ليس هناك من وضوح أكثر مما قاله ناصر بوريطة، أول أمس، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيرته البلجيكية، حجة لحبيب، في زيارة رسمية تجريها إلى المغرب، عندما قال لا يمكن للشركات الجنوب إفريقية أن تجني الأرباح داخل البلاد، وتستمر في مشاهدة ماذا تعمل بلادها. والحقيقة أن بوريطة أعطى المعنى العملي والإجرائي لما قاله الملك، في خطابه بمناسبة ذكرى «ثورة الملك والشعب»، على إن بلادنا تنظر إلى العالم عبر «نظارة» الصحراء المغربية، وإن ملف الصحراء هو مقياس صدق الشراكات مع الدول الأخرى.
صحيح أن ما قاله بوريطة استوجبه سياق خاص ينطبق على جنوب إفريقيا، التي تجاوزت كل التقاليد والأعراف الدبلوماسية، بعد قيادة أعضاء من الحكومة لاحتجاجات أمام السفارة المغربية ببريتوريا، لكن هذا المبدأ ينطبق على الجميع ممن يريد الزبدة وثمن الزبدة وبائعة الزبدة، دون أن يؤدي مقابلا، فلا يمكن أن نسمح لأي دولة بأن تحصل شركاتها على مصالح مالية كبرى ببلادنا، وفي الوقت نفسه تفعل تلك الدول كل ما يمكنها فعله للمس بوحدتنا الترابية.
الأمر واضح للغاية كل الشركات والاستثمارات مرحب بها في بلدنا، الذي اتخذ إجراءات غير مسبوقة لتحسين مناخ الاستثمار، لكن على الشركات التي تكن دولها عداء دفينا لبلدنا، وتتحرك جاهدة لاقتطاع جزء من أراضيه، أن تختار بين أمرين إما إيقاف أنشطتها والعودة إلى بلدها، أو إظهار التزام أخلاقي في أن يكون عملها داعما للوحدة الترابية، وهذا ليس خصوصية مغربية، بل إن لعب ورقة الضغط الاقتصادي لضمان نوع من التوازن الدبلوماسي أمر معمول به في كل النزاعات بين الدول، مهما كانت أسبابها.
ما صرح به بوريطة يعني شيئا واحدا، هو نهاية حياد المصالح الاقتصادية تجاه المواقف الدبلوماسية المعادية، أو بتعبير آخر أن الدولة المغربية من أعلى سلطة فيها إلى أصغر مواطن، ترفض جني الشركات الدولية لأرباح مالية في بلدنا، إلا أنها تظل قادرة على المحافظة على صمتها في ظل عدوانية وعدائية دولها. وهذا يعني أن أصحاب الرأسمال المستثمر ببلادنا مطالبون بالضغط على مسؤولي بلدهم، لدفعهم نحو اتخاذ قرارات متوازنة ومحايدة.