كان الطفل ريان يلعب ويمرح بجانب منزله بجماعة تمروت دوار ازغار بإقليم شفشاون، مساء الثلاثاء الماضي، قبل أن تلتهمه حفرة في غفلة منه، هي في الأصل بئر عميقة وضيقة ومظلمة وغير مسيجة، ليظل وسطها لأكثر من 40 ساعة وهو يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، بينما تصارع بالخارج أطقم الإنقاذ من مصالح الوقاية المدنية والسلطات الإقليمية والمحلية ومصالح الدرك الملكي، والمؤسسات المنتخبة وسكان المنطقة، من أجل إنقاذه بكل الوسائل والطرق الممكنة، حيث تم تجريب نزول شاب نحيف بالبئر الجاف الذي لا يتعدى قطره 30 سنتمترا، لكن باءت محاولته بالفشل ولم يتمكن من الوصول للقاع لإنقاذ الطفل.
تداول العديد من رواد المواقع الاجتماعية قصة محاولات إنقاذ ريان بقرية نائية بشفشاون، فتحولت عملية إنقاذه إلى قضية رأي عام وطني، كما تناقلتها وسائل إعلام دولية باهتمام كبير، ناهيك عن تأثير حادث سقوط ريان في البئر في نفوس المغاربة، الذين رفعوا جميعا أكف الضراعة إلى العلي القدير بأن يخرجه سالما معافى ويعيده إلى والديه وأهله، حيث ظلت والدته تكابر من أجل إظهار الصبر والتحمل، لكنها كانت تصاب بحالة إغماء بين الفينة والأخرى لصعوبة تحملها وجود فلذة كبدها في غربته بقاع بئر كانت فرق الإنقاذ تظن أن عمقها يصل حد 60 مترا، قبل أن يتم التأكد من العمق بواسطة كاميرات وتقنيات حديثة، ويظهر أن الأمر يتعلق بـ32 مترا فقط.
بعد محاولة فاشلة لنزول شاب إلى قاع البئر الضيقة والمظلمة من أجل إنقاذ ريان، حيث كان يصل الشاب عمق 30 مترا ويجد صعوبات كبيرة في اجتياز حجرة تضيق الممر، حضرت جرافات ضخمة صباح الأربعاء الماضي لجماعة تمروت، وشرعت في الحفر بجانب البئر لإحداث ثقب كبير مواز للبئر، ومن ثم تنفيذ عملية استخراج الطفل بطريقة تتطلب مجهودات مضاعفة، حيث تستمر الفرق التقنية لمصالح الوقاية المدنية بإرسال الماء والأوكسجين لريان بقاع البئر، ومراقبته بكاميرات متطورة، في حين لا تكف الآليات الضخمة عن الحفر وسط تجمع سكاني يزداد بتزايد ساعات الحفر وطول مدة عملية الإنقاذ.
سقوط واستنفار
سقط ريان في البئر مساء الثلاثاء الماضي، وعندما أصاب عائلته اليأس من العثور عليه، انتبهت إلى أن البئر الخطيرة بجانب المنزل بدون غطاء، فتم التأكد من وجوده داخلها بعدما التهمته في غلفة منه عندما كان يلعب بالمكان، حيث تم إنزال هاتف نقال بكاميرا مشغلة، ليظهر أن ريان يصارع الموت بقاع البئر، وتم الاتصال فورا بالسلطات المحلية لتقوم الأخيرة بإشعار كافة المؤسسات المعنية من مصالح الدرك الملكي والقوات المساعدة ومصالح الوقاية المدنية، فضلا عن إشعار النيابة العامة المختصة، والشروع في عملية الإنقاذ بتجريب نزول شخص لقاع البئر بدون جدوى.
وفي صباح الأربعاء وصلت جرافات ضخمة لعين المكان، فتم الشروع حوالي الساعة العاشرة صباحا في عمليات حفر ضخمة لإحداث ثقب مواز للبئر الذي يوجد به ريان، كما تم تعزيز فرق مصالح الوقاية المدنية بمعدات وتقنيات متطورة، تم من خلالها تصحيح معلومة عمق البئر من 60 مترا إلى 32 مترا بالضبط، واكتشاف حالة ريان داخل البئر حيث تبين استمراره على قيد الحياة، كما تم مده بالماء والأوكسجين لضمان استمرار صموده حتى الوصول إليه من قبل فرق الإنقاذ.
وفي حدود الساعة الثامنة مساء، وصل عامل إقليم شفشاون رفقة مسؤولين آخرين لعين المكان، قصد الوقوف بشكل ميداني على تنفيذ عملية إنقاذ الطفل ريان، وقد تواصلت عمليات الحفر بالليل باستعمال الأضواء الكاشفة، كما تم منع الشاب الذي فشل في محاولتين من معاودة محاولة ثالثة للنزول لقاع البئر، وذلك بسبب غياب شروط السلامة والوقاية من الأخطار، ولا جدوى تكرار العملية في ظل ضيق قطر البئر الذي يتم حفره بواسطة آلة «الصوندا».
وأشرفت على عملية إنقاذ الطفل ريان مصالح ولاية جهة طنجة - تطوان - الحسيمة، حيث يوجد الوالي محمد مهيدية دائم الاتصال بالسلطات الموجودة بعين المكان، لإطلاعه على آخر المستجدات، وتأكيده على بذل كل الجهود لإنقاذ ريان بأقصى سرعة ممكنة، والعمل على توفير شروط السلامة وتأمين السكان الذين تجمعوا بالمكان، والحذر من بعض الاقتراحات التي لا تخضع لمعايير علمية في الإنقاذ.
وتم إعطاء تعليمات من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بتوفير أطقم طبية وتمريضية بمكان إنقاذ الطفل ريان، فضلا عن توفير سيارة إسعاف مجهزة بالمعدات اللازمة، مع استنفار المستشفى الإقليمي محمد الخامس بشفشاون لاستقبال ريان عند إنقاذه بحول الله، سيما واستمرار مقاومته من أجل البقاء داخل تجويف بقاع البئر، ورصدته كاميرات المراقبة وهو يتحرك.
تطوع وعجز
أصبحت الصفحات الفيسبوكية المشهورة على طول المستوى الوطني، تغلي بالمتطوعين الذين يعلنون تطوعهم من أجل المشاركة في إنقاذ الطفل ريان، حيث وصلت فرقة إنقاذ جبلية تابعة لجمعية تمارس هواية الاستغوار بشفشاون، وتم تجريب نزول أحد أعضاء الجمعية المذكورة لقاع البئر، لكن ما إن وصل المكان الضيق حتى اصطدم بمشكل استحالة الاستمرار في النزول، وطلب جره للأعلى، حيث أخبر فرق الإنقاذ المرابطة بالمكان أنه سمع أنين ريان بقاع البئر المظلم.
خلال الساعات الأولى من صباح الخميس، وصل متطوع من مكناس، واعتقد جميع الحاضرين أنه سيقوم بعملية استخراج ريان من البئر بنجاح، وتمت الموافقة من قبل اللجنة المكلفة على نزوله لقاع البئر، لكنه اصطدم بنفس مشكل ضيق البئر على مسافة حوالي 30 مترا، ليتم إعلان فشل المحاولة.
وبعدها بنصف ساعة ظهر متطوع آخر قال إن بإمكانه النزول لقاع البئر الضيقة، لكن ما إن تم تجهيزه بالمعدات اللازمة، والتأكد من شروط السلامة والوقاية من الأخطار، حتى ظهرت عليه علامات الخوف والارتباك، فتم التخلي عن عملية إنزاله وتطوعه، والعودة لاستئناف عملية الحفر الضخمة لإحداث بئر موازية للثقب الذي يوجد داخله الطفل ريان.
حفر الموت
تنتشر مجموعة من حفر الموت بإقليم شفشاون، والتي تهدد حياة الإنسان والحيوان، حيث لا يتجاوز قطرها سنتمترات وتكون بعمق يصل أكثر من 70 مترا، ويتم حفرها بآلة «الصوندا» لاستخراج المياه الجوفية من أجل استغلالها في سقي مساحات من الأراضي الخاصة بزراعة القنب الهندي.
وطالبت مجموعة من الجمعيات المهتمة بالبيئة بجهة طنجة - تطوان - الحسيمة، السلطات المختصة والمسؤولة عن المراقبة، بضرورة الضرب بيد من حديد بقوة القانون على من يقومون باستغلال المياه الجوفية بشكل عشوائي بشفشاون والمناطق الأخرى بالشمال، فضلا عن القطع مع ظاهرة حفر آبار بدون رخصة بواسطة آلة «الصوندا».
وأعطيت تعليمات من قبل الجهات المسؤولة، بالتنسيق بين كافة المؤسسات المعنية، للعمل على طمر كافة الثقوب العشوائية التي تم إحداثها بمنطقة شفشاون، حماية للملك العام المائي، ومنع تكرار حوادث سقوط الانسان والحيوان داخل هذه الآبار العميقة والضيقة، بسبب غياب شروط السلامة والوقاية من الأخطار، والاستعمال العشوائي من قبل السكان.
وذكر مصدر أن السلطات المحلية والإقليمية وجميع المصالح الخارجية المسؤولة أصبحت مطالبة بمضاعفة المراقبة بمناطق نائية بشفشاون، لمنع إحداث ثقوب مائية لاستغلال عشوائي للملك العام المائي، مع ما تخلفه هذه العشوائية من مشاكل تتعلق بالإضرار بالفرشة المائية، ناهيك عن تحولها إلى فخاخ تصطاد الإنسان والحيوان وتهدد حياة وسلامة السكان.