اضطرت فرنسا أن تخفف مرغمة من حدة حملتها الإعلامية والسياسية والدبلوماسية، التي استهدفت استقرار الدولة المغربية في زمن الزلزال، بعدما انقلب سحر ماكرون عليه أمام مشاهد التضامن والصمود المغربيين، وهو ما جعل رئيس أقوى دولة في العالم جو بايدن يشيد بسرعة وفاعلية إدارة تداعيات هذه الكارثة الطبيعية الكبرى، وذلك تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس، ويعرب في الوقت نفسه عن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم المساعدة والدعم الضروريين للمغرب، بناء على احتياجات محددة من طرف السلطات المغربية.
بين الموقف الأمريكي العقلاني والواقعي والموقف الفرنسي المتهور والصبياني، من المساعدات الإنسانية، تقف حرب كبيرة خاضها المغرب من أجل ضمان سيادته في مواجهة أعتى كارثة طبيعية يواجهها منذ استقلاله، ففرنسا كانت تعتقد واهمة أن الزلزال أفقد الدولة سيادتها على قرارها، وأن الفرصة مواتية لماكرون للوصول إلى أهدافه في جعل المغرب تحت الوصاية، كما فعل مع انفجار لبنان، حيث خرج في شوارع بيروت يخاطب المواطنين مباشرة، لكن الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة الأقوى في العالم ظلت متفهمة للمواقف المغربية بشأن قبول المساعدات، وفق الحاجيات التي تحددها السلطات السيادية.
لقد أثبتت الأحداث التي رافقت مواجهة زلزال الحوز أن السيادة المغربية هي بالفعل خط أحمر، ولا يمكن مقايضتها بالمساعدات الأجنبية، وأن ملك وشعب ومؤسسات المغرب لا ولن يقبلوا الوصاية ولا الإملاءات، حتى وإن كانت متعلقة بالمساعدات الإنسانية، خاصة إذا اختار أصحابها سياسة الجبر والإذعان والتجييش والتهييج ضد ملك المغرب.
ولعل من أهم الرسائل الموجهة إلى قصر الإليزيه التي تضمنها تدبير الملك محمد السادس لهذه الفاجعة الوطنية، هي أن الدولة المستقلة والحرة يمكن أن تموت جوعا وتعاني الأمرين من أجل تجاوز المحن، لكن لن ترهن سيادتها بيد أحد، فما بالك بدولة لها كل المقومات البشرية واللوجيستيكية لمواجهة الأزمات، ما دام لها ربان حكيم وشعب وفيٌّ ومؤسسات عسكرية وأمنية تجعل من خدمة وطنها شغلها الشاغل.
لذلك فإن الوجه الآخر من حرب المساعدات التي اختلقتها فرنسا كان يعني حق المغرب في الدفاع عن سيادته، وفي أن يكون له قراره المستقل في تدبير أزماته مثله في ذلك مثل أي دولة محترمة وذات سيادة، فلا يوجد في العالم من يستطيع أن يفرض على المغرب سياسته وطريقة تدبيره لمشاكله والأزمات التي يواجهها أو التي سيواجهها، فالمغرب أثبت ويثبت يوميا أنه لن يتخلى عن سيادته مهما حدث ومهما طال الزمن.