بوريطة إلى تونس..رسالة ملكية
استقبل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، بعد ظهر أول أمس (الثلاثاء) بقصر قرطاج، ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتّعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الذي يؤدّي زيارة إلى تونس مبعوثا خاصا محمّلا برسالة شفوية موجّهة إلى رئيس الدولة من الملك محمد السادس. ونشرت رئاسة الجمهورية التونسية، على صفحتها الرسمية بفايسبوك، خبر استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بقصر قرطاج، لوزير الخارجية ناصر بوريطة، مشيرة إلى أنه "يؤدّي زيارة إلى تونس مبعوثا خاصا محمّلا برسالة شفوية موجّهة إلى رئيس الدولة من أخيه جلالة الملك محمّد السادس، ملك المملكة المغربية الشقيقة"، كما تم، خلال هذا اللقاء، التأكيد على روابط الأخوة القوية بين القيادتين في البلدين، وتجديد الإعراب عن العزم المشترك الذي يحذوهما من أجل مواصلة العمل سويا لتوطيد علاقات التعاون الثنائي وتحقيق التطلعات المشتركة للشعبين الشقيقين نحو مزيد من التضامن والتآزر.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قرر، الأحد الماضي، تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وتعهد بملاحقة المفسدين والتعامل بحزم مع "الساعين للفتنة". وقال الرئيس التونسي، في كلمة بثها التلفزيون، إنه أعفى رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، معلنا عن عدد من القرارات حين قال "قررت أن أتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة أعيّنه بنفسي"، كما جمّد كل اختصاصات المجلس النيابي، ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس، وأشار إلى أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الدستور ومصالح الشعب، كما قرر تولي منصب النائب العام، وبرر ذلك بضرورة كشف كل ملفات الفساد، وذلك على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة مدن تونسية، والأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ أشهر، حيث أكد الرئيس التونسي أنه اتخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وأضاف أنه سيتخذ قرارات أخرى حتى يعود السلم الاجتماعي للبلاد، معلنا أن هذه الإجراءات تأتي تفعيلا للفصل 80 من الدستور التونسي، وقد جاءت عقب اجتماع طارئ في قصر قرطاج.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت، عبر وزارة خارجيتها، مراقبتها عن كثب التطورات في تونس، وأشارت إلى أنها على تواصل مع مسؤولين في الحكومة التونسية للتأكيد على أن حلول المشاكل السياسية والاقتصادية في تونس يجب أن تستند إلى الدستور التونسي ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، وتجنّب اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تخنق الخطاب الديمقراطي أو تؤدي إلى العنف"، حسب الخارجية الأمريكية.
دعم دولي لتونس وسعيد
وتوالت ردود الفعل الدولية على الأحداث التي تشهدها تونس في ظل القرارات الرئاسية الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد بشأن إقالة حكومة هشام المشيشي وتجميد أعمال البرلمان التونسي، وحملت أغلب ردود الفعل مؤشرات إيجابية داعمة للرئيس التونسي، وقد امتد الدعم الدولي لتونس بإرسال المساعدات الطبية لمواجهة أزمة فيروس كورونا التي تضرب البلاد منذ أسابيع.
وأشار وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، في اتصال هاتفي مع الرئيس التونسي، إلى حرص بلاده على تطوير علاقات الشراكة التي تجمعها بتونس على كافة المستويات ودعمها في مواجهة التحديات المزدوجة كأزمة كورونا، وتعزيز القيم والمبادئ المشتركة المتعلقة بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، كذلك قالت الخارجية الفرنسية، في بيان، إنها تقف بجانب التونسيين في مواجهة التحديات الراهنة مع استمرار الوضع الوبائي لفيروس كورونا في تونس، مؤكدة على علم فرنسا بقرارات الرئيس التونسي والمتابعة الدائمة للموقف، إضافة إلى أهمية التركيز لمواجهة الأزمة الصحية الحالية وضرورة العودة إلى العمل الدستوري وتجنب العنف.
ومن جانب آخر أعلن متحدث باسم صندوق النقد الدولي استعداد الصندوق لمواصلة مساعدة تونس في التغلب على تداعيات أزمة فيروس كورونا، مؤكدا على مراقبة تطورات الوضع في تونس خاصة مع مواجهة ضغوط اجتماعية واقتصادية على رأسها تداعيات أزمة كورونا التي تسببت في إصابة أكثر من 550 ألف تونسي ووفاة نحو 18 ألف شخص، ودعا ديفيد ساسولي، رئيس البرلمان الأوروبي، إلى الحوار بين جميع الأطراف في تونس، مشددا على ضرورة الكفاح ضد الوباء ومن أجل مصلحة الشعب التونسي محور كل العمل السياسي.
الغنوشي ...جبهة لمواجهة قرارات الرئيس
في المقابل، أعلن زعيم "حركة النهضة" التونسية ورئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، في مقابلة مع أسوشيتد برس، تكوين جبهة وطنية لمواجهة الرئيس قيس سعيد، بعدما أعلن، الرئيس التونسي تجميد أعمال مجلس النواب وإقالة رئيس الوزارء وتوليه السلطتين التنفيذية والقضائية، في خطوة وصفها رئيس البرلمان بأنها "انقلاب"، وفي الساعات التي أعقبت إعلان سعيد تجميد أعمال البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة، تجمعت حشود ضخمة لدعم قرارات الرئيس التونسي، وتعالت الهتافات والزغاريد في الوقت الذي طوق فيه الجيش مبنى البرلمان والتلفزيون الحكومي.
وفي محيط البرلمان، تجمع عشرات المؤيدين لقرار سعيد يقابلهم معارضون للقرارات، ليتطور الأمر إلى مناوشات وتقاذف بالحجارة بين الطرفين اللذين فصلت بينهما القوات الأمنية، ونفذ الغنوشي اعتصاما صباح الاثنين أمام البرلمان في العاصمة تونس، بعدما منعه الجيش من الدخول إلى المبنى، وأعلن رئيس الوزراء التونسي المقال، هشام المشيشي، الاثنين، أنه سيمتثل للقرارات التي اتخذها سعيد.
فيما دعت حركة "النهضة" الرئيس التونسي، قيس سعيد، إلى التراجع عن القرارات الاستثنائية التي أعلنها مؤخرا، والتي تم بمقتضاها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة الحكومة، وقالت حركة "النهضة" في بيان بعد اجتماع طارئ عقده المكتب التنفيذي للحركة، إنها تعتبر أن "الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية غير دستورية وتمثل انقلابا على الدستور والمؤسسات، خاصة ما تعلق منها بتجميد النشاط النيابي واحتكار كل السلطات دون جهة رقابية دستورية"، ودعت الحركة إلى ضرورة استئناف عمل مجلس نواب الشعب (البرلمان).
كما دعت الحركة القوى السياسية والمدنية التونسية إلى "تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة، حفاظا على المكتسبات الديمقراطية والعودة في أقرب الأوقات الى الأوضاع الدستورية والسير العادي والقانوني لمؤسسات ودواليب الدولة"، وحذرت الحركة من "خطورة خطابات العنف والتشفي والإقصاء على النسيج الاجتماعي الوطني، وما يفتحه من ويلات، البلاد في غنى عنها"، وقالت إنها تتفهم "الاحتجاجات التي عرفتها البلاد في المدة الأخيرة ومشروعية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب الخطر الوبائي الكبير الجاثم على بلادنا، بما يجعل هذه القضايا أولوية مطلقة للبلاد وتحتاج إلى إدارة حوار وطني ورسم خيارات جماعية قادرة على إخراج البلاد من جميع ازماتها".
الخارجية التونسية ..تطمين للمجتمع الدولي
من جانبها، كشفت وزارة الخارجية التونسية أن عثمان الجرندي وزير الخارجية أجرى محادثات هاتفية مع نظرائه في تركيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والمفوضية الأممية لحقوق الإنسان طمأنهم خلالها بشأن مرحلة ما بعد قرار الرئيس قيس سعيّد تجميد البرلمان وإقالة رئيس لحكومة مؤكدا أن البلاد ستواصل مسارها الديمقراطي.
قالت وزارة الخارجية التونسية الثلاثاء إن وزير الخارجية اتصل هاتفيا بنظرائه في تركيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان لطمأنتهم بعد قرار الرئيس تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، بأن تونس تعتزم المضي قدما في المسار الديمقراطي، وأضاف البيان أن الوزير عثمان الجرندي شرح لهم أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة، وأن نظراءه تعهدوا بمواصلة دعم الديمقراطية الناشئة.
وحسب البيان، فإن الجرندي وضح لنظرائه "الطبيعة الاستثنائية لهذه التدابير التي تهدف إلى التنظيم المؤقت للسلط إلى حين زوال حالة الخطر الداهم على الدولة مؤكدا حرص سيادة رئيس الجمهورية على ضمان كافة الحقوق والحريات وعدم المساس بها".
النيابة العامة التونسية ..التحقيق في شبهات تمويل
من جانبه أعلن الادعاء العام في تونس عن فتح تحقيق قضائي في مصادر تمويل ثلاثة أحزاب تونسية بينها حركة النهضة، الأكثر تمثيلا في البرلمان، الذي حله الرئيس قيس سعيد يوم الأحد ضمن مجموعة قرارات شملت أيضا إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتتصدر حركة النهضة الأحزاب المعارضة للتغييرات والقرارات التي اتخذها سعيد والتي تضمنت تعهدات بتحويل أي مسؤول أو نائب متورط في قضايا فساد إلى المحاكم.
وقال متحدث الادعاء العام محسن الدالي في تصريحات صحافية إن التحقيقات تشمل أيضا حزبي قلب تونس و"عيش تونسي" للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019، وأوضح أن الادعاء العام اشتبه بحصول الأحزاب الثلاثة على "تمويلات أجنبية للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والقانون المتعلق بالأحزاب السياسية".
وفتح الادعاء العام التحقيق في 14 يوليوز أي قبل حوالي أسبوعين من قرارات الرئيس سعيد التي اتخذت في يوم شهدت فيه محافظات عديدة احتجاجات شعبية واسعة طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة في ظل الأزمة السياسية وضعف الاقتصاد وسرعة غير مسبوقة في تفشي وباء كورونا.