يندهش العديد من المتابعين لتطورات الشأن المغاربي من «السرعة القصوى»، التي باتت تطبع تواتر الإجراءات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية التي تتخذها، تباعا، الأوليغارشية الجزائرية المناهضة للوحدة الترابية للمغرب (1)، في اتجاه إحكام قطيعة تامة وشاملة مع المملكة المغربية.
ومبعث اندهاش واستغراب الرأي العام المغاربي والإقليمي والدولي من «حزمة» الإجراءات المتتالية ضد المغرب، أن الذرائع المعلنة لتبرير هذه الإجراءات تبدو واهية وسخيفة (2) أحيانا، ومتعجرفة، متطاولة على حرمة الشأن السيادي المغربي (3) أحيانا أخرى...
وفي الجانب الآخر، يقابل المغرب عمليات نسج خيوط هذه القطيعة المؤسفة، وما يرافقها من حدة في الخطاب، بموقف الحكمة والتبصر، وخطاب المسؤولية وبعد النظر، عملا بخيار التهدئة وضبط النفس، وحرصا على صيانة الأواصر التاريخية والكفاحية التي تربط المغرب بالشعب الجزائري الشقيق، واستشرافا لحظوظ المستقبل في تحقيق التنمية المغاربية، وإنجاز تطلعات الشباب المغاربي الصاعد إلى تفعيل قيم الحرية والعدالة والكرامة. ويجدر بنا ونحن نحاول استكناه الخلفية السياسية لتغول الأوليغارشية الجزائرية المعادية لبلادنا، أن تستقرئ السياق السياسي الذي يؤطر مواقفها المتعجرفة، وخطابها الأرعن.
في السياق السياسي المؤطر لفعل وخطاب الأوليغارشية:
إن الظاهرة «الصوتية» التي تصاعد هديرها خلال الشهور الأخيرة بصفة خاصة، ليست بعيدة عن تفاقم الأزمة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخانقة بالداخل الجزائري، وما نجم عنها من اندلاع «حراك شعبي» عارم، يعبر بكيفية سلمية واعية ومسؤولة، عن إرادة الشعب الجزائري في الحرية والعدالة والديمقراطية، عبر «تنحية» رموز وشخوص الأوليغارشية المتسلطة التي يعاني، في ظلها، أصناف الفساد والاستغلال خلال العقدين الأخيرين بصفة خاصة (4).
وأمام عجز هذه الأوليغارشية الطاغية عن احتواء دينامية «الحراك الشعبي» بكل الوسائل السياسية والقمعية التي جربت - فقد بدا لها أن تصدير الأزمة إلى خارج حدودها، أسوة بالسيناريو الذي تم اللجوء إليه في خريف سنة 1963 (حرب الرمال)، لترميم الجبهة الداخلية (5).
ومن سوء حظ هذه الأوليغارشية المغامرة أن دينامية التغيير الديمقراطي، التي أطلقها «الحراك الشعبي» «المبارك» - وفق توصيف فخامة الرئيس الجزائري- جاءت متزامنة مع دينامية النجاحات الإقليمية والدولية، التي حققتها المملكة المغربية في تدبير النزاع المصطنع حول وحدتها الترابية.
وغني عن الإشارة أن سوء تقدير هذه الأوليغارشية المتهورة لموازين القوة التي أضحت تؤطر النزاع، إقليميا ودوليا، دفع بها إلى غلطة الدفع بصنيعتها، البوليساريو، إلى ارتكاب حماقة منع حركة مرور الأشخاص والسلع عبر معبر الكركرات، ضدا على تحذيرات «المينورسو»، الأمر الذي ترتب عنه التدخل المغربي السلمي، المنظم والحاسم، الذي حرر المعبر دون أن تسيل قطرة دم.
وقد جاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، تتويجا لجهود كفاحية، سياسية ودبلوماسية مغربية طويلة الأمد، وتوالي فتح قنصليات إفريقية وعربية وغربية بـ«العيون» و«الداخلة» - جاء ذلك ليربك الحسابات الخاطئة للأوليغارشية الجزائرية المعادية، التي أمسى سلوكها في تدبير النزاع الذي افتعلته منذ 46 سنة، متماهيا مع قصة «أهل الكهف». وعلى صعيد الأمم المتحدة، راعية تسوية النزاع المفتعل، فقد بلغ السيل الزبى لدى الدول الوازنة فيها ولدى الأمين العام، بسبب تهافت وزلات خصوم وحدتنا الترابية، فجاء تقريره الأخير أكثر صراحة، وأبلغ تعبيرا عن «مسؤولية الجزائر» في النزاع، وعن ضرورة استئناف المفاوضات السياسية لإنهائه. وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بما أبان عنه المغرب من مسؤولية مثلى، وشجاعة عظمى عندما تقــدم عام 2007 بمقترح «الحكم الذاتي» لساكنة أقاليمنا الجنوبية، باعتباره حلا سياسيا «جديا، وواقعيا وذا مصداقية» كما تصفه تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، وتتيمن به الدول الكبرى والصغرى، المهتمة بنزاع الصحراء المغربية.
أما المعطى الثالث في بنية السياق المؤطر لمجرى النزاع، فينصب على الموقع الجيو- سياسي الذي تحتله المملكة المغربية في الشمال الإفريقي، بفضل ما تتمتع به من أمن واستقرار، وما تحققه من تقدم وتطور في الحقل الديمقراطي والحقوقي، وما تنجزه في مجال التنمية المستدامة، والانفتاح الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي، وبصفة خاصة ما تمتلكه من وضوح في الرؤية، ورحابة في الأفق السياسي، الوطني والإقليمي والدولي.
وهو وضع أصبح يربك خصوم وحدتنا الترابية ويحد من هبتهم في داخل البلاد، ويقلص نفوذهم على الصعيد المغاربي والإفريقي والدولي على السواء.
ولقد اشتد الحنين لدى الأوليغارشية الطاغية إلى انتعاش «حرب باردة» جديدة، لعلها تصلح ما أفسده الدهر.
في جذور ودلالات التوسع الترابي
لئن كان مصدر النزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمملكة المغربية، راجعا إلى هاجس التوسع الترابي خارج «الحدود» الغربية للجزائر - فإن هذه النزعة الإشكالية المشؤومة التي لوثت العلاقات المغاربية، قد تبلورت كنقيض لفكرة «التحرير والوحدة»، شهورا قلائل بعد استقلال الجزائر. وفي الحقيقة، فإنها عكست وتعكس ميراثا مشؤوما عن الحقبة الاستعمارية المديدة بالجزائر (1830- 1962).
إن توجهات وسياسة الراحل هواري بومدين، غفر الله له، في نزاع الصحراء المغربية لم تكن بدعة طارئة في مجرى العلاقات الجزائرية - المغربية، بل لها جذور ممتدة في تجربة الاحتلال الفرنسي للجزائر.
ويعود مبدأ هذا الطموح «الإمبراطوري»، على النمط «البروسي»، إلى رؤية وسياسة الجنرال (بيجو T. R. Bugeaud) (6)، الذي أرسى ورسخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، خلال أربعينيات القرن التاسع عشر.
فقد ترك هذا الجنرال بصماته التوسعية، عبر السطو على أراض في شرق المغرب، انطلاقا من تأويل مغرض لـ«معاهدة للا مغنية» (7) المبرمة بين المغرب وسلطات «الجزائر الفرنسية» (مارس 1845). وقد سار خلفه من الحكام العامين الفرنسيين للجزائر على نهجه في قضم وضم مناطق مغربية شاسعة في الصحراء الشرقية (8)، تمتد على مساحة ألفي كيلومتر من الشمال إلى الجنوب.
ومن المفارقات الغريبة أن بعضا من حكام الجزائر المستقلة، بقيادة الراحل هواري بومدين، تبنوا السياسة التوسعية نفسها نحو «الغرب»، فتم اقتطاع إقليم تندوف غداة استقلال الجزائر، بالرغم من وجود السلطات المغربية على رأسه وممارسة إدارته...
وقد تجنب المغرب مواجهة هذا التوسع العدواني لسلطات الجزائر الجديدة، لأنه كان يثق في تعهدات «الحكومة الجزائرية المؤقتة» بفتح مفاوضات ثنائية، مباشرة بعد الاستقلال، لتصحيح الوضع الترابي الطبيعي الذي أفسده الاستعمار الفرنسي (9).
ولقد نشبت «حرب الرمال»، في أكتوبر 1963، أساسا، بسبب إقدام سلطات الجزائر الجديدة، بعد التحرير، على محاولة الهيمنة على أراض مغربية محاذية للحدود الشرقية المغربية، في تخوم فجيج (10). ومنذ هذا التاريخ أصبح خط السياسة التوسعية نحو الغرب، وصولا إلى المحيط الأطلنتيكي، هاجسا متحكما في تفكير وسياسة الأوليغارشية المعادية، الآخذة بناصية القرار الجيو- سياسي الجزائري، بذريعة «المشروعية الثورية». وفي هذا السياق تم افتعال النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية سنة 1975، على خلفية الحصول على منفذ سالك إلى المحيط الأطلنتيكي، عبر إقامة «دويلة صحراوية» تابعة، تحت شعار مزيف: «دعم حق تقرير مصير الشعب الصحراوي».
وبالإضافة إلى انسداد الأفق السياسي في وجه سياسة التوسع المحموم نحو الغرب، بفضل صمود وكفاح المغرب، سياسيا وميدانيا ودبلوماسيا، انضاف هاجس آخر أصبح يأخذ بخناق الأوليغارشية المعادية للمغرب، وهو هاجس الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة، في ما يتعلق بالحل السياسي التفاوضي للنزاع، على قاعدة مقترح «الحكم الذاتي» في ظل السيادة المغربية.
وفعلا، فقد أصبحت قرارات الأمم المتحدة حول مركزية خيار الحل السياسي، وضرورة استئناف المفاوضات، ومسؤولية الجزائر في تسوية النزاع - مصدر إرباك غير مسبوق لاستراتيجية التوسع نحو الغرب، خصوصا بعد تعيين مبعوث جديد للأمين العام، وإدانة الأخير الصريحة لتورط البوليساريو في اختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة إلى المحتجزين بمخيمات تندوف، بتواطؤ ضباط من الجيش الجزائري، ونسفه - للمرة الرابعة - ادعاءات عَرابها، الجزائر، بأن لها «شرعية دولية» (11).
هذا، في الوقت الذي يؤكد فيه الأمين العام، أمام «مجلس الأمن الدولي»، إشادته بـ«تعاون المغرب» مع جهود الأمم المتحدة لتسوية النزاع، ويثمن مقترح «الحكم الذاتي» الذي تقدم به المغرب كأرضية «جدية»، و«واقعية»، و«ذات مصداقية» لإنهاء النزاع.
ومن أجل إجهاض هذا المتغير البناء في تقدير وموقف الأمم المتحدة من طرفي النزاع: الجزائر والمغرب، تفتقت «مواهب» الأوليغارشية على وضع شروط مسبقة للانخراط في جولة تفاوضية جديدة (12)، وتكثيف عناصر القطيعة التامة، عبر إغلاق المجال الجوي في وجه حركة الطيران المدني والعسكري المغربي، والتلويح بعدم تجديد اتفاق مرور الغاز الجزائري عبر المغرب إلى أوروبا، وكذا ترويج التصريحات الدعائية بالرفض المسبق لكل وساطة إقليمية أو دولية، وغيرها من المواقف «العنترية».
وتتفاحش هستيرية الأوليغارشية المعادية للمغرب لتطول الأقطار العربية الشقيقة: المملكة العربية السعودية وإمارة قطر، بسبب مواقفهما البناءة، المسؤولة من النزاع المصطنع حول الوحدة الترابية المغربية. كما يتفاقم هذيان خارجيتها المتهورة، التي لم يعد لها من شغل شاغل سوى المملكة المغربية، التي تقود قافلة الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية بمسؤولية وضبط النفس، غير عابئة بما يطاردها من مهاترات ولغط وضجيج.
وأمام اقتناع المجتمع الدولي بواقع الدور الجزائري كمصدر أساسي للنزاع المفتعل، وهو الدور الذي يتخفى - منذ سنة 1975 - خلف واجهة مصطنعة هي واجهة البوليساريو - شرعت الأوليغارشية الجزائرية في تنفيذ خطة تمويه فاضح، تروج لعدم انخراطها في الجولة الجديدة للمفاوضات التي تشدد عليها الأمم المتحدة، وذلك بغاية إجهاض هذه المفاوضات قبل أن تبدأ.
وارتباطا بهذه الخطة السياسية - الدبلوماسية الجديدة، فقد شرعت الأوليغارشية الجزائرية في تعبئة الجانب الروسي - الذي تربطها وإياه مصالح اقتصادية واستراتيجية مشتركة - لدعم هذه الخطة الماكرة، سعيا منها إلى إعادة إنتاج شروط «الحرب الباردة»، التي غذت النزاع المصطنع خلال سنوات مديدة (1975- 1991) (13).
ولقد دشنت الدبلوماسية الجزائرية التزام الرئيس عبد المجيد تبون بالسهـــر على عــودة النشاط الدبلوماســــــي الجزائــــري إلى «سابق عهده»، حيث كان يحتــل «موقــع الصــدارة على الساحــة الدوليـة» - كما قال - بسلسلة من الفشل المتوالي، في سياق سعيها المحموم (أي الدبلوماسية الجزائرية) إلى مطاردة الفعل الدبلوماسي المغربي، في واشنطن وباريس ومدريد وغيرها من عواصم القوى الدولية الوازنة، تحسبا لما تتسم به دبلوماسية المغرب من مهنية ومعقولية ومصداقية (14).
إن منطق هذه السياسة العدمية التي تضع العراقيل تلو الأخرى في طريق الحل السياسي التفاوضي للنزاع، إنما يوحي بخلفية التمهيد للتدرج في التصعيد، من القطيعة السياسية والدبلوماسية، إلى العدوان العسكري الغاشم - لا قدر الله- الذي يوظف المخزون الضخم من الأسلحة الهجومية المقتناة بعشرات الملايير من الدولارات (15)، هروبا إلى الأمام في ما يتعلق بالتسوية السياسية للنزاع من جهة، والتفافا على الأزمة الخانقة التي تلقي بظلالها الحالكة على حياة ومعيش وكرامة الشعب الجزائري الشقيق من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه، فإن سوء تدبير الشأن الداخلي وما ترتب عنه من أزمة اجتماعية خانقة، واحتجاجات شعبية هادرة من جانب، وفشل مشروع «الانفصال» الرامي إلى إضعاف المغرب وعزله عن محيطه الإفريقي، وما نجم عن ذلك من زعزعة الأمن والاستقرار في الفضاء المغاربي من جانب آخر - قد زجا بالأوليغارشية المغامرة في نفق مظلم، ليس له من منفذ سالك، سليم، سوى «عودة الروح»، والانصياع إلى حكم العقل، والقبول بسيادة منطق التجاور والتعايش في سلام ووئام مع الجيرة.
ولعل ما ينبغي للأوليغارشية المعادية، المتخبطة في دروب التيه والضلال، أن تستوعبه من دروس الأزمة الداخلية، وتستحضره من عِبر الفشل الخارجي أن سلاح «الانفصال» يظل محكوما بقانون الارتداد على من يُشهره (16)، وأن تصدير الأزمة لا يفيد في احتوائها، فأحرى في حلها. وفي ذلك «عبرة لأولي الألباب».
الأوليغارشية الجزائرية في مفترق الطرق
1- من الواضح الجلي أن الظرف الدقيق الذي يلف اليوم الشوط الأخير في مسار النزاع الجزائري- المغربي حول الصحراء المغربية، وهو المحور الرئيسي في إشكالية العلاقات المغربية - الجزائرية، قد أمسى (أي الظرف الدقيق) مرتكزا على ثلاثة معطيات لافتة - حاسمة:
أول هذه المعطيات، متانة وعمق الاندماج الإنساني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي والبيئي لأقاليمنا الجنوبية، مع المجموعة الوطنية الأخرى في ربوع المملكة، بفضل الروح الوطنية التي تسكن المغاربة حيثما كانوا مستقرين، شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا...
وقد اغتنى هذا الاندماج الشامل والمستدام بما تم، ويتم إنجازه في الأقاليم الجنوبية من جهود تنموية، وأوراش إنشائية، وبرامج تحديثية، أضحت مثالا يحتذى في مجال الإعمار والتعمير والعمران.
ثاني المعطيات، نجاح المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك في إحباط وإسقاط «أطروحة الانفصال» التي تم الترويج لها على مدى أزيد من أربعة عقود، وذلك بكشف خباياها «الاستراتيجية»، وتعرية خلفياتها التوسعية، والتحذير من مخاطرها على الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا والحوض الغربي للمتوسط. فلقد أدرك المجتمع الدولي خطورة اختلاق «دويلة» تفتقر إلى أبسط مقومات كيان دولتي، وتشكل قنبلة موقوتة تهدد سلامة وأمن واستقرار المنطقة المغاربية والمتوسطية.
ثالث المعطيات، لقد أبان المغرب على كافــــة الأصعــدة السياسيــة والميدانيــة والدبلوماسية، عن إرادة حديدية لا تفل في الدفـــاع عن وحدته الترابية، خلف جلالــــــــة الملك، والتصــدي بكل حــزم وعزم لكل المناورات الرامية إلى تكــرار ما فعلــــــه الاستعمار من اقتطــــاع أجــــــزاء من تــــراب المغرب وضمها إلى «المقاطعــــة»، التي كــــان يظن أنها ستظــــــل فرنسية إلى الأبــــد، وهي «مقاطعــة الجزائر الفرنسية» (1832- 1962).
وعلى ضوء هذه المعطيات - الحقائق، سيمكن فهم «خارطة الطريق» التي صاغها الأمين العام للأمم المتحدة، ضمن فقرات تقريره الأخير، والتي شملت التوصيات الحيوية التالية:
التشديد على احترام وقف إطلاق النار، ودعوة «مجلس الأمن» إلى رفع جميع القيود التي فرضتها جماعة البوليساريو على شرق منظومة الدفاع.
2- دعوة الجزائر إلى الانصياع إلى قرارات المجتمع الدولي، بتحمل مسؤوليتها القانونية والسياسية في جولات التفاوض المقبلة. وتشكل هذه التوصية الأممية إسقاطا قاطعا لادعاء الجزائر أنها طرف «مراقب».
3- الدعوة إلى معالجة الأوضاع المزرية للساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف، وهو وضع ازداد تفاقما بسبب جائحة «كوفيد- 19».
وتتحمل الجزائر مسؤولية دولية مزدوجة: مسؤولية إهمال القيام بحملة منظمة لتلقيح الساكنة المحتجزة، التي تُركت لنزوات مجموعة انفصالية مسلحة «ليست لها القدرة ولا الصفة والخبرة لتدبير الجائحة». أما الجانب الثاني من المسؤولية الدولية، فينصب على الرفض المتكرر للسماح «للمندوبية السامية لشؤون اللاجئين» بتسجيل وإحصاء ساكنة المخيمات.
4- الإشادة باحترام المغرب لوقف إطلاق النار، والتعاون الكامل مع «المينورسو» لوقف إطلاق النار.
وإذ تشكل هذه التوصيات الأممية امتحانا جديدا للأوليغارشية الجزائرية المناوئة لوحدتنا الترابية، التي بدأت منذ الآن، في مناورات التنصل من مسؤولية الانخراط الجاد في مفاوضات التسوية السياسية للنزاع - فإن تعاطيها، الإيجابي أو السلبي، مع الإطار السياسي- العملي للمفاوضات، كما ألمحت إليه التوصيات الأممية، ليشي بكل تأكيد بخلفية نواياها السلمية أو المبيتة لا ينبغي، في هذا الصدد، أن نتساءل عن مغزى إقدام الأوليغارشية المعادية على تغيير استراتيجيتها العسكرية في منطوق دستور بلادها، من أجل «شرعنة» نشر قواتها المسلحة خارج حدود الجزائر؟ أفلا يدعو ذلك إلى استكناه خلفية هذا المؤشر- النذير، الطارئ في سياق مشحون بتصعيد التوتر مع المغرب؟
وفي كل الأحوال، فإن المغرب الذي أفشل على مدى نصف قرن تقريبا سلسلة من المناورات السياسية والميدانية والدبلوماسية، ليوجد اليوم في حالة استنفار وطني دائم، دفاعا عن مصالحه العليا.
واعتبارا لما تبلور من قناعة راسخة لدى المجتمع الدولي بأهمية وحيوية تسوية النزاع المفتعل الذي طال أمده، والذي ظل يمارس تلويثا مفسدا لبيئة العلاقات السياسية الإفريقية والأممية - فإن الوقت قد حان لمطالبة «الاتحاد الإفريقي» بتصحيح ما سبق للأمين العام الأسبق لمنظمة «الوحدة الإفريقية» (إدم كودجو Edem Kodjo) من منح صفة العضوية لـ«جمهورية صحراوية» وهمية، في انتهاك فاضح، صارخ لـ«ميثاقها»، وذلك باستعادة حياديتها، وتعزيز مصداقيتها واسترجاع هيبتها.
كما يتعين مطالبة الأمم المتحدة بالعمل على شطب بند التداول الدوري، حول كيان مزعوم، مزيف، من جدول أعمال «اللجنة الرابعة» الأممية، تعزيزا لدينامية التسوية السياسية للنزاع.
ذلك ما يمليه منطق الخيار السياسي لتسوية النزاع الذي تبنته الأمم المتحدة، منذ إعلانها عن فشل نهج «الاستفتاء» (2004)، وهو الخيار الذي رسخته المملكة المغربية بمقترح «الحكم الذاتي» في ظل السيادة المغربية.
خاتمة:
لقد بلورت مناقشات ملف نزاع الصحراء المغربية في أروقة الأمم المتحدة، قبل اجتماع «مجلس الأمن الدولي» وأثناء اجتماعه، مدى الإجماع الدولي - باستثناء دولتين: روسيا ودولة أخرى - الذي تحظى به الرؤية المغربية، المسؤولة والبناءة، لتسوية النزاع المفتعل.
فقد جاء قرار «مجلس الأمن الدولي» (رقم 2602) (17) - الذي اعتبرته البوليساريو «نكسة خطيرة» (18)، مشددا على ضرورة استدامة سريان قرار «وقف إطلاق النار» (1991)، مؤكدا على استئناف جولات المفاوضات، بحضور الأطراف المعنية والمهتمة الأربعة (المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا)، ومنوها بسمو المقترح المغربي حول «الحكم الذاتي»، ومقررا تمديد مهمة المينورسو سنة كاملة، ومثيرا من جديد نكبة ساكنة مخيمات المحتجزين في تندوف، ومطالبا الجزائر بالسماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحصائهم وتسجيلهم.
وهي المبادئ والعناصر التي تجرأت الأوليغارشية الجزائرية - والناطقين باسمها - على التصريح برفضها، أياما قلائل قبل انعقاد اجتماع «مجلس الأمن الدولي»، للتداول حول ملف النزاع المفتعل.
أجل، فلا الأوليغارشية الجزائرية، ولا حلفاؤها الدوليون، المغرضون، لن يستطيعوا زحزحة المملكة المغربية قيد أنملة عن أرضها المحررة، المسترجعة منذ أزيد من أربعة عقود، طال الزمن أو قصر.
وليستحضر هؤلاء جميعهم ذاكرتهم المعطلة أن زمن «مؤتمر برلين» (1884) قد ولى إلى غير رجعة، وأن المشاريع التوسعية الموروثة عن قيادات عسكرية وسياسية تصدرت استراتيجية التوسع الترابي على حساب المغرب (1845- 1902) (الجنرال بيجو، الجنرال ديك دومال، دولاغى، الوزير ديكاسي...) قد أقبرت باستقلال هذا البلد الجار (1962)، وأن استراتيجية الراحل هواري بومدين، المستقاة - بدون روية وتبصر - من سياسة أباطرة الاستعمار البائد، والرامية إلى «ابتلاع» الصحراء المغربية - كما ابتلع الاستعمار الصحراء الشرقية - للتمدد نحو المحيط الأطلنتيكي، فقد تم إقبارها بدورها إلى أبد الآبدين؛ مما يسمح بإعادة فتح بوابة إقامة علاقات أخوية بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، قائمة على التعايش والتعاون والتشارك، في أفق تعزيز الأمن والاستقرار بالحوض الغربي للمتوسط من جهة، واستئناف مسيرة بناء «اتحاد المغرب العربي» من جهة أخرى.
هوامش:
(1) لقد أوضحنا في مكان آخر أن هذه الأوليغارشية المعادية للمغرب لا تمثل الدولة الجزائرية برمتها، ولكنها تحتل مواقع مفصلية، عسكرية وأمنية وسياسية في هيكلها، وتمارس طغيانا موصوفا يقاسي منه الشعب الجزائري قبل غيره من دول الجوار.
(2) من قبيل اتهام المغرب بالتجسس على شخصيات جزائرية! أو اعتبار تحرير معبر الكركرات من عبث البوليساريو عملا عدائيا، لأنه أسقط المراهنة المبيتة على التسلل إلى المحيط الأطلنتيكي عبر الصحراء المغربية.
(3) بلغت وقاحة الخطاب السياسي الأوليغارشي درجة التدخل المارق في الشأن الدبلوماسي المغربي، حينما بدأت الأوليغارشية الجزائرية تتجرأ على الاحتجاج على جوانب من الأنشطة الدبلوماسية المغربية التي لا تعنيها.
(4) انطلق «الحراك الشعبي» بالجزائر في 22 فبراير 2019، كل جمعة، ووصل في 6 ماي 2021 إلى 116 جمعة. وقد تقاطع معه، كل ثلاثاء، «حراك طلابي» جماهيري كل أسبوع. وقد تم تعليق «الحراك الشعبي» في حمأة انتشار جائحة «كوفيد- 19» لمدة عام، ثم استؤنفت فعالياته في نهاية فبراير 2021. وكانت شرارة اندلاعه رفض ترشح رئيس الدولة الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة؛ ويطالب نشطاؤه اليوم بتفكيك «النظام السياسي القائم منذ استقلال الجزائر عام 1962».
(5) انظر مقالنا المنشور في صحيفة «الأحداث المغربية»، بعنوان: «الجزائر: انسداد مقلق للأفق السياسي» بتاريخ 5 أكتوبر 2021.
(6) )توماس روبير بيجو (Thomas Robert Bugeaud ديك (Duc) إيسلي، مارشال فرنسا (ولد بليموج في 15 أكتوبر 1784، وتوفي في 10 يونيو 1849)، حاكم عام لـ«الجزائر الفرنسية». ويعد أحد كبار الضباط الفرنسيين الذين اشتهروا في عملية غزو واحتلال الجزائر خلال أربعينيات القرن التاسع عشر.
(7) على إثر انكسار الجيش المغربي، بقيادة سيدي محمد بن السلطان المولى عبد الرحمان، أمام الهجوم الكاسح الذي قاده الجنرال بيجو يوم 16 غشت 1844، والذي دارت رحاه في منطقة إيسلي على الحدود الجزائرية - المغربية، انعقدت مفاوضات لتحديد الحدود بين البلدين، وتم عقد معاهدة للا مغنية، في حواشي مدينة وجدة، بين (الكونت دو لا ريComte De (La Ruë عن فرنسا، والقائد أحمد بن علي عن المغرب، وقد تبين للسلطان المولى عبد الرحمان، بعد توقيع المعاهدة، أن ممثله في عقد «صفقة» تحديد الحدود قد غُرر به، حيث تمكن الطرف الفرنسي من الترامي على أراض مغربية.
(8) يتعلق الأمر بقوس الواحات المغربية في الصحراء الشرقية، واحات توات، القنادسة، تيدجكت، كولومب بشار، الساورة. وهي مناطق تقدر مساحتها بـ«أكثر من مليون ونصف المليون كلم مربع». وتحوي هذه المناطق المغربية المسيطر عليها معادن، بما في ذلك الغاز والنفط والحديد. وقد ظلت هذه المناطق محافظة على هويتها المغربية، إلى ما بعد احتلال الجزائر سنة 1830.
(9) من المعلوم أن محمد الخامس تغمده الله بواسع رحمته رفض عرض الجنرال دوغول، بفتح مفاوضات فرنسية - مغربية حول الأراضي المقتطعة من شرق المغرب. وكان سبب رفض جلالته الانخراط في المفاوضات المقترحة، هو التضامن مع الثورة الجزائرية.
(10) انظر مقالنا بعنوان: «الجزائر: انسداد مقلق للأفق السياسي»، مصدر سابق.
(11) يشير الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره إلى موظف صنيعة الجزائر بنيويورك بـ«ممثل البوليساريو في نيويورك»، وهو تكذيب قاطع لادعاءات الجزائر بكون البوليساريو تتوفر على «تمثيلية» لدى المنظمة الأممية. ومما لا ريب فيه، فإن ثبوت صلات البوليساريو بالمنظمات الإرهابية في الساحل وفي غرب إفريقيا، كما كشفت عنه وسائل الإعلام الدولية، قد جعل المنتظم الأممي يكتشف الوجه الآخر، الإرهابي، لصنيعة الجزائر.
(12) من هذه الشروط: اشتراط خروج السلطات المغربية من معبر الكركرات، ومطالبة «مجلس الأمن الدولي» بإعطاء «ضمانات» تنظيم «استفتاء»... وغيرها من الاشتراطات المسبقة، التي ترمي إلى نسف جولة المفاوضات قبل أن تبدأ.
(13) تتبنى موسكو، منذ اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، لهجة متشددة في النزاع لصالح موقف الأوليغارشية الجزائرية، خاصة ما يتعلق بـ«مقترح الحكم الذاتي»، وبإعلانها لموققها «الرافض لتغيير وضع الصحراء». وليس من المستبعد أن تدفع روسيا بذراعها العسكرية غير المباشرة (مجموعات )ڤاغنر (Wagner المقاتلة) إلى منطقة «تندوف»، في حدود الصحراء المغربية، كما فعلت في ليبيا والساحل بمالي، وفي مناطق أخرى. ومن الأهمية بمكان التذكير بإقدام روسيا على «احتلال» أو «استعادة» جزيرة القرم، ضدا على اعتراض واستنكار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وتشي هذه المفارقة بمنهجية العمل بازدواجية صارخة في المواقف والأفعال، وبانتهاك واضح لمبادئ القانون الدولي، وفي صدارة مبادئه: احترام سيادة الدول ووحدة ترابها.
(14) وقد تكبد اللوبي الجزائري بواشنطن فشلا ذريعا في إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالتراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء، كما فشل في الضغط السياسي والاقتصادي على فرنسا، لزحزحتها عن موقفها الثابت في موضوع نزاع الصحراء المغربية، كما فشل في إقناع مدريد بقرار وقف تزويدها بإمدادات الغاز عبر الأنبوب الذي يمر بالمغرب، وهو «أنبوب الغاز المغاربي».
(15) حسب المعهد الدولي للدراسات حول السلام بستوكهولم (SIPR)، فإن الجزائر قد أنفقت عام 2019 وحده، أزيد من 10,33 ملايير من الدولارات الأمريكية لاقتناء أسلحة هجومية، وتمثل نفقاتها على السلاح ربع ما تنفقه الدول الإفريقية برمتها. كما يمثل إنفاقها على اقتناء الأسلحة 6 في المائة من ناتجها القومي الخام، وتحتل بذلك الرتبة الثانية عالميا في الإنفاق العسكري. ويلاحظ أن ارتفاع الإنفاق العسكري الجزائري بـ10 في المائة، ينجم عنه ضياع في نسبة النمو الاقتصادي من 4 إلى 5 في المائة.
(16) تجسد حالة ساكنة منطقة «القبائل» الجزائرية، التي ترفع نخبها السياسية والثقافية مطلب «الاستقلالية»، مثالا حيا على فعالية قانون الارتداد في لعبة التوسع الترابي التناورية، التي تقوم على مدار «الانفصال/ الضم Scission/Annexion».
(17) صوت لصالح هذا القرار الحاسم الذي تمت صياغته من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ثلاثة عشر عضوا من أعضاء «المجلس» الخمسة عشر، وامتنعت كل من روسيا ودولة أخرى عن المصادقة عليه.
(18) لمزيد من توضيح دلالات القرار، الصريحة منها والضمنية، انظر إفادة ناصر بوريطة، وزير خارجية المغرب، المدلى بها في الندوة الإعلامية، التي عقدها لإعلام المغاربة بصيغة ومضمون القرار الأممي الجديد حول نزاع الصحراء المغربية.