الحكومة تنقض وعدها...هذه المشاريع لم تفلح الحكومة في انجازها - تيلي ماروك

الحكومة الحكومة تنقض وعدها...هذه المشاريع لم تفلح الحكومة في انجازها

الحكومة تنقض وعدها...هذه المشاريع لم تفلح الحكومة في انجازها
  • 64x64
    Tele Maroc
    نشرت في : 12/04/2021

باتت الانتخابات التشريعية والمحلية التي سيتم تنظيمها في الصيف القادم على الأبواب، معها باتت أيام الولاية الحكومية لحكومة سعد الدين العثماني معدودة، في الوقت الذي ينتظر أن تقدم هذه الحكومة حصيلة خمس سنوات من اشتغالها على عدد من الملفات، منها التي تحمل الطابع الاقتصادي المحض والأخرى التي تكتسي  البعد الاجتماعي، وهي التي كانت الحكومة وعدت في برنامجها الذي حظيت على أساسه بثقة البرلمان، بإنجازها خلال هذه السنوات الخمس.

وشكلت الملفات الاجتماعية أولوية مهمة في العامان الأخيرة من الزمن الحكومي، وقد تعززت هذه الأولية بسبب الأزمة التي اكتسحت العالم، ولم يكن المغرب منها ببعيد، وهي المرتبطة بانتشار جائحة كورونا، وما خلفته هذه الجائحة من آثار اجتماعية على الدول وهدد بانفجارات مجتمعية خطيرة، وهو ما دفع الحكومة إلى الإعلان عن أولوياتها التي حصرتها في قانون المالية الأخير في واليتها، في قطاعي الصحة والتعليم، واللذان قالت إنهما يحظيان بالأولوية ضمن رهانات إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2021، بتخصيص 5 ملايير إضافية لهما.

 

التطورات المرتبطة بكورونا وحالة الركود الاقتصادي التي خلفتها، أعادت ترتيب عدد من الملفات المهمة في العمل الحكومي، بل وأقبرت  البرنامج الحكومي، الذي كانت قد سطرته حكومة العثماني لخمس سنوات من عمرها، والذي رسمت فيه الخطوط العريضة لعملها، ونالت به ثقة البرلمان، ووعدت فيه بإنجاز إصلاحات هيكلية وعميقة تساهم في تعزيز الحقوق والحريات وإصلاح منظومة العدالة وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال والمحافظة على التوازنات الماكرو-اقتصادية، وتشجيع الصناعة والمقاولة، وانتهاج سياسة اجتماعية داعمة للتنمية البشرية مع توسيع التغطية الاجتماعية، والتركيز على دعم الفئات الفقيرة والهشة، والمساهمة في تدعيم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي للمغرب.

السجل الاجتماعي الموحد ..تأخر مبرر

بعد أزيد من أربع سنوات على إعلان حكومة سعد الدين العثماني مباشرة الاشتغال على سجل اجتماعي، ومنذ أن أعلنت حكومة عبد الإله بنكيران عن عزمها تصفية صندوق المقاصة على حساب توجيه الدعم المباشر للفئات الهشة بناء على السجل الاجتماعي الموحد، لم تفلح حكومة سعد الدين العثماني في إخراجه من عنق الزجاجة، وتسبب تضارب الأرقام بين أحمد لحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، والحكومة، ممثلة في وزراء الشؤون العامة والحكامة السابقين، وعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، حول كيفية إحصاء المواطنين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، أو الفقراء الذين من الواجب على الحكومة تقديم الدعم المباشر لهم، في تأخر برنامج السجل الاجتماعي الموحد، لتقديم الدعم المباشر.

وكانت مصالح الداخلية التي أجرت أبحاثا ميدانية، وجدت معطيات مخالفة لما قدمه لحليمي، الذي يعتبر الأشد فقرا من له دخـــل بـ 10 دراهــم يوميا، والذين يصل عددهم إلــى 450 ألفـــا، والفقير من يحصل على 20 درهما في اليوم، والمنتمــي إلى الطبقة المتوسطــة، في حدها الأدنى، له دخل بقيمة 3 آلاف درهم في الشهر، والتي ترتفع حسب المستـــويات إلــى أزيــد مـــن 8 آلاف درهم شهريا، وفـــق المعايير الدولية التي سطرتها الأمم المتحدة، والمؤسسات التابعــة لها، وأن الفقـــر بالمغــرب تراجع من 10 ملايين شخص إلى 4 ملايين.


وسعت الحكومة إلى تنزيل السجل الاجتماعي الموحد عند نهاية 2017 مباشرة بعد نهاية الانتخابات السابقة، لكنها لم تتمكن من ذلك لصعوبة تحديد الفئات المستهدفة من الدعم المباشر من جهة، ولتأخر إلغاء صندوق المقاصة من جهة أخرى، الذي سيلتهم 1400 مليار سنتيم في 2020 من الميزانية العامة لدعم غاز " البوطا" والسكر، والدقيق، وهي مواد تعتبر ذات حساسية، وحذف الدعم عنها قد يتسبب في الاحتجاجات الاجتماعية، لأنه سيساهم في ارتفاع قنينة " البوطا" من الحجم الكبير من 40 درهما إلى 120.


وفي الوقت الذي تبدو مصالح الداخلية أنها تعرف جيدا خريطة الفقر بضواحي المدن، والمداشر والجبال، وفي "البراريك" والسكن العشوائي، والتي انطلقت أبحاثها في جهة الرباط سلا القنيطرة، باعتماد عملية حساب الفقر المتعدد الأبعاد، الذي يرتبط ليس بالدخل المالي الشهري، ولكن بعدد الخدمات الاجتماعية المتوفرة، والمسافة الفاصلة بين تلك الخدمات الاجتماعية، ومقرات السكنى، وتتمثل الخدمات في مدارس للتعليم بكافة أسلاكه، والمراكز الصحية، والمستوصفات، والمستشفيات، والمسالك القروية، والطرق، والماء، والكهرباء، والمنتزهات، وملاهي الأطفال، ونوعية السكن القائم، والمناطق الصناعية التي توفر فرص الشغل.


وبرزت  الإشكالية التي تعيق تحديد الفئات الاجتماعية من حيث الدخل، في هيمنة الاقتصاد غير المهيكل، إذ أن الباعة الجائلين بينهم " الفراشة" الذين يتاجرون في كل المنتجات، وتجار الخضر والفواكه، وحراس السيارات، والتجار الصغار، وباعة "الزريعة" و"البوبوش" والعصير، والأكلات الخفيفة، يحققون أرباحا تتراوح بين 200 درهم و500 في اليوم، ولا يؤدون الضرائب، ويعتبرون أنفسهم فقراء ويعيشون في ضواحي المدن، وأحيانا في "براريك" مجانا، ما عقد عملية الاستهداف، مقارنة مع الذين يقطنون الجبال والقرى، ويعيشون بدون بدائل ويحتاجون إلى المساعدة الفعلية.


وخبا الحديث في الدواليب الحكومية والوزارية عن تنزيل السجل الاجتماعي حيث أنه من المحتمل أن يؤجل دنو موعد الانتخابات عملية الدعم المباشر إلى 2023، خوفا من استغلالها من قبل المتنافسين، وهو ما قد يؤخر من جديد تنزيل السجل الاجتماعي الموحد إلى منتصف الولاية الحكومية القادمة.

معدل النمو الاقتصادي ..كابوس كورونا المخيف

تنهي حكومة سعد الدين العثماني ولايتها على وقع أرقام اقتصادية محبطة زادتها انتكاسة الوضعية الصحية المرتبطة بانتشار وباء كورونا، فقد كشف محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، أن معدل النمو المتوقع لهذه السنة (2021) سيكون في حدود 2.9 في المائة، واستند الى مؤشر نمو النشاط غير الفلاحي الذي قال انه " سيعرف تحسنا، إذ سينتقل من 2.6 في المائة سنة 2018 إلى 3.3 في المائة برسم السنة الجارية"، وبرر بنشعبون أن "المغرب يتوفر على نمو اقتصادي مدعوم بالطلب الداخلي"، ناهيك عن "التحكم في عجز الميزانية الذي سينتقل إلى 3.5 في المائة بعد أن كان في السنة الماضية في حدود 3.7 في المائة".

يسعى الاقتصاد المغربي إلى تسريع التعافي وتجاوز ضغوط كورونا التي تسببت في تعطيل عجلة السياحة بالمغرب، وتعليق جزئي لأنشطة مصانع إنتاج وتجميع السيارات، وإيقاف عدد من القطاعات، ما أدى إلى انكماش اقتصادي.

وبدوره، توقع صندوق النقد الدولي، أن يسجل الاقتصاد المغربي معدل نمو يبلغ 4.5 في المائة في عام 2021، وذلك في أحدث تقرير له عن آفاق الاقتصاد العالمي، كما توقعت المؤسسة النقدية الدولية، نموا بنسبة 3.9 في المائة في عام 2022، علما أن توقعات التعافي لعام 2021 لا تزال أكبر من تلك التي أعلن عنها وزير الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري، محمد بنشعبون، خلال اجتماع لجنة اليقظة الاقتصادية في 2 أبريل 2021، ونسبة 3,5 في المائة التي أعلنها والي بنك المغرب خلال انعقاد المجلس الأخير لهذه المؤسسة في 23 مارس 2021.

وفيما يتعلق بالتضخم، توقع صندوق النقد الدولي، أن يصل إلى 0.8 في المائة قبل أن يرتفع إلى 1.2 في المائة في عام 2022، فيما يقدر رصيد الحساب الجاري للمغرب ب (-2.2) في المائة في 2020، و(-3.8) في المائة في 2021، و(-4) في المائة في 2022، كما توقع صندوق النقد الدولي، على المستوى العالمي أن يصل النمو إلى 6 في المائة في عام 2021 بعد الانكماش بمعدل -3.3 في المائة في عام 2020، "مما يعكس دعما إضافيا للميزانية في عدد قليل من الاقتصادات الكبيرة والانتعاش المتوقع في النصف الثاني من العام بفضل اللقاحات".

الحكومة ومحاربة الفساد..الراية البيضاء

في أول تقرير لها، ذكرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن المجهودات التي بذلها المغرب من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته، على الرغم من أهميتها، لم تثمر النتائج المرجوّة منها واعتبرت الهيئة أن النتائج المحققة إلى حد الآن في الوقاية من الفساد ومكافحته تبقى مُفتقدة لمستوى النجاعة المطلوبة، القادرة على خلق الأثر الإيجابي المنتظر على حياة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، وبالتالي الانعكاس الفعلي على مستويات النمو الكفيلة بتحقيق سبل العيش الكريم لمختلف الشرائح الاجتماعية.

وأفادت الهيئة، انطلاقا من التحليل المعمق الذي قامت به للمؤشرات والعوامل المؤثرة على الفساد في بلادنا، أن مستويات الفساد في المملكة عرفت خلال سنة 2019 منحنى تصاعديا رسخ الوضع المتراجع للمغرب بخصوص هذه الآفة، معتبرة أن المكانة التي ظلت المملكة تراوحها ضمن الدرجات والتصنيفات الدولية خلال السنوات العشر الأخيرة "غير مرضية"، مضيفة أن هذه المكانة رافقها تكريس لتراجع ثقة المواطنين في السياسات المتبعة في مجال الوقاية ومحاربة الفساد بنسب غير مسبوقة حسب المؤشرات المعتمدة بهذا الخصوص.

وقدم التقرير نظرة مركزة وشاملة حول الدعامات الأساسية للانتقال إلى مرحلة جديدة في مكافحة الفساد، معتبرا أن التوجه الوطني العام يمنح فرصا متينة وسانحة لتحقيق هذه النقلة الحيوية، خاصة الإرادة والعزم المعبر عنهما من طرف أعلى سلطة في البلاد، بضرورة النهوض بالحكامة والوقاية من الفساد ومحاربته، وجعلها في صلب الركائز الأساسية لإرساء معالم النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه الملك محمد السادس من أجل تجاوز الفتور الاقتصادي وتحجيم الفوارق الاجتماعية والمجالية، في أفق تحقيق الرفاهية والعدالة لكافة المغاربة.

وشددت الهيئة على أن إعادة بناء الثقة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مجهود وطني قوي ومكثف لتجفيف بؤر الفساد وتحجيم آثاره السلبية على التنمية، وخصوصا انعكاساته على تفاقم الفوارق الاجتماعية والترابية، والنهوض بنموذج تنموي جديد يضع المغرب على سكة نمو متين وشمولي ومستدام، ويضمن شروط الحياة الكريمة ومستوى نوعيا لمعيشة الأجيال الحالية والمستقبلية.

ودعت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لتجاوز الوضعية الحالية، إلى النهوض بدينامية جديدة في المجهودات المبذولة لمحاربة الفساد لرفع منسوب مفعولها، مشددة على ضرورة تقوية إستراتيجية الدولة في مجال مكافحة الفساد، وفق رؤية شمولية وبأولويات مدققة، لاستهداف البرامج والمشاريع والعمليات الكفيلة بتحقيق الأثر الملموس على المواطنين والمستثمرين وسائر المعنيين.
وينقسم التقرير السنوي للهيئة الوطنية، الصادر في 200 صفحة، إلى قسم يقف على وضع الفساد وتعميق التشخيص والمعرفة الموضوعية بالظاهرة، وقسم يقوم بقراءة وتحليل موضوعي للتراكمات والإكراهات وحدود تجربة الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وقسم يبرز الدور المحوري للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لتعزيز الترسانة المؤسساتية لمكافحة الفساد ولتقوية أسس التنمية.

إصلاح الإدارة العمومية.. الورش الموؤود

منذ أكتوبر سنة 2016، تاريخ توجيه الملك محمد السادس لخطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان، الذي أعطى فيه تشخيصا لمثالب الإدارة المغربية، وتحليل أعطابها التي تؤثر سلبا على مسيرة التنمية والتقدم الاقتصادي المنشود، مع توضيح منطلقات الإصلاح الضروري للإدارة. ويذكر الملك «...إن المرافق والإدارات العمومية تعاني من عدة نقائص، تتعلق بالضعف في الأداء، وفي جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين»، حيث تم تسليط الضوء على حاجيات الإدارة وهذا ناجم عن مكانتها الوازنة في الارتقاء الاقتصادي، عبر جلب الاستثمارات الأجنبية، تحسين مناخ الأعمال، إرساء علاقة ثقة بين الجهاز الإداري والمواطنين، وتخليق الحياة العامة.

 

وعرفت الإدارة العامة المغربية تطورا ملحوظا في عدة مراحل، ارتبطت بشكل وثيق بتطور دور الدولة وأدائها في تحقيق الاستقرار، التنمية والتماسك الاجتماعي، وفي توفير الخدمات العمومية للمواطنين، وكذلك بالظرفية الاقتصادية للبلد، وما ينتج عنها من أثر. وفي هذا الصدد، شهد المغرب بعد الاستقلال، مرحلة بناء الإدارة وتوجيهها لخدمة المخططات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر وضع النظام العام للوظيفة العمومية، توحيد الإجراءات الإدارية، إقامة نظام للتوظيف، الرواتب والأجور. وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، واجهت الإدارة المغربية إكراهات برنامج التقويم الهيكلي الذي فرضه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث انصبت جهود الدولة على إعادة التوازنات المالية، وتقليص ميزانيات القطاعات الاجتماعية، وخوصصة عدة مؤسسات عامة في قطاعات اقتصادية متنوعة.

 

وقد شابت الإدارة العامة عيوب عديدة تخص محدودية المساطر الإدارية في التوظيف، تعقيد نظام الأجور، ضعف التكوين المستمر وغياب معايير الكفاءة والاستحقاقية، عدم التوافق بين الوظيفة والرتبة، عدم التحكم في أعداد الموظفين، ووجود الموظفين الأشباح، محدودية حركية الموظفين بين المؤسسات العامة، الوزارات والإدارات المحلية، وكذلك فشل نظام الترقية في الإطار والرتبة والدرجة المبني على الأقدمية، وليس على الإنجازات المهنية، فيما عرفت مرحلة بداية الألفية الثالثة وما تلاها، تغييرات مهمة في بنية الإدارة المغربية، انطلقت مع برنامج المغادرة الطوعية لتقليص حجم الموظفين في القطاع العام، وما رافقه من إصدارات قانونية تخص أوقات العمل، الشراكات مع القطاع الخاص، فتح المجال أمام الموظفين الشباب للترقي وتحمل المسؤولية.

وهنا، تظهر أهمية المساءلة والمحاسبة التي أصبحت معيارا للكفاءة الحكومية في العالم ومحددا لمصداقية المؤسسات العامة، واستراتيجياتها الموجهة نحو المواطن. فالمساءلة هي وسيلة تمكن الأفراد والمؤسسات من تحمل مسؤولياتهم وتبرير أدائهم للوثوق بهم، حيث إنها مجموعة من الأدوات والتقنيات لتقييم السياسات العامة، وتجسيد لمفهوم ديمقراطية الإدارة. أما المحاسبة فهي واجب الكشف عن كيفية التصرف في المسؤولية المعطاة، بتقديم كشف حساب عن نتائج وأهداف تم الاتفاق على شروطها مسبقا، من حيث النوع، الكلفة، التوقيت والجودة. وترتبط منظومة المساءلة والمحاسبة بطبيعة النظام السياسي السائد، وفلسفته في الحكم، واقتصاديا، فالأمر يرتبط بإقامة مؤسسات قوية وإدارة اقتصادية محكمة، خصوصا في المجال المالي، عبر تقديم الحساب عن الاستعمال الحالي والمتوقع للموارد المالية، من أجل ضمان ترشيد عقلاني للموارد وجدارة مالية، تحمي المؤسسات من الخسائر. 

أما اجتماعيا، فالمساءلة والمحاسبة تبقى رهينة الثقافات المؤسساتية والأعـراف الاجتماعية، ينضاف إلى ذلك التحدي الإداري والقانوني، فوجود المساءلة والمحاسبة يترتب عنه إقرار أجهزة رقابية، تشريعات قانونية ومؤسسات دستورية توفر مناخا سليما يعمل بموضوعية واستقلالية.

وعلى المنوال نفسه، الإدارة المغربية في حاجة ماسة إلى تدعيم الحوكمة، باعتبارها مجموعة من الآليات والوسائل، لتعبئة الحركة الجماعية لمختلف الفاعلين والفرقاء حول غاية مشتركة، مع العمل على فصل السلطات واستقلالها وتوازنها، ويكمن عمقها الاستراتيجي في التأثير المباشر على الحياة العامة للمواطنين. وتقوم الحوكمة على عدة محددات، منها ما هو داخلي، كالتي تعنى باتخاذ القرار وتوزيع السلطات والعلاقات التفاعلية بين المساهمين، مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، وأخرى خارجية، والمقصود هنا القوانين التنظيمية المتعلقة بالمنافسة، الاستثمار والمحاسبة، وكذلك الهيئات المتدخلة في عمل المؤسسات مثل مكاتب التدقيق المالي، الاستشارة القانونية والدراسات الاستراتيجية. تفرض الحكامة مسؤوليات كبيرة على الدولة، حيث يجب على الدولة أن تكفل للمؤسسات العامة وجود إطار قانوني وتنظيمي فعال، يضمن تكافؤا للفرص ومنافسة شريفة، ثم ينبغي أن تكون الدولة مساهما متنورا وفاعلا، يوفر للمؤسسات والإدارات العامة ممارسات شفافة ومسؤولة على درجة عالية من الاحترافية.

وفي الوقت الذي ظلت الحكومة تعبر عن أنها عازمة على مواصلة تنزيل مختلف الأوراش الإصلاحية، التي تهدف إلى تحديث الإدارة وتطوير مردوديتها، بما يجعلها في خدمة المواطن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تكاد تنتهي الولاية الحكومية ومشروع إصلاح الإدارة يراوح مكانه.

تسقيف أسعار وأرباح المحروقات.. وعد تبخر كالسراب

على مدى أزيد من ثلاث سنوات لم تتمكن حكومة سعد الدين العثماني من الخروج بتصور حول تسقيف أسعار وأرباح المحروقات، حيث ظهر فصيلان داخل الحكومة، واحد يقوده «العدالة والتنمية»، وآخر يقوده «التجمع الوطني للأحرار»، الذي رفض التصور المطروح لتسقيف الأرباح والأسعار. وفي كل مرة يعود موضوع أسعار المحروقات السائلة وشروط المنافسة بعد التحرير إلى الواجهة، بعد أن فشل قادة ووزراء التحالف الحكومي في الخروج بتصور حول تحديد سقف لأرباح الشركات الموزعة للمحروقات، تبعا للتوصية التي كان تقرير اللجنة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات قد أوصى بها.

ولم تفلح المحاولات المتكررة للفرق البرلمانية، حيث سبق وتقدمت المجموعة النيابية لفريق التقدم والاشتراكية بمقترح مشروع قانون يتعلق بتنظيم قطاع المحروقات، وتحديد سعر بيعها لعموم المواطنات والمواطنين. وجاء في مذكرة تقديم مقترح مشروع القانون ذاته، أنه وبسبب الانهيار الكبير في الأسواق الدولية، وأساسا خلال فترة الحجر الصحي، التي لم يتم فيها استهلاك هذه المادة بالشكل المعتاد، فإنها عاودت الارتفاع من جديد، بالرغم من استقرار سعر البرميل الواحد من النفط عند مستويات معقولة، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدى التزام شركات التوزيع بالملاءمة مع أسعار النفط بالأسواق العالمية.

وفي هذا الصدد، أكدت المجموعة النيابية سالفة الذكر استنادا إلى بعض التقارير العالمية، على تخطي أسعار المحروقات بالمغرب متوسط الأثمان العالي، خاصة في هذه الظرفية التي تعاني فيها عدد من الأسر المغربية أزمات مالية خانقة، بسبب توقف عدد من القطاعات عن العمل، ومنذ اتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات في السوق الوطنية في أواخر سنة 2015، أضحى الفاعلون في قطاع المحروقات محررین نسبيا في تحديد هذه الأسعار وبما يتماشى مع سعر البرميل في السوق الدولية، من حيث المبدأ، ومنذ ذلك الحين بدأت المخاوف والتوجسات تتزايد يوما بعد يوم، من أن تتحول حرية تحديد أسعار المحروقات لدى الموزعين إلى أداة سلبية ضد المستهلك.

وقد أثيرت منذ ذلك الحين، وفق المذكرة نفسها التي قدمها نواب التقدم والاشتراكية، شبهة وجود تواطؤات بين الموزعين، لتحديد أسعار تضمن هامشا كبيرا للربح على حساب المستهلكين، وهو ما كشفه تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة، التي قامت بها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب في سنة 2018، حول كيفية تحديد أسعار البيع للعموم، وحقيقة وشروط المنافسة بقطاع المحروقات بعد قرار تحرير الأسعار.

وجاء في مذكرة نواب حزب «الكتاب» حينها، أن هذا التقرير أكد على أن ارتفاع أسعار البيع بمحطات الوقود لا يوازي انخفاض أسعار الاستيراد من الخارج، مسجلا تأثيرا مباشرة لهذا الارتفاع على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، حيث إن ارتفاع أسعار المحروقات شكل موضوع احتجاجات اجتماعية بالنظر إلى عدم تلاؤم القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، مع هذا المستوى من الارتفاع، بالرغم من انخفاضها على مستوى السوق الدولية، إذ أصبح من اللازم، حسب المذكرة، عقلنة وتقنين قطاع المحروقات بما ينعكس إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وعلى معيشهم اليومي، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير القانونية والتنظيمية التي تمكن على المدى القريب والمتوسط والبعيد من عقلنة وحكامة وشفافية التجارة والمنافسة في قطاع المحروقات، ومحاربة كل أشكال الممارسات غير المشروعة فيه، بما يتيح تزويد السوق الوطنية والمستهلكين في ظروف ملائمة وبأسعار معقولة.

وجاءت كذلك في مقترح القانون المتعلق بتنظيم أسعار المحروقات وبيعها ثماني مواد، نصت أبرزها على أن المحروقات يجب أن تستثنى من لائحة المواد المحرر سعر بيعها، ويعهد إلى السلطات المعنية بتحديد وتنظيم سعر بيعها. كما نص مقترح القانون عينه على ضرورة تحديد سعر بيع المحروقات كل يوم اثنين في منتصف الليل، مع احتساب سعر بيعها الأقصى للعموم على أساس متوسط السعر الدولي، ومصاريف النقل والتخزين والتأمين، وهامش الربح للفاعلين في التخزين والتوزيع بالجملة أو التقسيط.

وشدد مقترح القانون على أنه لا يجوز بيع المحروقات في محطات الوقود بسعر يتجاوز السعر الأقصى المحدد للبيع للعموم، ويجوز البيع بسعر أقل منه، كما يمكن للسلطات التدخل ودعم قطاع المحروقات في حال فاق سعر بيعها القدرة الشرائية للمواطنين، غير أن تلك المذكرة لم تجد طريقها لمصادقة البرلمان ولا الحكومة على السواء.

 


إقرأ أيضا