ليس هناك من عنوان عريض يمكن أن يستوعب بيان حركة التوحيد والإصلاح الذي طالبت فيه أعلى سلطة في البلاد بمراجعة قراراتها تجاه الاتفاق الذي عقد مع الولايات المتحدة الأمريكية منصبة نفسها ناصحة للحاكم ومحذرة له من المس بالاستقرار، سوى أن الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية تجاوز كل الحدود المؤسساتية وخرق كل الخطوط الحمراء في علاقة الحركة بالمؤسسة الملكية.
الحركة التي كان أكبر همها ومنتهى حلمها، إلى حدود الأمس القريب، الحصول على ترخيص قانوني نالته بشكل غامض في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، أصبحت اليوم تتطاول بشكل فج على المؤسسات وتنازع السلطان أمره، وتنافسه في مجاله المحفوظ بحكم التعاقد الدستوري، وترسم للملك حدود القرار الذي ينبغي اتخاذه وعدم تجاوزه، وتفتي عليه مواقفها المطلوب اتباعها، وتملي عليه ما يجب فعله وما لا ينبغي فعله.
لقد تحولت الحركة التي أقنعت السلطات بداية بأنها مجرد منظمة دعوية هدفها العمل الاجتماعي والإصلاح الفردي ما استطاعت، للحصول على شهادة الميلاد إلى دولة داخل الدولة تصدر مواقفها المعارضة لاستراتيجية الدولة وترمم شعبيتها المنهارة بسبب فضائح أعضائها على حساب الملك، ووصلت بها الجرأة، بل الاستهتار، إلى حدود التدخل في المجال الديبلوماسي والسياسة الخارجية المحفوظين بحكم الدستور للملك، رمز السيادة.
وفي لحظة حماسة نسيت حركة التوحيد والإصلاح أن الدولة لم تختر منذ عقود حتى خلال مطالبة الإسلاميين بإسقاط النظام الملكي المقاربة الاستئصالية الإقصائية بأقسى طاقتها، ولم تنخرط بلدنا في لائحة الدول العربية التي خاضت وتخوض حربا لا هوادة فيها ضد الإسلام السياسي، ومطاردة رموزهم خارج الحدود، بل اختارت نهج الاحتواء والإدماج ماداموا يحترمون القواعد القانونية ولا يتطاولون على المؤسسات الدستورية.
لكن الظاهر أن حركة التوحيد والإصلاح فهمت توازن الدولة وحكمتها على أنهما ضعف وترهل في مواجهة حركة مارقة، بل انتهى بها سوء الفهم إلى الاعتقاد أنها قادرة على مخاطبة أعلى سلطة في الدولة بلغة تمتزج فيها الوصاية بالاستعلاء، فكيف نثق بحركة تترصد الفرصة للانقضاض على المؤسسات وفرض تصورها للسياسة الخارجية؟
لذلك فإن واقع الحركة بعد بلاغها غير اللائق سياسيا وأخلاقيا بحق المؤسسة الملكية، وبحق الأحزاب والحكومات والنواب والهيئات السياسية والدستورية في البلد التي أجمعت على تأييد القرار السيادي الملكي، يستوجب رد فعل صارما وقويا لكي تكف الحركة يدها عن التدخل في العمل السياسي، أو أن تمارسه بشكل قانوني وواضح وتنهي علاقتها بحزب العدالة والتنمية.
اليوم على الدولة تحمل كامل مسؤوليتها وأن تمارس اختصاصاتها تجاه كل من يتطاول على المؤسسات واتخاذ ما يلزم قانونا، كما أنه آن الأوان لحزب العدالة والتنمية أن يقطع نهائيا حبل الوصل السياسي والرابط الإيديولوجي مع حركة التوحيد والإصلاح، والانتهاء من لعبة تبادل الأدوار عبر تكليف ذراعه الدعوي بتصريف الموقف الإيديولوجي المعارض لخيارات الدولة، بينما يمارس الحزب سلوك التقية السياسوية طالما أنه داخل المؤسسات.
لم تعد مجدية وليست في مصلحة الوطن في هاته الظروف الحساسة تلك الانتهازية التي تجعل حزبا يقود الحكومة والبرلمان يوظف أذرعه الدعوية والشبابية والطلابية والنقابية والحقوقية والنسائية لتصريف ما لا يستطيع تصريفه مؤسساتيا.
على الحزب الحاكم أن يدرك أن مواقف التوازن الموارب والتعقل الكاذب، الذي يتوخى منه وقاية نفسه الصدام مع من فوقه من المؤسسات وفي الوقت نفسه إطلاق يد حركته لكسب ود المجتمع لتملأ بهم الصناديق الانتخابية على حساب مصالح الوطن، أصبح مرفوضا سياسيا وأخلاقيا وقانونيا، لكن ما هو مرفوض أيضا جملة وتفصيلا أن يسكت الحزب على حركة تريد أن تبني شعبيتها على أساس موقف اتخذه الملك لصالح الوطن ومصالحه العليا، هنا بالضبط يسكن شيطان التمرد.