كورونا.. قرارات ملكية حاسمة
شكلت أزمة انتشار وباء كورونا أولى الملفات التي حظيت باهتمام كبير من الملك محمد السادس، منذ بداية ظهور الوباء في الصين، حيث واكبت القرارات الملكية التطورات المرتبطة بالوضعية الوبائية في علاقتها بالداخل والخارج.
كان أول قرار للملك، في هذا السياق، هو تيسير رحلة لنقل المغاربة العالقين في المدينة الصينية (يوهان) وكان أغلبهم طلبة مغاربة يدرسون هناك، وقد تم نقلهم في رحلات مجانية إلى المغرب حيث خضعوا للعزل الطبي وأجريت لهم التحاليل المخبرية قبل أن يتم التأكد من سلامتهم.
وتوزعت القرارات الملكية بعد ذلك بين عقد اجتماعات وتشكيل لجن للأزمة ومواكبة تطورات انتشار الوباء، إلى الخطب الملكية التي كانت تحمل الحلول لعدد من الملفات المرتبطة بالأزمة الصحية، وعلى رأسها الملف الاقتصادي. ففي الشهر الأول لبداية انتشار الجائحة في المغرب (مارس)، ترأس الملك جلسة عمل لتتبع تدبير انتشار وباء فيروس «كورونا» ومواصلة اتخاذ مزيد من الإجراءات لمواجهة أي تطور مباشرة بعد ظهور الحالات الأولى على التراب الوطني. واستعرض الملك مع وزير الصحة آخر تطورات الوضعية الصحية بالبلاد، والطاقة الاستيعابية للمستشفيات والوحدات الصحية، بمختلف جهات المملكة، وكذا توفير جميع مستلزمات السلامة الصحية، بما في ذلك مواد التعقيم والأدوية.
وأصدر الملك محمد السادس، حينها، تعليماته للمفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بوضع المراكز الطبية المجهزة، التي سبق أن أمر بإحداثها لهذا الغرض، بمختلف جهات المملكة، رهن إشارة المنظومة الصحية بكل مكوناتها، إن اقتضى الحال وعند الحاجة، في إطار المقاربة الاستباقية التي أمر الملك محمد السادس باعتمادها منذ بداية ظهور هذا الوباء، وتعزيز الإجراءات الوقائية والاحترازية غير المسبوقة التي اتخذتها القطاعات والمؤسسات المعنية بهدف الحد من انتشاره، ومواجهة تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
صندوق مواجهة كورونا.. قرار ملكي لتخفيف الأزمة
منذ الأسابيع الأولى لبداية جائحة كورونا في المغرب في مارس من سنة 2020، وفي خطوة استباقية لتخفيف الآثار المالية للأزمة على الأفراد والمؤسسات، أعطى الملك محمد السادس تعليماته إلى الحكومة بإنشاء صندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا. وأفاد الديوان الملكي حينها بأن هذا الصندوق «ستوفر له اعتمادات بمبلغ 10 مليارات درهم (1.4 مليار دولار)، للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية»، وسيدعم الصندوق أيضا «الاقتصاد الوطني، من خلال مجموعة من التدابير التي ستقترحها الحكومة، لاسيما في ما يخص مواكبة القطاعات الأكثر تأثرا بفعل انتشار فيروس كورونا كالسياحة، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة».
وبلغت الموارد التي تم ضخها بـ «الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا (كوفيد - 19)»، الذي تم إحداثه تنفيذا للتعليمات السامية للملك حوالي 23,5 مليار درهم، وساهم صندوق الحسن الثاني، بناء على تعليمات جلالة الملك، بغلاف مالي قيمته مليار درهم في هذا الصندوق، الذي سيمكن من تعبئة موارد مالية إضافية هامة على شكل تبرعات.
من جهتها، أعلنت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تقديمها مساهمة بقيمة 3 مليارات درهم لهذا الصندوق الخاص بتدبير الوباء، في حين قرر مجلس إدارة مجموعة (المدى)، بناء على اقتراح المساهم فيه الرئيسي، تقديم مساهمة مالية على شكل منحة بقيمة ملياري درهم.
وساهم عدد من الفاعلين الاقتصاديين من أبناك ومؤسسات عمومية وشبه عمومية وخاصة في الصندوق، حيث ساهم (بنك إفريقيا) بغلاف مالي قيمته مليار درهم، في حين قدمت مجموعة (البنك الشعبي المركزي) مساهمة بنفس القيمة، وأعلن صندوق الإيداع والتدبير مساهمته المباشرة في الصندوق بهبة قدرها مليار درهم، في حين قدمت مجموعة (إفريقيا)، فرع مجموعة (أكوا)، بدورها مساهمة بنفس القيمة، وأعلنت «جمعية جهات المغرب» أنها ستخصص مبلغ 1,5 مليار درهم كمساهمة في الصندوق. وتبرعت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بمبلغ مليار درهم، بينما أعلنت مجموعة التعاضدية الفلاحية المغربية للتأمين والتعاضدية المركزية للتأمين عن المساهمة ب 500 مليون درهم في هذا الصندوق.
خطة ملكية لإنعاش الاقتصاد
لمواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا، كشف الملك محمد السادس عن إطلاق «خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد» المغربي، داعيا إلى وضعها في «مقدمة أسبقيات هذه المرحلة»، بتوازٍ مع «مشروع كبير» لتعميم التغطية الاجتماعية على المغاربة، وإصلاح مؤسسات القطاع العام المغربي، معتبرا أن هذه «المشاريع الكبرى» ستساهم في «تجاوز آثار» أزمة جائحة فيروس كورونا، حيث تهدف الخطة الملكية الجديدة لدعم الاقتصاد، إلى دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة، مع الرفع من قدرتها على الاستثمار، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل للمواطنين المغاربة.
وترتكز خطة إنعاش الاقتصاد المغربي على صندوق للاستثمار الاستراتيجي، وتحت مظلة «تعاقد وطني بناء»، بين الدولة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، لضمان شروط نجاحها، وبغرض النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد، من بوابة دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث أوصى الملك محمد السادس برصد 15 مليار درهم من ميزانية الدولة لصندوق إنعاش الاقتصاد، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة.
لقاح كورونا.. مجاني بقرار ملكي
أصدر الملك محمد السادس تعليماته للحكومة قصد اعتماد مجانية التلقيح ضد وباء كوفيد 19 لفائدة جميع المغاربة، وهي الخطوة التي «تندرج في إطار التوجيهات الملكية بإطلاق عملية مكثفة للتلقيح ضد هذا الوباء في الأسابيع المقبلة، كما تهدف إلى توفير اللقاح لجميع المغاربة، كوسيلة ملائمة للتحصين ضد الفيروس والتحكم في انتشاره، في أفق عودة المواطنين، تدريجيا، لممارسة حياتهم العادية، في طمأنينة وأمان»، كما سبق أن ترأس الملك، في 9 نونبر الماضي، جلسة عمل خصصت لاستراتيجية التلقيح ضد فيروس كوفيد-19، في إطار تتبعه المستمر لتطور هذه الجائحة، والتدابير المتخذة لمكافحة انتشارها، وحماية صحة وسلامة المواطنين.
وتوصل المغرب بـ65 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، حيث من المنتظر أن تدشن المملكة برنامج تطعيم ضد كوفيد-19، يهدف إلى تحصين 80 في المائة من السكان البالغين في البلاد، وفق الاستراتيجية الوطنية للتلقيح التي تشمل جميع جهات المملكة، وتستهدف نسبة كبيرة من الساكنة، مع إعطاء الأولوية للمهنيين الصحيين والمزاولين لأنشطة أساسية ورجال التعليم والمسنين والحاملين للأمراض المزمنة، في فترة قدرت في 12 أسبوعا».
وتم اعتماد لجان مركزية تعنى بإعداد مجموعة من الوثائق والخطط واقتناء المستلزمات اللازمة وفق الاستراتيجية الوطنية، وتتمثل في اللجنة التقنية الموكول لها وضع دلائل تقنية حول اللقاح وتكوين فرق للتلقيح قبل انطلاق العملية، واللجنة الدوائية المكلفة بتأكيد عمليات الترخيص لاستعمال اللقاح عبر التراب الوطني، واللجنة اللوجستيكية المكلفة بتقييم الموارد المتوفرة والواجب اقتناؤها مع الإشارة إلى أهمية الانكباب على سلسلة التبريد حفاظا على جودة اللقاح منذ وصوله إلى مرحلة الاستعمال الميداني.
تحرير المعبر الحدودي الكركرات
تدخلت القوات المسلحة الملكية لإقامة حزام أمني لحماية تنقل الأفراد والبضائع عبر معبر الكركرات، وذلك بعد إغلاق ميليشيات تابعة لجبهة «البوليساريو» للمحور الطرقي العابر لهذه المنطقة الرابطة بين المغرب وموريتانيا. وخلفت الإجراءات والتدابير المشروعة التي قام بها المغرب للدفاع عن سيادته وتحصين وحدته الترابية، دعما دوليا كبيرا، وإجماعا وطنيا، حيث توالت ردود الفعل المؤيدة لقرارات المغرب والمنددة بإصرار جبهة «البوليساريو» على انتهاك الشرعية الدولية.
وعاد الهدوء إلى المعبر الحدودي بمنطقة الكركرات، وعادت معه حركة التنقل التجاري إلى طبيعتها، بعد إعادة فتح المحور الطرقي الرابط بين المغرب وموريتانيا، وذلك إثر العملية العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة الملكية، والتي مكنت من طرد ميليشيات «البوليساريو» من نقطة العبور بين البلدين، والتي ظلت مغلقة لمدة ثلاثة أسابيع من طرف قطاع الطرق، حيث تسللت ميليشيات «البوليساريو» منذ 21 أكتوبر 2020 إلى المنطقة العازلة، وقامت بأعمال عصابات، وبعرقلة حركة تنقل الأشخاص والبضائع على هذا المحور الطرقي، وكذا التضييق باستمرار على عمل المراقبين العسكريين للمينورسو، وتم تأمين هذا المعبر بشكل كامل من قبل عناصر القوات المسلحة الملكية من خلال إقامة حزام أمني بهدف تأمين تدفق السلع والأفراد، وذلك طبقا لتعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وتم تنفيذ هذه العملية وفق قواعد التزام واضحة، تقوم على تجنب أي احتكاك مع أشخاص مدنيين.
وأكدت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية، بتعليمات سامية من الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة، لاستعادة حرية التنقل بمعبر الكركرات، تمت «بشكل سلمي، ودون اشتباك أو تهديد لسلامة المدنيين». وأوضحت الوزارة في بلاغ أن هذه العملية الرامية إلى وضع حد نهائي للتحركات غير المقبولة لـ«البوليساريو»، تأتي بعد إعطاء الفرصة كاملة لإيجاد حل دبلوماسي من خلال المساعي الحميدة للأمم المتحدة. وأضاف المصدر ذاته أنه في سنتي 2016 و2017، كانت الاتصالات بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، قد مكنت من التوصل إلى حل أول. ومع ذلك، واصلت «البوليساريو» ممارساتها الاستفزازية وتوغلاتها غير القانونية في هذه المنطقة.
اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه
حقق المغرب نصرا ديبلوماسيا كبيرا، بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالسيادة المغربية الكاملة على الأقاليم الجنوبية الصحراوية، من خلال المكالمة الهاتفية بين الملك محمد السادس، ودونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وشكل هذا القرار حدثا تاريخيا كبيرا، وسيكون حاسما لتكريس سيادة المغرب على كامل ترابه. وخلال هذا الاتصال، أخبر الرئيس الأمريكي الملك بأنه أصدر مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية. وفي هذا السياق، وكأول تجسيد لهذه الخطوة السيادية الهامة، قررت الولايات المتحدة فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية.
وشكلت هذه المباحثات مناسبة لقائدي البلدين للتشاور حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما شكلت مناسبة لإعلان القرار التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالسيادة التامة والكاملة للمملكة على صحرائها، ويعد هذا القرار ثمرة لمشاورات مكثفة حول الموضوع بين قائدي البلدين منذ سنوات عديدة.
وهكذا أصدر الرئيس الأمريكي في اليوم نفسه مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية، وفي هذا السياق، وكأول تجسيد لهذه الخطوة السيادية الهامة، قررت الولايات المتحدة فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية.
ويأتي هذا الموقف البناء للولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز دينامية ترسيخ مغربية الصحراء، التي أكدتها المواقف الداعمة لمجموعة من الدول الصديقة، وكذا قرارات العديد من الدول بفتح قنصليات بأقاليمنا الجنوبية، كما يأتي بعد التدخل الحاسم والناجع للقوات المسلحة الملكية، بمنطقة الكركرات، من أجل حفظ الأمن والاستقرار بهذا الجزء من التراب المغربي، ولضمان حرية تنقل الأشخاص والبضائع مع الدول الإفريقية.
وخلال نفس الاتصال، تباحث الملك وفخامة الرئيس الأمريكي حول الوضع الراهن بمنطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد، ذكر الملك بالمواقف الثابتة والمتوازنة للمملكة المغربية من القضية الفلسطينية، مؤكدا أن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع. وانطلاقا من دوره بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، فقد شدد الملك على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاثة، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019.
واعتبارا للدور التاريخي الذي ما فتئ يقوم به المغرب في التقريب بين شعوب المنطقة، ودعم الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، ونظرا للروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، بمن فيهم الموجودون في إسرائيل، بشخص الملك، فقد أخبر الرئيس الأمريكي بعزم المغرب تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب، واستئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية في أقرب الآجال، وتطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. ولهذه الغاية، العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002، وقد أكد الملك بأن هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.