أفرجت وزارة الفلاحة، على حصيلة المخطط الأخضر بعد عشر سنوات على إعطاء انطلاقته من طرف الملك محمد السادس، وذلك عبر تقرير ضم كل الخطوات التي قام بها المخطط منذ بدايته إلى غاية عام 2018، حيث احتوى الملف على بابين اساسين، الأول تحت عنوان، مخطط المغرب الأخضر: رؤية جديدة، حكامة جديدة، وسائل جديدة، والثاني تحت عنوان، انعكاسات مخطط المغرب الأخضر، وفي كل باب، احتوى على فصول، قدمت جردا لكل الأرقام المحصلة من مخطط المغرب الأخضر.
وقبل التطرق لأهم التفاصيل التي حملها التقرير، وجب التذكير أن الملك محمد السادس، كان قد أكد خلال خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، العام الماضي، على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي، عبر تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، مشددا على أنه يتعين في الظروف الحالية دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية، وخاصة البرنامج الجديد... الذي كان كتكملة لبرنامج المخطط الأخضر
وأضاف الملك محمد السادس، أن هذه الاستثمارات ستمكن من خلق قيمة مضافة، لتمثل حوالي نقطتين إضافيتين سنويا، من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات القادمة. داعيا إلى ضرورة "تعزيز التنسيق والتعاون بين القطاعات المعنية، مع العمل على تحفيز الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لاسيما في المهن والخدمات، المرتبطة بالفلاحة".
وبالرجوع إلى التقرير، فقد أوضح عبر مقدمته، أن القطاع الفلاحي بالمملكة يحتل مكانة أولية ضمن الاقتصاد المغربي نظرا لارتباطه برهانات، على المستويات، (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية) إذ إنه على المستوى الاقتصادي، يساهم بما يصل إلى %13 من الناتج الداخلي الخام و%13 من القيمة الإجمالية للصادرات، بينما على المستوى الاجتماعي، تمثل الفلاحة %72 من التشغيل القروي. فقرابة 10 ملايين شخص ترتبط، بدرجات متفاوتة الأهمية، بالأنشطة الفلاحية، فضلا عن مساهمة الفلاحة، في التنمية القروية كذلك، من خلال تحسين التشغيل والدخل، في مكافحة الفقر بالوسط القروي.
1- مخطط المغرب الأخضر: رؤية جديدة، حكامة جديدة، وسائل جديدة
وفقا للحصيلة التي أعلنت عليها وزارة الفلاحة من خلال الباب الأول، خلال مدة عشر سنوات، فالمخطط الأخضر، يسعى إلى جعل الفلاحة محركا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما جعلها تضع استراتيجية محكمة الأهداف، في أفق 2020 ساعتها، على رأسها الرفع من الناتج الداخلي الفلاحي الخام من 60 إلى 90 مليار درهم، والرفع من قيمة الصادرات إلى 44 مليار درهم، ثم التحسين بمرتين إلى 3 مرات من دخل 3 ملايين من ساكنة الوسط القروي، إضافة إلى تدبير الموارد المائية بطريقة أكثر فاعلية، مع اقتصاد في الماء يتراوح ما بين %20 و%50.
ويهدف مخطط المغرب الأخضر، بوضعه للاستثمار في قلب منظومته التنفيذية إلى تعزيز مبدأ الفلاحة للجميع بدون استثناء، من خلال أدوات تدخل تختلف حسب السلاسل ونوع الاستغلاليات. وهكذا، يرتكز المخطط على دعامتين: الدعامة الأولى تهدف إلى تنمية فلاحة عصرية وتنافسية، في ظرفية تتسم بعولمة الأسواق وتشهد تنافسا حادا على مستوى المنتوجات الفلاحية، وذلك من خلال الاستثمار الخاص، حيث تطمح هذه الدعامة إلى وضع محفظة من 800 إلى 900 مشروع باستثمار قدره 100 مليار درهم على مدى 10 سنوات، خاصة عبر مشاريع التجميع والشراكة بين القطاعين العام والخاص.
فيما الدعامة الثانية، تهدف إلى تنمية فلاحة تضامنية من خلال إدماج الفلاحة العائلية في المنظومة الاقتصادية. وتهم الدعامة وضع محفظة من 545 مشروعا باستثمار 20 مليار درهم على 10 سنوات تهدف إلى تحويل زراعة الحبوب في المناطق غير ملائمة إلى زراعات ذات قيمة مضافة مرتفعة، وتكثيف الإنتاج وتنويع الأنشطة الفلاحية. وقد تمت مراجعة الهدف في أفق 2020 نحو الارتفاع ليصل إلى 911 مشروعا باستثمار قدره 21.4 مليار درهم لفائدة 635 933 مستفيدا.
وبالموازاة مع هذا تمت ترجمة مخطط المغرب الأخضر إلى 12 مخططا فلاحيا جهويا. إذ تسعى الوزارة الوصية على القطاع من هذه المخططات الجهوية إلى بناء رؤية وعروض فلاحية جهوية، تمكن من تعبئة الفاعلين الجهويين والمحليين حول مشاريع وبرامج تتلاءم تحديدا مع المجال الترابي وإمكاناته الاقتصادية وإكراهاته.
وفيما يخص، إصلاحات مؤسساتية لعصرنة تدبير القطاع و خلق بيئة مواتية لتطويره، خلصت الوزارة على أنه تم القيام بإصلاحات مؤسساتية كبرى، منها، على وجه الخصوص، إعادة هيكلة وزارة الفلاحة على المستوى المركزي، وإعادة هيكلة وإرساء 12 غرفة فلاحية و12 مديرية جهوية للفلاحة، ثم إحداث وكالات جديدة ومؤسسات، منها وكالة التنمية الفلاحية، سنة 2009 ، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، سنة 2009 ،و الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، سنة 2010.
وعلى المستوى القانوني، أوضح التقرير أن مخطط المغرب الأخضر قام بإصلاح النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة للقطاع الفلاحي بغية مصاحبة تحوله. وقد تم خلال هذه العملية، إصدار 500 4 نص تنظيمي، من بينها 20 قانونا، مع كل ما يترتب عن ذلك من تنسيق ومسالك قانونية، نذكر منها إصلاح مؤسساتي لحكامة القطاع الفلاحي (10 قوانين و 18 مرسوما و54 قرارا(، ثم تحفيز الاستثمار الفلاحي (13 مرسوما و 84 قرارا(، إضافة إلى تهيئة المجال الفلاحي و إصلاح الأنظمة العقارية الفلاحية والتسجيل العقاري (2 قوانين و 194 مرسوما و 752 2 قرارا(.
واعتبر التقرير في المجمل، أن القوانين الرئيسية التي تم تبنيها، ابتداء من 2008، تتعلق بالتنظيمات البيمهنية الفلاحية، والتجميع الفلاحي، والإنتاج البيولوجي للمنتجات الفلاحية، والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وتنظيم مهنة المستشار الفلاحي الخاص، والتسجيل العقاري، والوضع القانوني للغرف الفلاحية، والترحال الرعوي، وتهيئة وتدبير الفضاءات الرعوية والغابوية الرعوية.
وفي مقاربة سلاسل الإنتاج، ذكر التقرير أن مخطط المغرب الأخضر استعمل ما يصطلح عليه "سلسلة الإنتاج"، التي اعتمدها كخيار استراتيجي وفي الوقت الذي أضحت فيه التجارة معولمة، والتنافس حاد على مستوى أسواق المنتوجات الفلاحية، أصبح تنظيم سلاسل الإنتاج والإمساك بزمام الأمور في القطاع من قبل الفاعلين فيه، شرطين ضروريين لتحسين تنافسية الفلاحة المغربية وقد تبلورت هذه الرؤية من خلال هيكلة التنظيمات المهنية ووضع إطار تعاقدي وتشاركي معها.
وأكد التقرير عند نهاية بابه الأول أن الهدف المنشود، هو عصرنة وتنمية سلاسل الإنتاج من خلال إدماج مختلف حلقات سلسلة القيمة بغية تحسين الإنتاجية والجودة، وفي هذا الإطار، تم وضع ترسانة قانونية وتنظيمية، منها، على وجه الخصوص، القانون رقم 12-03 المتعلق بالتنظيمات البيمهنية والذي يهدف إلى تدعيم قدرات تدخل المهنة ومدها بالوسائل، حتى تتمكن من حمل مشاريع التنمية الخاصة بسلسلتها وتحقيق الأهداف المسطرة
ومن بين أهم النقاط التي حملها التقرير في بابه الأول، هو مواكبة تنفيذ مخطط المغرب في تمويل القطاع، سواء من قبل السلطات العمومية أو القطاع البنكي، إذ نذكر هنا أنه من بين أهم النقاط هو ارتفاع حصة الفالحة من النفقات العمومية بشكل ملموس، مع تضاعف ميزانية الاستثمار من الميزانية العامة للدولة بـ5.8 مرات، لتمر من 6.1 مليار درهم سنة 2008 إلى 9.3 مليار درهم سنة 2018، ناهيك عن تعبئة قرابة 34 مليار درهم من لدى المانحين الدوليين، منها %38 على شكل هبات، ثم قرابة 58 مليار درهم من القروض تم منحها من قبل القرض الفلاحي للمغرب من أجل تمويل مشاريع فلاحية.
2- انعكاسات مخطط المغرب الأخضر
في الباب الثاني من التقرير، الذي خصص لسرد كل الأرقام التي حققها المخطط خلال عقد من الزمن على اشتغاله (2008/2018) خلص التقرير إلى خمس محطات رئيسية،
أولها انعكاسات المخطط على الجانب الاقتصادي للمملكة
ففي هذا الجانب أوضح التقرير عبر أربع نقاط رئيسية، أن الناتج الداخلي الفلاحي الخام عرف معدل نمو سنوي نسبته %25.5 مع تضاعف مساهمة القطاع الفلاحي في نقط النمو الاقتصادي الإجمالي، ناجحا بذلك في تحقيق طموحه بأن يصبح محركا لدينامية النمو بعد 10 سنوات من إعطاء انطلاقته، فبقياسها من خلال الناتج الداخلي الفلاحي الخام، تضاعفت الثروة المحدثة من 65 مليار درهم عند إطلاق المخطط إلى 125 مليار درهم سنة 2018 متجاوزا بذلك بشكل قوي القطاعات الأخرى من الاقتصاد الوطني. وقد كان هذا التطور أسرع بمرتين مقارنة بالعقد السابق لمخطط المغرب الأخضر (1997-2007 ) الذي لم يكن معدل النمو السنوي للناتج الداخلي الفلاحي الخام يبلغ فيه سوى %2.5
إضافة إلى هذا، أوضح التقرير أن نسبة مساهمة القطاع الفلاحي في نقاط النمو الاقتصادي الوطني بلغت أكثر من الضعف، حيث مر من معدل نسبته %7.3 خلال عشرية (1998/2008) إلى %17.3 خلال الفترة التي شملها التقرير الحالي (2008/2018) فمع 10 نقط إضافية لهذا النمو، نجح القطاع الفلاحي في رهان لعب دور محرك النمو الاقتصادي.
و أنه رغم الظرفية العالمية الصعبة ارتفعت الصادرات الفلاحية بأكثر من الضعف، مما ساهم في تحسن الميزان التجاري الفلاحي في إطار بلورة مخطط المغرب الأخضر الهادف إلى عصرنة القطاع الفلاحي، حيث أعطى المغرب مكانة متميزة للسياسة التجارية الفلاحية لأهداف عدة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر، ( تنويع وتحسين المبادلات التجارية الفلاحية بالنسبة للمنتوجات والأسواق. تحسين الميزان التجاري الفلاحي. حماية الإنتاج الفلاحي الوطني.) وقد ساهمت هذه الدينامية من جهة، في تحسين معدل تغطية الواردات بالصادرات الفلاحية الذي مر من %51 سنة 2008 إلى %68 سنة 2018 ومن جهة أخرى، في خفض عجز الميزان التجاري الفلاحي بقرابة %31 ليمر من 2.25 مليار درهم سنة 2008 إلى 4.17 مليار درهم سنة 2018 . هذا وقد شكلت الطماطم المنتوج الرئيسي في الصادرات الفلاحية، مع ارتفاع ب%62 من حيث الحجم و%213 من حيث القيمة لتمر من 2 مليار درهم سنة 2008 إلى قرابة 5.6 مليار درهم سنة 2018
وأنه وضع الاستثمار في صلب معادلته، حيث بلغ مجموع الاستثمارات في القطاع الفلاحي خلال الفترة التي شملها التقرير، 104 مليار درهم، منها %39 من الاستثمارات العمومية أي 41 مليار درهم، و%61 من الاستثمارات الخاصة أي ما يعادل 63 مليار درهم، وهكذا، واكب تنفيذ المخطط، إعطاء انطلاقة هامة جديدة للاستثمار العمومي. وفيما يتعلق بالاستثمارات العمومية، تم إعطاء دينامية جديدة بفضل وضع إطار مؤسساتي ملائم للاستثمار، وإصلاح الإطار التحفيزي، والتعبئة القوية للفاعلين من خلال عقود البرامج لسلاسل الإنتاج وهيكلة التنظيمات البيمهنية. وقد شكل الاستثمار العمومي عنصر اجتذاب للقطاع الخاص الذي عبأ من جانبه قرابة 63 مليار درهم من رؤوس الأموال الخاصة من أجل تجهيز الاستغلاليات الفلاحية.
وثانيها الانعكاسات الاجتماعية ( مجال التشغيل الأمن الغذائي مكافحة الفقر)
وعلى مستوى الانعكاسات الاجتماعية، أكد التقرير ذاته، أن القطاع الفلاحي يلعب دورا اجتماعيا من الدرجة الأولى من خلال مساهمته الهامة في التشغيل الوطني والقروي والأمن الغذائي للبلاد ومكافحة الفقر وتعزيز الاستقرار بالعالم القروي. وفي هذا الصدد تمثل مناصب الشغل الفلاحية %35 من مناصب الشغل وطنيا، إذ بالوسط القروي، %72 من الساكنة النشيطة تعمل في الفلاحة، والأشخاص العاملون في الفالحة يمكن أن يكونوا أصحاب استغلاليات (6.1 مليون استغلالية) أو مساعدين عائليين أو أجراء فلاحين. وحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، يقدر عدد الأجراء والمساعدين العائليين بقرابة 2.2 مليون شخص.
وأكد التقرير عينه كذلك، عبر ثلاث نقاط مهمة، أنه انعكست عصرنة القطاع الفلاحي بتحسن في ظروف العمل، لاسيما على مستوى الحماية الاجتماعية. وهكذا، تم التصريح بقرابة 000 416 أجير في القطاع الفلاحي لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2018 مقابل 000 120 سنة 2008 ، أي 3.5 أضعاف زيادة. مضيفا على أن الإنجازات الجيدة لسلاسل الإنتاج الحيوانية والنباتية، خاصة من حيث توسيع المساحات المغروسة وتحسن الإنتاجية وارتفاع العرض التصديري وبروز سلاسل إنتاج جديدة كثيفة من حيث استخدام اليد العاملة كلها عوامل ساهمت في إحداث قرابة 50 مليون يوم عمل إضافي، أي ما يعادل 250 إلى 300 ألف منصب شغل فالحي
واستمرار في المجال الاجتماعي أوضح التقرير أن تطور دخل العاملين الفلاحيين جاء بفضل تحسن الإنتاجية الفلاحية وعدد أيام العمل للمنصب والأجر اليومي، حيث تظهر مقاربة إنتاجية العمل من خلال العلاقة بين القيمة المضافة ومناصب الشغل في القطاع الفلاحي، تحسنا واضحا نسبته %67 منذ انطلاقة المخطط الفلاحي. وهي مرتبطة بشكل رئيسي بتحسن إنتاجية الزراعات وتربية الماشية ومكننة الفلاحة بشكل عام. وقد أوضحت دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط حول الإنتاجية الإجمالية للعوامل ارتفاعا في إنتاجية العمل في القطاع الفلاحي مقارنة بالقطاعات الأخرى.
إذ انعكست هذه الإنجازات إيجابيا على القدرة الشرائية للساكنة القروية، مما مكنها من الولوج إلى بضائع وخدمات جديدة. وقد ساهم هذا، من جهة أخرى، في إعطاء إجابة أولية عن الهشاشة الفلاحية، والتي تظهر من خلال انخفاض الفقر المدقع ب 5 نقط، والذي مر من %4.14 سنة 2007 إلى %9.5 سنة 2014 .بيد أنه، رغم هذا الانخفاض للفقر المدقع بالوسط القروي، فإن هذا الأخير يبقى مرتفعا بـ6 مرات عن النسبة المسجلة بالوسط الحضري %1.6، مما يجعل من الضروري متابعة مجهودات التنمية الفلاحية و القروية.
واستمرارا في المجال الاجتماعي، فقد كشف التقرير على أن تم تدعيم الأمن الغذائي، جعل المغرب ضمن الدول الأولى لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط من حيث نسبة تغطية الحاجيات الغذائية فوعيا منه بالطابع الاستراتيجي لمسألة الأمن الغذائي، جعل المغرب من هذه القضية انشغالا كبيرا في سياسته الفلاحية. بيد أن بلوغ هذا الهدف يبقى في مواجهة تحديات كبيرة، نذكر منها بعض ما حمله التقرير: (تقلبات الأثمنة العالمية للمواد الغذائية وارتفاع أسعار الطاقة. انعكاسات التغيرات المناخية وندرة المورد المائي. الارتفاع المستمر للطلب الغذائي نتيجة النمو الديمغرافي)
وثالثها الانعكاسات على الاستدامة
وفي هذا السياق، كشف تقرير المخطط الأخضر، أنه شكلت التحديات المناخية على الدوام تهديدا جادا وإكراها دائما أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب، على اعتبار أن المناخ المغربي يطبعه عدم انتظام التساقطات في الزمان والمكان، وكذا ارتفاع معدل درجات الحرارة السنوية، مما تترتب عنه فترات من الجفاف متفاوتة الشدة ومنتظمة أكثر في حدوثها. وتوضح الإسقاطات المناخية، المتعلقة بالتساقطات ومعدل درجات الحرارة السنوية لـــ GIEC في أفق 2050 مقارنة مع سنة 2010 ،أن الجفاف سيرتفع تدريجيا بالمغرب بسبب انخفاض التساقطات المطرية بـــ %11 وارتفاع درجات الحرارة ب 1.3درجة مئوية. وسيكون لهذه المتغيرات انعكاسات سلبية على الفلاحة.
وبهدف الحد من تأثيرات التغيرات المناخية وتأمين استدامة الفلاحة وتحسين مناعتها وتكيفها، انخرط مخطط المغرب الأخضر، في انسجام مع السياسة المغربية بالنسبة للتغير المناخي، في مجهودات التأقلم مع التغيرات الفلاحية والحد من تأثيراتها، حيث اعتمد على ثلاث نقاط كذلك، الأولى تتمثل في أن المخطط جعل من تأقلم الفلاحة مع التغيرات المناخية أولوية من خلال التحكم في مياه السقي والتشجير المثمر وتغطية المخاطر المناخية والحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية والتنوع البيولوجي، وذلك عبر التحكم في مياه السقي وترشيدها، حيث يقع هذا في صلب استراتيجية التأقلم مع التغيرات المناخية للمخطط من خلال برامج مهيكلة للتهيئة الهيدروفلاحية. وقد مكنت هذه البرامج، حتى متم 2018، من اقتصاد وتثمين 2 مليار متر مكعب من مياه السقي سنويا، مع المساهمة في تحسين الإنتاجية الفلاحية وتنويع الدورة الزراعية والرفع من مداخيل الفالحين. وقام مخطط المغرب الأخضر كذلك بتطوير التأمين المتعدد المخاطر من نظام ضمان إلى منتوج تأمين حقيقي تدبره وتسوقه شركة خاصة.
وساهمت الفلاحة في تقليص انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري، طبقا للاتزامات القطاع في إطار المساهمة المحددة على المستوى الوطني، حيث إن التغيرات المناخية المرتبطة بانبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري تشكل مشكلة جوهرية ذات بعد عالمي تتطلب تدخلات كبيرة للتقليص منها. ورغم أن المغرب يعد من الدول الضعيفة الانبعاثات الغازية على الصعيد العالمي، فإنه ينخرط بشكل نشيط في المسار الدولي لمكافحة تأثيرات التغيرات المناخية ويظهر القطاع الفلاحي مناعة أفضل ونموا أقل تقلبا مرده، بالأساس، إلى انخفاض الارتباطي بزراعة الحبوب بفضل مجهودات التخفيف والتأقلم مع التغيرات المناخية التي تم القيام بها في إطار مخطط المغرب الأخضر.
رابعها دينامية شمولية ومندمجة (الخروج من الفلاحة المعيشية والتوجه نحو السوق)
خصص مخطط المغرب الأخضر، عند صياغته، منهجية خاصة للفالحة التضامنية من أجل الدفع بها إلى الأمام، وذلك من خلال مشاريع مخصصة لهذا الغرض. بيد أنه، ومن أجل رفع كل التباس، لم تقتصر دينامية إدماج الفالحة الصغرى والمتوسطة على الدعامة الثانية وحدها، والتي تمثل مقاربة إدماج من بين أخريات. وعلاوة على الدعامة الثانية، تم تأمين إدماج الفلاحة الصغرى والمتوسطة من قبل مجموع برامج المخطط
وفي هذا الجانب استفاد 2.7 مليون مستفيد مع تعبئة أكثر من 40 مليار درهم من الميزانية العمومية، مكنت من خلالها المخطط الأخضر من توسيع الاستفادة لتشمل عدد اكبر من الفلاحين الصغار والمتوسطين حيث جعل من إدماجها أولوية. واعتبارا لكون الغالبية العظمى من الاستغلاليات الفلاحية استغلاليات صغيرة، كان من الطبيعي أن يتجه جل المجهود العمومي نحوها
كما اعتمد المغرب في هذا الصدد على المقاربة الخاصة والابتكارية للدعامة الثانية، إذ مكنت من إعطاء انطلاقة للاستثمار وتحسين المداخيل لدى صغار الفلاحين من خلال مشاريع التنويع والتكثيف والتثمين، حيث كان طموح الدعامة الثانية تمكين %80 من الساكنة القروية في المناطق غير الملائمة من تحسين دخلهم وظروف عيشهم بصفة مستدامة، مما يمكنهم من الخروج من الفلاحة المعيشية والتوجه نحو سلاسل إنتاج واعدة وانتفاعية مرتبطة بالسوق، مع توفير مستوى كاف لهم من الأمن الغذائي.
إضافة إلى هذا، سعى المخطط عبر هذا المرتكز الرابع إلى تثمين المنتوجات المحلية، الذي أتاح بروز سلسلة إنتاج جديدة لفائدة الفلاحين الصغار والمناطق الهشة، حيث أولى مخطط المغرب الأخضر كذلك مكانة متميزة لتنمية المنتوجات المحلية، والتي طالما كانت مهملة رغم ثروات مختلف جهات المملكة، سواء من حيث تنوع المجالات أو من حيث الرصيد المعرفي المتجذر للساكنة المحلية، مانحا مجموعة واسعة من منتجات جد مطلوبة على المستويين الوطني والدولي. وقد شكل المنحى التنموي للمنتوجات المحلية واحدا من المساهمات الكبرى للمخطط، الذي جعل منها رافعة للتنمية المحلية مع ترسيخ مجالي قوي، وكذا جعلها وعاءا لإحداث مناصب الشغل وتحسين ظروف عيش الساكنة القروية، لاسيما لفائدة الفالحة الصغيرة والمرأة القروية والشباب.
ومكنت مواكبة هيكلة نسيج الفالحين من إحداث قرابة 000 10 تعاونية فلاحية خلال 10 سنوات، لتمكن من إدماج الفلاحين في سلاسل القيم، باعتبارها أداة فعالة لتنمية أكثر شمولية، حيث حظيت التعاونيات على الدوام بالتشجيع والدعم في العالم القروي على وجه الخصوص. ف %70 من التعاونيات بالمغرب هي تعاونيات فلاحية. والتعاونية هي في حقيقة الأمر شكل من أشكال المقاولة الجماعية التي تمكن أعضائها من التعاضد في وسائل الإنتاج، وترشيد كلفة اقتناء المدخلات وتمكن من جعل الاستثمارات ممكنة ضمن هذا الإطار. وتمكن التعاونيات، المنتجين من الولوج إلى الأسواق الجديدة وحتى إحداث عالمات تجارية.
خامسها حصيلة البرامج المهيكلة: "تدعيم أسس القطاع الفلاحي"
حيث تمثلت بالمقام الأول في السقي، الذي تم الاقتصاد فيه بتثمين 2 مليار متر مكعب من مياه السقي سنويا، حيث وضع مخطط المغرب الأخضر إشكالية مياه السقي في صلب الإصلاحات الأفقية المهيكلة الرامية إلى مواجهة الندرة المتزايدة للموارد المائية. وهكذا، أولى المخطط مكانة متميزة. للتحكم وترشيد مياه السقي بغية تحسين الإنتاج والإنتاجية الفلاحية في ظرفية مطبوعة بالتغيرات المناخية. والهدف من ذلك هو ترشيد استعمال الماء في النشاط الفلاحي والتعبئة بأقصى فعالية وفاعلية للموارد المائية لضمان استعمال مستدام لهذه الموارد وتدعيم دورها الاستراتيجي في تأمين الأمن الغذائي للبلاد، لذلك تم العمل على
-البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي: برنامج طموح للاقتصاد في مياه السقي
- برنامج توسيع الري: توسيع المساحات المسقية في سافلة السدود
-برنامج تنمية الري الصغير والمتوسط: ضمان استدامة الفالحة السقوية الصغيرة في المناطق الهشة
-انعكاس برامج التهيئة الهيدروفلاحية لمخطط المغرب الأخضر
-برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص: أداة مبتكرة لتمويل المشاريع
وتمثلت بالمقام الثاني في سلاسل الإنتاج حيث شكلت مقاربة " السلسلة" منذ انطلاقة مخطط المغرب الأخضر، اختيارا استراتيجيا لتنمية القطاع الفلاحي. وقد تكرست هذه الرؤية بوضع إطار تعاقدي وتشاركي مع التنظيمات المهنية. والهدف المبتغى هو عصرنة وتنمية سلاسل الإنتاج، من خلال إدماج مختلف حلقات سلسلة القيمة بغية تحسين الإنتاجية والجودة. وهكذا، تم التوقيع على 19 عقد – برنامج خلال الفترة 2008-2018 ،بين الحكومة والتنظيمات البيمهنية . وتحدد عقود – البرامج الأهداف المتعين بلوغها من حيث المساحات المغروسة، وتعداد قطيع الماشية، والاقتصاد في الماء، والزيادة في الانتاج، وتأهيل أداة التثمين وتحسين ظروف التسويق، مع تحديد التزامات كل طرف موقع. .
وقد همت عقود- البرامج 14 سلسلة نباتية و5 سلاسل حيوانية، ولبلورة عقود- البرامج، كان للتنظيمات البيمهنية الفلاحية دور هام، مما تطلب تدعيم قدرات تدخلهم بغية تمكنها من حمل مشاريع تنمية سلاسلها للإنتاج، ولهذا السبب، تم وضع قانون حول التنظيمات البيمهنية الفلاحية و السمكية القانون 12-03 والذي يحكم إحداث وتمويل هاته التنظيمات البيمهنية. حيث ومنذ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، تم الاعتراف بـ 16 تنظيما بيمنيها، نذكر منها
-زراعة الحبوب: ارتفاع واضح في الإنتاج مرتبط أساسا بتحسن المردودية
-الحوامض: ارتفاع قوي في الانتاج ناتج أساسا عن توسع المساحات
-اللحوم الحمراء: تغطية ارتفاع الطلب على اللحوم بفضل ارتفاع أعداد الماشية والإنتاج
.تربية الدواجن : تقدم ملموس في مجموع المؤشرات ومساهمة كبيرة في تلبية الحاجيات الغذائية من البروتينات للمستهلكين
وتمثلت بالمقام الثالث في السالمة الصحية، حيث تم إحداث المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية سنة 2010 ، حيث يمارس هذا المكتب، لحساب الدولة، مهام واختصاصات تتعلق بحماية صحة المستهلك والمحافظة على صحة الحيوانات والنباتات. وتحكم المهام المسندة إلى المكتب المذكور ترسانة قانونية تتكون من أزيد من 280 نص قانوني وتنظيمي جاري بهم العمل. وهكذا، فقد جعل مخطط المغرب الأخضر من إصلاح الإطار المؤسساتي والتنظيمي والمعياري، دعامة لحماية المستهلك والمحافظة على الرصيد الحيواني والنباتي.
وقد كانت مقاربة المراقبة المتبناة من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية مبتكرة وعصرية، مكنت من المرور من نظام زجري، حيث المراقبة تهم المنتوجات الغذائية في السوق الوطني لوحدها، إلى نظام وقائي يؤمن مراقبة مندمجة على طول السلسلة الغذائية. ويتعلق الأمر إذن بمقاربة ملائمة و معيارية للمراقبة تستند على تحليل المخاطر لمقاربة HACCP"نظام تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة"
وتمثلت بالمقام الرابع في التثمين، حيث وضع مخطط المغرب الأخضر في صلب معادلته إدماجا أفضل بين العالية الفلاحية والسافلة الصناعية والتجارية لسلاسل الإنتاج. وفي هذا الإطار، تم إنجاز العديد من الإصلاحات والتدابير المهيكلة من أجل تنمية مختلف حلقات السلاسل الفلاحية والصناعات الغذائية وإنعاش الاستثمار في هذا القطاع، وذلك ب تنمية العرض من المنتوجات الفلاحية من أجل التزويد المنتظم لقطاع الصناعات الفلاحية، وتنمية قدرات التثمين وتدعيم الإطار التنظيمي المنظم للسالمة الصحية وتتبع مسار المنتجات الفلاحية والصناعات الغذائية من العالية إلى السافلة من خلال إصدار وتنفيذ القانون رقم 07-28 المتعلق بالسالمة الصحية للأغذية.
3- الإكراهات ومحاور التطور
وخصص التقرير في النهاية أبرز الاكراهات التي اعترضت المخطط خلال عشريته الأولى، حيث كشف في هذا الصدد على أن الفلاحة المغربية سجلت تقدما جليا خلال السنوات الأخيرة. غير أنها تعاني من معيقات هيكلية. يثم أخذها دوما بعين الاعتبار في كل سياسات التنمية الفلاحية، بما فيها مخطط المغرب الأخضر، مؤكدا على أنها مع ذلك تضل عاملا في خفض أداء سلاسل الإنتاج. ومن بين هذه المعيقات :
-الموارد المائية
مناخ المغرب عموما جاف أو شبه جاف، مع معدل تساقطات مطرية دون 400 ملم سنويا في أزيد من 85 % من المساحة وغالبا ما تكون هذه التساقطات غير كافية أو سيئة التوزيع مما يترتب عنه عجز مائي يؤثر سلبا على إنتاجية المزروعات وانتظام المحاصيل.
-العقار
وبالرغم من المجهودات الهامة، التي بذلت من طرف الوزارة الوصية على القطاع، لازالت مسألة العقار الفلاحي تمثل إشكالية مستعصية بسبب تعدد الأنظمة العقارية وتعدد المتدخلين وتجزئة الأراضي وإشكاليات الملكية المشاعة. هذه الوضعية تزيد من صعوبة تعبأة العقار الفلاحي من أجل الاستثمار وتشكل في ذات الوقت حاجزا أمام ولوج الفالحين إلى التمويل عبر القروض البنكية.
- بنية الاستغلاليات الفلاحية
حيث أن أكثر من ثلثي الاستغلاليات تقل مساحتها عن 5 هكتارات مما يشكل عائقا كبيرا يترتب عنه ضعف القدرة على الاستثمار وعلى اعتماد التقنيات والتكنولوجيا، وكذا ولوج محدود للتمويلات البنكية. في المقابل للاستغلاليات الصغيرة ميزات مهمة كالقدرة على التأقلم الاقتصادي والمناخي مع الظروف المتغيرة.
-مسالك التوزيع
تخضع أسواق الجملة لإطار تنظيمي يعود تاريخه إلى سنوات 1960 والذي لم يعد يتوافق مع تطور أنماط اشتغال الأسواق العصرية ومتطلبات المستهلكين. كما ينتج عن هذه الوضعية ضعف في الاستثمار وضعف حجم التسويق عبر هذه المسالك وقصور في التدبير الإداري.
-المسالخ
ينعكس التأخير في عصرنة هذه التجهيزات ومطابقتها للمعايير سلبا على مجهودات الإنتاج والعصرنة المبذولة من طرف المنتجين. ولتدارك التأخير المسجل في عصرنة المسالخ، كان مخطط المغرب الأخضر قد وضع إطارا تحفيزيا للاستثمارات في إطار العقد-برنامج ( 2014-2009 و2014 2020.( -ولمواصلة هذه المجهودات، أعدت وزارة الفالحة بمعية شركائها تصميما مديريا للمسالخ وأسواق الماشية ذات الأولية. هذا، إضافة إلى التحفيزات المدرجة في العقد-برنامج 2021-2017 لتنمية الصناعات الغذائية، منها دعم نسبته 30 % من تكلفة الاستثمار في المسالخ.
-تثمين الإنتاج الفلاحي
من المرتقب أن تعرف سلاسل الإنتاج تطورا ملحوظا في أفق تحقيق إدماج أفضل ما بين عالية وسافلة الإنتاج. بعدما أعطى مخطط المغرب الأخضر ديناميكية قوية للإنتاج الفلاحي مع مواكبة سافلة السلاسل من خلال عدد من الأوراش كالتنظيم والتأطير الصحي والسياسة التعريفية وعقود- البرامج الخاصة بالأقطاب الفلاحية.
4- خبير اقتصادي ومالي: مخطط المغرب الأخضر ساهم في استعادة التوازنات المالية للقطاع الفلاحي
يرى محمد جدري الخبير الاقتصادي والمالي، أن مخطط "المغرب الأخضر" ساهم في الرفع من دخل المنتجين في القطاع الفلاحي وأثر إيجابا على الاستثمارين العمومي والخاص، ناهيك عن مساهمته في خفض الميزان التجاري للمملكة، كما بلغ عدد المستفيدين من برامجه حوالي 2,7 ملايين فلاح صغير ومتوسط. وحسب تقرير حصيلة وآثار مخطط "المغرب الأخضر" الصادرة عن وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فإن مساهمة الفلاحة في نقاط نمو الناتج المحلي الإجمالي انتقلت من 7 في المائة خلال العقد 1998-2008 إلى 17 في المائة خلال العقد 2008-2018.
ويؤكد جدري أن الاستثمار العمومي الفلاحي شهد قفزة نوعية؛ وهو ما ساهم في استعادة التوازنات المالية للقطاع الفلاحي في ضوء مساهمته في تكوين الثروة الوطنية والتشغيل والأمن الغذائي. ووفق معطيات التقرير، ساهمت جهود الاستثمار العمومي في تطوير البنية التحتية الإنتاجية وتوسيع سلة التحفيزات لتشجيع المزارعين على تحديث وتجهيز مزارعهم. كما ساهم المجهود العمومي، أيضا، في الرفع من جاذبية القطاع نتج عنه استثمارات مهمة للقطاع الخاص.
وتشير المعطيات إلى أن مجموع الاستثمارات في القطاع الخاص بلغ حوالي 104 مليارات درهم؛ منهم 39 في المائة من الاستثمارات العمومية (41 مليار درهم)، و61 في المائة من الاستثمارات الخاصة (63 مليار درهم). وعلى المستوى الاجتماعي، خلقت البرامج والمشاريع المنفذة في إطار مخطط "المغرب الأخضر" في خلق 50 مليون يوم عمل، أي ما يعادل 250 ألفا إلى 300 ألف منصب شغل فلاحي.
ويؤكد الأستاذ محمد جدري، أنه كان لمخطط "المغرب الأخضر" فضل في تنمية المنتجات المحلية لخلق فرص الشغل وتحسين الظروف المعيشية لسكان العالم القروي، ولا سيما النساء والشباب. كما أتاحت جهود التنمية الفلاحية هيكلة نسيج المنتجين بإنشاء ما يقرب من 10 آلاف تعاونية زراعية، وبالتالي تعزيز الاندماج في سلاسل القيمة. كما مكنت برامج التنمية الهيدروفلاحية من تجهيز 40 في المائة من إجمالي المساحة المسقية بالري الموضوعي وتوفير وتثمين أكثر من 2 مليار متر مكعب من مياه الري سنويا مع المساهمة في تحسين الإنتاجية وتنويع المحاصيل وزيادة دخل المزارعين.
بعض النواقص في المشروع مع محاولة الاستدراك
لكن بالمقابل، يرى محمد جدري إن افتحاص "المغرب الأخضر" من طرف المجلس الأعلى للحسابات، أبان عن وجود بعض نقاط الضعف، إذ شدد هذا الاخير على ضرورة إعادة النظر في عملية إعداد برامج توسيع الري من خلال وضع أهداف قابلة للتحقيق بمراعاة الوسائل المتاحة وذلك في إطار متعدد السنوات معتمد من طرف الحكومة، داعيا إلى تحديد الأولويات بين المشاريع المبرمجة من أجل إعطاء الأسبقية لأكثرها قابلية للإنجاز على المستوى التقني والمالي والأفضل تحقيقا لمنافع اجتماعية واقتصادية.
وأضاف المتحدث ذاته أن تقرير المجلس أوصى بتأمين تمويل مستدام لعدة سنوات لبرامج توسيع الري من أجل تقليص الفجوة بين المياه المعبأة في السدود ومشاريع التهيئة الهيدرو فلاحية، مبرزا أن هذا القطاع يتعين عليه العمل على ضمان التشغيل الكامل للمدارات السقوية المجهزة، لا سيما بالتقليص من التأخير في تزويد المدارات المجهزة بالماء.
وشدد الخبير الاقتصادي والمالي على ضرورة تقديم حلول عملية للقضايا الهيكلية التي تؤثر سلبا على مشاريع توسيع الري بما في ذلك ضم الأراضي وضعف تسعير خدمة المياه واستخلاص إتاوات مياه السقي، منبها إلى أهمية العمل على إدراج عنصر إدارة المخاطر في الدراسات من أجل استباق المشاكل التي قد تعرقل إنجاز المشاريع، ومعالجة أوجه القصور في توجيه وتتبع وإدارة المشاريع، وإعداد برنامج لتقوية قدرات الموارد البشرية في مجال إدارة المشاريع.
وفي هذا الصدد أشار جدري إلى أن المندوبية السامية للتخطيط، أكدت في تقرير لها، أن مخطط المغرب الأخضر الذي، قد تعثر في الوصول إلى أهدافه المسطرة سواء تعلق الأمر بحجم الإنتاج أو بفرص الشغل التي وعد بتوفيرها. وجاء ذلك في تقرير حول "أية آفاق للتبعية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025" ، والذي أكدت فيه أن الأنشطة الفلاحية في المغرب قد سجلت أداء معتدلا مقارنة مع أهداف مخطط المغرب الأخضر واحتياجات الإستهلاك.