من خلال موقعه في الإدارة بمؤسسة الجيش سنة 1988، كان هشام عبود يعيش وسط الأحداث، رغم أنه لم يكن في الشارع، حيث يفترض في الصحافي أن يكون. لكنه من خلال منصبه في ديوان إدارة المؤسسة العسكرية حيث عمل تحت إدارة جنرالين من أسوأ العسكريين سمعة في الجزائر، كان قادرا على متابعة التقارير التي كانت ترد من الولايات من مختلف ربوع البلاد. وهو ما جعله يكوّن قناعة تأكد له من خلالها أن الجيش هو الذي صنع الأحداث العنيفة لمظاهرات أكتوبر 1988.
صحافي وجنرال
لو كان الجنرال خالد نزار يعلم أن الصحافي السابق وقتها، والموظف العسكري الجالس إلى مكتبه، على بُعد أمتار منه، يتابع الأحداث في قلق، سوف يكتب مذكرات مدوية بعد سنوات على الأحداث، لربما عزله من منصبه قبل بدء المظاهرات.
لكن قدر هشام عبود اختار له أن يعيش تلك الأحداث الدامية من خلال التقارير التي كانت تصل تباعا والمكالمات الهاتفية الساخنة التي تؤكد وقوع أحداث تخريب في مناطق الجزائر في وقت متطابق.
يروي هشام عبود كيف عاش لحظات ذلك اليوم من داخل الإدارة: «في ذلك اليوم، الخامس من أكتوبر 1988، كانت الجسور مقطوعة تماما بين مختلف إدارات السلطات العليا للدولة. اعترف وزراء بأنهم لم يكونوا قادرين على الاتصال ببعض المسؤولين لمعرفة ما يقع. رئاسة الجمهورية لم تقم أبدا بأي اتصال لمعرفة أي تطورات عن الأحداث. في مقر الإدارة العامة للأمن الوطني، كان رئيس البوليس، محمد بوزبيد، يلعب دور الميت في مكتبه بينما كانت عناصره تُضرب بقسوة على يد المتظاهرين. لقد أعطى أمرا واحدا فقط خلال بداية ذلك اليوم: عدم إطلاق النار على المتظاهرين، ولا حتى طلقات في الهواء لتفريقهم».
حتى المدير العام للأمن الوطني في الجزائر كان مُتجاوزا، ولم يكن يعرف تفاصيل المخطط الذي أدى إلى دخول البلاد في حمام دم وتخريب لمؤسسات الدولة والممتلكات العامة. كان تهييج المتظاهرين وتشجيع الشباب على اقتحام الأماكن العمومية وإضرام النار في السيارات وضرب رجال الأمن الذين كانوا ممنوعين من استعمال أسلحتهم، عملا هندسه الجنرالات وزرعوا رجالا من المخابرات وسط المتظاهرين لتحويل أهداف المظاهرات التي خرج الجزائريون أساسا من أجلها.
وبعد ذلك منح الجيش الشرعية لعناصره لكي تستعمل الرصاص الحي لـ«السيطرة على الوضع».
القصر المهجور
الكل كان يتساءل ماذا يقع داخل القصر الرئاسي في العاصمة الجزائر. بعض الصحافيين الذين كانوا في مقرات جرائدهم، وحتى مراسلو الوكالات الدولية الذين كانوا يتجولون وسط الخراب ويتأملون مقرات الإدارات التي تعرضت للتخريب والإفراغ من الأثاث وإتلاف للأقفال، كانوا يريدون معرفة ماذا يقع داخل القصر الرئاسي. لكن الوصول إليه كان من سابع المستحيلات.
يقول هشام عبود: «ماذا كان يقع وراء أسوار القصر الرئاسي؟ منذ العاشرة صباحا، كان الرئيس الشاذلي في اجتماع بمكتبه مع خلية أزمة مكونة من الجنرال العربي بلخير، مدير ديوانه، والجنرال مولود حمروش، السكرتير العام، وخضيري وزير الداخلية، وعبد الحميد ابراهيمي رئيس الوزراء، ثم محمد شريف المسؤول عن الأمن في الجيش».
يضيف هشام عبود أن مسؤولين آخرين التحقا بالاجتماع وهما الكولونيل توفيق والكاتب العام للحكومة محمد المحمدي.
وحسب عبود دائما، فإن هذه الاجتماعات استمرت خمسة أيام كاملة. وكانت النتيجة وقوع تعديلات على مستوى المسؤوليات، أي أن بعض الأشخاص خرجوا رابحين من تلك الاجتماعات اليومية، في وقت كانت البلاد عرفت عمليات تخريب وإتلاف للممتلكات العامة، واعتداءات على المواطنين.
تم استثناء الوزير الأول من اتخاذ القرارات. بل إن رئيس الجمهورية نفسه لم يكن مطلعا على التقارير التي توصل بها الجيش من مختلف النقط. أي أن الجيش كان المؤسسة الوحيدة التي لديها معلومات موثوقة ومضبوطة عما وقع في كل المدن الجزائرية. بينما لم يكن الوزير الأول يعرف أي شيء، وبقية الوزراء لا يحضرون أصلا الاجتماع لمعرفة حقيقة الأزمة التي تمر بها البلاد التي يشتغلون فيها وزراء. والعجيب، حسب عبود دائما، ألا أحد منهم كان يعرف أن الاجتماعات تُعقد في مكتب رئيس الجمهورية ويحضرها هؤلاء المسؤولون فقط دون غيرهم.