لكل فريق مغربي ضحاياه الذين قدموا أرواحهم قرابين لفرجة رخيصة، منهم من تمت مكافأته بقراءة الفاتحة على أرواحهم، ومنهم من ودعناه في حفل تأبين ومنهم من دخل قبو النسيان. كلما انتهت مباراة «الديربي» وتحول حي المعاريف إلى منطقة منكوبة وتخلصت الأحياء الراقية من هدوئها، ترقبنا الأفظع حيث يرابط الصحافيون أمام ولاية الأمن لجرد أسماء المعتقلين، فيما يرابط آخرون أمام أقسام المستعجلات لإحصاء عدد المصابين من ضحايا مباراة ظاهرها فرجة كروية وباطنها معارك لا تنتهي، أما المقابر فتستقبل «شهداء» الكرة في اليوم الموالي لمباراة استثنائية.
في اليوم الموالي لمباراة الغريمين، يحصي كل طرف خسائره، فيكتب الفريق المهزوم بلاغا ناريا يبرر الدم المسكوب على «الديربي»، وتتوسع دائرة الضحايا لتشمل كل أطراف المباراة من مشجعين وأمنيين وحكاما ولاعبين ومدربين وصحافيين، وكل من له علاقة بالمباراة.
يغادر «الديربي» المدينة ويحولها إلى سيدة ثكلى تبكي خسائرها، ويعيش الأهالي حالة ذعر قصوى، لكن الموعد الدامي يضرب لنا موعدا جديدا بعد شهور ليعيد نفس السيناريو، لهذا تحولت المواجهة الكروية بين الغريمين إلى مقصلة سنوية، بل إن مباريات «الديربي» في العالم أصبحت تخضع لتدابير استثنائية، حتى أن منظمات دولية أصبحت تنعى ضحايا ديربيات عديدة كانت فاتورة الدم فيها جد مرتفعة، وهو ما يؤكد كونية العنف في مثل هذه المباريات.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار» رصد لمحطات الموت في مباراة ليست ككل المباريات.
وفاة لاعب الوداد بلخوجة على رقعة الملعب يوم «الديربي»
لم يكن أحد من بين الثمانين ألف متفرج الذين تابعوا مباراة الوداد والرجاء البيضاويين من مدرجات مركب محمد الخامس، وملايين المتتبعين أمام التلفاز، يعتقد أن السقوط المفاجئ لمدافع الوداد البيضاوي على رقعة الملعب، بعد زوال يوم 29 شتنبر من سنة 2001، سيتحول إلى فاجعة حقيقية. ولم يكن أفراد الطاقم التقني للوداد والرجاء يظنون أن انهيار جسد بلخوجة سيأخذ وقتا كثيرا بل وسيتحول إلى مأساة، حتى أكبر المتشائمين لم يعتقد بأن تتحول المباراة الكلاسيكية بين الغريمين التقليديين إلى مواجهة بلا طعم ولا رائحة إلا رائحة الموت.
طلب سعيد الطاهري، وهو الحكم الدولي الذي قاد المباراة، من الدكتور عبد الرزاق هيفتي طبيب الوداد التدخل العاجل لإسعاف لاعب كان أشبه بشخص مصاب بالصرع. لاحظ اللاعبون أن زميلهم قد ابتلع لسانه وأن عينيه جاحظتان بشكل غريب، وهو ما استنفر أيضا الطاقم الطبي للرجاء البيضاوي وطبيبا مختصا كان يتابع المباراة من المنصة الشرفية، فتدخلوا دون انتظار إشارة من مندوب المباراة.
تبين لطبيب الوداد، بعد المعاينة الأولية، أن الحالة في غاية الخطورة، مما اضطره إلى الاستعانة بسيارة إسعاف من أجل نقل المصاب، الغارق في غيبوبته، إلى مصحة المغرب العربي التي لا تبعد عن الملعب إلا بمائتي متر.
وفور وصول اللاعب، الذي كان ممددا في صمت بقميص الوداد، إلى غرفة العمليات لفظ آخر أنفاسه، أمام ذهول الجميع. على الفور أعد الطاقم الطبي تقريرا يؤكد أن سبب الوفاة يرجع إلى سكتة قلبية، لكن روايات أخرى قالت إنه مات فوق عشب الملعب.
وفي اليوم الموالي، أحيلت جثة الراحل على الطبيب الشرعي بعين الشق، الذي أكد تقريره أن لا أثر للعنف على جسد اللاعب، وأن انتفاخا في القلب قد كان وراء الوفاة المفاجئة.
يقول أحد اللاعبين الوداديين، الذين عاشوا أطوار الحادث التراجيدي، أن الفريق قد أقام معسكرا مغلقا قبل المباراة بأحد الفنادق استعدادا لمواجهة الرجاء. وكان بعض اللاعبين يتحدثون عن فيتامين «كريزو» الذي إذا زاد عن حده تحول إلى منشط لا تخفى مضاعفاته، فيما كشف المدرب رياض الذي عايش اللاعب بلخوجة في الفئات الصغرى للنادي القنيطري، عن معاناة سابقة للاعب ومن ضعف على مستوى القلب، وهو ما نفاه والد الفقيد.
لجأ الأب إلى القضاء من أجل استخلاص متأخرات مالية لابنه الراحل، تقرر أن تسدد الجامعة 15 ألف درهم لعائلة الراحل، وهو المبلغ الذي قدمه الأب المكلوم كأتعاب للمحامية التي تبنت القضية. ولم تقدم شركة التأمين المتعاقد معها أي تعويض لأسرة الفقيد، لأن الوفاة جاءت نتيجة سكتة قلبية حسب منطوق التقرير الطبي، وشركة التأمين لا تصنف السكتة القلبية ضمن إصابات الملاعب التي تستحق التعويض.
قال محمد بلخوجة والد لاعب الوداد الراحل يوسف بلخوجة، في تصريح لقناة «تيلي ماروك» إنه تلقى إشعارا بضرورة أداء ضريبة على الأرباح تخص «كريمة» نقل في ملكية ابنه الراحل، ورغم عدم توفر يوسف على مأذونية نقل اضطر الوالد لأداء الضريبة، ورفع شكاية في الموضوع للمصالح المختصة حيث طالب بالكشف عن «الكريمة» التي يؤدي ضريبتها دون أن يعثر عليها، ولازال ينتظر الرد.
حين قرأ جمهور «الديربي» الفاتحة على المعطي بوعبيد
شاءت الأقدار أن يسلم المعطي بوعبيد الروح لبارئها ليلة مباراة «الديربي» البيضاوي، المواجهة التي كان يتحاشى متابعتها ميدانيا ويحرص على سماع نتيجتها بعد أن يعلن الحكم عن نهايتها، في ليلة الفاتح من نونبر 1996 لفظ المعطي آخر أنفاسه، وفي اليوم الموالي كان الجميع على موعد مع «الديربي»، إذ توجه مئات مشيعي جثمانه من المقبرة إلى مركب محمد الخامس، حيث لأول في تاريخ «الديربي» اجتمع جمهور الفريقين وقرأ الجميع الفاتحة على روح الفقيد الذي شكره الحسن الثاني من بين جميع الوزراء على ما قدمه للوطن.
ظلت لبابة زوجة المعطي توصي ابنها سعد بعدم الشرب من نفس كأس الكرة الذي شرب منه والده، وتحذر من مغبة الانصهار كليا. حين مرض الرجل وتسلل الألم إلى جسده، غضب الملك الحسن الثاني من زوجة بوعبيد، لأنها أخفت المرض عن القصر، وقال لها «الرجل ملك للمغرب وليس ملكا لك وحدك». كان من ثمار هذه العلاقة الزوجية ابن وبنت، سعى جاهدا لتلبية طلباتهما بالرغم من زحمة التزاماته واختناق مواعيده، مما جعل الأم أقرب الناس إليهما، لكنه لم يكن يخلف الوعد معهما حين تظهر فسحة في أجندته، إذ يقضي معهما إجازة قصيرة بين البحر أو الغابة.
لم يكن المعطي بوعبيد يشاهد «الديربي» ميدانيا، بسبب ضغط الدم الذي تسببه مباراة عالية التوتر، حيث كان يفضل ركوب سيارته والسفر خارج المدينة إلى أن يطوي اللقاء الحارق صفحته، حينها يتصل بأحد المسيرين ليستقصي الأمر. لكن الرئيس الأسبق للرجاء كان حريصا على التطبيع الحذر مع الوداد.
يقول سعد بوعبيد نجل الراحل المعطي، إن والده غضب لتسريح اللاعب بيتشو، خاصة وأن مضاعفاته على الفريق تجاوزت حدود انتقال لاعب إلى فريق آخر، «قبل مواجهة الوداد البيضاوي في إطار أول «ديربي» يخوضه شكري ضد زملائه الرجاويين، قال لي والدي: «ما أخشاه هو أن يهزمنا بيتشو وليس الوداد»، حاول المدرب أن يقلل من حجم وجود بيتشو في تشكيلة الخصم لكنه ظل مصرا على الخطر القادم من هذا اللاعب، الذي كان رجل «الديربي»، فغضب غضبا شديدا وظل يوجه اللوم لمن ساهم في تسريح لاعب مؤثر.
في عهد المعطي بوعبيد، أصدر الرجل بصفته وزيرا للعدل قرارين غاية في الأهمية، الأول حين أبلغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية بمنع تنقلات أفراد الجيش بالزي العسكري إلى الملاعب لتشجيع فريق الجيش الملكي، وقال في الرسالة إن إجبار العساكر على تشجيع فريق للكرة بأوامر عسكرية غير مقبول، ونبه إلى خطورة الأمر على اعتبار أن التواجد المكثف للكتائب العسكرية في مدرجات الملاعب من شأنه أن يسبب في أعمال شغب.
جاء القرار الوزاري، على خلفية أحداث شغب أعقبت مباراة جمعت الرجاء البيضاوي بالجيش الملكي على أرضية ملعب مركب الأمير مولاي عبد الله، حيث طرد حكم المباراة اللاعب عبد الرحيم الحمراوي، وقرر الفريق البيضاوي الانسحاب من المواجهة، وساد توتر كبير في العلاقة بين الفريقين، قبل أن يتدخل الرئيس عبد القادر الرتناني ويعقد اجتماعا مع المعطي بوعبيد لسل شعرة الخلاف من العجين، ويتقرر إنهاء التواجد العسكري في المدرجات.
المعطاوي.. ضحية غارة «الديربي»
بعد أسبوع من الإقامة الجبرية في غرفة العناية المركزة بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء توفي الشاب يوسف المعطاوي، البالغ من العمر 17 سنة، بعد معاناة مع إصابة بالغة في الرأس، نتيجة تلقيه حجرا طائشا، من مجهولين، خلال مرور الحافلة رقم 2 من نقطة توتر في شارع الحزام الكبير، على مستوى المقاطعة 47، ساعة بعد انتهاء مباراة «الديربي»، التي جمعت الوداد والرجاء، البيضاويين، قبل ثمان سنوات.
وقال والد الراحل حينها إن الفقيد قد أصيب في الدماغ بحجر طائش من مناصرين، لاذوا بالفرار، إثر مرور الحافلة في شارع الحزام الكبير، حين كان، هو وأحد أصدقائه عائدين إلى مقر سكانهم، وتحديدا في حي سيدي مومن القديم، مما تطلب نقلَ المصاب إلى مستشفى محمد الخامس في الحي المحمدي، ومنه إلى مستشفى ابن رشد، حيث أجرى عملية جراحية في الجمجمة، وتحول إلى نزيل في غرفة الإنعاش، دون أن تتحسن وضعيته الصحية، إذ ظل أفراد أسرته يزورونه أملا في خروجه من غيبوبة ترجع إلى ما بعد «الديربي» بساعة واحدة.
وحسب مصدر طبي في مستشفى ابن رشد، فإن الضحية تعرض لرضوض قوية ناتجة عن ضربة بحجر، حطم زجاج نافذة الحافلة ودمر جزءا من الجمجمة، مع مضاعفات هذه الإصابة على الجهاز العصبي، مما حال دون خروج الفتى من وضعيته الحرجة. وقال المصدر ذاته إن الشغب صار ينافس حوادث السير في حصد الأرواح.
وقد خلفت وفاة الفتى الرجاوي يوسف المعطاوي حالة استياء في صفوف أفراد عائلته، خاصة أن والده مجرد بائع متجول ووالدته تعاني من ضغط دموي رهيب، بينما عاش رفاقه حالة من الحزن على شاب ظل عاشقا للرجاء، معروفا في أوساط زملائه في الحي أو في الثانوية -الإعدادية ابن الهيثم بروحه المرِحة.
ومن المفارقات الغريبة أن يعيش رفيقه حمزة بوطيب، البالغ من العمر 15 سنة، والذي تقاسم معه غارة الحجارة وهما على متن حافلة النقل الحضري، وضعا لا يقل مأساوية، إذ أن إصابته بحجر على مستوى الجمجمة قد حولته إلى كائنٍ أصم يعيش مأساته ومأساة زميله في صمت قاتل. ورغم وفاة واحد من أوفياء فصائل «المكانة»، فإن الرجاء البيضاوي لم يكلف نفسه حتى عناء الوقوف دقيقة صمت لقراءة الفاتحة على روحه.
ولم تنفع نداءات أسرة الراحل للمكتب المسير للرجاء ولجمعيات المحبين و«الإلتراس» وكل الفعاليات الرجاوية من أجل مساعدتها في محنتها، خاصة في ظل الوضع الاجتماعي المتردي لأسرة ظلت تقتطع ثمن تذكرة مباريات الرجاء من معيشها اليومي، أما زميله فيعيش بعاهة مستديمة ويكلـف أسرته تبعات مصاريف الدواء الباهظة.
مشجع ودادي يؤدي ثمن شهامته
لقي مشجع ودادي حتفه غرقا في بالوعة للمياه الآسنة قرب بوابة مركب محمد الخامس في الدار البيضاء، قبل انطلاقة المباراة التي جمعت سنة 2014 الوداد والرجاء. وترجع أسباب الوفاة الغريبة إلى سقوط مفاتيح سيارة مسؤول أمني في بالوعة غير بعيد عن بوابة المركب الرياضي. وأمام ذهول الحاضرين، حاول الشاب الودادي، البالغ من العمر حوالي 22 سنة، النزول إلى عمق بالوعة صرف المياه اعتقادا منه أن الطبقة الظاهرة صلبة، وما أن وطئت قدماه العمق الآسن حتى ابتلعته قناة صرف المياه وظل رأسه فقط خارج الغطاء.. قبل أن يلفظ أنفاسه من شدة الاختناق، في الوقت الذي أصيب الحاضرون بحالة ذهول، وكأنهم يتابعون مشهدا من فيلم تراجيدي.
فوجئ أصدقاء الضحية سفيان العمراني بالواقعة وباءت محاولاتهم لإنقاذه بالفشل، بينما طرق والد الفقيد أبواب الوداد، فوعده المسؤولون بعمل قار، قبل أن يكتشف أن كل نصيبه لا يتعدى دقيقة صمت في مباراة لكرة القدم وصورة حملها اللاعبون وهم يقرؤون الفاتحة على الراحل.
وقال والد سفيان إن ابنه، الذي كان يقطن في حي كوبا في المدينة القديمة، عاشق للوداد، وإنه مات وهو يرتدي ألوان النادي: «لا يخلف سفيان مواعيد الوداد، في المباريات الخارجية يرافق الفريق في رحلاته، وفي المباريات المحلية يستيقظ باكرا ويتوجه إلى الملعب، يفرح لانتصارات الوداد ويحزن لأحزانها.. لقد عاش ابني حياة قاسية، كان يبحث لنفسه عن قطعة خبز، كان همّه هو السفر إلى الخارج، وقد تمكن من «لحريك» إلى فرنسا وإسبانيا عن طريق باخرة تجارية كانت ترسو في ميناء الدار البيضاء، وكان منذ أن غادر المدرسة وهو يسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، دون أن يُفرط في عشق الوداد.
وقال أصدقاء الراحل إن «سفيان كان من خيرة السباحين، يقطع مسافة طويلة من شاطئ البحر إلى البواخر الراسية في الميناء، كان سباحا ماهرا وعاشقا للوداد، حيث رافق الفريق في رحلاته إلى العديد من المدن المغربية.
مسدس في يوم مباراة الرجاء والوداد
في «ديربي» جمع الرجاء بالوداد سنة 1998، سيقتحم رئيس الوداد أبو بكر اجضاهيم، وهو يحمل رتبة مراقب أمن، الملعب ليس لإشهار مسدسه في وجه حكم، بل لمنع لاعبي فريقه من مغادرة الملعب احتجاجا على الحكم. كان يعلم علم اليقين أن الانسحاب ستكون له عواقب وخيمة على المدينة وبحسه الأمني آمن بأن مغادرة لاعبي الوداد لأرضية الميدان سيمنح للمشاغبين مبررا لممارسة الشغب.
أقسم الرجل بأنه حاول النزول إلى الملعب لمنع الوداد من الانسحاب، فتم تأويل هذا الموقف وقالوا إن اجضاهيم كان يحمل مسدسا يريد أن يصوبه نحو رأس الحكم، خاصة وأن له سوابق في إشهار سلاحه الوظيفي في مباريات الكرة كما حصل في مباراة جمعت الوداد بحسنية أكادير.
كلما نزل أبو بكر إلى الملعب بحثوا عن مسدسه، تراجعوا إلى الوراء خوفا من تدخل مسلح، لذا أصدرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في عهد الجنيرال حسني بن سليمان قرارا بتوقيف اجضاهيم لمدة سنة، لكن عفوا سيصدر يقضي بإعادته إلى الملاعب وإعلان المنصة الرسمية منطقة منزوعة السلاح.
يقول اجضاهيم في حوار سابق لـ «الأخبار»: هذه المباراة التي يتحدث عنها الجميع جرت في الموسم الرياضي 1997/1998، كنت حينها متقاعدا من سلك الأمن، بالله عليك هل يوجد رجل أمن تقاعد ولازال يحتفظ بمسدسه؟، لو افترضنا أنني اقتحمت الملعب هل بالضرورة من أجل تهديد حكم المباراة عبد الرحيم العرجون، علما أن الواقعة حصلت في ما بين الشوطين».
في نهاية الجولة الأولى كان الوداد منهزما أمام الرجاء البيضاوي بهدفين مقابل هدف واحد، مباشرة بعد انتهاء الشوط الأول عقد مسيرو الوداد اجتماعا في صالون بالمقصورة الشرفية للملعب، أغلب المسيرين اقترحوا انسحاب الوداد من الملعب ردا على ظلم الحكم، «أنا الوحيد الذي رفضت هذا الطرح لأنه بحسي الأمني ربطت الانسحاب بالشغب، لو توقفت المباراة كانت النهاية ستكون كارثة، نزلت على الفور إلى مستودع الملابس برفقة مفيد رئيس أمن إقليمي، وطلبت من اللاعبين استئناف الجولة الثانية وقلت لهم الوداد يلعب دوما ضد خصمين الفريق المنافس والحكام، نفخت فيهم روح الانتصار وحققوا التعادل وفي يوم الأربعاء فزنا على الرجاء».
لقد أصدرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قرارا بتوقيف اجضاهيم عن ممارسة التسيير داخل الوداد وفي أجهزة كرة القدم عامة، لكنها راجعت القرار وحولته إلى براءة.
+++++
مؤطر
محمد بوزفور (خبير أمني)
«ديربي» البيضاء.. تفاصيل صغيرة من الحجم الكبير
كثيرون في مباراة الرجاء الرياضي والوداد الرياضي يتوجهون مرات ومرات إلى المركب الرياضي محمد الخامس ويخرجون منه، وقد لا ينتبهون لطبيعة الترتيبات الأمنية، وقد يطالعون بعض الكتابات في الموضوع بمجلات الشرطة داخل المغرب أو خارجه. الأكيد أنه ليس مطلوبا أن يكون لدى الجميع إلمام مجهري بالمسائل المرتبطة بالأمن الرياضي.. ماذا تتوقع مصالح الأمن كأفعال مخلة بالأمن العام ومن ردود فعل عنيفة قد تصدر من بعض المشجعين يوم «الديربي» البيضاوي؟
هنا تدخل على الخط عملية تقييم المخاطر المحيطة بالمباراة الساخنة، وهناك أسئلة مرجعية يجب أن تطرح، من أبرزها: هل توجد هناك خلفيات تصادم بالشارع العام في فترة سابقة عن زمن «الديربي» بين الجمهورين؟
ما هو حجم تمظهراتها على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، من قبيل الملاسنات و»الكلاشات» أو الترويج لخطابات محملة بالوعيد والتهديد؟
ما هو موقع «الديربي» من الرهان الرياضي والتنافس على اللقب بين الخصمين؟ هل فوز أحد الفريقين سيكون حاسما في تحديد هوية بطل الدوري؟ أم سيساهم في إضعاف حظوظ هذا الطرف أو ذاك للحسم في مرحلة ما في صيرورة السباق نحو الظفر بدرع البطولة؟
الى أي حد تدفع الإخفاقات أو النجاحات السابقة على «الديربي»، التي قد يحصدها المتنافسان، في اتجاه شحن نفسية المشجعين معا وخلق التوتر أو التوتير؟
ما هي حصة بعض منابر ومواقع الإعلام في تجييش الجمهور ورفع درجة الاحتقان والتشنج قبل «الديربي»؟
وإذا كان للمعلومة الاستعلاماتية وزن كبير في الرصد الأمني لمخاطر «الديربي»، فإن المجهود الأمني الذي يبذل من أجل مواجهة الحالات الخارجة عن القانون الجنائي والرياضي (منظومة «فيفا» للسلامة والأمن ومدونة الانضباط للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم)، من قبيل الإعداد لميساجات ذات مضامين عدوانية أو عنصرية أو سياسية واجتماعية من طرف بعض الفصائل بغية رفعها يوم المقابلة، لابد أن يستند على العمل الاستباقي المبني على معطيات تستقى غالبا من الوسط الكروي نفسه، الأمر الذي يشكل قيمة مضافة في عمليات إجهاض بعض المحاولات المخلة بالقانون، وهي حالات تعيشها المصالح الأمنية، وكنت في مجموعة من الحالات قريبا منها على امتداد سنوات بصفتي آنذاك رئيسا لقسم الأمن الرياضي بمديرية الأمن العمومي التابع للمديرية العامة للأمن الوطني.
ماذا بعد المعلومة؟
لا شك أن ترتيبات حفظ النظام ترتكز أيضا على المعطيات المتحصلة على صعيد التقييم الأمني، بالمعنى الذي يقصد منه أن عمل قسم الأمن الرياضي ذي المنحى التحليلي لـ»الديربي» يتقاطع ويتكامل مع المهام التي تنهض بها مصالح الاستعلامات العامة مركزيا وترابيا كبنية ذات تخصص مهني شامل. هذه المؤشرات تساعد في تحديد مكامن الخطورة داخل مباريات «الديربي» البيضاوي تحديدا.
ماهي إذن باختصار أهم ترتيبات حفظ النظام؟
الأكيد أن الملعب ليس وحده مربط الفرس في إجراءات التأمين، باعتبار أن مدينة الدار البيضاء ومختلف أحيائها وشوارعها ومحطات القطار والحافلات والقنصليات والمتاجر والأماكن العمومية وجملة من النقط الحساسة تتموقع كلها في قلب الاحترازات وخطط التأمين قبل وأثناء وبعد «الديربي».
كما يشكل المحيط المتاخم للمركب الرياضي محمد الخامس والأزقة المتفرعة عنه واحدا من الانشغالات التي تؤخذ بعين الاعتبار داخل منظومة التأمين، ذلك أن تقاطع الطرق والشوارع المحيطة بالمركب الرياضي يفرض التوفر على أعداد كبيرة من السدود والحواجز الحديدية المتحركة التي تشرف عليها أطقم الأمن تقوم بدور الفرز للجماهير والتفتيش والمراقبة منذ الساعات الأولى لـ»الديربي». لكن إشكالية الأحداث القاصرين غير المرافقين بذويهم، تمثل عبئا حقيقيا من الناحية الأمنية، بالنطر إلى أن إبعادهم على مستوى السدود أو تسليمهم لأولياء أمورهم لا يأتي بالنتائج المرجوة.
ما السر في إجهاض الاعتداء المذكور؟
ومن الهواجس التي يوليها الساهرون على الترتيبات النظامية العناية القصوى هي إمكانية اكتساح رقعة الملعب بشكل فردي أو جماعي من الجمهور، الشيء الذي يجعل الأحزمة الأمنية المتموقعة أمام المدرجات تواجه باستمرار تحديات على مستوى التعاطي المباشر مع المشجعين، كما أن استعمال الشهب النارية داخل «الديربي» أضحى ظاهرة دخانية بامتياز والتي تشهد تصاعدا مقلقا وبمعدلات قياسية خصوصا داخل أجواء «الديربي».
الواضح أن علاقة الأمن بالجمهور تتبنى الكلمة القفل المستعملة من قبل الأمنيين الساهرين على تدبير «الديربي»، ألا وهي ضبط النفس والنأي عن الاستفزاز والاحتكاك غير المبرر بالجمهور، باعتبار أن الشرطي لا يواجه فردا بل يواجه حشودا وللحشود في الملاعب طباع وخصائص، حيث غالبا ما يتحول الشخص الواحد إلى أسد هصور، لأنه يستمد قوته من المجموعة، وهو ما أكد عليه عالم الاجتماع «كوستاف لو بون « في كتابه «نفسية الحشود».
إنها تفاصيل صغيرة ذات حجم كبير.