أرسل إلي الأخ العقاد من جدة فيديو عن شاب مصري، أن ثمة تجارب أجريت على الفئران (طبعا في أمريكا، أم السحر)، بحيث أطعموا بكميات كبيرة من الطعام، فكانت النتيجة تحول الفئران إلى «كانيباليزم»، أي بدأت تأكل بعضها البعض وتغتصب الفئران القوية الإناث، ثم آل أمرهم إلى الانقراض. ليختم (الداعية العصري) التجربة، أنه لم يكن يفهم الآية من سورة «الشورى»، حتى رأى التجربة، «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض». وهكذا قام هذا الداعية العصري، بالاعتماد على أدلة الكافرين لنصرة الدين. وهذا المنحى الإيديولوجي يأخذنا أيضا إلى سراديب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فنكذب على الله ونفتري عليه. وهنا نرى أثر المسخ العقلي والتشويه العلمي، ولكن أقنية الفيديو اليوم تنشر من التفاهات أكثر من المفيد من المقالات، وأحيانا وبطريق الصدفة أنظر عدد المشاهدات عندي، فأجدها مثلا 39 مشاهدة، ليكون بعدها الحديث عن رقاصة بطن وعندها مشاهدات بمقدار مليون مشاهدة، وأحيانا أرى أرقام مليونية لأسئلة تافهة، مثل من لا يجوز التصدق عليه، أو من يدخل جهنم؟ فنحن هكذا أصبحنا بوابين لمعرفة من يدخل الجنة، وممن نصيبه النار. وهكذا المهم أنه حقق مشاهدات مليونية، وحصد من «اليوتيوب» ما لا في مخالفة لما كان يردده الأنبياء «ويا قوم لا أسألكم عليه مالا». وهذا الموضوع حققت فيه أنا، واطلعت على تجربة تروي أثر الجوع على الصحة. فقد قفز العلماء قفزة جديدة في التفكير، في محاولة تفكيك آلية تأثير الصيام، وكيف يملك الجوع قوة الشفاء؟ فوضعوا أيديهم على (أنزيم) تحرره الأنسجة مع الجوع هو «السيرتوئين Sirtuin»؛ فقالوا: ماذا لو حقنا الجسم بهذه المادة السحرية، وبدون الجوع، فهل ستكون النتيجة واحدة؟ أي تحقيق أثر الجوع صناعيا بدون جوع. وهكذا بدأ الأطباء يجربون عقارا يحقق الأثر نفسه بدون الجوع المديد، هو «الريزفيراترول Resveratrol». ولكن هل سيصل الفريق العلمي إلى قهر الشيخوخة والعمر المديد والصحة الوافرة، فلا تكدر بمرض أو تعكر بهم وحزن وألم؟ وهل سيحققون طول العمر، مع صحة متدفقة وشيخوخة ناعمة، دون نصب، وهم في الغرفات آمنون؟ لقد أظهر الصيام المتتابع أنه يبقي الكائن بصحة جيدة، بل ويطيل العمر 50 في المائة! هذا ما أظهرته التجارب على العناكب والسمك والفئران، وأخيرا قردة الريسوس. فهل ينطبق على بني البشر، ما ينطبق على العناكب والسمك والجرذان والفئران؟
وتبدأ القصة من جامعة «ويسكونسين Wisconsin» من «ماديسون Madison»، من مركز الأبحاث الوطني للحيوانات البدائية بأمريكا «Wisconsin National Primate ResearchCenter»، حيث انطلقت التجربة على القرود عام 1989م ولمدة 17 سنة متتالية، بعد تحققها على كائنات بدائية مختلفة، وقامت التجربة على وضع 30 قردا بعمر عشر سنوات، من نوع الريسوس «Rhesus Monkeys»، في مجموعتين من الأقفاص، ضم كل قفص 15 قردا؛ فأما المجموعة الأولى التي ينتسب لها القرد «أوين Owen»، فقد سمح لها أن تأكل لما فوق الشبع، وتلتهم كل طعام بدون تحديد الكالوري، فأكلوا كما جاء في الحديث: «الكافر يأكل بسبعة أمعاء والمؤمن يأكل بمعي واحد».. وأما المجموعة الثانية التي ينتسب لها القرد «كانتو Canto»، فقد حرمت من الطعام، وجُوعت وقُتر عليها، وحدد الكالوري بكمية أقل بـ30 في المائة مما تحتاج، وهكذا صامت صوما مديدا لمدة سبع عشرة سنة ويزيد، مع هذا تمت مراعاة إطعام الفريقين من حاجتهما اليومية من المعادن والماء والفيتامينات. ولكن الطعام كان مباحا بدون حدود لمجموعة القرد «أوين»، ومحرما وناقصا بمقدار الثلث لمجموعة القرد «كانتو». فأما الفريق الأول فملأ من شحم عضديه، وأما الفريق الثاني فبات يصوم ويشد على بطنه. وكان الباحث «ريشارد فاين دروخ RichardWeindruch» يراقب العملية بصبر ودقة وإحصاء، وبعد كل هذه المدة؛ فقد بلغ كلا الفريقين من القرود في المجموعتين العمر الافتراضي 26 عاما، بحيث يمكن مقارنة شيخوخة كل فريق مع الآخر. وهنا بدأت الفروق جلية كما قال الباحث، فأما مجموعة «أوين» فقد ظهر فيها التجعد على الوجوه، مع تكوم الكروش، وتشحم الكبد، والضعف العام، والهمة الفاترة، وتساقط الشعر، والانكماش في المكان، والكسل في الحركة، وتهدل الجلد، مع عيون غائرة انطفأ فيها لمعان الحياة، في ظل شيخوخة طامة ونكس قاتل. كان منظر «أوين» من مجموعة «تحشية» الأمعاء، بما لذ وطاب بدون حدود عجيبا، من كتف معلق، وعيون غائرة، وكرش مدلاة، وإذا قدمت له موزة رفع ذراعه بصعوبة وتثاقل، ومد يدا ترتجف.
أما «كانتو» من المجموعة الصائمة فكان رشيقا نشيطا، بدون كرش، بجلد مشدود، يقفز بفرح، ويسلم على الزوار بمرح، ويتناول طعامه برشاقة، ويقشر الموزة بخفة، ويلتهم محتواها بشغف، جلده مرن مطاطي، ووجهه عامر طافح، وتلمع عيونه بالحياة.. وكان جل طعامه من الفاكهة...
هذه التجربة الرائدة كان القصد منها الوصول إلى السؤال الأزلي، الذي طرحه جنكيز خان على الحكيم الصيني، هل من طريق للأبدية؟ وهنا في الطب ليس من أبدية، بل جواب الحكيم الصيني للطاغية المنغولي: يا سيدي ليس عندي من إكسير للحياة الأبدية، ولكن في قدرتي أن أنصحك كيف تعيش حياة مديدة بصحة طيبة.
نافذة:
أظهر الصيام المتتابع أنه يبقي الكائن بصحة جيدة بل ويطيل العمر 50 في المائة هذا ما أظهرته التجارب على العناكب والسمك والفئران وأخيرا قردة الريسوس