في حرب العصابات داخل الجيش على السلطة، كانت هناك مجموعة من الأعراف. مثلا، كان هناك بعض الأتباع لشخصيات مثل الكولونيل حمروش، الذي ينتمي إلى جهاز الدرك الوطني الجزائري. وهؤلاء اعتمدوا عليه جيدا لكي يوصلهم ويربطهم بالوزارات.
وعندما وصل بعضهم إلى مناصب في رئاسة الجمهورية، ظلوا أوفياء لهذا الكولونيل الذي وصلوا بفضله إلى السلطة.
يقول هشام عبود بهذا الخصوص: «في تلك الفترة، كان من الموضة تقديم الأشخاص لأنفسهم على أنهم «حمروشيون»، أي من أتباع الكولونيل حمروش. لقد كان عددهم كبيرا، حتى أنهم أصبحوا مثل تيار سياسي».
ويبقى الجنرال بلخير أبرز الشخصيات التي يدين لها الموظفون السامون بالولاء، ويحاولون إظهار الاحترام له في كل المناسبات، خصوصا أمام أفراد عائلاتهم ومعارفهم.
حزب الأتباع
كان هؤلاء الموظفون وأصحاب المناصب العليا الذين يعيشون الرفاهية، يمثلون تيارا سياسيا قائم الأركان. ولو أنهم انخرطوا في العملية السياسية لظهر أن أعدادهم تفوق أعداد المنخرطين في بعض الأحزاب السياسية الصغيرة. وعلى عكس السياسيين الذين كانوا معارضين منبوذين ومنسيين، فإن هؤلاء الموظفين السامين كانوا خلايا نشيطة ومؤثرة أيضا، يشكلون الحياة السياسية حسب نزعاتهم واحتياجاتهم إلى المال والسلطة.
يقول هشام عبود إن الاشتغال مع هؤلاء الناس كان مُرهقا ومكلفا أيضا. المزاجية والاتصالات الهاتفية هي التي كانت تُسير البلاد. لم يكن هناك أي دور للمؤسسات الدستورية والقانونية. يكفي أن يعلن أحد المسؤولين أنه من أتباع الكولونيل الفلاني، أو من أصدقاء الجنرال فلان، حتى تُفتح له الأبواب الموصدة، وقد تتحول رغبة بسيطة له في الفوز بامتياز أو عرقلة مشروع ما، إلى قانون تنفذه الحكومة وتصادق عليه، دون الحاجة إلى الرجوع إلى البرلمان أو إلى الأحزاب.
قصة!
القانون نفسه الذي ينطبق على الفوز بالامتيازات، ينطبق على عملية مغادرة والعودة إلى السلطة. قد يفقد المسؤول كل صلاحياته فجأة، ثم يستعيدها بعد أن يظن الجميع أن أيام مجده في المسؤولية انتهت. يقول هشام عبود: «هناك مثال لاسترجاع السلطة. وهو للجنرال إسماعيل العمري. في سنة 1989، كان برتبة ليوتنان كولونيل عندما قام الجنرال بتشين، بواسطة تعليمات من جهات عليا، بإبعاده دون سبب. في ذلك الوقت لم يكن العمري بالقوة نفسها التي عليها اليوم. وذهب وقتها ليشتكي إلى فريق الجنرال بلخير. فوجئ الجنرالات بسرعة قرار الجنرال بتشين، وطلبوا منه التراجع عنه والأخذ بعين الاعتبار الفترة العصيبة التي كان يمر بها إسماعيل، حيث كان قد فقد والده للتو. بعد فترة، عاود الجنرال بتشين مهاجمة إسماعيل، ووصل الأمر حد اتهامه بالتجسس لصالح المخابرات الفرنسية. وقد استدعوني للشهادة ضد إسماعيل. رفضتُ، وذهبت إلى الجنرال بتشين وقلت له إنني لست من النوع المناسب لكي يستعملني في حرب «القادة». إسماعيل كان موضوع تجسس من طرف الأجهزة الأمنية. كانوا يستمعون إلى مكالماته الهاتفية، يلاحقونه، يراقبون مسكنه، إلخ.. أياما بعد ذلك، تمت ترقيته إلى منصب محقق عام في إدارة الأمن العسكري، تحت قيادة الجنرال توفيق. سنة بعد ذلك، وبعد أربع وعشرين ساعة مضت على إحالة الجنرال بتشين على التقاعد، رقي إسماعيل إلى منصب مدير مكتب مكافحة التجسس في الجناح الجديد للاستعلامات والأمن، وهو المنصب الذي ظل يحتفظ به إلى اليوم».
طبعا، فإن هشام عبود يتحدث عن الفترة التي ألف فيها هذا الكتاب، أي قبل عشرين سنة بالضبط. لكن الحقائق التي كشفها لم يسبقه إليها أي أحد، ولا تزال هذه التفاصيل التي ذكرها هنا، مرجعا لكل الجزائريين لفهم ما يقع داخل بلادهم إلى اليوم.
هذا التناقض داخل المؤسسة العسكرية والأمنية جعل عددا من المسؤولين الكبار في الدولة لا يثقون أبدا في قرارات الإعفاء، رغم أن بعضهم ارتكبوا أخطاء قاتلة عندما حاولوا الانتقام من بعض الوجوه التي تم إبعادها من السلطة، إذ إن بعض الذين غادروا من النافذة، عادوا إلى نعيم المسؤولية من أوسع الأبواب.