من المستفيد من عرقلة قوانين محاربة الفساد بالمغرب ؟ - تيلي ماروك

محاربة الفساد - المغرب من المستفيد من عرقلة قوانين محاربة الفساد بالمغرب ؟

من المستفيد من عرقلة قوانين محاربة الفساد بالمغرب ؟
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 08/12/2020

الكل يعترف بتفشي أمراض الفساد التي تنخر جسد المجتمع المغرب في كل المجالات، والكل يصرخ برفع شعار محاربة الفساد وضرورة تغيير القوانين لسد الثغرات التي تنتعش فيها منظومة الفساد بشتى أشكاله، لكن شتان بين القول والفعل، والدليل على ذلك، أن الفساد يكبر ويترعرع في حضن من يقولون إنهم جاؤوا لمحاربته. وهناك، كذلك، العديد من مشاريع ومقترحات القوانين مازالت تراوح مكانها تحت قبة البرلمان، وعلى رأسها قانون تجريم الإثراء غير المشروع، الذي تدخلت أياد خفية وأخرى معلومة لتجميده داخل "ثلاجة" المؤسسة التشريعية، فيما هناك مقاومة شرسة لإفراغ قوانين أخرى من محتواها، وتجريد مؤسسات من صلاحياتها، وجعلها مجرد أداة شكلية، من قبيل هيئة النزاهة ومحاربة الرشوة، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، ونظام التصريح بالممتلكات.

حزب الاستقلال يتقدم بمقترح قانون «من أين لك هذا؟»

مازالت الحكومة لم تتفاعل مع مقترح قانون تقدم به الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، يتعلق بتجريم تنازع المصالح واستغلال مواقع النفوذ للحصول على الامتيازات والإثراء غير المشروع، وذلك في إطار تنزيل المقتضيات الدستورية وتعزيز آليات الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد.

ويرمي مقترح القانون إلى وضع إطار قانوني للممارسات الفضلى للوقاية من الفساد وتعزيز قواعد النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام والحياة الاقتصادية بصفة عامة، كما يسعى هذا القانون إلى أجرأة التزامات المغرب الدولية، خاصة الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، وإرساء قواعد واضحة لمدبري الشأن العام حتى لا يكون هناك تعارض بين الفعل العمومي والمصالح المرتبطة بالقطاع الخاص والمجالات الاقتصادية. وتقوم هذه القواعد على توضيح آليات المساءلة والمحاسبة بهدف حماية المال العام وتعزيز الرقابة على الممارسات المخلة بقواعد الشفافية والنزاهة، كما أنها تسمح للمواطنات والمواطنين بامتلاك الأدوات والآليات اللازمة والضرورية لتقييم أداء من يتحملون مسؤوليات عمومية ويرتبطون بالحياة الاقتصادية للبلاد.

وأوضحت المذكرة التقديمية للمقترح أن المشرع المغربي عالج عددا من حالات تنازع المصالح في نصوص قانونية متفرقة، لذلك أصبحت الحاجة ملحة لوضع نص قانوني جامع، من خلال وضع نظام قانوني للتصريح بحالات تنازع المصالح وهي إحدى الآليات التي تضمنتها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب. وأشارت المذكرة إلى أن هذه الآلية بقدر ما تضع أسس النزاهة والشفافية في الحياة العامة والخاصة، فإنها من جهة توفر حماية للملزمين بالتصريح في مختلف مواقع المسؤولية وتقطع مع حالات الالتباس التي يمكن أن يقع فيها بعض الملزمين، ومن جهة أخرى تنزع عنهم أي مبرر للكسب غير المشروع أو ادعاء فراغ تشريعي. وذكر الفريق الاستقلالي أن التشخيص الذي أنجزه مجلس أوروبا سنة 2013، بشأن قواعد محاربة الفساد في المغرب أوصى «بالتقنين الدقيق لتضارب المصالح والممارسات الجيدة، ووضع قواعد كافية من أجل حظر الانتقال من القطاع العام إلى القطاع  الخاص»، مشيرا إلى أن هذا المقترح يأتي تفعيلا لمبدأ (من أين لك هذا؟) الذي نادى به حزب الاستقلال سنة 1961 في شخص رئيسه الزعيم علال الفاسي.

ويأتي المقترح، حسب الفريق الاستقلالي، في إطار تفعيل مقتضيات الدستور، من خلال وضع تعريف واضح لمفهوم تنازع المصالح، على اعتبار أن الحياة العامة سواء ارتبطت بالإدارة أو القطاع الخاص، تقوم على تبادل المصالح، إلا أن هذا التبادل لا يتسم دائما بالشرعية، لذلك يصبح من الضروري تحديد المصالح التي تخالف الشرعية. وأوضحت المذكرة التقديمية للقانون أن دستور 2011 أوكل بشكل صريح في الفصل 36 هذه المسؤولية للقانون، حيث ينص الفصل المذكور على أنه «يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي، وعلى السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات، ويعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية».

ويعتبر تنازعا للمصالح في حكم هذا القانون، كل وضعية يوجد فيها الموظف أو المستخدم أو من يزاول مهنة حرة، أو كل من يتحمل مسؤولية عمومية سواء عن طريق الانتخاب أو التعيين من شأنها أن تؤثر على استقلاليته وحياده وتجرده في أداء واجباته الوظيفية وأداء مسؤولياته. ويدخل في باب تنازع المصالح كل استغلال للموقع الوظيفي أو المهني لتحقيق مصلحة خاصة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وكل تعاقد مع الإدارة أو المؤسسات المرتبطة بها، وكل توظيف لمعلومات يتم الحصول عليها بحكم الوظيفة أو المسؤولية من شأنه الإخلال بالمنافسة الحرة وتحقيق مكاسب شخصية أو لفائدة الغير ممن يرتبط بهم الخاضعون لأحكام هذا القانون بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة وكذا تفضيل أشخاص أو مؤسسات بحكم العلاقات الشخصية أو القرابة العائلية.

يخضع لأحكام هذا القانون كل شخص طبيعي يتحمل مسؤولية عمومية، سواء عن طريق الانتخاب أو التعيين، وكذلك كل شخص طبيعي يتحمل مسؤولية ترتبط بالحياة الاقتصادية والحياة العامة كما هو مبين في الفصل السادس من أحكام هذا القانون، وتسري مقتضياته على جميع الأشخاص الخاضعين لأحكامه وأصولهم وفروعهم، وذلك طيلة فترة تحملهم المسؤوليات التي تضعهم تحت طائلة هذا القانون وكذلك لمدة خمس سنوات التي تلي إنهاء ارتباطهم بالمهن والوظائف والمسؤوليات التي كانوا يتحملونها في القطاع العام. وينص مقترح القانون على أنه «يمنع على الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون أن يرتبطوا بعقود عمل أو تعاون بمقابل أو بدون مقابل، قد يترتب عنها تنازع للمصالح، وذلك لمدة خمس سنوات التي تلي انتهاء مهامهم مع المؤسسات التي تحملوا فيها مهاما ومسؤوليات سابقا».

تجميد قانون تجريم الإثراء غير المشروع داخل «ثلاجة» البرلمان

ما زال مشروع القانون الجنائي مجمدا داخل «ثلاجة البرلمان»، بعد تقديم ثلاثة فرق برلمانية لطلب تأجيل موعد تقديم التعديلات المقترحة على القانون، وكان آخر أجل حددته لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب لتقديم هذه التعديلات هو يوم الجمعة الماضي، لكن فرق التجمع الدستوري والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية لم تقدم تعديلاتها وتشبثت بمطلب التأجيل.

وكان هذا القانون قد عاد إلى نقطة الصفر، بعدما قطع أشواطا من المناقشة والدراسة داخل اللجنة البرلمانية، منذ سنة 2016، وصلت إلى مرحلة تقديم التعديلات، لكن فرق الأغلبية قررت سحب توقيعها من لائحة التعديلات المقدمة بشكل مشترك، وذلك بعد انقلاب حزب العدالة والتنمية على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، بسحبه لتعديل متوافق عليه حول تجريم الإثراء غير المشروع. وحددت اللجنة موعدا آخر لتقديم التعديلات، انتهى يوم الجمعة الماضي، لكن مرة أخرى طالبت الفرق البرلمانية الثلاثة بتأجيل الموعد، فيما تقدم فريق العدالة والتنمية وفرق المعارضة بتعديلاتها، وبرر فريقا التجمع الدستوري والاتحاد الاشتراكي طلبهما بتعذر عقد اجتماع للفريقين، بسبب أزمة كورونا، وتزامن ذلك مع عطلة البرلمانيين، فيما برر الفريق الحركي طلبه بمنح مهلة إضافية من أجل التوصل إلى توافق حول التعديلات بين فرق الأغلبية البرلمانية.

وأوضح مصدر حكومي، أن قيادة حزب العدالة والتنمية تصر على الهيمنة في تمرير مشروع القانون الجنائي برؤية حزبية ضيقة، ما جعل هذا المشروع يعود إلى نقطة الصفر من جديد، بعد أن تنصل فريق الحزب الذي يقود الحكومة من التعديلات التوافقية ضمن الأغلبية، ما جعل باقي الفرق تنسحب رسميا من هذا التوافق، وتطلب من رئيس لجنة العدل والتشريع فتح آجال جديدة لإيداع التعديلات. وأضاف المصدر، أنه «في اللحظة التي كان الجميع يترقب توجيه الدعوة لوزير العدل من أجل الحضور إلى اللجنة والشروع في البت في التعديلات المقترحة، يفتعل فريق العدالة والتنمية أزمة داخل فرق الأغلبية، من شأنها أن تزج بهذا المشروع في أفق ملتبس».

وكان فريق العدالة والتنمية قد انقلب على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، باتخاذ قرار انفرادي، بسحب التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي، المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، بعد التوافق عليها، وقرر الفريق سحب التعديل 31 الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية، بشأن مشروع قانون رقم 10.16 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والإبقاء على الفرع 4 مكرر المتعلق بـ«الإثراء غير المشروع» كما جاءت به الحكومة في المشروع المذكور، مع تمسك الفريق ببقية التعديلات المقدمة سابقا بمعية فرق الأغلبية.

وتنص الصيغة التي جاءت بها الحكومة في المشروع على أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات، طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من القانون نفسه، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية».

وكانت الأغلبية تقدمت بتعديلات مشتركة، قبل انقلاب فريق العدالة والتنمية، تنص على ألا يخضع المعنيون للمحاسبة إلا بعد انتهاء مهامهم، سواء الإدارية أو الانتدابية، وحصر مهمة المحاسبة في المجلس الأعلى للحسابات، والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة إلى المعني وأبنائه فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الممتلكات المصرح بها قبل تولي المهمة الإدارية أو الانتدابية. واقترحت مكونات الأغلبية، من خلال التعديلات المقترحة، منح الصلاحيات للمجلس الأعلى للحسابات لكي يثبت تجاوز ما تم التصريح به بعد نهاية المهمة وليس أثناءها، ويجب أن تكون المقارنة مع ما صرح به من دخل انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودع المعني بالأمر، وليس مصادر دخله. واقترح فريق الأصالة والمعاصرة ومعه مجموعة حزب التقدم والاشتراكية، بأن لا تتم المتابعة إلا بناء على تقرير معد من قبل المجلس الأعلى للحسابات في حق الشخص المعني بالأمر.

 وتشبث الفريق الاستقلالي بالتعديلات التي قدمها سابقا، حيث يطالب بالتنصيص على عقوبات سجنية في القانون، واقترح الفريق بمعاقبة مرتكبي جريمة الإثراء غير المشروع، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 100.000 درهم إلى 1.000.000 درهم، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة. كما يقترح الفريق نفسه، توسيع نطاق الموظفين العموميين المعنيين بهذا الفصل من الملزمين بالتصريح إلى الموظف العمومي، وفق تعريف الفصل 224 من مجموعة القانون الجنائي، والحكم بالعقوبة السالبة للحرية أسوة بجرائم الرشوة والحصول على منفعة غير مستحقة من استغلال الوظيفة المنصوص عليها في الفصل 245-1، وكذلك تماشيا مع توصيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد والقانون المقارن، خاصة الفرنسي.

وزراء وبرلمانيون يتملصون من التصريح بممتلكاتهم

تعكف وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الادارة، على مراجعة نظام التصريح بالممتلكات، وذلك في إطار تنفيذ المشاريع المدرجة ضمن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، وتأتي هذه التعديلات تزامنا مع الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات الجماعية والتشريعية، خلال السنة المقبلة.

وتأتي هذه التعديلات لسد الثغرات التي يعرفها النظام الحالي، حيث تواجه المجلس الأعلى للحسابات العديد من الصعوبات في تتبع ممتلكات كبار المسؤولين والمنتخبين، وسبق لرئيس المجلس، إدريس جطو، أن أعد لائحة بأسماء وزراء سابقين ومدراء دواوين وبرلمانيين ومنتخبين وكبار الموظفين بمختلف الإدارات العمومية، لم يجددوا التصريح بممتلكاتهم لدى المجلس. وتشمل لائحة الممتلكات التي يطالب المجلس الأعلى للحسابات من الملزمين بضرورة التصريح الإجباري، العقارات والأموال المنقولة، منها الأصول التجارية والودائع في حسابات بنكية والسندات والحصص والأسهم في الشركات والممتلكات المتحصلة عن طريق الإرث أو الاقتراضات والعربات ذات محرك والتحف الفنية والأثرية والحلي والمجوهرات، بالإضافة إلى الممتلكات مشتركة مع الأغيار، وتلك التي يدبرونها لحسابهم وممتلكات القاصرين. وتم إقرار الحد الأدنى لقيمة الأموال المنقولة الواجب التصريح بها، في 30 مليون سنتيم لكل صنف من أصناف الأموال المنقولة، عند تاريخ اقتنائها أو عن طريق الشراء أو تملكها.

ورغم أن المغرب اعتمد قانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، لكن هذا القانون تشوبه العديد من النواقص والثغرات التي تجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذي جدوى، كما صرح بذلك إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أمام البرلمان، وذلك باستغلال المعنيين لهذه النواقص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، أمام الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه، كما أن نسبة الأشخاص الملزمين الذين لم يدلوا بتصريحاتهم لدى المحاكم المالية، حسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، تقدر بحوالي 20 في المائة. وكشف جطو أثناء تقديم التقرير السنوي للمجلس أمام البرلمان، أن العدد الإجمالي للتصريحات التي تلقتها المحاكم المالية منذ سنة 2010، تاريخ دخول منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات حيز التنفيذ، بلغ ما مجموعه 232 ألفا و339 تصريحا، ولفت إلى أن المجالس الجهوية للحسابات وجهت إلى رئيس الحكومة "قوائم بأسماء الملزمين بالتصريح الإجباري بالممتلكات من فئة المنتخبين الذين لم يسووا وضعيتهم على الرغم من توصلهم بالإنذارات الموجهة إليهم في هذا الشأن".

وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن تهاون الحكومة في إشعار الملزمين التابعين لها بضرورة التصريح بالممتلكات وإثارة انتباههم إلى الآجال المحددة للإيداع، باستثناء بعض الإدارات والمؤسسات العمومية التي وضعت بعض التدابير الداخلية كمطالبة الملزمين بالتصريح، بموافاتها بنسخة من وصل إيداع التصريح بالممتلكات، وحسب التقرير، فإن العديد من الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجماعات وكبار المسؤولين بالإدارات العمومية لم يقدموا تصريحات بممتلكاتهم بعد مغادرتهم لمناصبهم، أما في ما يخص الشخصيات المماثلة لأعضاء الحكومة من حيث الوضعية الإدارية، فإن المجلس لا يتوفر لحد الآن على القائمة المتعلقة بهم لتتبع التصريحات الواجب إيداعها من طرف هذه الفئة، وذلك طبقا لأحكام الظهير الشريف بشأن حالة أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم، بالرغم من أن الأمين العام للحكومة سبق وأن راسل وزارة المالية والاقتصاد مرتين لمده بقائمة هذه الشخصيات، وبغض النظر عن ذلك، فإن بعض أعضاء هذه الفئة يقومون تلقائيا بالتصريح بممتلكاتهم.

تقارير رسمية: الفساد استشرى في ظل حكومة العدالة والتنمية

ما تنفك التقارير الصادرة عن المؤسسات الدستورية تؤكد على استمرار تغول الفساد، رغم بعض الخطوات التي تم اتخاذها لمحاربته، حيث أكد التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن معضلة الفساد لا تزال منتشرة في المغرب. وكشف المجلس ذاته، في تقريره السنوي لسنة 2019، أن استمرار الفساد يعيق دينامية التنمية في البلاد من خلال الإبقاء على السلوكات الريعية، والحيلولة دون إعادة توجيه الموارد نحو الاستثمارات المنتجة والمبتكرة، وتكريس مشاعر عدم الثقة داخل المجتمع بشكل عام، وعلى مستوى مناخ الأعمال على وجه الخصوص.

وأورد تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن مؤشر مدركات الفساد لسنة 2019 كشف أن المغرب تراجع بسبع مراتب مقارنة بسنة 2018، ليحتل المرتبة 80 من بين 180 دولة. وتبعا لذلك، يضيف التقرير نفسه، فإن 58 فـي المائة من المقاولات التي شملها بحث أنجزه أخيرا البنك الدولي، صرحت أنها اضطرت في بعض الأحيان إلى تقديم «هدايا» للحصول على صفقة عمومية. وبخصوص الاستثمار، أكد التقرير ذاته أن مظاهر عدم اليقين المحيطة بأجندة الإصلاحات المعلنة ساهمت في تكريس الانتظارية لدى المستثمرين الوطنيين، خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن المغرب شهد وتيرة متسارعة لتنفيذ الإصلاحات وإعمال القوانين المتعلقة بمحيط الأعمال ودعم الاستثمار.

ومع ذلك، يضيف التقرير، فإن التأخر المسجل في إخراج بعض الإصلاحات التي تم الإعلان عنها في عدة مناسبات، كمشروع الميثاق الجديد للاستثمار الذي طال انتظاره منذ سنة 2016، ومشروع القانون الإطار المتعلق بالجبايات، قد يكون ساهم في تكريس الانتظارية التي لوحظت في أوساط المستثمرين، بالنظر إلى أن هذه الإصلاحات ستحدد اختياراتهم الاستراتيجية ومردودية استثماراتهم المستقبلية واستمراريتهم. واعتبر التقرير أن الهدر المدرسي يعد قنبلة موقوتة لم تعالجها السياسات التعليمية بالقدر الكافي، مضيفا أن هذه الظاهرة تشكل اختلالا كبيرا في المنظومة التربوية الحالية لما لها من تداعيات اقتصادية واجتماعية كبرى.

وأكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه أصبح من الضروري إجراء تقييم للمبادرات التي تروم تشجيع الولوج إلى المدرسة من قبل (تيسير، مليون محفظة، المطاعم المدرسية وغيرها)، داعيا إلى إعادة النظر في الاستراتيجية المعتمدة للحد من الانقطاع عن الدراسة وفهم أسبابه ودوافعه.

بدورها، كشفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في تقريرها الأول، أن المجهودات التي بذلها المغرب من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته، على الرغم من أهميتها، لم تثمر النتائج المرجوة منها، واعتبرت الهيئة أن النتائج المحققة إلى حد الآن في الوقاية من الفساد ومكافحته «تبقى مفتقدة لمستوى النجاعة المطلوبة القادرة على خلق الأثر الإيجابي المنتظر على حياة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، وبالتالي الانعكاس الفعلي على مستويات النمو الكفيلة بتحقيق سبل العيش الكريم لمختلف الشرائح الاجتماعية»، كما أن تأثير الفساد على الاقتصاد الوطني يمثل ما بين 2 و5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وسجل تقرير الهيئة المذكورة، انطلاقا من التحليل المعمق الذي قامت به للمؤشرات والعوامل المؤثرة على الفساد في بلادنا، أن مستويات الفساد في المملكة عرفت خلال سنة 2019 «منحنى تصاعديا رسخ الوضع المتراجع للمغرب بخصوص هذه الآفة»، وبالرغم من أن المغرب حقق بعض التحسن في تصنيفه على قائمة التصنيفات المتعلقة بمحاربة الفساد، فإن هيئة النزاهة اعتبرت أن المكانة التي ظلت المملكة تراوحها ضمن الدرجات والتصنيفات الدولية خلال السنوات العشر الأخيرة «غير مرضية». وأضافت الهيئة أن المكانة التي يحتلها المغرب بين رتب هذه التصنيفات رافقها «تكريس لتراجع ثقة المواطنين في السياسات المتبعة في مجال الوقاية ومحاربة الفساد بنسب غير مسبوقة، حسب المؤشرات المعتمدة بهذا الخصوص».

برلمانيون يرفضون تفتيش المقرات للبحث عن ملفات الفساد

أثارت بعض المقتضيات الجديدة الواردة في مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، جدلا كبيرا أثناء مناقشة القانون خلال اجتماع اللجنة، حيث اعترض برلمانيون من الأغلبية والمعارضة على منح اختصاصات لمأموري الهيئة تتقاطع مع اختصاصات ضباط الشرطة القضائية، من بينها إجراء الأبحاث والتحريات وتحرير المحاضر، مع إمكانية الولوج إلى مقرات أشخاص القانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، رغم أنهم لا يتوفرون على الصفة الضبطية.

ويتضمن المشروع مقتضيات جديدة تهدف بصفة أساسية إلى توسيع نطاق مهام الهيئة، ومراجعة آليات اشتغالها وقواعد تنظيم عملها ونظام حكامتها، وذلك بغية تحقيق النجاعة والفعالية المطلوبتين في عملها، وتوطيد الجهود التي تبذلها الدولة من خلال الأدوار المسندة لعدد من السلطات والهيئات لمواجهة ظاهرة الفساد بكل تجلياتها، والعمل على محاصرتها بالوسائل الوقائية والردعية المتاحة.

ومن أهم المستجدات الواردة في المشروع، توسيع مفهوم الفساد، وينص القانون على أن المهام الجديدة الموكولة إلى الهيئة في مجال مكافحة الفساد، في إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه وتطبيقاته، حتى يكون مفهوم الفساد شاملا لجريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، بدل حصر مفهوم الفساد في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر، كما ينص على ذلك القانون الحالي للهيئة. كما يشمل مفهوم الفساد أيضا المخالفات الإدارية والمالية، التي تشكل سلوكات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.

ويميز مشروع القانون بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة، وهما الأفعال التي تشكل جرائم بطبيعتها، حيث عناصرها الجُرمية واضحة، تحيلها الهيئة على النيابة العامة المختصة، ثم الأفعال التي تشكل مخالفات إدارية ومالية تكتسي طابعا خاصا يتنافى مع مبادئ التخليق والحكامة الجيدة وحسن تدبير الأموال العمومية، دون أن ترقى إلى درجة تكييفها جرائم قائمة بذاتها. ولكونها تعتبر مخالفات مهنية بالأساس، فإنها في حال ثبوتها تؤدي إلى متابعة تأديبية في حق مرتكبها وتوقيع عقوبات إدارية أو مالية في شأنها، مع تمكين الهيئة من إجراء أبحاث وتحريات وإعداد تقارير تحيلها على السلطات والهيئات المختصة، بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية حسب الحالة.

ومنح المشروع للهيئة مجموعة من الصلاحيات الجديدة، نتيجة توسيع مفهوم الفساد، وتتمثل هذه الصلاحيات في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات في شأن حالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الوقائع المضمنة بها من خلال القيام بعمليات البحث والتحري، عبر إجراءات ميدانية تتجسد في الصلاحيات المخولة لمأموري الهيئة، من أهمها الدخول إلى مقرات الأشخاص الخاضعين للقانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، وطلب الوثائق والمستندات والاستماع إلى الأشخاص المعنيين. كما يتيح المشروع للهيئة وضع يدها على حالات الفساد التي تصل إلى علمها تلقائيا، ودون أن تكون مقيدة بوجود شكاية أو تبليغ. ويمكن المشروع الهيئة من أن تنصب نفسها مطالبة بالحق المدني في القضايا المتعلقة بالفساد المعروضة على القضاء، في حال عدم تقديم الوكيل القضائي للمملكة لمطالبه المدنية نيابة عن الدولة داخل أجل ثلاثة أشهر، وذلك بغرض تمكين الهيئة من تتبع قضايا الفساد المعروضة على القضاء. وعلاوة على ذلك، منح مشروع القانون الهيئة أيضا اختصاصا جديدا يتمثل في إمكانية قيامها، بطلب من السلطات العمومية، بإجراء تحقيقات إدارية في وقائع خاصة تتضمن مؤشرات حول شبهة وجود فساد وإعداد تقرير بشأنها. ويحدد المشروع عمل مأموري الهيئة في مجال إجراء الأبحاث والتحريات، وذلك بتمكين الهيئة من آليات اشتغال تستجيب لمتطلبات المهام المنوطة بها، وعلى الخصوص منها الوضع القانوني لمأموريها وصلاحياتهم، والتنصيص على أدائهم اليمين القانونية أمام محكمة الاستئناف بالرباط، مع تكليفهم بعمليات البحث والتحري من قبل رئيس الهيئة وتحت سلطته، من خلال طلب المعطيات ذات الصلة بالملف وجمعها ودراستها وتحليلها، وإنجاز محاضر ترفع إلى رئيس الهيئة، وهي محاضر ذات قيمة قانونية يوثق بها إلى أن يثبت ما يخالفها. ومن أجل ممارسة الصلاحيات المذكورة، خول مشروع القانون لمأموري الهيئة في إطار مهامهم المتعلقة بالبحث والتحري، إمكانية الولوج إلى مقرات أشخاص القانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، وفي هذه الحالة نص مشروع القانون على إلزامية مشاركة ضابط أو عدة ضباط للشرطة القضائية في عمليات البحث والتحري داخل هذه المحلات. وينص المشروع على تطبيق عقوبات تأديبية وجنائية في حق الأشخاص الذين يقومون بعرقلة عمل الهيئة، بامتناعهم عن الاستجابة لطلباتها دون مبرر قانوني.

محمد الغلوسي: اللوبي المستفيد من الفساد يعرقل إصدار التشريعات المتعلقة بمحاربته

1- ما تقييمك لواقع محاربة الفساد في ظل حكومة العدالة والتنمية؟

ما يمكن تأكيده هو أن حزب العدالة والتنمية قد استغل موضوع محاربة الفساد في إطار الدعاية الانتخابية وفي سياق الحراك الشعبي وموجة الربيع العربي، واستطاع الحزب أن يوظف شعار محاربة الفساد ويركب على هذه الموجة لتحقيق المكاسب الانتخابية، وهي المكاسب التي تجسدت في ترؤسه الحكومة خلال ولايتين، وأيضا من خلال حصوله على مقاعد  انتخابية مهمة في البرلمان. واستطاع الحزب إيهام بعض الناس أنه يضم فقط أصحاب الأيادي النظيفة، وأنه قد أتى للحكومة ليس خدمة لمصالح أعضائه، بل لخدمة الوطن والمواطنين ومحاربة الفساد، وقد اتضح في ما بعد لمن كان في قلبه ذرة شك زيف تلك الشعارات، وأنها وظفت فقط لإيهام الناس وكسب تعاطفهم سياسيا، وظلت معركة محاربة الفساد تراوح مكانها، بل إن الأرقام والمؤشرات والمعطيات والتقارير الصادرة في الموضوع، تؤكد بأن الفساد قد استفحل وأن الرشوة قد استشرت في عهد حكومة «البيجيدي»، ولم يستطع هذا الأخير أن يقدم أي شيء في ما يتعلق بهذه المعركة، بل إن تعابير محاربة الفساد والرشوة لم نعد نجد لها وجودا في قواميس الحزب، ولم تعد ترد في بيانات الحزب وخطاباته، على عكس الفترة السابقة، قبل أن يتولى مهمة تسيير الشأن العام، حيث كان دائما يردد في بياناته وتصريحاته الصحفية وغيرها من التقارير، ما يؤكد على محاربة الفساد ومحاربة الإفلات من العقاب، وأنه يوجد مفسدون يعطلون عجلة التنمية، فإذا ببعض أعضاء هذا الحزب، والذين استطاعوا أن ينتقلوا من درجة إلى أخرى على مستوى السلم الاجتماعي، تنكروا لكل الشعارات التي كانوا يرفعونها. وتبين اليوم أنه حتى على المستوى الشريعي لم يستطع هذا الحزب أن يخرج العديد من من القوانين، من قبيل تجريم الإثراء غير المشروع، كما لم يستطع أن يعدل حتى قانون التصريح بالممتلكات، وانصرف إلى مشاغل أخرى تاركا مهمة تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، دون أن ينجز فيها أي تقدم يذكر، رغم أصوات المجتمع المنتقدة من إعلام وحقوقيين وجمعيات مهتمة بمحاربة الفساد وحماية المال العام، ورغم كل التقارير التي تؤكد على خطورة الفساد على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما. ورغم كل هذه الخطورة، فالحكومة برئاسة العدالة والتنمية لم تلتفت إلى كل هذه الأصوات وانغمست في مصالح أخرى، ليثبت بعد ذلك من خلال التقارير الرسمية أن أعضاء من هذا الحزب متورطون في قضايا فساد مالي معروضة على بعض المحاكم.

2- من له اليد في عرقلة التشريعات القانونية المرتبطة بمحاربة الفساد ونهب المال العام؟

المؤكد أن هناك لوبيا وتوجها في المجتمع يستفيد من الوضع المرتبط بانتشار الريع والفساد المالي في بعض المؤسسات، وبالتالي فهذه الاستفادة جعلت اللوبي المناهض لكل تحول يقاوم كل المحاولات والخطوات التي تتقدم نحو تخليق الحياة العامة والدفع بمعركة الإصلاح في البلاد خطوات إلى الأمام. وهذا التوجه المستفيد من واقع الفساد وواقع الريع والرشاوى، يقاوم كل المبادرات التي من شأنها أن تشكل نقطة ضوء في مجال تخليق الحياة العامة، وهنا نجد بعض المكونات في الأحزاب السياسية، وهي الفئات المستفيدة من واقع الفساد والتي تقاوم أي تحول نحو محاربة الفساد، لذلك تراها تقاوم كل ما يتعلق في هذا الجانب من حيث النصوص التشريعية التي من شأنها أن تسد كل الثقوب والمنافذ في وجه الفساد، وفي هذا الإطار، تأتي محاولة إجهاض تجريم الإثراء غير المشروع في الوقت الذي لا تتوانى هذه القوى في الدفاع بحماس عن كل الشريعات التي قد تقيد  الحريات وقد تمس بحقوق بعض الأفراد أو التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطنين، ولكنها عندما يتعلق الأمر بتطويق منابع الفساد وتخليق الحياة العامة، كأن يتعلق الأمر بتبييض الأموال وتهريبها، أو اختلاس المال العام، أو الإثراء غير المشروع وغيرها من التشريعات، يتم التصدي لها من طرف هذه المكونات التي يوجد في بنيتها أشخاص متورطون في قضايا فساد وتحوم حولهم شبهات تبييض الأموال، وشبهات الإثراء غير المشروع، بتوظيف للعلاقات والقرار العمومي والمرفق العمومي، وكل الأدوات المخصصة للمصلحة العامة، وبالتالي فإن فئات عريضة من أولئك المستفيدين من الفساد ترجح الكفة اليوم لصالحهم، ولذلك لا يبدو غريبا ألا يخرج قانون لتجريم الإثراء غير المشروع، وألا يتم تعديل قانون التصريح بالممتلكات وألا تتم ملاءمة المنظومة التشريعية في المغرب مع اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد، في كل الجوانب، بما فيها ما يتعلق باسترداد الأموال المنهوبة، حيث إنه ولحدود اليوم، المغرب لا يتوفر على استراتيجية لاسترداد الأموال المنهوبة والمختلسة، وهذه المقتضيات هي واردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، والتي صادق عليها المغرب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الحكومة لا ترى أي تناقض بين ارتفاع نسبة الفقر وانتشار البطالة، واستشراء الفساد في القطاعات العمومية وشبه العمومية، حيث إنه قد آن الأوان من أجل القطع مع الفساد والريع ونهب الأموال العمومية، ويكفي أن نعلم بأن الحكومة قد وضعت استراتيجية لمحاربة الفساد في سنة 2015، وهي التي تمتد إلى 2025، وقد بقي من عمرها أقل من خمس سنوات، ولا نجد لها أثرا على أرض الواقع، بل إن الحكومة لم تعد تتحدث بالمرة عن هذه الاستراتيجية، وتم تجميدها عمليا، والبنود الواردة فيها لم يتم التعامل معها بجدية وبإرادة سياسية حقيقية، ولم يتم تنزيلها على أرض الواقع على الرغم من كونها قد كلفت أموالا مهمة.

3- هل العرقلة التي يشهدها الجانب التشريعي المتعلق بمحاربة الفساد، أثرت على عمل مؤسسات الحكامة وأضعفت دورها في هذا الجانب؟

بالفعل، فالمشكلة التي تواجه هذه المؤسسات هي أنها مثل ذلك الجندي الذي يحارب بدون سلاح، فهذه المؤسسات لن يكون لها الأثر الكبير على أرض الواقع، لأنها تفتقد للصلاحيات والإمكانيات المادية والبشرية، بل تفتقد لكل العناصر والمقومات التي تجعلها تضطلع بدور كبير في تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، التي ظلت مجمدة منذ صدور القانون الذي يتعلق بتنظيم اختصاصاتها، وهي ما زالت لحد اليوم غير قادرة على مواجهة تلك الرشوة الصغيرة في المجتمع، فما بلك بأن تضع استراتيجية لمحاربة الرشوة، وذلك لكونها تفتقد لكل الشروط الذاتية والموضوعية للقيام بالمهام المنتظرة منها.

المشكلة ليست في إنشاء مؤسسات الحكامة، بل هي أعمق من ذلك، والواقع لا يرتفع، إذ إن حجم الرشوة والفساد في المغرب أكبر بكثير من هذه المؤسسات، بل يتحداها. والأمر يحتاج إلى تضافر كل الجهود وتداخل كل المقاربات وكل الفاعلين، من أجل التصدي للفساد الذي هو مشكل بنيوي اقتصادي وسياسي واجتماعي، وليس من السهل مواجهة هذه الظاهرة إلا بتضافر الإمكانيات التشريعية والعملية، وتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة الفساد.

 


إقرأ أيضا