من الصعب حمل الحقيبة الديبلوماسية في بلد لا يمر التيار الديبلوماسي بشكل سلس بينه وبين بلدك. قد تحمل أوراق اعتمادك وتصبح سفيرا كامل الأوصاف، لكن النوم سيجافيك فقط لأنك تتنفس هواء علاقات فيها مد وجزر.
هذا ما حصل لأغلب السفراء المغاربة الذين عينوا في الاتحاد السوفياتي قبل أن يتم حله وينقسم على نفسه. كانت العلاقات المغربية- الروسية تعيش على وقع المد والجزر، حيث لم تشهد استقرارا واضحا إلا بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس عام 2016 إلى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، وتوقيعهما على معاهدات استراتيجية.
لكن لغز هذه العلاقات المتشنجة يكمن في مفارقات عجيبة تجعل المناخ السياسي بين البلدين مختنقا، مقابل انتعاش اقتصادي إذ إن حجم المبادلات التجارية بين البلدين ظل في ارتفاع.
ظل المغرب لسنوات يصنف زعيمة المعسكر الشرقي في خانة البلاد الأحوج إلى تعامل حذر، حيث ساد منطق «العداء ثابت والصواب يكون»، خاصة بعدما سجل التاريخ دعم الروس لخصوم وحدتنا الترابية، قبل أن يقول الملك محمد السادس في خطاب 20 غشت 2014 إن المغرب مستقبلا سيتعاون مع دول أخرى بما فيها روسيا.
لهذا كان تعيين سفير مغربي في موسكو يحتاج إلى تفكير طويل، ويخضع لكاستينغ من نوع خاص، علما أن تعيين السفراء يخضع في مجمله لمسطرة طويلة، ويتوقف عند القرار النهائي للدول المعنية، التي يجب أيضا أن تستشار قبل ذلك أو أثناءه وتعطي موافقتها على أن يعتمد سفير لديها، وهذه محطة غالبا ما تكون طويلة حين يتعلق الأمر بموسكو.
في الملف الأسبوعي نتوقف عند "بروفايلات" ديبلوماسيين مغاربة عاشوا مد وجزر العلاقات بين الرباط وموسكو، وساهموا في بعث أشعة دفء لعلاقات مهددة بالبرود الديبلوماسي.
لشهب.. عجز عن المشاركة في المونديال لاعبا فشارك فيه سفيرا
لم يكتب للاعب الوداد والمنتخب المشاركة في المونديال لاعبا، لكن القدر ساقه إلى روسيا ليعيش أجواء المونديال وهو سفير للمغرب، في بلد قضى فيه إحدى عشرة سنة قبل أن يحال على التقاعد.
مباشرة بعد انتهاء مباراة الحسم في أبيدجان بتأهل المنتخب المغربي إلى مونديال روسيا 2018، بعد طول جفاء مع الحدث الكروي الكوني، خرج سفير المغرب في روسيا عبد القادر لشهب، اللاعب السابق للوداد البيضاوي والمنتخب المغربي، إلى الساحة الحمراء في موسكو للتعبير، إلى جانب أفراد من الجالية المغربية، عن سعادتهم بالحدث الذي أدخل الفرحة على كل مكونات الشعب المغربي خاصة الجالية المغربية المقيمة في روسيا.
لا يعرف الكثير من مناصري المنتخب الوطني الوجه الخفي للديبلوماسي لشهب، الذي شارك في إعداد ملف تنظيم المغرب للمونديال والترويج له في مونديال روسيا، وساهم في تذليل صعاب الجماهير المغربية التي حضرت المونديال.
كان عبور لشهب في الوداد محفوفا بالألقاب، وعلى امتداد المواسم الأربعة التي قضاها في صفوف الفريق البيضاوي حقق ثلاث بطولات وثلاث كؤوس للعرش وكأس محمد الخامس، وأصبح صانع ألعاب رفقة نجوم الفريق الوطني بالرغم من مشاغله الجامعية.
ويعد لشهب سليل أسرة وجدية مقاومة، فوالده كان مقاوما فذا في المنطقة الشرقية، وأسدى قيد حياته خدمات جليلة للوطن على غرار ابنه الذي اختار الكرة والديبلوماسية، بعدما كان سفيرا في ملاعب الكرة وسفيرا في المنتديات الديبلوماسية في كل من كندا واليابان ثم روسيا، علما أن أول منصب ديبلوماسي ناله كان في سويسرا ضمن منظمة «الغات».
جاء الفتى عبد القادر إلى الدار البيضاء لاستكمال دراسته الجامعية، فضمه الوداد إلى صفوفه بعد موافقة فريقه السابق الاتحاد الاسلامي الوجدي. كان يفضل الدراسة على ممارسة الكرة، رغم تألقه كلاعب جيد مع الوداد الرياضي وصانع ألعاب مع المنتخب الوطني، لكنه ظل يفضل الدراسة على الكرة.
ولأن لشهب مارس كرة القدم على مستوى عال، سواء في الوداد أو المنتخب الوطني، فهو يحرص على استضافة البعثات المغربية، سواء للمنتخب أو الوداد، من حين لآخر، كما فعل عندما كان سفيرا في اليابان، إذ استقبل بعثة فتيان الوداد أثناء مشاركتهم في دوري دولي في اليابان، كما استضاف أعضاء بعثة المنتخب الوطني في روسيا قبل مواجهة نظيره الروسي وديا.
الطعارجي.. محام مراكشي عينه محمد الخامس ومدد له الحسن الثاني
من أبرز الأحداث التي أنعشت تاريخ العلاقات بين المغرب والاتحاد السوفياتي، زيارة الملك الحسن الثاني إلى موسكو في شهر أكتوبر 1966، حيث تم خلالها التوقيع على اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والبث الإذاعي والتلفزيوني والمجال الاقتصادي بترتيب تام من البشير بلعباس الطعارجي، سفير المغرب آنذاك.
في علاقته بموسكو، كان الملك الحسن الثاني، عند آخر زيارة له إلى الاتحاد السوفياتي أواسط الستينيات من القرن الماضي، أظهر للسوفيات أنه لن يكون صديقا حميما لموسكو، ما دام حكامها يدعمون علنا أنظمة تعادي المغرب بل وتخطط لاغتيال الملك.
أما أسباب الجفاء بين الملك الحسن الثاني و"الكرملين"، فتعود إلى سنة 1965 عندما قرر الملك الحسن الثاني إيقاف اتفاق تعاون عسكري بين الرباط وموسكو، وتعويضه ببرنامج عسكري أمريكي قدم عرضا مغريا للمغرب، حيث اضطر مدربون طيارون سوفيات كانوا يقيمون في القاعدة الجوية بالقنيطرة إلى مغادرة المغرب على الفور تاركين وراءهم طائرات روسية كانت هدية إلى المغرب سنة 1960، حصل عليها الملك الراحل محمد الخامس سنة فقط قبل وفاته.
في العام الموالي زار ليونيد بريجنيف، رئيس المجلس الأعلى للاتحاد السوفياتي، المغرب، فقال عن الملك محمد الخامس وخليفته الحسن، إنهما يعتبران فاعلين مهمين في السياسة الإفريقية والعربية، ومنشغلين كذلك بالسياسة الدولية، إلا أن السياسة الداخلية والخارجية للمملكة المغربية ما زالتا تحت تأثير الدولة الفرنسية، خاصة السياسة الاقتصادية.
في السنة نفسها حل السفير الطعارجي بالرباط رفقة إنستاس إيفانوفيتش ميكويان، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء السوفيات، حين قال الحسن الثاني عبارته الشهيرة للوفد السوفياتي: «لا تنسوا خصائص القارة الإفريقية حيث إن المناخ يجبر الأشخاص أن يمشوا بسرعة دون التفات».
لم يغير الحسن الثاني السفير المراكشي البشير، رغم أنه عين من طرف والده محمد الخامس، وذلك لمعرفة الملك بأفراد عائلة الطعارجي ودورها، فسفير المغرب في موسكو هو ابن العالم والقاضي والمؤلف المشهور عباس بن ابراهيم الطعارجى المتوفى في أواخر الخمسينات، أما البشير فكان محاميا في عهد الحماية بمراكش ونفي إلى أكادير فقط لأنه تحدى سلطات الكلاوي وأصر على إقامة حفل زواجه بطريقة عصرية.
في تقاليد تعيين سفراء المغرب في موسكو، يحضر دائما الهاجس الأمني، لذا جاء اختيار البشير لهذا المنصب موفقا لأنه يجمع بين الترافع والحس الأمني، إذ تقلد مهمة نائب المدير العام للأمن الوطني امحمد لغزاوي، كما عين عاملا على مراكش وانتهى به مركب الوظائف السامية في كرسي وزير العدل.
المعطي جوريو.. رئيس جامعة كرة القدم سفيرا في موسكو
من الصعب تدبير الشأن الديبلوماسي في عز حرب ضروس دفاعا عن الصحراء، لقد عين المعطي جوريو سفيرا للمغرب في الاتحاد السوفياتي، حين كان هذا البلد في قلب نزاع الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر، بل إن حكومة بريجنيف سارعت إلى البحث عن دور لها في هذا النزاع خلال الحرب الباردة، حيث استطاعت روسيا أن تمارس قدرا واضحا من التأثير في النزاع الجزائري -المغربي حول الصحراء، خصوصا على مستوى الأمم المتحدة لتلعب دورها الجيوسياسي الأكثر إثباتا للوجود في هذا النزاع الإقليمي.
كان جوريو يعلم مدى انحياز البوليساريو إلى الاتحاد السوفياتي طمعا في دعم المعسكر الشرقي، خاصة وأن نواة هذه الجبهة ظهرت في البداية بأفكار ومنطلقات اشتراكية تحررية، لذا استعان بخبرته الميدانية والأكاديمية في العلوم السياسية، وحسه الأمني الذي يعد شرط عين لشغل منصب حساس في بلد كالاتحاد السوفياتي.
لقد تقلد المعطي في ما بين عامي 1964 و1971، منصب الكاتب العام لوزارة الداخلية، كما شغل منصب رئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وساهم في تأهل المنتخب المغربي لمونديال المكسيك سنة 1970، أي أن الرجل جمع السياسة بالرياضة، كما شغل منصب وزير للفلاحة.
لم يتم الزج بالمعطي في معترك الديبلوماسية دون أن يخضع لتمرين ميداني، فقد عين سفيرا للمغرب في رومانيا في زمن تشاوشيسكو وعاش واقعة موت علال الفاسي في بوخاريست، قبل أن ينتقل لعام واحد إلى موسكو سفيرا للمغرب، وعند وصوله إلى هذا البلد نظم مباراة ودية بين المنتخب المغربي ونظيره السوفياتي في المغرب أملا في زرع الدفء في العلاقات الباردة بين بلدين تباعد بينهما الجغرافيا والإيديولوجيا، وبعد قضاء سنة واحدة تقرر تعيينه سفيرا للمغرب في إسبانيا علما أن جذور عائلته من الأندلس، ثم عين سفيرا للمملكة لدى ليبيا، ثم سفيرا في كندا، قبل أن يتم تعيينه سفيرا لدى واشنطن، مع ملاحظة جوهرية تتمثل في أن الرجل لم يكن يقضي وقتا طويلا على رأس الديبلوماسية المغربية في الدول التي حمل فيها صفة سفير باستثناء رومانيا.
كانت مهنة أجداد جوريو ترتبط بالأساطيل البحرية، استوطنوا سلا والرباط، هناك دخلوا محراب العلم وانخرطوا في الحركة الوطنية، وعرفوا بالدين والتقوى وتطوع الكثير منهم للتدريس ومحاربة الجهل خاصة في مدارس جسوس بالرباط.
عبد السلام زنيند.. خبير ملف الصحراء يعين سفيرا بروسيا
في عز الأزمة الروسية حمل عبد السلام زنيند، القيادي في صفوف حزب الأحرار، أوراق اعتماده وحل بموسكو سفيرا للمغرب خلفا لرفيق الحداوي. كان الحسن الثاني يعلم أن السياسة الخارجية للرئيس بوريس يلتسين، تهدف إلى اعتراف العالم بروسيا كدولة سيادية، وتطبيع العلاقات مع الغرب، وتجاوز تداعيات الحرب الباردة من جهة، وبناء علاقات جديدة مع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
كانت روسيا تعيش على وقع الاحتقان ومحاولات الانقلاب والانفصال، والاستئناس مع اقتصاد السوق، فكان السفير المغربي يعيش هذا التحول بأدق تفاصيله، لكن اختياره يرجع لأنه كان ملما بملف الصحراء بأدق تفاصيله بل إنه كان رجل ثقة أحمد عصمان الذي سهر على القضية منذ البداية، علما أنه شغل منصب كاتب الدولة لدى الوزير الأول مكلف بالشؤون العامة، واعتمد عليه الحسن الثاني في التحضير للمسيرة الخضراء.
وعلى المستوى الديبلوماسي، سبق لزنيند أن عين سفيرا في كل من العراق ولندن وموسكو، وكان ناجحا في تعزيز مستوى التعاون بين بلده والدول التي اشتغل بها، بل إن بغداد التي تعد محطة اختبار للكفاءات الديبلوماسية والسياسية، لازالت تذكر عبوره بالرغم من سطوة تيار حزب البعث.
بيد أن عبد السلام سيكون آخر من جمع حقائبه وعاد إلى المغرب في اليوم الأول الذي اندلعت فيه الحرب العراقية- الإيرانية، بدعوة من الحسن الثاني. سيعود زنيند وزيرا في حكومة التناوب لعام 1998 منتدبا لدى وزير الخارجية، مكلفا بالشؤون المغاربية والعالم العربي والإسلامي، فقد حط الرحال في الوزارة التي كان ينتسب إليها في بداية مساره السياسي، وبعد أقل من عامين، عين وزيرا للنقل والملاحة التجارية، كما سبق له أن عين وزيرا للسياحة، إلا أن الماء الذي كان يجيد السباحة فيه لم يكن سوى عالم الشؤون العامة، ولذلك فإن مروره من وزارات عديدة لم يترك الأثر الذي انطبع به مساره في كتابة الدولة في الشؤون العامة، وفي التعاطي مع ملف الصحراء.
ظل اسم عبد السلام زنيند حاضرا في أذهان أبناء وزان، فالرجل الذي كان برلمانيا للمدينة ساهم في فك العزلة عنها وأسمع صوتها في قبة المجلس التشريعي مرارا.
رفيق الحداوي.. نهاية مأساوية لسفير عاش انهيار الاتحاد السوفياتي
كان رفيق الحداوي صديقا للوزير القوي إدريس البصري، وكان هذا الأخير يمنحه بين الفينة والأخرى تعيينات في قطاعات اجتماعية بالخصوص، قبل أن يبعده إلى روسيا ليعيش هناك حدثا تاريخيا غير مسبوق.
ظلت الرباط تتابع تقارير الحداوي حين شرع شيوعيون محافظون معارضون لإصلاح الاتحاد السوفياتي في صيف عام 1991، في القيام بانقلاب ضد رئيسه الذي كان يمضي إجازة بشبه جزيرة القرم، لكن محاولتهم أحبطت بفضل المقاومة التي قادها الرئيس، وقد وجهت الضربة القاضية لسبعين عاما من الشيوعية وحسمت مصير الاتحاد السوفياتي.
كان الحسن الثاني يتابع تفاصيل هذا الحدث الذي حول الاتحاد السوفياتي إلى بؤرة سياسية، وفي عز الاحتقان الروسي استقبل الملك السفير يوري ريباكوف بالقصر الملكي بالرباط، وتابع رفيق الخطاب الذي وجهه العاهل إلى السفير قائلا بالحرف: «أطلب منكم تبليغ كلماتي إلى رئيس الاتحاد السوفييتي. شخصيا لا أحب الشيوعيين، الأمريكان أصدقاؤنا، لكن يجب الحفاظ على الاتحاد السوفياتي عبر كل الوسائل دون استعمال الدبابات. العالم كالإنسان، يجب أن يقف على رجلين، والعلاقات الدولية تستوجب التوازن».
بذل مستشار السفير الروسي مجهودا كبيرا بتنسيق مع السفير يوري ورفيق الحداوي، كي لا يصل مضمون الخطاب للرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي. لكن مقام السفير في موسكو لم يستمر سوى عامين قضاهما في تتبع بؤر النزاع التي انتشرت كالفطريات.
انتهى المطاف بالسفير المغربي في سجون المملكة بعد أن غابت المظلة التي حمته لسنوات، فقد كشف تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أحدثها البرلمان والتي ترأسها البرلماني رحو الهيلع، حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن فضيحة من العيار الثقيل تتعلق باختلاس مليارات الدراهم من مالية الصندوق، وتعد من أبرز قضايا نهب المال العام في المغرب.
كان المتهم الرئيسي في هذه القضية هو رفيق الحداوي، السفير والمدير العام السابق للصندوق، الذي أُدين ابتدائيا بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ سنة 2016، وجرى تأكيد هذا الحكم استئنافيا، كما قررت المحكمة مصادرة ممتلكاته وأداءه غرامة على وجه التضامن مع محكومين آخرين لفائدة الدولة المغربية.
الصبيحي سفيرا مغربيا يخترق الشيوعية ببعثة دينية
بتنسيق مع عبد الهادي الصبيحي، سفير المغرب في الاتحاد السوفياتي خلال نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، استدعت حكومة الاتحاد السوفياتي وفدا دينيا مغربيا لزيارة أقطار الاتحاد السوفياتي وجمهورياته الإسلامية، ولعب ضياء الدين بباخانوف دورا في تنظيم الرحلة، بعد موافقة الحسن الثاني.
جاءت في مجلة "دعوة الحق" بعض تفاصيل هذه البعثة الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين: «غادر الوفد الإسلامي المغرب متوجها إلى موسكو في اليوم العشرين من شهر ماي حيث وصلها في اليوم التالي في الساعة السادسة مساء بعد أن قضى ليلة بمدينة بروكسيل العاصمة البلجيكية، وترأس الوفد معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد بركاش وعضوية كل من عبد الرحمن الدكالي، وعبد الله كنون، وعبد الكبير الفاسي، ومحمد بنعبد الله».
ولدى وصول البعثة إلى موسكو، كان في الاستقبال وفد هام يتقدمه عبد الهادي الصبيحي، سفير المغرب، والشيخ ضياء الدين باباخانوف، رئيس الإدارة الدينية لمسلمي آسيا الوسطى وكازاخستان، وممثلو الحكومة، وفي مقدمتهم بارمينكوف إلكس، القائم بأعمال الرئيس لمجلس الشؤون الدينية لدى رئاسة الحكومة، ماكارتسف بوطر، نائب رئيس المجلس في الشؤون الدينية للاتحاد السوفياتي، شويدوف رئيس قسم إفريقيا بوزارة الخارجية الذي كان سفيرا لبلاده في المملكة المغربية، وميراغطموف مير صالح، عضو المجلس الديني ووكيله في جمهورية أوزبكستان، وكادوكوف ميخائيل من موظفي المجلس، وتشيمودين مراسل وكالة نوفوستي وإمام مسجد موسكو وعضو بهيئة الإدارة الدينية لمسلمي أوربا وصربيا أحمد جان مصطفى، كما جاء في إحدى كتابات بركاش.
وكان أول عمل قام به أعضاء الوفد في اليوم التالي هو زيارتهم للمجلس الأعلى للشؤون الدينية بمدينة موسكو، حيث كان في استقبالهم بارمينكوف أليكس، الذي دعاهم للاطلاع على الحرية التي يمارس المسلمون بها شعائرهم الدينية في الاتحاد السوفياتي في أمن وسلام، وأن يقفوا في عين المكان على الجهود التي تبذلها الحكومة الاتحادية لإسعاد المواطنين المسلمين روحيا.
بعد البعثة الدينية وجد السفير المغربي الذي شغل المنصب نفسه في الكويت، ذاته ضمن البعثة السياسية التي زارت المغرب، رفقة الرئيس نيكولاي بودغورني في أبريل 1969.
ستالين يرفض حضور مؤتمر أنفا الداعم للاتحاد السوفياتي
زار الرئيس الأمريكي السابق، فرانكلين روزفلت، مدينة الدار البيضاء في 12 يناير 1943، حيث استقر في «فيلا» لا تبعد كثيرا عن فندق أنفا الذي احتضن في اليوم الموالي مؤتمر أنفا بحضور الرئيس الأمريكي، والرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والجنرال الفرنسي هنري جيرو، ثم السلطان محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن إلى جانب القاضي محمد بن ادريس العلوي.
كان موضوع الاجتماع الطارئ هو التنسيق بين الحلفاء في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، التي ستنتهي بعد مؤتمر أنفا بعامين، كما كان اللقاء فرصة لطرح موضوع استقلال المغرب الذي ساهم في انتصارات الحلفاء بانتداب جيش من المغاربة حاربوا في صفوف الفرنسيين، وبالنسبة للحلفاء، فقد كان المؤتمر مناسبة لتحديد الإجراءات العسكرية التي يتعين اتخاذها ضد الجيوش الألمانية.
استمر هذا المؤتمر السري عشرة أيام بحضور زعماء العالم، مع تسجيل رفض رئيس الاتحاد السوفياتي حينها جوزيف ستالين الحضور، ورغم ذلك اتخذ المجتمعون قرارات كبيرة تتعلق بالحرب، واتفقوا على استراتيجية عسكرية وسياسية لهزيمة جيوش ألمانيا واليابان وإخضاعهما، وأنهوا المؤتمر بالتوقيع على ما تم الاتفاق عليه في نقاط محددة أبرزها مطالبة قوات المحور (جيوش ألمانيا وإيطاليا واليابان والنمسا ورومانيا) بالاستسلام دون شروط.
كما اتفق المجتمعون على مواصلة دعم الاتحاد السوفياتي، وغزو صقلية وإيطاليا من جهة تونس، وتحديد إدارة مشتركة لجميع القوات الفرنسية في الحرب من قبل الجنرال جيرو والجنرال ديغول.
تابع ستالين عن بعد أشغال المؤتمر، وظل السفير المغربي عبد الكريم بن سليمان يحيط القيادة السوفياتية بتفاصيل اللقاء ومحاضر جلساته في مؤتمر تلقى فيه الملك محمد الخامس وعدا من الحلفاء بنيل المغرب استقلاله بعد انتهاء الحرب. تابع الحلفاء تنفيذ قرارات مؤتمر آنفا في مؤتمرات أخرى عقدت بالقاهرة وطهران ومالطا في غياب القيادة السوفياتية.
عبد الكريم بن سليمان أول ديبلوماسي مغربي لدى الروس
رغم أن بداية تاريخ العلاقات الروسية – المغربية ترجع لأواخر عام 1777، حين عرض سلطان المغرب محمد بن عبد الله، على امبراطورة روسيا يكاتيرينا الثانية، إقامة علاقات تجارية بين البلدين. وتم في نونبر 1897 افتتاح قنصلية عامة للإمبراطورية الروسية في مدينة طنجة، وتعيين عبد الكريم بن سليمان وزيرا مفوضا لدى الروس، إلا أن العلاقات الديبلوماسية بين البلدين لم تسجل رسميا إلا بتاريخ فاتح شتنبر عام 1958.
منذ عام 1921 سجلت بلادنا وصول الموجة الأولى من الروس، حين انتقل إلى المغرب نحو 250 شخصا من البحارة المتعلمين وعاملي البناء والميكانيكيين والكهربائيين والسائقين، بموجب عروض عمل قدمها مسؤول الإدارة الفرنسية في المغرب، كان دخولهم عبر تونس التي كانت أول محطة لهم قبل الانتقال إلى الجزائر، إلا أنهم تحت وطأة الأزمة الاقتصادية في أوروبا والوضع المتدهور في الجزائر، اضطروا للبحث عن فرص حياة جديدة في المغرب، ملتحقين بمن سبقهم إلى هناك، فقد وفر الوضع الاقتصادي والسياسي في المغرب في ذلك الوقت ظروفا مادية أفضل للعيش مما كانت عليه الحال في فرنسا نفسها أو في المستعمرات الفرنسية في إفريقيا.
شارك نحو خمسة عشر ألف جندي روسي، تحت لواء فيلق فرنسا الأجنبي، تاركين وراءهم العديد من القبور الروسية في مقابر المغرب العسكرية، في الصحراء الكبرى وجبال الأطلس، أما الباقون على قيد الحياة فاستقروا في المغرب بعد فترة الخدمة، وباتوا جزءًا من المجتمع الأرثوذكسي، بل جزءا من المجتمع المغربي، كتجار صغار وحرفيين وعمال، انضموا إلى المهندسين والأطباء وأصحاب المهن الحرة الأخرى.
من الصعب تحديد حجم الجالية الروسية في المغرب في مراحل مختلفة من تاريخها. فما كتبه الأسقف الروسي في الرباط، غينادي غيروف، عن أنه «في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين كان يعيش في الرباط خمسة آلاف روسي فقط، وكان هناك أكثر من ثلاثين ألفا في جميع أنحاء البلاد»، ويرجح الكاتب أن هذا الرأي قد لا يتوافق مع الواقع، ولا يمكن في تلك الفترة تحديد حجم الجالية الروسية بالأرقام، فما يصدق على الرباط لا يصدق على جميع نواحي المغرب. فبسبب الجمع بين العوامل الجغرافية والسياسية والاقتصادية، استغرق تكوين الجالية الروسية في المغرب فترة طويلة نسبيا (من 1922 إلى 1940) مقارنة مع البلدان الأوروبية.
لكن للوجود الروسي في المغرب امتدادات أعمق، ففي نونبر عام 1899، عندما دخلت السفينة الروسية المدرعة «بيتروبافلوفسك» ميناء طنجة، عرض قائدها على الراغبين الصعود على ظهر السفينة لمشاهدتها. وخلال ثلاثة أيام زار السفينة 300 مغربي، معظمهم جاؤوا من المدن الداخلية للمغرب.
وأشار باخيراخت، في أحد تقاريره إلى وزارة الخارجية، إلى تقييمه الإيجابي لهذا العمل، وأنه انتشرت في المغرب شائعات عن قوة روسيا ورحابة صدر وكرم البحارة الروس. وحسب التقرير نفسه، فإن المغاربة أخذهم العجب بالكامل، لأنه لم يسبق أن دللتهم قيادة أجنبية أخرى كما أتاحت لهم روسيا ذلك.
قبل هذه الفترة كان عبد الكريم بنسليمان قائما بأعمال المغرب في روسيا، قبل أن تأخذ العلاقات الديبلوماسية منحى آخر، حين عينت وزارة الخارجية الروسية بطرس بوتكين، الوزير المفوض، مديرا للقنصلية العامة للإمبراطورية الروسية في المغرب، الذي حال استلامه مهام عمله في شتنبر سنة 1907، طرح على مسؤوليه موضوع تحويل القنصلية العامة إلى بعثة دبلوماسية ومنحه درجة سفير فوق العادة ووزير مفوض.