أرقام مرعبة تلك التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط حول توزيع نسبة الفقر على خارطة البلاد، وسرعة انتشاره بين الفئات المحرومة الأشدّ فقرا والفئات الأقل فقرا. والواقع أن أرقام المندوبية أكدت حقيقة واحدة يعلمها القاصي والداني، مفادها أن ليس هناك من عدو للمملكة المغربية في الماضي والحاضر والمستقبل أكثر من الفقر المزمن الذي بدأت رقعته تتسع بشكل مثير للقلق. فقد أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن حوالي 3,2 مليون شخص إضافي تعرضوا إلى التفقير منذ 2014 وفقدان ما يقرب من سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة، وأنه في 2022 عادت وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب إلى مستويات سنة 2014.
أكثر من ذلك، من المنتظر أن يتراجع مستوى معيشة الفرد بنسبة 8 في المائة لدى الأسر الأقل يسرا، وتنخفض النفقات الغذائية بنسبة 11 في المائة، فهذا يعني أننا مقبلون على أيام سوداء ربما تأتي على الأخضر واليابس في حال عجز السياسات العمومية عن خلق نوع من العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية والمجالية.
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو أين كان المسؤولون الذين تناوبوا على الحكومات خلال الولايات الأخيرة؟ أين تبخر ذلك الخطاب المعسول حول التنمية ونحن نرى الفقر يمد رجليه؟ أين سياسات محاربة الفقر التي اتضح في الأخير أنها سياسات لمحاربة الفقراء؟
إن الفقر لم يعد يُقاس فقط من خلال معدّل الأجر الأدنى للفرد، وارتفاع معدلات البطالة، وإنّما أصبح فقرا "متعدّد الأبعاد" يأخذ بعين الاعتبار النّفاذ للخدمات الأساسية والحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية، خاصّة التعليم والصحّة، وما لم يتم تحقيق إصلاحات في الخدمات العمومية ستظل محركات جدلية لتغذية توسّع رقعة الفقر والتهميش في البلاد وإعادة إنتاجها بشكل دوري.
ومهما كانت خطط الحكومة ووصفاتها لمواجهة هذه الآفة الاجتماعية يحتاج المغرب، للقضاء على الفقر، إلى كسب الرهان ضد ثلاث معضلات: الفساد والريع والاقتصاد غير المهيكل، أحدها يغذي الآخر ويزيد في مراكمة ثروات القلّة المستفيدة على حساب غالبيّة الشعب المغربي الذي يرزح تحت عتبة الفقر. مليارات الدراهم التي تذهب سنويا إلى جيوب الفساد والتهرب الضريبي والريع بإمكانها تقديم الكثير من الحلول لجحافل الفقراء والعاطلين عن العمل.