ما زالت لقطات بالصوت والصورة توثق للعديد من المسؤولين، منهم وزراء ومنتخبون كبار ومدراء مؤسسات عمومية، شاهدة على توقيع اتفاقيات في عهد زينب العدوي، والي جهة الغرب سابقا، بحضور الملك محمد السادس الذي أعطى انطلاقة المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة بإقليم القنيطرة سنة 2015، حيث رصد له غلاف مالي محدد في 8.4 مليارات درهم.
ويهدف هذا المخطط كما أعلنت عنه من قبل الجهات المسؤولة إلى مواكبة «وفق مقاربة مجددة من حيث أفقية واندماج وانسجام التدخلات العمومية، النمو الحضري والديموغرافي الذي يشهده الإقليم، وتعزيز موقعه الاقتصادي، وتحسين إطار عيش ساكنته، والحفاظ على منظومته البيئية».
لا يقتصر هذا المخطط الاستراتيجي على عاصمة الإقليم فحسب، بل مختلف المكونات الترابية لهذا الأخير. حيث يقوم على خمسة محاور رئيسية، هي مخطط التنمية الحضرية المندمجة والمستدامة لمدينة القنيطرة، ومخطط التنمية الحضرية المندمجة والمستدامة لمدينة سوق الأربعاء الغرب، ومخطط التنمية المندمجة والمستدامة للوجهتين الشاطئيتين المهدية ومولاي بوسلهام، ومخطط دعم التنمية المندمجة للجماعات القروية بإقليم القنيطرة (عرباوة، لالة ميمونة، سيدي علال التازي، المكرن، أولاد سلامة، سوق الثلاثاء الغرب، سيدي محمد لحمر، بنمنصور، والدلالحة)، ومخطط تأهيل وتهيئة الشبكة الطرقية بإقليم القنيطرة.
ويقوم هذا المخطط الذي يعتمد مقاربة تشاركية على انخراط جميع الأطراف المعنية، بدءا بالإدارة الترابية، والمجالس المنتخبة، والقطاعات الوزارية، والمؤسسات العمومية، والفاعلين الاقتصاديين.
رباح يفشل في تنزيل مشاريع كبرى
كان عزيز رباح، الوزير بحكومة العثماني، من أول المستفيدين من هذا المخطط، بعدما بنى حملته الانتخابية عليه، وبدأ يطلق الوعود لولايته الثانية بأن عهدها سيكون غنيا بالمشاريع الكبرى، حيث تكلم عن تأهيل ضفة وادي سبو بمشاريع مهيكلة، وبناء «مارينا» بميناء القنيطرة، الذي تم إغلاقه لتحويله إلى وجهة سياحية، وأن القنيطرة ستكون من المدن العالمية، ناهيك عن قولته الشهيرة إنه على يقين بأن سكان الرباط سينزلون لاحتساء قهوتهم بالقنيطرة. إلا أن الواقع بين أن ولايته الثانية على مشارف النهاية، وأغلبية هذه المشاريع منها ما هو متعثر، ومنها ما لم تر النور.
وسجل المجتمع المدني عدم وفاء رئيس جماعة القنيطرة بوعوده بتنزيل مشاريع المخطط الاستراتيجي للتنمية بالقنيطرة، بعدما أطلق العنان لها في خطاباته وتجمعاته التي تحولت في عديد من الأحيان إلى مثار تهكم وسخرية، بعدما بين الواقع عدم إنجاز هذه المشاريع.
من جهتها، أحرجت المعارضة المجلس البلدي الذي تأخر كثيرا في تنزيل المشاريع المبرمجة في المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة، الذي أعطى انطلاقته الملك سنة 2015 حتى 2020، وهو ما يعتبر، حسب قولها، سوء تدبير وتخلفا كبيرا في إعطاء العناية اللازمة للمشاريع الملكية. وكشف عبد الله الوارثي، العضو الاستقلالي بجماعة القنيطرة، أن مجموعة من المشاريع لم تر النور من بينها المحطة الطرقية والقطب اللوجيستيكيومركب الصناعة التقليدية، وأخرى متعثرة كالمركب الثقافي، ومشروع قنطرة أولاد برجال التي تشوبها عيوب تقنية.
وقال عبد الله الوارثي، العضو الاستقلالي المعارض، في حديثه لـ«الأخبار» إن المجلس الجماعي لم يلتزم بتنفيذ البرامج طبقا لتاريخها المحدد، كما تم الاستغناء عن بعض البرامج. ومن ناحية أخرى يضيف الوارثي أن المجلس ذاته لم يلتزم كذلك بتعهداته المالية، رغم الموارد المهمة التي يتوفر عليها منها مداخيل تجزئة الحدادة التي وصلت إلى 40 مليار سنتيم، ناهيك عن الفائض المحقق، والذي وصل إلى ثمانية مليارات سنتيم منذ بداية المخطط في سنة 2015، بالإضافة إلى مداخيل 21 عقارا تم وضعه للبيع. وأضاف الوارثي أن اللجنة الإقليمية لتتبع المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة بالقنيطرة قامت بإعادة صياغة الاتفاقيات وإعادة توزيع مساهمات الشركاء، ومثال على ذلك في المجال الرياضي الذي خصصت له مبلغ 84 مليون درهم، والذي كان في البداية مناصفة بين وزارة الشباب والرياضة والمجلس الجماعي، إلا أنه شهد تخلي الأخير، حيث تقلصت مساهمته من 4 مليارات و200 مليون سنتيم إلى 105 ملايين سنتيم، والمشاريع متعلقة بقاعات مغطاة ومركبات سوسيو رياضية ومسابح وملاعب القرب بجميع أصنافها.
وكشف الوارثي أن بعض المشاريع تم تحويلها مثل المنتزه الغابوي، الذي تغير موقعه من مدخل مدينة القنيطرة إلى تجزئة «لوفالون»، حيث من المنتظر تفويت هذه المساحة الأرضية المقدرة بـ45 هكتارا إلى نافذين في مجال العقار. وأضاف العضو الاستقلالي بجماعة القنيطرة أن العديد من المشاريع ما زالت موقوفة التنفيذ كمركب الصناعة التقليدية والقطب الإداري الذي تم إلغاؤه، والمحطة الطرقية التي لم تستقر على حال، ناهيك عن مشاريع أخرى مثل المركب الثقافي الذي بدأ وتوقف، وكان من المفروض انتهاء الأشغال به، وهو المشروع الذي شابته منذ انطلاقه عيوب في اختيار المكان وفي الدراسة.
جماعات لم يصلها المخطط الاستراتيجي
من أجل النبش في أسباب عدم تنزيل مشاريع كبرى بإقليم القنيطرة، اتصلت «الأخبار» بمحمد الغراس، رئيس جماعة بنمنصور، التي حظيت بمشاريع ضمن المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة، وقال الغراس في حديثه للجريدة: «قبل أن أتحدث عن مشاكل المخطط بتراب جماعة بنمنصور بصفتي رئيسا لها، وجب علي كذلك التحدث عن الإقليم ككل كواحد من أبناء القنيطرة، فهذا المخطط الذي تم تقديمه والتوقيع عليه أمام جلالة الملك يوم 7 أبريل 2015، هو مخطط كبير ومهم وقابل للتنزيل على أرض الواقع، خاصة أن الموارد المالية والميزانية اللازمة كانت متوفرة، منذ البداية. فإذا كانت الموارد المالية متوفرة، فأين يكمن الخلل؟ الأمر واضح، الخلل يوجد في آلية الحكامة الإقليمية الخاصة بهذا البرنامج، وضعف التنسيق وعدم الكفاءة، وكذلك نهج مقاربة سياسوية في التعامل مع مشروع ملكي، وهذا أمر خطير للغاية».
وأضاف الغراس أن المدة الملتزم بها أمام جلالة الملك هي 5 سنوات (2015- 2020)، أي أن المدة المحددة قد انتهت، وجزء كبير جدا من هذا المخطط لم يتم إنجازه، وللأسف ليست هناك أسباب موضوعية لذلك، مما يعني أن هذا البرنامج تم إفشاله في بعض الأجزاء لأسباب تجب معرفتها. وقال المتحدث ذاته في هذا الصدد: «الحقيقة هي أنه لم يبدأ تنزيل هذا البرنامج الملكي إلا في سنة 2018 على ما أعتقد، وعليه نتساءل لماذا كل هذا التأخير؟ ولماذا لم يأخذوا الأمر بالجدية اللازمة، منذ سنة 2018، لتدارك التأخير والقيام بالمتعين؟».
وأوضح رئيس جماعة بنمنصور التي تعتبر أغنى جماعة في منطقة الغرب نظرا لمواردها الفلاحية، أن هذا البرنامج فيه عدة متدخلين من جماعات ترابية وإدارات عمومية وقطاعات حكومية. «فإذا كانت معظم الإدارات والقطاعات العمومية، قد قامت بمجهودات كبيرة لمحاولة تنزيل البرنامج في الآجال المسطرة، إلا أننا وقفنا على أن أكثر التأخيرات والاختلالات سببها أجهزة الحكامة الإقليمية، حتى في ما يخص البرامج المسندة للقطاعات الحكومية والإدارات العمومية»، يقول الغراس مضيفا: «كي أوضح هذه الأمور، مثلا مشروع الشطر الأول من الطريق الإقليمية 4201 الرابطة بين قنطرة أولاد برجال وقنطرة «سكمط»، وتخدم ثلاث جماعات قبائل المناصرة (بنمنصور، سيدي امحمد بنمنصور والمناصرة)، فهذه الطريق مثلا وزارة التجهيز والنقل هي المسؤولة عن إنجازها، غير أنها لم تنجز إلى حد الساعة». وأردف الغراس: «بعدما قمت بالتحريات اللازمة في الوزارة المعنية ووزارة الداخلية، تبين لي أنها لم تنجز، لأن المجلس الإقليمي للقنيطرة لم يقم بإجراء إداري بسيط لتحويل المساهمة المالية المتبقية لإنجاز الطريق، رغم أن الوزارة المعنية قامت بالإعلان عن الصفقة واختيار المقاولة، منذ أكثر من سنتين. فهذا الإجراء لم يتم القيام به من طرف المجلس الإقليمي، إلا في الأسبوع الأخير من شهر دجنبر 2020، بعدما قمت بالكشف عن هذه الأمور. لقد طرقت ناقوس الخطر منذ أن توليت رئاسة جماعة بنمنصور، أي منذ سنتين وشهرين، لكن يبدو أن المسؤولين الإقليميين غير واعين بخطورة التراخي والتهاون، وأسباب أخرى أدت إلى إفشال هذا المخطط الملكي العظيم، وأؤكد مرة أخرى أنه كان قابلا للإنجاز في الآجال المحددة «كون كان المعقول». للأسف إنهم لم يبدؤوا في الاستجابة لملاحظاتي، إلا بعد تدخل المصالح المركزية والتغطية الصحفية».
وزاد الغراس أما في ما يخص تهيئة المركز وإنجاز الممر المزدوج لسوق الأحد أولاد جلول، فيراد من ذلك التغيير الجذري للوضع، وتحويل سوق الأحد إلى واجهة جميلة وجذابة، وإعطاء فرص أكثر للسكان وللشباب في جل المجالات، «لكن للأسف لم تنجز إلا 35 في المائة من تهيئة المركز، حسب ما ورد في الاجتماع الذي ترأسه عامل الاقليم، يوم الخميس 7 يناير الجاري، ونريد جميعا معرفة السبب الحقيقي لذلك وهو ما لا يستسيغه المسؤولون الإقليميون. أما في ما يخص الممر المزدوج، فلم يتم البدء فيه إلى حد الساعة، رغم أن الوزارة المعنية قامت بالدراسات واختيار الشركة منذ سنتين، إلا أن المجلس الإقليمي لم يقم بالإجراء الإداري البسيط لتحويل مساهمة وزارة الداخلية التي لا تتعدى 400 مليون سنتيم. وما زلت رفقة أخواتي وإخواني من جماعة بنمنصور، ننتظر الجواب عن سر هذا التماطل».
ويضيف الغراس أما المثال المفضوح فهو عدم إنجاز المجلس الإقليمي للمسالك الطرقية بعدد من الدواوير التي تعاني بشكل كبير من فك العزلة، ويكابد فيها الفلاحون من بوار فلاحتهم، بسبب عدم إمكانية نقل المنتوجات الفلاحية، نظير (دواوير كحيلات والشراردة وسيدي بنعزيزية وتباندات والتعاونيات وأولاد بنطاعلة والملاقيط وأولاد ميلود وغيرها). وبعد الاتصال بممثلي حزبه الحركة الشعبية بالجهة ورئيس الجهة، تبين أن هذه الأخيرة قد حولت الميزانية اللازمة لإنجاز هذه الطرقات، منذ حوالي ثلاث سنوات.
وقال الغراس: «لكن الأخطر من هذا هو أن هناك هيئة مستقلة من المفروض أن تقوم بعملها بكل موضوعية، لكنها سمحت لكل هذه التجاوزات أن تقع على مر السنوات الأخيرة».
إضافة إلى كل هذا هناك مشاريع أخرى لم تنجز بجماعة بنمنصور كمستوصف أولاد امحمد، وتقوية الشبكة الكهربائية بدوار تباندات، والملاعب الرياضية بالكرادحة وازهير وأولاد امحمد، والإنارة العمومية وغيرها. وأؤكد أن جماعة بنمنصور ليست مسؤولة عن هذه التأخيرات.
مسؤول بعمالة القنيطرة يقر بالخصاص في تنزيل المشاريع
أقر مسؤول بعمالة القنيطرة بالخصاص في تنزيل مجموعة من المشاريع، وزاد المتحدث نفسه أنه رغم التأخير في عدد من المشاريع الكبرى، فالأهم في ذلك هو أن لإقليم القنيطرة مخطط استراتيجي تنموي كبير سينجز في المستقبل، وسيتم الاعتماد عليه لتحويل عاصمة الغرب إلى مصاف الحواضر الكبرى كالدار البيضاء ومراكش وطنجة. ورفض المسؤول ذاته إعطاء أي توضيحات بشأن المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة بإقليم القنيطرة، بدعوى عدم إعطاء المعطيات إلا بعد أخذ إذن من المسؤولين بالعمالة.