انفجر «مصباح» حزب العدالة والتنمية على رؤوس أصحابه فجأة، داخل مدينة إنزكان التي تعتبر أحد أكبر معاقل الحزب وطنيا، وذلك عقب تقديم 21 عضوا بالحزب استقالتهم جماعة، من بينهم النائب الأول لرئيس جماعة إنزكان والنائب الثاني وستة مستشارين جماعيين، بالإضافة إلى 13 عضوا بالحزب وحركة التوحيد والإصلاح. ورغم أن الأعضاء المستقيلين لم يكشفوا عن دواعي هذه الاستقالة التي برروها بما أسموه «اعتبارات عدة منها ما هو محلي ومنها ما هو وطني»، إلا أن تطورات عديدة شهدتها جماعة إنزكان منذ ما يزيد عن سنتين، ستكشف بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الحزب بالمدينة يعيش منذ مدة على وقع أزمة تنظيمية داخلية لم يقو على لملمتها وتجاوزها، بل إنه مع مرور الأيام تفاقمت حدة الخلافات، وأضحت مثل علبة كبريت قابلة للانفجار في أية لحظة.
واستنادا إلى المعطيات، فإن أجهزة حزب العدالة والتنمية بإنزكان عرفت في السنتين الأخيرتين شبه جمود جراء تصاعد حدة الخلافات التي تسببت فيها طريقة تدبير إخوان العدالة والتنمية لشؤون الجماعة الترابية لإنزكان، التي تعد إحدى أغنى الجماعات على الصعيد الوطني.
خلافات تدبير الشأن العام الجماعي نقلها الإخوان إلى هياكل الحزب من أجل الحسم فيها، غير أن وجهات النظر تباعدت ما بين تيار رئيس الجماعة الترابية، وتيار معارضيه من حزبه الذين يعتبرون أنه سقط في المدينة بمظلة خارجية، كما اتسعت الهوة بينهما إلى درجة القطيعة.
وأبرزت مصادر مطلعة من داخل مدينة إنزكان لـ«الأخبار» أن كعكة التدبير واحتكار ملفات جماعية بعينها، وتقريب بعض الأعضاء وتهميش آخرين، وخلق تيارات داخل الحزب محليا، كان سببا كبيرا في توسيع الهوة بين الإخوة الأعداء.
وبحسب المصادر، فإن استقالة الأعضاء الحاليين هي نتيجة منتظرة بسبب خلافات قديمة متجددة، ذلك أن الصراع خرج للعلن خلال دورة أكتوبر 2018، بعدما قاطع 9 أعضاء من المنتخبين المنتمين للحزب أشغال دورة مجلس جماعة إنزكان التي ييسرها حزب العدالة والتنمية بالأغلبية الساحقة. ووجد رئيس الجماعة والبرلماني عن الحزب أحمد أدراق، نفسه حينها وسط دوامة كبيرة غير متوقعة، أوقعه فيها إخوانه، إذ إن الرئيس لم يكمل النصاب القانوني لعقد الدورة إلا بشق الأنفس، حيث تم انتظار وصول بعض الأعضاء لمدة ساعة ونصف عن الموعد القانوني المحدد بعدما تحركت الهواتف، كما تم الاستنجاد ببعض الأعضاء من أجل الحضور لإنقاذ الدورة، بحيث قدم بعضهم من مدينة مراكش لإكمال النصاب. وخلال تلك الدورة، اقتحم الباعة المتجولون بالمدينة قاعة الجلسة ورفعوا لافتات وشعارات ضد الرئيس وأغلبيته بتهمة تنصله من وعده بتمكينهم من مربعات بسوق الحرية، مما دفعه إلى رفع الدورة.
ومباشرة بعد هذه الدورة المثيرة للجدل، رد الرئيس بقوة على إخوانه الذين قاطعوا الدورة العادية للمجلس، حيث قام بسحب التفويضات من نائبيه الأول المكلف بشؤون التعمير، والثاني المفوض له في قسم الشؤون الثقافية والرياضية والاجتماعية، كما قام رئيس المجلس الجماعي بإصدار قراري توقيف في حق شابين مستخدمين بإحدى مصالح الجماعة الترابية بتهمة التشويش ومحاولة إفشال دورة أكتوبر العادية. وتم تبرير سحب التفويض من النائب الأول بأنه متهم بتحريض الباعة المتجولين ضد المجلس الجماعي، والتحريض على مقاطعة الدورة من أجل إفشالها كي لا يكتمل النصاب القانوني، أما النائب الثاني فقد تم تبرير سحب التفويض منه، بمبرر محاولة إفشال دورة المجلس الجماعي. كما أحيل ملف النائبين على لجنة التحكيم بالحزب، إذ زادت الطين بلة، بعد أن قررت تجميد عضوية النائب الأول لمدة ثلاث سنوات، وتجميد عضوية مستشار آخر، وتوجيه إنذارات لباقي الأعضاء. وبحسب المصادر، فإن تجميد عضوية النائب الأول كان بمثابة هدية لرئيس الجماعة والبرلماني في الوقت ذاته بعد إزاحة منافسه، ذلك أن النائب الأول كان يعتبر نفسه مؤهلا بقوة لخلافته للترشح لرئاسة الجماعة والحصول على تزكية الحزب للترشح خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، ذلك أنه كان نائبا لرئيس الجماعة ممثلا للحزب عندما كانت الجماعة يسيرها حزب الاستقلال، في الوقت الذي لم يكن رئيس الجماعة الحالي قد دخل بعد معترك السياسة، ولم يعرف له وجود بمدينة إنزكان من قبل.