تتميز العلاقة بين المواطنين والإدارة في أغلب الأحيان بالتوتر وفقدان الثقة، بسبب تعقيد المساطر والإجراءات الإدارية، وهو ما أكدته مؤسسة «وسيط المملكة» في تقريرها السنوي المرفوع إلى الملك محمد السادس، كشفت من خلاله استمرار «تسلط» و«بيروقراطية» الإدارة المغربية، كما اشتكت المؤسسة من عدم تفاعل مختلف الإدارات مع التوصيات الصادرة عنها والتجاوب مع شكايات المواطنين، وفي هذا الصدد، أعطى الملك توجيهاته للحكومة من أجل تغيير الصورة النمطية التي يرسمها المواطنون للإدارة، حيث سارعت الحكومة إلى إخراج القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، الذي دخل حيّز التنفيذ. ويهدف هذا القانون، الذي حظي بالمصادقة بالإجماع من طرف البرلمان، إلى تقوية أواصر الثقة بين الإدارة والمرتفق، وإعادة تأسيس هذه العلاقة على مرجعية محددة تؤطر عمل المرافق العمومية بناء على مساطر دقيقة وشفافة. وشرعت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة في تنزيل مضامين هذا القانون بإطلاق البوابة الوطنية لتبسيط المساطر الإدارية، وإصدار دوريات بخصوص تسهيل مسطرة الحصول على الوثائق الإدارية، وعدم مطالبة المواطنين ببعضها.
تصحيح الإمضاء ومطابقة نسخ.. نهاية المتاعب
أكدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أنها شرعت في تفعيل القانون المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، والذي ينص على إعفاء المواطنين من مجموعة من الوثائق التي تطلبها الإدارة.
وأوضحت كبسولة توضيحية لما جاء به القانون أنه ليس من حق الإدارة أن تطلب أكثر من نسخة واحدة من الوثيقة نفسها، كما أنها ليس من حقها أن تطلب من المرتفقين تصحيح الإمضاء أو المصادقة على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها، أو المطالبة بوثيقة متاحة للعموم.
وأكدت الوزارة المذكورة أن جميع الإدارات ملزمة بتوفير خدمة الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها، لفائدة المرتفقين الذين يترددون على الإدارة من أجل إجراءات إدارية، وذلك طبقا للمرسوم المتعلق بتحديد كيفيات الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها.
ومن أجل تحسين جودة الخدمات، تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية من قبيل إصدار مرسوم بشأن تحسين الخدمات الإدارية يحدد الإطار العام لتحسين الخدمات الإدارية وكذا ضوابط وقواعد تحسين استقبال المرتفقين، وتسهيل حصولهم على الخدمات الإدارية وآليات الحكامة، وكذلك إصدار مرسوم بشأن الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها وعلى صحة الإمضاء، يهدف إلى إضفاء المرونة على تقديم هاتين الخدمتين وتسهيل الحصول عليهما.
وأصدر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، منشورا جديدا يقضي بتفعيل المرسوم المتعلق بـ«تحديد كيفيات الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها»، والذي يمنح «صلاحية الإشهاد لجميع الإدارات العمومية التي تطلب هذه المطابقة كشرط للحصول على خدماتها»، دون أن يلغي ذلك اختصاص الجماعات الترابية في تقديم هذه الخدمة.
ودعا رئيس الحكومة في منشوره إلى «تأهيل الإدارة للقيام بالإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها بالمجان، وبشكل فوري، كلما تعلق الأمر بوثائق مطلوبة للحصول على خدمة عمومية تقدمها هذه الإدارة للمرتفقين، أشخاصا ذاتيين كانوا أو اعتباريين». وأكد العثماني على أن هذا المرسوم يهدف إلى «جعل خدمة مطابقة نسخ الوثائق لأصولها ميسرة وأكثر قربا من المرتفقين، وذلك بتوسيع صلاحيات تقديم هذه الخدمة لتشمل بالإضافة إلى السلطات والهيئات المخول لها ذلك بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية، الإدارة بمفهومها العام، أي كافة الإدارات التابعة للدولة والمؤسسات العمومية الموضوعة تحت وصايتها وكل إدارة تابعة لأي شخص اعتباري من أشخاص القانون العام، أو أي شخص اعتباري آخر مكلف بتدبير مرفق عمومي».
يشار إلى أن المرسوم نص على أن «تضع الإدارات العمومية سجلا خاصا، على غرار ما هو معمول به في المصالح التابعة للجماعات المحلية، يحتفظ بتاريخ عمليات الإشهاد التي جرت فيها، مع إعطائها رقما ترتيبيا وتضمينها رقم وثيقة التعريف التي تم الإدلاء بها وهوية الموظف أو العون الذي أنجز العملية».
هذا واستثنى المرسوم كلا من «العقود الخاصة بالمعاملات العقارية» من الوثائق التي يمكن الإشهاد بمطابقتها في أي إدارة عمومية، كما استثنى المصادقة على أي وثيقة «في حال وجود شك في صحة وثيقة التعريف المدلى بها، أو في حال كان المعني بالوثيقة قد قام بإيداع نموذج لتوقيعه في أحد مكاتب الجماعات المحلية، وحالات المنع التي ينص عليها القانون».
ويعهد المرسوم إلى «المسؤولين أو الموظفين أو المستخدمين المنتدبين لهذا الغرض بالإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها باسم الإدارة المعنية، سواء على صعيد المصالح المركزية أو المصالح اللاممركزة جهويا أو إقليميا أو محليا، من قبل رئيس الإدارة المذكورة. كما يمكن لرئيس الإدارة المعنية تفويض اختصاصه في انتداب المسؤولين أو الموظفين أو المستخدمين إلى أي مسؤول من المسؤولين التابعين له، سواء على صعيد المصالح المركزية أو اللاممركزة التابعة لإدارته».
وتبعا للمرسوم ذاته فإن «جميع الإدارات التي تصدر وثائق رسمية لفائدة المرتفقين للإشهاد على مطابقة النسخ لأصول الوثائق الصادرة عنها، تؤهل أيضا من أجل الإدلاء بها لدى أي جهة أخرى، كما يمكن لهذه الإدارات، حسب الإمكانات المتاحة، تسليم نسخ مشهود بمطابقتها لأصولها بطلب من المرتفق، عند الاقتضاء». وأوضح المرسوم أن الإشهاد على النسخ يكون بعد مقارنة المسؤول الوثيقة الأصلية مع النسخة المراد الإشهاد على مطابقتها والتأكد من صحتها، وخلوها من أي مانع من الموانع المنصوص عليها في القانون، مشيرا إلى أنه بعد التأكد من صحة الوثيقة يقوم المسؤول بوضع طابع الإشهاد على كل نسخة، إلى جانب اسمه وصفته وتاريخ العملية.
وأكد المرسوم على عدم مطالبة المرتفقين بتقديم نسخة أو نسخ من وثائق مطابقة لأصولها، إلا في حال وجود نصوص تشريعية أو تنظيمية تنص على ذلك، إلى جانب تأهيل الإدارة للقيام بالإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها بالمجان وبشكل فوري.
لإدارة الإلكترونية.. خطوات نحو التنزيل الفعلي
كشفت دراسة صادرة عن وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة العقبات المتعلقة برقمنة الخدمات الإدارية. وتظهر الدراسة التي صدرت، قبل عامين، أن 23 في المائة من الخدمات فقط تمت رقمنتها، وهو ما يؤكد ضعف الجاهزية الإلكترونية لتقديم الخدمات الإدارية إلى المواطنين، كما أن تطور الخدمات الإلكترونية بشكل كبير خلال العقد الماضي، لم يكن له تأثير إيجابي على جودة الخدمات المقدمة، خصوصا تلك التي تتطلب تعاملات ووثائق تنتجها إدارات أخرى.
وأشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم الخدمات الإدارية على الإنترنت إلى أن التطور الإيجابي المسجل لا يعكس تطوره على أرض الواقع، خاصة الخدمات المتعلقة بتأسيس الشركات وتسجيل السيارات وجمع المعلومات الإحصائية، رغم إدراجها ضمن أهداف برنامج الحكومة الإلكترونية. ووقف المجلس على قصور في الوظائف المتوفرة لتقديم الخدمات العمومية عبر البوابات الإلكترونية المؤسساتية، من بينها النقص في الشفافية في تقديم الخدمات، وعدم نشر البيانات العمومية بطريقة تمكن من إعادة استخدامها بسهولة.
ويقول خبراء المجلس إن المغرب لم يعرف أي تقدم ملموس في ما يخص الموارد البشرية، حيث بقي في أسفل الترتيب محتلا المركز 148 عالميا، أما من حيث تطور البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات فتصنف البلاد في المركز 104، مما يشكل عائقا أمام استعمال واسع للخدمات الرقمية المقدمة من طرف المرافق العامة للدولة.
ووفق تصنيفات دولية فقد احتل المغرب المركز الثاني إفريقيا خلال الربع الأول من 2019 كأوسع التغطيات الشبكية للاتصالات عبر تقنية الجيل الرابع، والمركز الثالث على مستوى التصنيف الخاص بأسرع الشبكات في ما يخص تحميل الملفات عبر الإنترنت، وتعتبر الوقوف في وجه هذه المشاكل والتحديات أصبح أمرا ضروريا لرفع النضج الرقمي للخدمات الإدارية وتحسين أداء الإدارة.
وكانت توصيات للمجلس الأعلى للحسابات دعت إلى اعتماد ونشر الاستراتيجية الرقمية الوطنية بشكل رسمي، والتركيز على الخدمات القريبة من اهتمامات ومتطلبات المتعاملين، والاعتماد على المقارنة المرتكزة على «أحداث الحياة» التي تعتمدها دول أوروبا، ويقصد بأحداث الحياة تلك التي تهم حياة المواطن وهي، فقدان العمل والبحث عنه، والشروع في إعداد شكوى، وحيازة وسياقة سيارة، ومتابعة الدراسة في الجامعات، وتأسيس شركة والقيام بأولى الإجراءات، والقيام بالعمليات الاعتيادية للشركة.
ويبقى تحديث وتطوير أداء الإدارة المغربية والولوج إلى خدماتها بواسطة الوسائل التكنولوجية وتسخير البنية التحتية لتكنولوجيات الاتصال، سيخدم المبادرات الحكومية والشركات للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها ستعمل على الاستجابة لاحتياجات المواطنين وتخطي كل العوائق أمام رواد الأعمال، سيما في ما يتعلق بخدمات تغطي مختلف المجالات مثل التكوين والاتصالات والتسويق وحتى تطوير نماذج للأعمال.
وفي محاولة لتحقيق هدف التحول الرقمي تم إطلاق المنصة الإلكترونية «وراقي.ما» المتعلقة بالاستفادة المستدامة من الخدمات الإدارية عن بعد، لتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطنين والمستثمرين. كما تم خلال الأسبوع الماضي إطلاق منصة «إدارتي»، وستقلص هذه المنصة التكلفة وطول الإجراءات، والتي بموجبها يمكن للمواطنين الاستفادة من الخدمات الإدارية عن بعد، من خلال استعمال التوقيعات الإلكترونية والمصادقة متعددة العوامل.
ووضعت الحكومة التحول الرقمي ضمن أولويات مشروع القانون المالي لهذه السنة، معتبرة إياه رافعة للتنمية، إلى جانب القطاعات التي تتطلب نهوضا خاصا بها بفعل تأثرها بالجائحة، وهي التعليم والبحث العلمي والصحة والتشغيل والحماية الاجتماعية، ومع إعداد مشروع قانون للإدارة الرقمية، تهدف من خلاله إلى وضع إطار تشريعي لتقنين وتسريع التحول الرقمي للإدارة المغربية، بما يتيح تفعيلا للرقمنة والتدبير اللامادي للخدمات الإدارية، يروم توفير قاعدة قانونية ملزمة لتحقيق التكامل الرقمي بين الإدارات، بما يتيح لها إمكانية الولوج المتبادل إلى البيانات، وبالتالي إعفاء المواطن من الإدلاء بوثيقة لإدارة معينة توجد في حوزة إدارة أخرى.
وكان محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، طالب بضرورة التحول الرقمي بالإدارات العمومية، مشددا على أن اعتماد الحلول الرقمية من الوسائل التي لا محيد عنها لضمان استمرارية العمل الإداري وتقليص تبادل المراسلات والوثائق الورقية. وسبق للحكومة أن أقرت ضرورة تسريع التحول الرقمي للإدارة في إطار تفعيل المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للخدمات الإدارية، معلنة عن تطوير جملة من الخدمات الإدارية من طرف وكالة التنمية الرقمية، وذلك بهدف تمكين المرتفقين والإدارات من تبادل الملفات والمراسلات، وتتبع معالجتها عن بعد بطريقة رقمية.