يتزامن الدخول السياسي والاجتماعي لهذه السنة مع استمرار التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الأزمة الصحية وقلة التساقطات المطرية والصراعات الدولية، والتي تسببت في ارتفاع أسعار المواد الطاقية والطلب على المواد الأولية. وفي ظل هذا الوضع، شرعت مختلف القطاعات الوزارية في إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024. وفي أول اجتماع لمجلس الحكومة، بعد العطلة الصيفية، أعلن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مواصلة تنزيل العديد من الأوراش المهمة، تفعيلا للتوجيهات الملكية. وتتجلى هذه الأوراش الكبرى في تعزيز السيادة المائية والغذائية وجذب الاستثمارات لخلق فرص التشغيل وتفعيل «عرض المغرب» في مجال الهيدروجين الأخضر، وتبني مقاربة جديدة من أجل الدعم المباشر لفائدة الأسر الراغبة في اقتناء مسكنها الرئيسي ومواصلة تنزيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية. وبالإضافة إلى هذه الأوراش، أصبح الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028.
تواجه الحكومة تحدي تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب، حيث دعا الملك محمد السادس، إلى أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية.
وأكد الملك، في خطاب خلال ترؤسه لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أن «الحالة الراهنة للموارد المائية، تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها».
وبعدما أشار إلى أن مشكلة الجفاف وندرة المياه لا تقتصر على المغرب فقط، أبرز الملك أن المغرب أصبح يعيش في وضعية «إجهاد مائي هيكلي»، وأنه لا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة، وشدد الملك على أنه ينبغي ألا يكون مشكل الماء موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية، معتبرا أنه «كلنا كمغاربة، مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء».
وفي هذا الصدد، حث الملك على «إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء»، مشيرا إلى أنه على الإدارات والمصالح العمومية، أن تكون قدوة في هذا المجال.
وقال «يجب العمل على التدبير الأمثل للطلب، بالتوازي مع ما يتم إنجازه في مجال تعبئة الموارد المائية»، مضيفا أنه «على المدى المتوسط، يجب تعزيز سياستنا الإرادية في مجال الماء، وتدارك التأخر الذي يعرفه هذا القطاع».
وشدد الملك على أن «واجب المسؤولية يتطلب اليوم اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة، والتحلي بروح التضامن والفعالية، في إطار المخطط الوطني الجديد للماء، الذي ندعو إلى التعجيل بتفعيله».
وفي هذا الإطار، ركز الملك على أربعة توجهات رئيسية، تتمثل أساسا، في ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، و استثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وإعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني و الآبار العشوائية.
ويتعلق التوجه الملكي الثالث بالتأكيد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات. أما التوجه الرابع فيقتضي ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية، بكل جوانب هذه التكلفة.
وذكر الملك، في خطابه، بأن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود، مما دفع، منذ شهر فبراير الماضي، إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية.
وفي سياق متصل، أشار الملك إلى أنه تم عقد عدة جلسات عمل بشأن هذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020 – 2027، مذكرا بأنه تم العمل على مـواصلة بناء السدود، وتسريع إنجاز المشاريع، التي يتضمنها هذا البرنامج في كل جهات ومناطق المملكة.
وترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027.
وأفاد بلاغ للديوان الملكي، أن هذا الاجتماع يندرج في إطار العناية والرعاية التي يوليهما الملك محمد السادس، لقضية الماء ذات الطابع الاستراتيجي، والتي كانت، على الخصوص، موضوع التوجيهات الملكية الهامة التي تضمنها خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي وثلاث جلسات عمل ترأسها الملك. وخلال هذه الجلسة، قدم وزير التجهيز والماء نزار بركة عرضا بين يدي الملك حول الوضعية المائية وتقدم تنفيذ مختلف مكونات هذا البرنامج، وهكذا، يضيف البلاغ، وتماشيا مع التعليمات الملكية الرامية إلى تسريع وتيرة هذا البرنامج وتحيين محتوياته، تم تخصيص اعتمادات إضافية هامة بما يمكن من رفع ميزانيته الإجمالية إلى 143 مليار درهم.
وتمت الإشارة في هذا الإطار إلى تسريع مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، حيث يتم حاليا إنجاز الشطر الاستعجالي لهذا الربط على طول 67 كلم، و برمجة سدود جديدة، وتحيين تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستمكن من الرفع من قدرة التخزين ب 6.6 مليار متر مكعب من المياه العذبة، وتسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر، والرفع من حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، بالإضافة إلى تعزيز التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي، من خلال توسيع التغطية لتشمل المزيد من الدواوير وتعزيز الموارد اللوجستية والبشرية المعبأة.
ومن جهة أخرى، وبالنظر إلى الوضع المناخي والمائي الذي أثر هذه السنة، مرة أخرى بشكل سلبي، على سير الموسم الفلاحي وتوفر المراعي، أعطى الملك محمد السادس، تعليماته للحكومة لتفعيل، وعلى غرار السنة السابقة، الإجراءات الاستعجالية لبرنامج مكافحة آثار الجفاف، ووفي الختام، حث الملك القطاعات والهيئات المعنية، إلى مضاعفة اليقظة في هذا المجال الحيوي، والتحلي بالفعالية في تنفيذ المشاريع المبرمجة وفقا للجدول الزمني المحدد.
وقال وزير التجهيز والماء، نزار بركة، إن التوجيهات الملكية التي جاءت في جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس، تهدف إلى ضمان الأمن المائي والغذائي، وكذا ضمان تزويد المواطنين والمواطنات في الحواضر وفي المناطق القروية بالمملكة بالماء الصالح للشرب.
وأبرز بركة، في تصريح للصحافة على هامش جلسة العمل هاته، التي خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، أن الملك ركز في هذا الاجتماع على ضرورة عمل الحكومة على «أولا تسريع وتيرة إنجاز السدود الكبرى والصغرى والمتوسطة، وثانيا العمل على تسريع وتيرة محطات تحلية مياه البحر»، وأضاف وزير التجهيز والماء أن هذه المبادرات ستضطلع بدور أساسي في ضمان تزويد المواطنين والمواطنات بالماء الصالح للشرب، وكذلك في ضمان التوفر على الماء المخصص للفلاحة.
وأشار إلى أن الملك أكد، أيضا، على ضرورة العمل على تسريع الربط بين السدود، لاسيما بين الحوض المائي لسبو وحوض أبي رقراق وحوض أم الربيع، لافتا إلى أن «الأشغال انطلقت ما بين حوض سبو وحوض أبي رقراق وستستمر إلى حوض أم الربيع لتصل إلى سد المسيرة»، وأوضح أن «الغاية من ذلك هي الحؤول دون ضياع 500 إلى 800 مليون متر مكعب من المياه التي تصب في البحر دون الاستفادة منها»، والعمل على استثمارها في المناطق الأكثر حاجة إلى الماء الصالح للشرب في العالم القروي، وكذا في المناطق السقوية بالنسبة للفلاحة.
كما تم خلال هذا الاجتماع، يضيف الوزير، التركيز على الرفع من معالجة المياه العادمة من 30 مليون متر مكعب إلى 100 مليون متر مكعب، موضحا أن هذه الإجراءات ستساهم بالإضافة إلى الاقتصاد في استعمال الماء، على «العمل على المحافطة على الفرشة المائية».
وبحسب بركة، تم التركيز، أيضا، على النجاعة المائية وسبل تقليص الخسائر على مستوى قنوات المياه في ما يخص الري بالماء الصالح للشرب، وكذا تسريع برنامج السقي بالتنقيط لبلوغ 1 مليون هكتار في أفق 2030.
أكد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أن الحكومة ستواصل العمل خلال سنة 2024، على توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، وتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، مع تعزيز استدامة توازنات المالية العمومية.
وفي هذا الصدد، جدد رئيس الحكومة دعوته إلى الوزراء، لإعطاء الأولوية لبرمجة المشاريع موضوع التعليمات الملكية السامية، أو التي تندرج في إطار اتفاقيات موقعة أمام الملك محمد السادس.
وارتباطا بتنزيل الاصلاحات الكبرى، أكد رئيس الحكومة، عزم الحكومة على مواصلة تفعيل سياسات عمومية طموحة على مستوى القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية، في مقدمتها التعليم والصحة والتشغيل، وذلك تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.
وأكد رئيس الحكومة أن أوراشا كبرى تنتظر الحكومة في الدخول السياسي الحالي، منها على سبيل الذكر تعزيز السيادة المائية والغذائية وجذب الاستثمارات لخلق فرص التشغيل وتفعيل “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر وتبني مقاربة جديدة من أجل الدعم المباشر لفائدة الأسر الراغبة في اقتناء مسكنها الرئيسي ومواصلة تنزيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية.
وبخصوص هذا الورش، والتزاما بالأجندة الملكية، ستعمل الحكومة على إطلاق برنامج التعويضات الاجتماعية قبل متم هذه السنة، اعتمادا على السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأنجع لاستهداف الأسر الفقيرة والمعوزة، وحث رئيس الحكومة مختلف القطاعات الوزارية على مضاعفة جهودها المبذولة من أجل تفعيل مختلف السياسات العمومية التي التزمت بها الحكومة، مثمنا الانخراط التام للوزراء، من أجل تفعيل مختلف التوجيهات الملكية وتنزيل البرنامج الحكومي خلال السنتين الماضيتين والتي بدأت تظهر أولى ثمارها على أرض الواقع. كما دعا إلى الرفع من وتيرة العمل، والتحلي بالفعالية في تنفيذ مختلف المشاريع المبرمجة خلال السنوات القادمة.
وتميزت هذه السنة بتسريع وتيرة تعميم التغطية الصحية الإجبارية التي تعتبر من بين الركائز المهمة لورش تعميم الحماية الاجتماعية والتي مكنت 22 مليون مستفيد إضافي من الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض عند متم سنة 2022، والذي سيغطي تكاليف العلاج واقتناء الأدوية والاستشفاء.
كما تم العمل على بلورة تصور للإجراءات التي سيتم اعتمادها من أجل تعميم التعويضات العائلية، والمرتقب تنزيلها خلال سنتي 2023 و2024، حيث سيستفيد منها حوالي 7 ملايين طفل في سن التمدرس و3 ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس، أما بالنسبة للمحاور المتعلقة بتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل فسيتم تفعيلها خلال سنة 2025.
وبخصوص الإجراءات العملية لتنزيل هذا الورش، فقد تمت المصادقة على 22 مرسوما تطبيقيا للقانون رقم 98.15 اﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ اﻹﺟﺒﺎري اﻷﺳﺎﺳﻲ عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، وللقانون رقم 99.15 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا.
ومكنت هذه المراسيم من فتح باب تعميم اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ اﻹﺟﺒﺎري اﻷﺳﺎﺳﻲ عن المرض لفائدة ما يناهز 3,6 مليون مستفيد من بينهم 2,22 مليون مؤمن، وفي هذا الصدد، قامت الحكومة بوضع مخطط تواصلي من أجل تشجيع انخراط الفئات المعنية، بالإضافة إلى اتخاد مجموعة من التدابير من أجل تسريع تحصيل الاشتراكات وتحسين معدلات التحصيل؛
وتم تشكيل لجنة عمل لضبط المعطيات المتضمنة في قاعدة بيانات المستفيدين من نظام المساعدة الطبية وتحديد إجراءات تحويلهم إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من أجل إطلاق تعميم التغطية الصحية الإجبارية لفائدة الفئات الفقيرة والمعوزة، كما تم إعداد مجموعة من مشاريع القوانين تتعلق بإحداث المجموعات الصحية الترابية والهيئة العليا للصحة والنظام الأساسي الخاص بمهنيي الصحة علاوة على إحداث الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية والوكالة المغربية للدم ومشتقاته وكذا تأهيل البنيات التحتية الصحية وإحداث النظام المعلوماتي الاستشفائي.
وتبلغ الكلفة السنوية لهذا الإصلاح 51 مليار درهم ابتداء من سنة 2025، تتوزع بين تعميم التأمين الإجباري عن المرض (14 مليار درهم) وتعميم التعويضات العائلية (19 مليار درهم) وتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد (17 مليار درهم) وتعميم الولوج للتعويض عن فقدان الشغل (1 مليار درهم).
وسيتم تمويل نصف هذا المبلغ عبر الاشتراكات، خاصة اشتراكات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، وكذا المساهمة المهنية الموحدة التي تم إدراجها في إطار قانون المالية لسنة 2021. بينما سيتم تمويل النصف الآخر من خلال ميزانية الدولة في إطار التغطية التضامنية الرامية إلى ضمان التغطية الاجتماعية للأشخاص الذين لا تتوفر لديهم القدرة على المساهمة.
وفي هذا الصدد، حرصت الحكومة على توفير الموارد الضرورية لضمان التنزيل السليم لهذا الورش، حيث تمت تعبئة 10 ملايير درهم في إطار صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، بهدف تمويل مختلف البرامج الاجتماعية الحالية وكذا مكونات تعميم الحماية الاجتماعية، بما في ذلك تعميم التأمين الإجباري عن المرض.
كشف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن أولويات الحكومة التي يجب أن يترجمها مشروع قانون المالية لسنة 2024، والمتمثلة في توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية ومواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية وتعزيز استدامة المالية العمومية، مسجلا أن وضع هذه الأولويات يأتي تجسيدا لمرتكزات البرنامج الحكومي، وتفعيلا للتوجيهات الملكية، خاصة المتضمنة في خطاب العرش الأخير، وهو الخطاب الذي دعا فيه الملك محمد السادس، مؤسسات الدولة، إلى التحلي بـ”الجدية” لمواجهة التحديات التي تواجه المملكة.
وحسب مذكرة رئيس الحكومة، فإن مشروع قانون المالية يرتكز على أربع أولويات تعكس أسس البرنامج الحكومي الذي يستهدف توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، ومواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية إلى جانب تعزيز استدامة المالية العمومية، حيث أوضحت المذكرة أن إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024 يأتي في سياق دولي متأزم وتوترات جيوسياسية ألقت بتداعياتها على النمو الاقتصادي وعلى القدرة الشرائية في مختلف أنحاء العالم، نتيجة ارتفاع الضغوط التضخمية التي تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ورغم ذلك نجح المغرب في تدبير هذه الأزمات مع الحد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، عبر سياسة استباقية لمواجهة الإكراهات الظرفية وتقليص آثارها المباشرة على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للمواطنين، إلى جانب المضي قدما في تنزيل الإصلاحات الضرورية لتحسين ظروف عيش المواطنين وتحقيق معدل نمو أكبر لخلق المزيد من فرص الشغل، مع استعادة الهوامش المالية الكفيلة بتوفير التمويل الضروري لهذه الإصلاحات.
وأضافت المذكرة أن الحكومة اتخذت مجموعة من القرارات الاستباقية تنفيذا للتوجيهات الملكية، ما مكن من الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ودعم القطاعات المتضررة جراء توالي الأزمات، ما كلف ميزانية الدولة نفقات إضافية بلغت 40 مليار درهم برسم سنة 2022 وما يزيد عن 10 مليارات درهم خلال السنة الحالية، كما أن هذه الإجراءات مكنت من الحد من ارتفاع التضخم وحصره في معدل 6,6 في المائة عند نهاية سنة 2022، مضيفة أن التدابير التي تم اتخاذها بداية سنة 2023، سيما دعم المواد الأساسية، ودعم الأعلاف المخصصة للمواشي والدواجن، والمواد الأولية الفلاحية المستوردة، ساهمت في تراجع معدل التضخم من 10,1 في المائة خلال شهر فبراير إلى 5,5 في المائة نهاية شهر يونيو 2023، ومن المتوقع أن يتم حصر هذا المعدل في حدود 5,6 في المائة مع نهاية هذه السنة.
ويبقى مشكل ندرة المياه من التحديات الكبيرة التي يواجهها المغرب، ما دفع الحكومة إلى تسريع وتيرة تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، مع الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الماء بـ5 مليارات درهم برسم قانون المالية 2023، وفتح اعتمادات إضافية بـ1,5 مليار درهم خلال السنة نفسها. وأوردت المذكرة التوجيهية أنه «إذا كانت الحكومة تمكنت من تخصيص الاعتمادات الضرورية للحد من تبعات الظرفية الحالية، ولمواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية، فإنها حرصت في الوقت نفسه على تعبئة الموارد الضرورية لتمويل هذه الاعتمادات، وذلك بالموازاة مع عملها على تقليص عجز الميزانية حفاظا على استدامة المالية العمومية».
وعليه، فقد تم تقليص عجز الميزانية من 7,1 في المائة سنة 2020 إلى 5,9 في المائة سنة 2021، ثم إلى 5,1 في المائة سنة 2022. كما عرف النصف الأول من سنة 2023 مواصلة الدينامية الإيجابية للموارد، حيث ارتفعت الموارد الضريبية بـ4 في المائة أي بما يعادل 5,3 مليارات درهم.
وكشف رئيس الحكومة أنه تم تقليص عجز الميزانية من 7,1 بالمائة سنة 2020، إلى 5,9 بالمائة سنة 2021، ثم إلى 5,1 بالمائة سنة 2022. كما عرف النصف الأول من سنة 2023 مواصلة الدينامية الإيجابية للموارد، حيث ارتفعت الموارد الضريبية بـ4 بالمائة أي بما يعادل 5.3 ملايير درهم، مشيرا إلى أن الاقتصاد الوطني عرف الدينامية نفسها منذ بداية سنة 2023، حيث إنه، وبعد أن تم تسجيل معدل نمو بـ3.5 بالمائة خلال الفصل الأول من هذه السنة، تشير التقديرات الأولية إلى تحقيق معدل نمو بـ3.2 بالمائة خلال الفصل الثاني، و3.4 بالمائة خلال الفصل الثالث، مقابل 2 بالمائة و1.9 بالمائة المسجلين خلال هذين الفصلين على التوالي من سنة 2022.
وتأتي هذه المؤشرات الإيجابية، حسب رئيس الحكومة، نتيجة لاستعادة مجموعة من القطاعات الاقتصادية لنشاطها، حيث يقدر ارتفاع القيمة المضافة الفلاحية بـ6,3 بالمائة خلال الفصل الثاني من السنة الحالية، بعد انخفاض يقدر بـ13,5 بالمائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، كما يقدر نمو القيمة المضافة للقطاعات غير الفلاحية بـ3 بالمائة، مدفوعة بتحسن الطلب الخارجي، حيث ارتفع حجم الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 12,4 بالمائة، وذلك بفضل ارتفاع صادرات صناعة السيارات بـ34.3 بالمائة، وصادرات الصناعات الإلكترونية والكهربائية بـ33.3 بالمائة، وصادرات صناعات النسيج والصناعات الجلدية بـ13.6 بالمائة.
من جانب آخر، كشفت المذكرة التوجيهية لرئيس الحكومة المتعلقة بمشروع قانون المالية لسنة 2024، أن الحكومة تواصل مجهوداتها الرامية إلى تحسين ظروف عيش المغاربة، خاصة عبر محاربة مظاهر الإقصاء الاجتماعي والمجالي، وذلك في إطار الاهتمام المتواصل الذي توليه لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. وأبرزت المذكرة، الموجهة إلى المصالح الوزارية، أن الحكومة اعتمدت مقاربة جديدة تقوم على دعم طلب السكن، من خلال إحداث إعانات مالية مباشرة، لدعم السكن لفائدة الراغبين في اقتناء مساكن مخصصة للسكن الرئيسي.
وتروم الحكومة، كذلك، إيجاد حلول لمشاكل السكن غير اللائق، ومواصلة برنامج “مدن بدون صفيح”، فضلا عن المشاريع الهادفة إلى تأهيل المباني الآيلة للسقوط، وكذا تحسين الولوج إلى مرافق وتجهيزات القرب في إطار برامج سياسة المدينة. أما في الجانب المتعلق بالمحافظة على المباني التقليدية والتراث المعماري بصفة عامة، وإعادة تثمين المدن العتيقة بصفة خاصة، فسيكون بدوره محطة عناية الحكومة، لما لذلك من أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية، من شأنها تحفيز وتحسين تنافسية وجاذبية هذه المجالات. وفي السياق ذاته، ستواصل الحكومة تنزيل برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، الذي يحظى بعناية ملكية سامية، نظرا لإسهامه الفعال في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، سيما ما يتعلق بمؤشرات الولوجية وتمدرس الفتيات بالعالم القروي، وتنمية الأنشطة الاقتصادية غير الفلاحية، وفك العزلة عن المواقع السياحية وكذا تحسين ظروف التزود بالماء الشروب.
ثلاثة أسئلة لبنيونس المرزوقي *:
«الحكومة ملزمة بإعادة هيكلة نفسها قبل فتح ملفات أساسية وذات أولوية»
فعلا هناك ملفات متعددة أمام الحكومة، وعلى رأسها، ضرورة إعادة هيكلة نفسها، ذلك أنه من غير المعقول أن ينحصر العمل الحكومي في أربعة أو خمسة أشخاص (وزراء)، بينما لا نسمع أحيانا حتى القليل عن قطاعات حكومية ووزراء أو وزيرات من هذه الحكومة.
طبعا الأمر يتطلب إما إعادة هيكلة داخل هذه الأغلبية، أو تعديلا حكوميا مهما كان حجمه، من أجل إعطاء دينامية جديدة للحكومة، وإلى جانب ذلك تنتظر الحكومة ملفات حارقة، وعلى رأسها ضرورة ضبط التحكم في الأسعار والانتقال إلى معالجة سياسية شاملة تتابع الأسعار انطلاقا من مرحلة الانتاج ثم التوزيع و البيع بالجملة إلى غاية البيع بالتقسيط.
وبنفس الحدة، ينبغي معالجة ملف المحروقات، وضبطه بشكل دقيق لا يؤثر على القطاعات والمجالات الأخرى، ويبقى تسريع وتجويد ملف الحماية الاجتماعية حاضرا ضمن الأولويات، لأن ما تم إنجازه لحد الساعة مازال لم يعط النتائج المرجوة منه، مثلا ما هو حاصل في العلاقة بين السجل الوطني وبين الخدمات المنتظر توفرها للمستفيدين والمستفيدات، كما أن هذا التسريع وهذا التجويد ينبغي أن يواكبه عمل مواز بخصوص مختلف القطاعات الاجتماعية، وإذا كان قد تم إدخال إصلاحات مهمة على صعيد القطاع الطبي، فإن التعليم مازال يراوح مكانه، مما يتطلب الابتعاد مرة أخرى عن معالج ملف التعليم بطريقة تقنية، وطرحه بشكل أوسع عبر حوار وطني سياسي.
وأشير إلى مشاريع ميزانية السنوات القادمة ومدى القدرة على التحكم في التوازنات الكبرى والتقليدية المعروفة، وأيضا تلبية طموحات العديد من القطاعات التي تطالب بتحسينات مالية للمنتسبين إليها .
اعتقد أن كل الطرق سالكة لهذه الحكومة بالذات للعمل ، فهي تتوفر على أغلبية مريحة داخل المؤسسة التشريعية، كما أن المعارضة ليست في وضع يسمح لها الأن بعرقلة أو الوقوف في وجه أي مشروع حكومي، فهي ضعيفة كميا، ومنقسمة نوعيا، مما يجعل من السهل الاشتغال سواء على مستوى العمل الحكومي المحض أو على مستوى العمل الحكومي داخل مجلسي البرلمان، بل إنني أضيف أن هذه الحكومة لها إمكانيات أخرى للعمل، تسهل تحقيق منجزات على صعيد الجماعات الترابية وعلى صعيد الغرف المهنية، وبالتالي فاعتقد أن العراقيل الأساسية هي ما هو متعارف عليه بالنسبة لجميع الدول عبر العالم، من تأثيرات العوامل الخارجية على الاقتصاد الوطني، إذن ومن هذا المنطلق أشير إلى أنه وكما أمام الحكومة عدد من الملفات المهمة التي يجب الاشتغال عليها، فهي تملك من الوسائل مالم يتح للحكومات السابقة من أجل التسريع في إنجازها، علما أن الملفات التي تحمل الطابع الاجتماعي هي التي تحظى بالأولية لدى المواطن، في ظل موجة الارتفاع في الأسعار والتضخم التي يعرفها العالم، والمغرب ليس بمنأى عنها.
اعتقد أن السياسية التشريعية للحكومة، مازالت تتطلب المزيد من المجهودات، فإذا استثنينا مصادقة مجلس الحكومة على مشروع المسطرة المدنية، يمكن القول إن الحكومة مازالت متأخرة بخصوص النصوص الكبرى المرتقبة، وهي : القانون التنظيمي للإضراب، وقانون الدفع بعد دستورية القوانين، والمسطرة الجنائية، والقانون الجنائي، تم مدونة الأسرة، وبالتالي فلا يمكن الآن الحديث عن سياسية تشريعية حكومية ما لم تتم مراعات تمرير والمصادقة على هذه النصوص التشريعية الكبرى، وعلى ذلك فإنه ينبغي الإشارة إلى أن بعض هذه النصوص، سوف تتجاوز الولاية الحالية إذا لم تكن الجهات المشرفة على إعداد هذه النصوص قادرة على جمع الأغلبية والوصول إلى حلول وسطى مع المعارضة، وإلا سوف تخترق هذه النصوص، هذه الولاية وربما إعادة مناقشتها خلال الولاية أو الولايات القادمة، وهنا وجب التأكيد على أنه ووفق الشروط السياسية المتاحة اليوم للحكومة، فهي أمام فرصة لم تتوفر لدى الحكومات السابقة، مسندة إلى ما أشرنا إليه من كونها تتوفر على أغلبية مريحة زيادة على الظرفية المتمثلة في عودة الاستقرار الاقتصادي والتعافي من آثار جائحة كورونا.