بعد عرقلة المصادقة على قانون تجريم الإثراء غير المشروع، بدأت تلوح في الأفق بوادر «بلوكاج» جديد في مسطرة المصادقة على قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بعد اعتراض نواب من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية على عقوبة مصادرة أموال المتورطين في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وطالبوا بتأجيل المصادقة على هذا القانون.
وعبر نواب من فريقي الحزبين، في اجتماع اللجنة البرلمانية المنعقد يوم الثلاثاء، عن رفضهم بشدة لما تضمنه الفصل 5-574 من القانون، والذي ينص على المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة من هذه الأموال، وقال توفيق الميموني رئيس اللجنة عن حزب الأصالة والمعاصرة، في مداخلته، إن المصادرة لا تطبق على جنحة غسل الأموال وإنما على كل مقتضيات الفصل 574-2 الذي ينص على الجرائم الأصلية، سواء كانت جنحا أو جنايات. وأعلن الميموني رفض فريق حزبه للمقتضيات التي تنص على توسيع مصادرة الممتلكات، معتبراً أن ذلك بمثابة «تعليق للمشانق ضد المغاربة»، واعتبر أن المصادرة تعد «عقوبة إضافية، ولا يمكن أن تكون مصادرة كلية، إنما جزئية»، وأضاف «نص بهذا الحجم يقتضي نقاشا عميقا بحضور جميع أعضاء اللجنة، وينبغي دراسته حرفا حرفا، وليس كلمة كلمة، وبالتالي أطلب إيقاف مناقشته إلى حين تعطينا الحكومة دراسة حول أثره على المجتمع، خصوصا في الظرفية الحالية المتسمة بتفشي فيروس كورونا وتداعياته».
ولقيت مداخلة رئيس اللجنة دعما ومساندة قوية من طرف نواب حزب العدالة والتنمية، حيث أكدت النائبة البرلمانية، أمينة ماء العينين، على أهمية التريث في مناقشة مضامين مشروع القانون، وخصوصا العقوبات، واعتبرت أن توسيع المصادرة «يعني إحداث تغيير في بنية العقوبات في القانون الجنائي»، وأشارت إلى أن النص الأصلي ينص على أن المصادرة تطبق على «العائدات المتحصلة من جريمة غسل الأموال»، أما في مشروع القانون الجديد، فإنها تطبق أيضاً على الجرائم الأصلية.
وفي رده على مداخلات النواب، أوضح وزير العدل، محمد بنعبد القادر، أن الأمر يتعلق بتوسع في مصادرة الممتلكات لتشمل «جريمة غسل الأموال، والجرائم الأصلية لغسل الأموال»، وأوضح أن ذلك يأتي تطبيقاً لتوصية دولية لـ «مجموعة العمل المالي الدولي»، تنص على أنه ينبغي على الدول أن تتخذ «تدابير تشريعية تسمح بمصادرة الممتلكات التي يتم غسلها، والمتحصلات أو الوسائط المستخدمة، أو تلك التي اتجهت النية لاستخدامها في غسل الأموال، أو الجرائم الأصلية».
ويأتي مشروع القانون في سياق تحديث وتطوير المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد وحماية النظام الاقتصادي والمالي بالمملكة، وأوضح الوزير، أثناء تقديمه للقانون، أن المنظومة القانونية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتجدد بين الفينة والأخرى، نظرا لطبيعة الجريمتين، وخصوصية مرتكبيها وتعدد المتدخلين فيها، لا سيما أمام تطور وسائل ارتكابها، وهو ما يفرض على التشريعات الوطنية مسايرة هذه المتغيرات والتطورات، وذلك من خلال تحيين ترسانتها القانونية وفق المعايير الدولية المعتمدة، خصوصا أمام إكراهات المراقبة الدولية وتداعياتها على أصعدة مختلفة، بما فيها النظام المالي والاقتصادي الوطني.
ويتضمن المشروع مجموعة من التعديلات، أهمها التأكيد على اختيار نظام اللائحة (أي الجرائم المحددة) بدل المنهج الحدي الذي يقتضي اعتماد كافة الجرائم كجرائم أصل لجريمة غسل الأموال، وذلك بتتميم لائحة الجرائم الواردة في الفصل 2-574 من مجموعة القانون الجنائي بإضافة جرائم جديدة في إطار نهج مقاربة التدرج كجرائم الأسواق المالية وجريمة البيع أو تقديم خدمات بشكل هرمي، وكذلك رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي وذلك تماشيا مع المعايير الدولية التي تستلزم كون العقوبة المحكوم بها في هذا النوع من الجرائم يجب أن تكون رادعة، بالإضافة إلى تعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية وإرساء قواعد الاعتماد على أطراف ثالثة من أجل تنفيذ المقتضيات المتعلقة بتحديد هوية الزبون والمستفيد الفعلي وبفهم طبيعة علاقة الأعمال.
ومن أهم التعديلات، كذلك، ربط سلطات الإشراف أو المراقبة، بإضافة السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية بالنسبة للكازينوهات ومؤسسات ألعاب الحظ، والسلطة الحكومية المكلفة بالسكنى بالنسبة للوكلاء العقاريين، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالنسبة لتجار المعادن النفيسة أو العادية أو الأعمال الفنية، مع مراعاة الاختصاصات الموكلة لكل جهة، على أن تحتفظ الوحدة بدورها كجهة إشرافية ورقابية بالنسبة للأشخاص الخاضعين الذين لا يتوفرون على جهة إشرافية ورقابية محددة بموجب قانون.