للحزب، بالكشف عن حقيقة التصريحات التي أدلت بها لوسائل الإعلام، وعن أسباب غيابها عن اجتماعات المكتب المسير لجماعة تمارة لمدة تزيد عن سنة، وعن عدم الالتزام بأداء مستحقات الحزب من التعويضات التي تتلقاها لأزيد من سنة بموجب منصبها نائبة لرئيس مجلس جماعة تمارة، وحسب رسالة الاستفسار، قررت الكتابة الإقليمية، وفقا للمادة 96 من النظام الأساسي للحزب، تعليق عضوية الزاهيدي بشكل احترازي إلى حين تقديم جواب عن الاستفسارات الموجهة إليها، وبت الهيئات المختصة بالحزب في الموضوع.
وفي أول رد لها على قرار تعليق عضويتها بالحزب، قررت الزاهيدي تقديم استقالتها من جميع هياكل الحزب، وردت على طلب الاستفسار الذي توصلت به من الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بمدينة تمارة، برسالة قوية وجهتها إلى الكاتب الإقليمي والكاتب المحلي للحزب، وجهت من خلالها اتهامات خطيرة لقيادة الحزب، من قبيل ممارسة الاستبداد والتدليس والكذب، معلنة عن تقديم استقالتها بشكل نهائي من جميع هياكل الحزب، وأوضحت في ردها، أن موضوع المراسلة التي توصلت بها، هو استفسار لكن في نهايتها تم إبلاغها بقرار تعليق العضوية، ما اعتبرته تناقضا مع موضوع الرسالة، لأن الكتابة المحلية طلبت منها استفسارا حول تصريحاتها الإعلامية، لكن لم تنتظر جوابها، وقامت بتعليق عضويتها.
محمد زين الدين : حرب المواقع وغياب الحراك السياسي عمقا الخلافات الداخلية للعدالة والتنمية
ما هي خلفيات الصراعات الداخلية التي بدأت تظهر من جديد وسط حزب العدالة والتنمية؟
حينما نتحدث عن حزب العدالة والتنمية فإننا نتحدث عن تيارات داخل الحزب الواحد، وهذه التيارات تتجاذب وتختلف باختلاف تموقعها داخل الحزب، فإما أن تكون مع القيادة أو ضدها، وحتى داخل قيادة الحزب نفسها نجد أن هناك تياران، وهما تيارا الاستوزار والتيار المعارض له. وهنا يمكن القول إن كل هذه التيارات التي تطبع حزب العدالة والتنمية، تجد لها تعبيرات لتصريف مواقفها، ولها تصورات قد تكون مع أو ضد التوجه التنظيمي الذي تعبر عنه قيادة الحزب، كما لهذه التيارات تخندقاتها، وقد تأخذ طابعا شخصيا مرتبطا في بعض الأحيان بالمصالح الفردية.
إن هذه التجاذبات بين التيارات التي توجد داخل حزب العدالة والتنمية تظهر إلى العلن، كلما اقتربت إحدى المحطات السياسية، وقد ظهر هذا الأمر بجلاء قبيل وأثناء المؤتمر الوطني الأخير للحزب، وهذا الأمر بدأ يتكرر حاليا مع ظهور مطالب داخل الحزب بعقد مؤتمر استثنائي، حيث يعتبر المطالبون بهذا المؤتمر أن الحزب قد خرج عن مساره التنظيمي ووجب تصحيح خطه. كما برز كذلك تيار آخر، وهو التيار المتضرر من عدم تحقيقه لبعض مصالحه الشخصية، خصوصا بعد التجربة الثانية للحزب في قيادة الحكومة، وعدم حصول هؤلاء على مناصب ربما كانوا يمنون النفس الحصول عليها، أو يرون أنهم أجدر بالحصول عليها بالمقارنة مع زملاء لهم في الحزب، وهذا الأمر يمثل مشكلا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، إذ إن حركة هذه التيارات وبروزها يتقوى خلال المحطات السياسية الكبرى، وإن كان من الواضح أن القيادة التقليدية للحزب ما زالت تتحكم في زمام الأمور، بالرغم من مناوءات الجيل الثاني.
هل المشكل مرتبط بطبيعة الحزب التنظيمية، أم بعوامل خارجية ساعدت في ظهور هذه الخلافات؟
إن المشكل في ظهور هذه التيارات داخل حزب العدالة والتنمية، وبروز الخلافات الداخلية من حين إلى آخر، ذاتي ومرتبط بالحزب بالدرجة الأولى، على اعتبار أن هناك غيابا للحراك السياسي بين جيل القيادة داخل الحزب والجيل الثاني، كما أن تمضية الحزب لثماني سنوات داخل الحكومة، خلقت نوعا من الاحتقان، وهو الأمر الذي يبرز بقوة في الاصطدامات بين الجيل المؤسس والجيل الثاني في الحزب، والذي لم يجد بعد موطئ قدم راسخة، ويعتبر أن الجيل الأول هو من يتحكم في دواليب القرار، هذا بطبيعة الحال دون إغفال جيل الشباب، الذي بدأت تنكسر أمامه في الواقع تلك الأطروحات السابقة بالنزاهة والشفافية والخطاب الأخلاقي، والتي ظل جيل القيادة يتحدث بها ويعتبرها منطلقاته الأساسية، بالإضافة إلى حرب التموقع على مشارف الانتخابات المقبلة، وهي التي تجمع ثلاث محطات سياسية مهمة وهي الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، وما تشكله من مناصب ومكاسب بالنسبة لفئة عريضة من الحزب، وهي الفئة التي تمثل تيار المصلحة الفردية، وهذه الخاصية لا ينفرد بها حزب العدالة والتنمية، بل يمكن أن نسجلها في مجمل الأحزاب السياسية، حتى الصغيرة منها. وباستثناء مطالب شباب الحزب، نجد أن الاختلاف الحاصل بين باقي التيارات داخل «البيجيدي»، كله مرتبط بالتموقع والمناصب السياسية، وحتى داخل تيار الاستوزار نفسه نجد أن هناك اختلافات وخلافات، وقيادة الحزب ليست على قلب رجل واحد، ويظهر هذا الأمر في خلافات حول موقف معين كما سبق وبرز في عدد من المحطات، كما أن هناك نوعا من الانحسار بين الأجيال داخل حزب العدالة والتنمية.
هل عمقت تجربة الحزب الحكومية الخلافات داخل «البيجيدي»؟
بطبيعة الحال هذا عامل ساعد بدوره في تعميق الأزمة الداخلية للعدالة والتنمية، على اعتبار أن انتقال الحزب من المعارضة إلى موقع القرار وقيادة الحكومة، هو بمثابة حصوله على شيك على بياض، في مقابل أن تدبير الشأن العام وتحمل مسؤولية القطاعات الأساسية يعتبر عبئا في وجه الحزب ويضعه في مواجهة امتحان عسير. فالمرحلة الحالية التي يمر منها حزب «البيجيدي»، هي مرحلة تقديم الحصيلة، وربما ليست حصيلة خمس سنوات فقط، بل حصيلة العشر سنوات، وهي الحصيلة التي توجه لها العديد من الانتقادات حتى من داخل الحزب نفسه، إذ إن هناك من يعتبر أنها شكلت محطة سوداء في تاريخ العدالة والتنمية، وهي المحطة التي من طبيعة الحال ستخلف آثار سلبية على الحزب، خصوصا على تماسكه، واستمرار الشرخ بين مكوناته، ما قد يعصف به في أية لحظة، كما حدث بالنسبة إلى بعض الأحزاب، وإن كانت الرؤية لم تتضح بعد، إلا أن ما يعتمل داخل «البيجيدي» اليوم، يؤشر على أن هناك بداية أزمة حقيقية في تسيير الحزب.