يحكي هشام عبود كيف قضى يوم أحداث الخامس من أكتوبر 1988 التي اشتعلت فيها البلاد بسبب تصريحات رئيس الجمهورية الذي ألقى خطابا ظاهره جريء وباطنه، كما يقول، يرسل شرارة اشتعال الشارع وتأهب الأجهزة الأمنية. يقول: «الأكثر من هذا، التقارير اليومية التي تعدها الاستعلامات والتي تشرف عليها الإدارة العامة للأمن الوطني، قدمت معلومة مصدرها منطقة عبسة، التي تبعد بـ17 كيلومترا عن العاصمة الجزائر، مفادها أن هناك مظاهرات سوف تشهدها العاصمة في اليوم الموالي. بل على جدران شوارع العاصمة أيضا، كانت هناك كتابات تدعو للتظاهر يوم 5 أكتوبر. منذ بداية الأسبوع، كانت هناك إشارات قبلية تتنبأ بأن المدينة سوف تشهد لحظات ساخنة جدا.
يوم عصيب
يقول هشام عبود: «في صباح ذلك اليوم، الخامس من أكتوبر 1988، كان كل شيء جاهزا. دخلتُ مكتبي، وكنت قد أوصلت جاري إبراهيم، وهو شرطي، وأنزلته أمام بناية الإدارة المركزية للأمن. وعندما كنا في الطريق، تحدثنا عما سوف يقع في ذلك اليوم. حيث لاحظنا، ونحن متفاجئان، غياب رجال الأمن من أمام الإدارات الرسمية. كما أنه لم يكن هناك أي رجال شرطة في الشوارع، بينما، في العادة، كان يتم نشر الأمن في كل مكان مع أصغر إشارة لاحتمال وجود أقل تجمع احتجاجي في مكان ما، حتى لو كان مجرد عملية خروج للجماهير من مباراة كرة القدم.
أما اليوم، لم يكن هناك أي وجود نهائيا لرجال الشرطة في شوارع العاصمة. ولا حتى ظل بذلة لرجال الأمن. والأمر نفسه ينطبق على رجال الدرك. مكاتب مخافر الدرك كانت كلها مغلقة منذ أشهر، والثكنات العسكرية تم إخلاؤها وسُلمت لإدارات مدنية.
لا وجود للجيش في العاصمة. هذا ما قرره المسؤولون الذين يقررون في شؤون البلاد. كما كان ممنوعا عليهم الظهور في المقاهي والأماكن العامة بلباسهم الرسمي. «لا وجود للجيش في العاصمة الجزائر»، وتلك كانت رغبة حليمة بن جديد، زوجة رئيس الجمهورية. وهي رغبة تتماشى تماما مع مخططات هادي خضيري، الذي كانت مخططاته نسخة من النظام التونسي: تحويل الجزائر إلى دولة بوليسية.
لكن في المساء، في أحياء باشا الشجرة وباب الواد، كانت هناك مواجهات بين قوات الأمن وشباب متظاهرين. وبناء على تقارير المخبرين، فإن تلك المواجهات نشبت بسبب استفزازات البوليس لأولئك الشباب».
مسلسل طويل
بدا اليوم، حسب ما يقوله هشام عبود، مملا وبطيئا، لكنه لم يكن كذلك في مكاتب كبار المسؤولين الأمنيين في الجزائر. ومسألة غياب الجيش من المشهد كانت مفهومة. فسيناريو 1988 كان مختلفا تماما عن أحداث 1992 التي تطرق إليها هشام عبود سابقا قبل أن يفصل في وقائع أكتوبر 1988 الذي كانت أحداثه أكثر سخونة من أي محطة توتر أخرى في العلاقة بين الأمن والجيش والمواطنين.
كان هشام عبود في ذلك اليوم مكتفيا بالتزام مكتبه، ولو أن فضوله الصحافي كان يضعه أمام دوامة كبيرة من الأسئلة. وهذه المحطة شجعته كثيرا لاتخاذ القرار لاحقا ومغادرة إدارة الجيش والعودة إلى قاعات التحرير وملاحقة الأخبار.
مما يُحسب لهشام عبود أنه لم يدع بطولات يوم 5 أكتوبر 1988. إذ وضح أنه كان يراقب الوضع من مكتبه، ليفهم مثل الكثيرين غيره سر غياب الجيش طيلة أسابيع سبقت تلك الأحداث. إذ كانت هناك رغبة خفية لدى الذين وضعوا مخططات للوصول إلى ذلك اليوم المشهود، تجر الأمن إلى مواجهات مباشرة مع الشارع، في مقابل أن يبقى الجيش بعيدا عن أي توتر، لكي ينزل إلى الشارع في اللحظة المناسبة، وتعلن حالة الطوارئ في البلاد. كيف عاش هشام عبود هذه التطورات؟ ولماذا قام العسكريون بالانسحاب وترك البلاد على صفيح ساخن من المواجهات بين البوليس والشعب، في وقت كانت فيه الأجهزة السرية تتفرج وترفع التقارير إلى الجنرالات.