قامت المفتشية العامة للمالية بمهمة تدقيق حسابات مشروع بناء المقر الجديد للمعهد العالي للقضاء الكائن بمجمع «تكنوبوليس» بمدينة سلا الجديدة، وأنجزت لجنة الافتحاص تقريرا يتضمن العديد من الخروقات والاختلالات المالية منذ إطلاق المشروع في عهد الوزير الأسبق، مصطفى الرميد، إلى غاية إنجاز مهمة الافتحاص، خلال السنة الماضية.
وكانت وزارة العدل والحريات، قد أطلقت في سنة 2011 مشروع بناء المقر الجديد للمعهد العالي للقضاء، وذلك بهدف ضمان ظروف أفضل للتكوين الأساسي والمستمر في مختلف مهن العدالة من ملحقين قضائيين وقضاة وكتاب ضبط ومحامين وخبراء وأعوان قضائيين، وقد وقع اختيار موقع بناء المعهد بالمجمع التكنولوجي «تيكنوبوليس» بسلا الجديدة، حيث خصصت له بقعة أرضية تبلغ مساحتها 50 ألف متر مربع، يتضمن المشروع المرافق الإدارية والبيداغوجية وقاعتين للمحاضرات وقاعات للدروس وجناحين لإيواء الطلبة والأساتذة ومساكن وظيفية لإيواء الضيوف ومسجد ومطعم ومركب رياضي.
وللمساهمة في تكلفة إنجاز المشروع، خصصت دولة قطر هبة مالية قدرها 14 مليون دولار أمريكي، وذلك بموجب اتفاقية التفاهم الموقعة بتاريخ 7 ماي 2013 بين الحكومتين القطرية والمغربية، الممثلتين في شخص رئيس محكمة التمييز رئيس المجلس الأعلى للقضاء من الجانب القطري، وكذا وزير العدل والحريات ووزير الاقتصاد والمالية من الجانب المغربي.
وفي سنة 2014، أبرمت وزارة العدل والحريات اتفاقية مع وزارة التجهيز والنقل للإشراف المنتدب على بناء المشروع، حيث أسندت مهمة الإشراف على الأشغال إلى كل من مديرية التجهيزات العامة التابعة لوزارة التجهيز، وكذا المديرية الجهوية للتجهيز والنقل لجهة الرباط سلا القنيطرة، وبتاريخ 22 ماي 2017 تم نقل تدبير المنحة من المجلس الأعلى للقضاء إلى صندوق قطر للتنمية، وعين سفير دولة قطر لدى المملكة المغربية ممثلا ومحاورا باسم الحكومة القطرية في كل ما يتعلق بتدبير هذه المنحة، فيما أصبحت مديرية الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية المخاطب الرسمي ونقطة الوصل بين الجهات المنفذة للمشروع والجانب القطري.
وبعد إطلاق وزارة العدل والحريات الدراسات المعمارية والتقنية الخاصة بالمشروع، تم تحويل إنجاز المشروع إلى وزارة التجهيز والنقل عبر إبرام اتفاقية للتدبير المفوض، حيث تم تعيين المصالح الخارجية للوزارة المكلفة بالتجهيز للإشراف على الإنجاز الفعلي للأشغال، وفوضت إليها لهذا الغرض الاعتمادات المالية اللازمة لإبرام الصفقات المرتبطة بتنفيذ المشروع.
ووفق مضامين التقرير المنجز في الموضوع، فقد وقفت اللجنة على عدة اختلالات تخص صفقات بناء وتجهيز المقر الجديد، ففي الوقت الذي قدرت فيه كلفة المشروع بحوالي 30 مليار سنتيم، ساهمت فيها دولة قطر بالنصف كهبة في إطار اتفاق شراكة وتعاون بين البلدين، فاقت الكلفة الحقيقية والنهائية للمشروع 50 مليار سنتيم، حيث سجلت اللجنة اقتناء كميات ضخمة من التجهيزات تفوق بعدة أضعاف الحاجيات الحقيقية، بحيث بلغ عدد التجهيزات 270 مقابل 83 موظفا يمارسون مهامهم حاليا بمن فيهم السائق والأعوان الذين لا يتوفرون على مكاتب، وتم تخزين جزء كبير جدا منها بمخازن، سواء بالمقر الجديد أو بمستودعات الوزارة بحي السلام بسلا، ناهيك عن كلفة اقتناء تلك التجهيزات التي فاقت بكثير الثمن الحقيقي المتداول بالأسواق، وفاقت حتى الأثمان التي سبق للوزارة نفسها أن اقتنت بها التجهيزات نفسها، والتي تعرض جزء كبير منها للتلف بسبب تسرب المياه إلى بعض المخازن.
وسجل التقرير غياب أي سجل خاص لمسك محاسبة المشروع، كما لاحظت لجنة التدقيق الاعتماد الكلي لمصالح صاحب المشروع وصاحب المشروع المنتدب على نظام التدبير المندمج للنفقات(GID) لهذه الغاية، الشيء الذي من شأنه الإضرار بموثوقية البيانات المالية، إذ إن أي خطأ في بيانات النظام قد يفضي إلى أرقام مغلوطة وبالتالي قوائم مالية لا تعكس العمليات الحقيقية. وسجلت اللجنة وجود فارق بين القوائم المالية والوثائق الداعمة للنفقات المسلمة إلى لجنة التدقيق، وتشير القوائم المالية إلى أداء مبلغ 2.205.458,47 درهما في إطار الصفقة رقم 2018/15 برسم سنة 2019، في حين تم أداء ما مجموعه 5.247.999,10 دراهم استنادا على الكشوفات التفصيلية المرتبطة بالصفقة ذاتها، وبالتالي يتبين أن صاحب المشروع المنتدب لم يأخذ بعين الاعتبار مبلغ الكشوفات التفصيلية في القوائم المالية لسنة 2019، حيث بلغ الفرق، موضوع الملاحظة ما قدره 3.042.540,63 درهما، بنسبة 4,5 في المائة من الأداءات الواردة في القوائم المالية.
واكتشفت اللجنة وجود فوارق كبيرة بين المبالغ المالية المخصصة لاقتناء بعض المشتريات وأثمنتها الحقيقية، حيث اقتنت الوزارة طاولة للاجتماعات بمبلغ 75 مليون سنتيم، وخمس سلات للمهملات بثمن 6 آلاف درهم، في حين أن الثمن التقديري هو 3360 درهما، كما تم اقتناء ثلاجة بمبلغ 15 ألف درهم، في حين ثمنها التقديري لا يتعدى 7800 درهم، كما تم اقتناء جهاز تلفاز بمبلغ 22 ألف درهم، في حين لا يتعدى الثمن التقديري مبلغ 10800 درهم. كما وقفت اللجنة على غياب بعض الأشجار المقتناة في إطار صفقات، بثمن 6200 درهم لكل شجرة، في حين تم اقتناء شجرتي زيتون بمبلغ 36 ألف درهم لكل واحدة، ولاحظت لجنة الافتحاص غياب صورة كبيرة للملك وأخرى تعرضت للتكسير، تم اقتناؤها بمبلغ 3360 درهما.