يعد مبدأ العدل والمساواة من المبادئ الحقوقية الأساسية في التشريعات السماوية والوضعية، ويعتبر عنوانا للتكافؤ بين العباد، فلا تمييز بين غني وفقير بين أبيض وأسود ولا رفيع ووضيع ولا قوي وضعيف. وهذا المبدأ اعتمدته الأنظمة السياسية في تشريعاتها، بل أخذ به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجعله متصدرا مواده المعنيّة بالحقوق والواجبات التي تنظم العلاقة بين الفرد والدولة في المجال الحقوقي، فقد نصت المادة الأولى منه على أن «جميع الناس أحرار ومتساوون في الكرامة والحقوق». وتابعتها المادة السابعة من الإعلان ذاته.
لذلك أضحت السجون تمتلئ بعلية القوم، فباسم المساواة يقضي الأثرياء جزءا من حياتهم في الزنازين، مع اختلاف في ديكورها وتصنيفها طبعا. عندما تملأ رائحة الفساد فضاء البلاد، وتتجند لجن الافتحاص البرلمانية وقضاة المجلس الأعلى للحسابات، تخرج إلى الوجود تقارير سوداء لمدققي الحسابات، وترتفع الأصوات مطالبة بسل شعرة الفساد من عجين الشأن العام. كثير من الشخصيات العمومية تثير الجدل حين تقف في قفص الاتهام، فقد اعتاد المواطنون على إحالة سارق حافظة النقود على القضاء وصرف النظر عن السرقات الكبرى، وحين يصدر القاضي حكما باعتقال المسؤول الكبير تصل رسالة التغيير إلى من ظل يؤمن بأن السجن للمجرمين الصغار.
عندما لاحت تباشير الاستحقاقات التشريعية الجهوية والجماعية المقبلة، بدأ موسم قطف رؤوس السياسيين التي أينعت وحان قطافها، خاصة الأسماء التي تورطت في اختلالات مالية وإدارية، بعد إحالة تقارير الافتحاص على القضاء، سواء تلك التي أنجزتها المجالس الجهوية للحسابات، أو التي أنجزتها المفتشية العامة للإدارة التربية التابعة لوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية.
في هذا الملف الأسبوعي نتوقف عند محاكمة «الأكابر» ونتابع قصص الأحلام السياسية التي حملت أسماء نكرة إلى عالم الثراء.
وزير تحديث الإدارة أمام المحققين بسبب اختلالات مالية
قضى وزير الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة السابق، ورئيس فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب، محمد مبديع، الذي كلفه رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، بمحاربة الرشوة والفساد، حوالي 10 ساعات في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمقرها المركزي بمدينة الدار البيضاء، حيث خضع للتحقيق من طرف ضباط الفرقة المكلفين بالجرائم المالية بشأن اختلالات وخروقات شابت تسيير مجلس جماعة الفقيه بنصالح التي يترأسها مبديع منذ ما يزيد عن 20 سنة، وضربت الفرقة الوطنية لمبديع موعدا آخر للمثول بين يدي المحققين خلال الأسبوع المقبل، حيث تم إغلاق الحدود في وجهه لمنعه من السفر إلى الخارج.
وكان الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، قد أحال ملف اختلالات جماعة الفقيه بن صالح على أنظار رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، تتضمن خروقات واختلالات مالية تكتسي صبغة جنائية، وبدورها أحالت النيابة العامة هذا الملف على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، من أجل التحقيق في الاختلالات والخروقات التي رصدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ويتعلق الأمر بأفعال تهم إبرام وتنفيذ مجموعة من الصفقات المتعلقة بالتأهيل الحضري، بما في ذلك صفقات الدراسات وصفقات الأشغال المترتبة عنها، دون مراعاة المقتضيات ذات الصلة المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وكشف التقرير خروقات واختلالات خطيرة شابت صفقات التأهيل الحضري للمدينة، والتي كلفت الملايير من المال العام.
ويتداول أبناء الفقيه بن صالح أن العرس الأسطوري الذي أقامه الوزير الحركي السابق محمد مبديع، بمناسبة زواج نجله آدم إلياس من حفيدة وزير أول فرنسي سابق، جعل الأنظار تتجه إلى مدينة الفقيه بن صالح التي يرأس بلديتها الوزير السابق بحكومة عبد الإله بنكيران. من تابعوا ذلك العرس، وتناقلوا تفاصيله كما لو أنهم يتناقلون واحدة من حكايات ألف ليلة وليلة، لا شك أنهم تساءلوا، أمام الأجواء المبهرة لذلك الحفل الباذخ، عن واقع المدينة التي يشرف محمد مبديع على تسيير شؤون مجلسها منذ سنة 1997. من زاروا من قبل مدينة الفقيه بن صالح، أو جعلتهم رقصة الوزير بمناسبة زفاف ابنه يشدون الرحال إليها، سيجذب أنظارهم مدخل شارع الحسن الثاني، الذي يمر وسط المدينة، حيث تستقبلهم على اليمين تلك الفيلات الفخمة ذات التصميم الراقي والبوابات الأنيقة. لكنهم سيكتشفون أن ذلك المنظر الجميل لا يعدو كونه الواجهة التي تخفي غابة من المشاكل التي يعانيها معظم السكان، مثلما يخفي ذلك العرس الأسطوري كثيرا من البؤس بين أحياء المدينة التي يقطنها أزيد من 150 ألف نسمة.
الملياردير الدرهم أمام القضاء بسبب تبديد أموال عمومية
قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش متابعة البرلماني الاتحادي السابق، الملياردير حسن الدرهم، رفقة 17 متهما آخرين، بتهم جنائية خطيرة، تتعلق بتبديد واختلاس أموال عمومية والتزوير والمشاركة في ذلك كل حسب المنسوب إليه، وذلك على خلفية اختلالات مالية وقانونية وتدبيرية ببلدية المرسى التابعة لإقليم العيون، وهي الاختلالات التي رصدها قضاة المجلس الجهوي للحسابات بالعيون.
وجه الوكيل العام ملتمسا إلى قاضي التحقيق المكلف بالجرائم المالية لدى استئنافية مراكش، من أجل إجراء تحقيق في مواجهة الدرهم، الرئيس السابق لمجلس بلدية المرسى، إلى جانب نواب له، ومستشارين جماعيين وموظفين ومقاولين والقابض السابق، وبلغ عدد المتهمين في هذه القضية 17 متهما. وأفادت مصادر مطلعة بأن تحريك المتابعة في حق الدرهم ومن معه، جاء بعد الأبحاث التمهيدية التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وذلك بعد توصلها بالتقرير الذي أنجزه المجلس الجهوي للحسابات بالعيون، والذي تضمن اختلالات تكتسي طابعا جنائيا.
يعد الدرهم من بين أثرياء الصحراء رغم أنه ينحدر من قبائل أيت باعمران وتحديدا قبيلة أيت أيوب، كان والده أحمد من أثرياء المنطقة إلى جانب شقيقه محمد فيضول الدرهم. استفاد حسن من الريع الاقتصادي على غرار عدد من كبار المسؤولين، حيث يملك قوارب صيد بشراكة مع أجانب من روسيا واسبانيا.
وعلى غرار مبديع فإن زفاف نجلة الدرهم قد صنف في خانة الأعراس الأسطورية، حيث ما أن طوى الحفل خيامه حتى أصبح اسم الدرهم على كل لسان، حيث رصد عنه خلال فترة تدبيره للشأن المحلي صرف مبالغ مالية كبيرة دون مراعاة قواعد المحاسبة العمومية والمقتضيات التنظيمية المرتبطة بالصفقات العمومية في تنفيذ النفقات، إذ يتم إصدار سندات طلب من طرف أعضاء المكتب خارج الجماعة ودون توصل مصلحة الحسابات بالوثائق المتعلقة بالنفقات موضوع هذه السندات. كما رصد التقرير عدة اختلالات في تدبير الممتلكات الجماعية، ومن ضمنها الأملاك العقارية.
السجن والغرامة لبرلماني «البام» على واحة سيدي براهيم
أسدلت غرفة الجنايات المكلفة بجرائم المالية بمراكش، الستار على القضية التي توبع فيها المستشار البرلماني ورئيس جماعة «واحة سيدي إبراهيم»، وحكمت عليه بالسجن النافذ لمدة ست سنوات مع أداء غرامة مالية قدرها 600 ألف درهم.
وكان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمدينة مراكش، قرر متابعة المستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، عبد الرحيم الكامل، رئيس «واحدة سيدي ابراهيم»، ضواحي المدينة الحمراء، في حالة اعتقال للاشتباه بارتكابه جناية الرشوة طبقا للفصل 248 من مجموعة القانون الجنائي.
تم إحضار المستشار البرلماني من سجن الأوداية، لمحاكمته حضوريا في ملفين اثنين أمام هيئتين قضائيتين مختلفتين باستئنافية مراكش، أحدهما توبع فيه أمام غرفة الجنايات الاستئنافية المختصة في جرائم الأموال بجنايتي «تبديد أموال عامة وأخذ فائدة في مؤسسة يتولى تدبير شؤونها»، كما توبع معه فيه متهمان آخران، في حالة سراح، بتهمة «المشاركة في الجنايتين المذكورتين»، باعتبارهما مسؤولين قانونيين عن مقاولتين كانتا تتوليان إنجاز أشغال بالجماعة التي كان المتهم الأول يرأس مجلسها منذ سنة 2009.
وعند إيداعه السجن من جديد، انتخب محمد شقيق، عن حزب الأصالة والمعاصرة، رئيسا جديدا لمجلس جماعة واحة سيدي إبراهيم، التي تشكل الأصالة والمعاصرة الأغلبية ولا تتضمن معارضة.
للإشارة فإن الرئيس المدان بدأ مساره المهني متنقلا بين سلكي الأمن والتعليم الابتدائي، لينهيه متصرفا جماعيا بجماعة لوداية، وبينهما كاتبا محررا عدليا، قبل أن يحال على التقاعد بثلاث سنوات. ليختمه بالسجن بتهمة الارتشاء، مستغلا منصبه كرئيس لجماعة قرية تتواجد على أطراف مدينة مراكش شمالا، وهي منطقة تتوفر على بنيات مهمة لمشاريع سياحية متنوعة.
خلال عشر سنوات الأخيرة، استطاع أن يحقق ما عجز عن تحقيقه خلال ثلاثين سنة متنقلا بين قطاعات الدولة، حيث يملك حاليا فيلا بحي أسيف بمراكش مساحتها 800 متر مربع، وفيلا أخرى، بنفس الحي مساحتها 200 متر مربع، حيث ذكر في التحقيق خلال اعتقاله، أنه شيدها في 1980 وكلفته حوالي 100 مليون سنتيم، كما يملك محليين تجاريين بحي «البديع»، وكشك حوله بقدرة قادر إلى مقهى متراميا على الملك العمومي بمقاطعة جليز، وتجزئة سكنية مساحتها حوالي هكتار، بجماعة واحة سيدي ابراهيم، كما يملك أرضا فلاحية بالجماعة المذكورة وأرض فلاحية بابن جرير، مساحتها حوالي 10 هكتارات، اقتناها بـ 40 مليون سنتيم قبل حوالي 13 سنة، وأرض فلاحية أخرى بالرحامنة، مساحتها 5، كما باع عقارا مساحته 7 هكتارات بالمنطقة الصناعية سيدي غانم بمراكش، إلى إحدى الشركات بمبلغ مليار و400 مليون سنتيم، كما باع حماما بجماعة حربيل..
ملف الفراع.. أقدم قضية تبديد أموال عمومية في تاريخ القضاء
قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش إجراء تحقيق في مواجهة المتهم محمد الفراع الرئيس السابق لبلدية الصويرة من أجل جناية تبديد أموال عمومية، وذلك بعدما كشفت الأبحاث القضائية وجود اختلالات قانونية ومالية شابت تدبير المجلس الجماعي في عهد الفراع، ومنها خروقات شابت تفويت صفقات عمومية، وجاء قرار الوكيل العام بعد قرار محكمة النقض التي أعادت فتح ملف تبديد 117 مليار سنتيم من أموال التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، وهو الملف الذي يتابع فيه الفراع منذ سنوات.
مرة أخرى، تعيد محكمة النقض قضية رئيس مجلس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية سابقا إلى نقطة الصفر، حيث أصدرت المحكمة قرارا سيرجع صاحب أشهر وأطول محاكمة راجت بمحكمة جرائم الأموال بالرباط، محمد الفراع، الرئيس السابق للمجلس البلدي بالصويرة، والذي دبر القطاع التعاضدي الأضخم بالمغرب من سنة 2000 إلى 2009، إلى قاعات إحدى المحاكم المكلفة بمكافحة الجريمة المالية بالدار البيضاء أو فاس، وذلك بعدما استنفدت القضية كل أطوار التقاضي بمحكمة الاستئناف بالرباط، والتي انتهت بتبرئته من التهم الموجهة إليه، أمام ذهول المتتبعين والحقوقيين.
محكمة النقض قضت بنقض الحكم القاضي ببراءة محمد الفراع، رئيس التعاضدية العامة للإدارات العمومية سابقا، وعرضه من جديد على المحكمة المختصة من أجل البت في التهم المنسوبة إليه، والمتمثلة في تبديد أكثر من 117 مليار سنتيم من أموال التعاضدية.
وكانت محكمة الاستئناف بالرباط قضت، في الحادي عشر من ماي من سنة 2016، بالبراءة لصالح محمد الفراع، المدير العام السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، بعد إدانته بقسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بخمس سنوات سجنا ومائة مليون سنتيم، حيث وجهت له تهمة «تبديد أموال عمومية» وعدم متابعته من أجل «اختلاس أموال عمومية واستغلال النفوذ»، كما قضت هيئة الحكم ببراءة ثمانية متهمين من أصل 21 متهما، بينهم مسيرو شركات وموظفون وطبيب وصحفية وموثقة ورجال أعمال ومهندس وأستاذة ومندوبة، سبق أن صدرت في حقهم أحكام قبل مرحلة النقض الأولى تتراوح بين البراءة وسنتين حسبا نافذا، حيث تابعتهم المحكمة بتهم ثقيلة تتعلق بـ «اختلاس أموال عمومية والتزوير واستعماله والإرشاء وخيانة الأمانة واستغلال النفوذ وتبييض الأموال والمشاركة»، كل حسب المنسوب إليه.
للإشارة فقد شرع محمد الفراع القادم من الصويرة في شق طريقه نحو الجاه والنجومية في صمت، إذ عين متصرفا في وزارة المالية قبل أن يصبح مفتشا بمديرية الأملاك المخزنية في إقليم العرائش، لكنه لم يستمر طويلا في منصبه، حيث أصدرت وزارة المالية قرارا بإحالته على المصالح الاجتماعية لذات الوزارة كرئيس مصلحة تحت إشراف رئيسه مصطفى لكتيري.
حمل الفراع ألوان ثلاث هيئات سياسية، وانتقل من حزب إلى آخر بشكل سلس دون أن يثير انتباه رفاقه وخصومه، فقد بدأ مشواره السياسي منتخبا في جماعة قروية تابعة للصويرة بلون التجمع الوطني للأحرار، قبل أن يغيره أثناء مشاركته في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 بالصويرة حيث نال دعم الاشتراكي الموحد والطليعة وحمل لون حزب المؤتمر الوطني الاتحادي وتمكن من دخول قبة البرلمان، وبعدها بسنتين دخل الانتخابات الجماعية وتمكن من الجلوس على كرسي رئاسة بلدية الصويرة، ويغير لونه السياسي نحو الحزب الليبرالي المغربي، بعد أن التقى زعيمه محمد زيان وكلفه بالدفاع عن ملفه الراقد في محاكم المملكة، دون أن ننسى عبوره في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
لعنة «كازينو السعدي» تزج ببرلماني في السجن
في نهاية شهر مارس 2017 قررت هيئة المحكمة بمراكش، استدعاء اثنين من المتهمين في قضية «كازينو السعدي»، اللذين تم إعفاؤهما من حضور الجلسات السابقة بسبب مرضهما، لجلسة يوم سادس أبريل المقبل، قصد الاستماع إلى جميع المتهمين قبل إدخال الملف للمداولة والنطق بالحكم في آخر الجلسة.
وتواصلت مرافعات دفاع المتهمين، حيث تم التأكيد مجددا على أن متابعة النيابة العامة وقرار الإحالة لقاضي التحقيق استندا على ما تم وصفه بتقرير صادر عن مفتشية وزارة الداخلية، وقيل إنه يؤكد أن قيمة المتر المربع بمنطقة الحي الشتوي، حيث يوجد كازينو فندق السعدي، تتجاوز 20 ألف درهم، بدل 600 درهم التي أقرها المجلس البلدي في عملية التفويت.
وبعد طول انتظار وتوجس، أيدت غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بمراكش، الحكم الابتدائي في القضية، وهو الحكم الذي سبق أن قضى بإدانة المتهم الرئيسي عبد اللطيف أبدوح بخمس سنوات سجنا وغرامة نافذة قدرها 50000 درهم، وعلى كل واحد من المتهمين بثلاث سنوات حبسا نافذة وغرامة 40000 درهم وبمصادرة وتمليك خزينة الدولة الشقق موضوع استفادة عبد اللطيف أبدوح كرشوة بتجزئة سينكو، وبراءة متهمين في نفس الملف من جناية المشاركة في تبديد أموال عمومية وسقوط الدعوى العمومية، بسبب وفاة أحدهما.
أيدت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بمراكش، حكم الإدانة الصادر ابتدائيا في الملف المعروف ب «كازينو السعدي» الذي يتابع فيه البرلماني عبد للطيف أبدوح الرئيس السابق لبلدية جليز المنارة مابين 1997 و 2003 وثلاثة مقاولين وسبعة مستشارين جماعيين.
ترجع تفاصيل الملف، كما جاء في تقارير صحفية من مراكش، إلى سنة 2001 حين «قرر مجلس بلدية المنارة جليز بيع عقار كازينو السعدي المملوك للمدينة للشركة المتصرفة فيه بسعر زهيد لم يتجاوز 600 درهم للمتر المربع، في الوقت الذي كان فيه سعر العقار في تلك المنطقة يناهز 20ألف درهم للمتر المربع. وبعد مرور الصفقة فجر أحد المستشارين الجماعيين فضيحة مرتبطة بالملف إثر تسريبه لتسجيل صوتي ينقل محادثات بين رئيس البلدية المدان وبعض مستشاريه يعرض فيه تفاصيل الرشوة التي ستقدم لكل واحد منهم مقابل التصويت على قرار التفويت، حيث بلغ الحجم الإجمالي للرشوة المقدمة في هذا الإطار ثلاثة ملايير».
و كانت هذه القضية موضوع شكاية للهيئة الوطنية لحماية المال العام سنة 2012 ليفتح على إثرها تحقيق تحت إشراف النيابة شملت أفعالا أخرى مخالفة للقانون تورط فيها الرئيس المذكور تهم أساسا التصرف في عقار كان مخصصا لإنشاء منطقة خضراء بمنطقة السينكو.
تبديد أموال الضمان الاجتماعي يطيح بوزير
في سنة 2002، أي قبل 18 سنة من اليوم، كشف تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أحدثها البرلمان والتي ترأسها البرلماني رحو الهيلع، حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن فضيحة من العيار الثقيل تتعلق بتبديد مليارات الدراهم من مالية الصندوق، وتعد من أبرز قضايا نهب المال العام في المغرب، فحسب التقرير فقد تجاوزت قيمة هذه الفضيحة ما مجموعه 115 مليار درهم، منها 47,7 مليار درهم مجموع الأموال التي صرفها الصندوق من دون حق من خلال «صفقات مشبوهة»، ووجهت اللجنة أصابع الاتهام حينها إلى المدراء العامين الذين تعاقبوا على رأس إدارة الصندوق.
وعزا التقرير الصادر عن لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حينها «سبب تبديد هذه الأموال إلى سوء التسيير والتبذير، والاختلالات والاختلاسات المباشرة وغير المباشرة، التي تعرضت لها مالية المؤسسة وممتلكاتها»، لينطلق بعدها ماراطون من المتابعات القضائية التي همت عشرات المسؤولين والأطر البارزة حينها في الصندوق. وباشر قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بعد سلسلة من الأبحاث القضائية التحقيق في هذا الملف، الذي كان يحقق فيه بناء على تقرير هذه اللجنة، ليقرر سنة 2011 متابعة 28 متهما، وإحالتهم على استئنافية الدار البيضاء.
أيدت المحكمة الحكم الصادر في حق المتهم الرئيسي في هذه القضية وهو رفيق الحداوي، المدير العام السابق للصندوق، الذي أُدين ابتدائيا بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ سنة 2016، وجرى تأكيد هذا الحكم استئنافيا، كما قررت المحكمة مصادرة ممتلكاته وأدائه غرامة على وجه التضامن مع محكومين آخرين لفائدة الدولة المغربية، فيما قررت المحكمة تأكيد تبرئة عبد المغيث سليماني، الكاتب العام السابق للصندوق، والعمدة السابق لمدينة الدار البيضاء، والرئيس السابق لجماعة الصخور السوداء في المدينة إلى جانب متهمين آخرين في هذا الملف الذي كُشف عنه رسميا سنة 2002.
كما قررت المحكمة في حكمها الصادر عن قسم الجرائم المالية الحكم على عشر متهمين بينهم المتهم الرئيسي بإرجاع مبالغ لفائدة الدولة تقدر بحوالي 31 مليار درهم في المجموع، يتعلق الأمر بمصطفى جبوري الذي حكم عليه بإرجاع مبلغ 294 مليون درهم، وسعيد برويلة بـ82 مليون درهم، ومحمد بن المودن بإرجاع مبلغ يناهز 10 مليارات درهم، ومحمد الودغيري بمبلغ 32 مليون درهم، وعلي باعدي بـ13,9 مليارات درهم. كما حكمت المحكمة على بنعيسى الأبيض بإرجاع مبلغ يقدر بـ200 مليون درهم، ومصطفى أبوزيد ومحمد عدلاني والعربي الزياني وأحمد الخياطي بإرجاع مبلغ يناهز 7,44 مليارات درهم تضامناً في ما بينهم، فيما قضت في حق رفيق الحداوي بإرجاع المبالغ المحكوم بإرجاعها على المتهمين الآخرين، أي 31 مليار درهم لفائدة الدولة المغربية. كما ستتم مصادرة ممتلكات المتهمين المدانين في حدود المبالغ المحكوم بإرجاعها.
جنازة والدة عليوة تعتق رقبته من سجن عكاشة
شعر خالد عليوة، الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، بحبل يلف عنقه، حين علم عبر محاميه بقرار إغلاق الحدود في وجهه، رفقة بعض المديرين السابقين الذين وردت أسماؤهم في تقرير المجلس الأعلى للحسابات المرتبط بتبذير أموال عمومية وسوء التسيير. جاء قرار إغلاق الحدود في وجه عليوة ومن معه بناء على المعطيات التي توصلت إليها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في إطار فتح ملفات الفساد.
لكن قبل حلول عيد الأضحى سارع رفاق خالد عليوة، المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، والوزير الاتحادي الأسبق، إلى وضع ملتمس يقضي بمنحه السراح المؤقت، في القضية التي كان يتابع فيها إلى جانب عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، في ملف اختلاسات وتبديد أموال المؤسستين.
تلقى خالد تطمينات بقضاء العيد بين أهله وذويه، لكن المحكمة رفضت، رغم أن كل المؤشرات كانت تتحدث عن إفراج قبيل العيد، ليؤجل الحلم الذي راود المتهمين في قضايا فساد مالي. وينتظرا سويا فاجعة وفاة والدة كل منهما لينعم خالد وعبد الحنين بفسحة حرية للضرورة الجنائزية.
لاعتبارات إنسانية، تمكن المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي، من مغادرة عكاشة متوجها إلى مقبرة الشهداء، حيث رخص له بحضور جنازة والدته التي وافتها المنية. توصلت إدارة السجن برسالة تتضمن ترخيصا لخالد بمغادرة المعتقل لمدة أربعة أيام، «لكي يحضر دفن والدته، ويقوم بواجب العزاء».
يوم 4 مارس 2013، خرج خالد عليوة من سجنه، ولم يعد إليه. لم يتمتع وقتها الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي سوى برخصة من 4 أيام لحضور جنازة والدته، لكن سرعان ما تحولت متابعته في حالة اعتقال إلى متابعة في حالة سراح، لكن يبدو أن عليوة لا يرى أي فرق بينه وبين أي شخص قضى عقوبته كاملة، أو خرج من زنزانته ولم يعد، وحده قرار المنع من مغادرة الوطن ظل ساري المفعول.
وكان التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات (2009) قد خص خالد عليوة، الرئيس المدير العام الأسبق للقرض السياحي والعقاري، بحصة الأسد (44 صفحة)، ضمن الجزء الخاص بمراقبة التدبير واستعمال الأموال العمومية بالقطاعات الاقتصادية والمالية.
البصري يغرق السجن برجال المال في «حملة التطهير»
لم يكن الملك الراحل خارج النص، وهو يتحدث من على منصة البرلمان وأمام ممثلي الأمة، عن السكتة القلبية التي تهدد المغرب. لذلك لم يكن متحمسا، وهو يحلم بتناوب جديد، وحكومة على شاكلة حكومة بداية الستينات والتي سماها المتتبعون بحكومة الوطنيين، والتي قادها الراحل عبد الله ابراهيم، بأن يعود لسدة الحكم حزب الاستقلال أكثر من رغبته أن يقود هذه التجربة الجديدة وجه من خصوم الأمس، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لذلك سينتظر الحسن الثاني 1998 ليعلن عن ميلاد تناوب عبد الرحمان اليوسفي، وليس تناوب امحمد بوستة الذي كان مقررا في 1996.
كان المغرب لا يزال تحت السلطة شبه المباشرة لرجل الشاوية ادريس البصري، وزير الداخلية الأقوى في كل حكومات المغرب الحديث. وكان لا بد أن يستثمر هذا الرجل تلك الثقة التي وضعها فيه الحسن الثاني ليصفي مرة حساباته، ولينتقم مرات أخرى ممن يعتبرهم خارج الصف. اجتاحت المغرب في سنة 1996 موجة التطهير، وكان لا بد أن تأتي على الكثير من الأخضر واليابس، وجرت في طريقها الكثير من الأبرياء، الذين ضاعت رؤوس أموالهم، وأضحوا مفلسين.
سيتولى وزير المالية وقتها محمد القباج الملف الذي سيخبر الحسن الثاني، وهو برفقة مدير الجمارك، بوجود تجاوزات يقوم بها بعض الأشخاص في مجال الاستيراد المؤقت، قبل أن يسلماه لائحة من 30 اسما، ويقترحا عليه تحذير أولئك المستوردين عن طريق إنذارات كتابية أو بواسطة عناصر الأمن، مع منحهم مهلة سنة ليقوموا بحل المشاكل المتعلقة بنشاطهم الاقتصادي. لكن الملك رفض، وقال إن المعنيين بالأمر لن يردوا على الإنذارات الكتابية ولن يولوها أي اعتبار. ولذلك يبدو من الأحسن أن تستعين وزارة المالية وإدارة الجمارك بالسلطة. ليتحول الملف إلى يد إدريس البصري، الذي وجد الفرصة لتصفية الحسابات مع كبار الأثرياء.
أحدثت الحملة التطهيرية ضجة واسعة، خاصة على المستوى الحقوقي، بعدما دخلت العديد من الجمعيات على الخط، وانتقدت طريقة تدبير هذا الملف، احتجاجا على الطريقة التي سير بها وزير الداخلية ملف القضاء على التهريب.
وبعد مجموعة من الاجتماعات بين الملك ووزير الداخلية ووزراء من الحكومة، انتهت العملية بإعلان الحسن الثاني صدور عفو لصالح جميع المدراء المعتقلين على خلفية هذا الملف في 16 أكتوبر من سنة 1997.